تقارير وإضاءات

فتوى: علاج العقم “نظر مقاصدي وتحرير فقهي”

فتوى: علاج العقم “نظر مقاصدي وتحرير فقهي”

 

بقلم: فضل مراد (أمين سر لجنة الفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

من مقاصد الشريعة حفظ الأعراض ويأتي ستر العورة فرضا تكليفيا ضمن هذا المقصد دلت عليه النصوص الكثيرة

كقوله تعالى : {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)} [الأعراف: 26، 27]

فدلت أن نزع اللبس وكشف العورات من عمل الشيطان وفتنته ببني آدم

وكقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن)

والعورة أعظم من ذلك وأولى فالتكليف بسترها كالنهي عن الضرب المستفاد من تحريم التأفيف للوالدين

والنصوص من القرآن والسنن بالغة حد القطع

فحفظ العورات معلوم من الدين بالضرورة

وقاطع من قواطع الشريعة المعصومة فالنظر إلى العورات محرم قطعي إلا لضرورة المداواة والشهادة الضرورية

كشهادة النساء على البكارة

لأن العلاج في الجملة حافظ للنفس وعند الاضطرار إلى ما هو حافظ لكلي آخر فإنه يجوز الاقدام على جزئي محرم لخدمة ذلك المقصد وحفظه بشرط المحدودية حتى يجتمع عدم هدر الكلي الأول والحفاظ على كلي آخر

 مثل ستر العورات حافظ للعرض والعلاج حافظ للنفس

 والشرع رخص في جنس الاضطرار فقال

إلا ما اضطررتم إليه

فمن اضطر في مخمصة

فهذا الاستثناء ترخيص كلي للحفاظ على النفس فجاز به ارتكاب محرم جزئي وهو أكل الميتة

لأن المحرم الجزئي وهو أكل الميتة إنما حرم حفظا للبدن من الضرر

لكن لما كان الضرر في تركه أعظم

صار الحفاظ عليه مؤد إلى خلاف مقصوده الأصلي

فلو أمر العبد بالامتناع من أكل الميتة لأدى إلى تلف النفس التي من أجل تمام الحفظ لها من الضرر حرمت الميتة  

وإنما قلنا من تمام الحفظ لها لأن تحريم أكل الميتة متمم للحفظ

لأن أصل الحفظ للنفس موجود ولو مع أكل الميتة لكن الشريعة تقصد تمام الحفظ في تشريعاتها لحفظ المقاصد لا مطلق الحفظ بل الحفظ المطلق

وستر العورة إنما شرع فرضا مركزيا ضمن فرائض أخرى لحفظ مقصد العرض لأنه وسيلة لصيانته

ولكن لما كان العلاج خادما لمقصد آخر عظيم (هو حفظ النفس) خدمة على سبيل الحفظ الكلي من التلف أو الجزئي من الألم الحسي كألم البدن أو الألم المعنوي والنفسي كألم العقم والتشوه

جاز دفع هذا الضرر بارتكاب آخر وهو النظر إلى العورة

لأن النظر للعورة هنا كالمعدوم لأنه في حدود المعالجة لا يتجاوزها

وهذا والله أعلم مقصود في قوله تعالى في إباحة أكل الميتة (غير متجانف لإثم) (غير باغ ولا عاد)

فقد جعل الشرع أكل الميتة بهذا الحد المحدود كالمعدوم فرفع عنه الإثم (فلا إثم عليه (

وهذا المعنى المقاصدي يرجح مذهب من قال إنه لا يجوز أن يزاد على ما يسد الرمق لا الشبع فإنه خارج عن حد الضرورة

وإنما قلنا إن الألم مطلوب الدفع نفسيا وبدنيا لأنه ضرر والشريعة دافعة للضرر في أصولها وفروعها

والضرر النفسي أشد ألما وتأثيرا في الحياة من الحسي في كثير من الأحيان

ومن هنا جاز معالجة العقم

لما يسببه من ألم نفسي لحاجة فطرية ملحة في النفس البشرية

لهذا لم ينقطع طلبه حتى من الأنبياء حال الكبر وانقطاع الأسباب المادية

فقد بلغ من الكبر عتيا وكانت امرأته عاقرا .. فكان طلبه من الله طلبا على خلاف الأسباب المادية لأن الطبيعة والجبلة والعادة السببية أنه لا يحصل ولد في هذا السن

دل هذا على كبير الألم النفسي الذي يؤدي إليه العقم ودل على معالجة موانعه

فشرع طلب رفعه بالدعاء اقتداء بالأنبياء إبراهيم وزكريا

وشرع طلب رفعه بالدواء بقول النبي صلى الله عليه وسلم العام (تداووا)

لهذا نقول بجواز علاج العقم وأن العلاج فيه إن أدى إلى كشف بعض العورة بمحدودية لا تتجاوز رفع الضرر

أمر جائز

والضرورات تقدر بقدرها

والضرر يزال. والضرورات تبيح المحظورات

ولما كان كشف العورة كما قلنا محدودا كان كالمعدوم شرعا والمعدوم شرعا كالمعدوم حسا

فصار كشف العورة طبيا خادم لكلي آخر هو النفس بل والنسل

ولم يعد على أصله وهو حفظ العرض والنسل بالإبطال لأن كشف العورة قدر بقدره

فإن عاد على أصله الخادم له وهو حفظ العرض والنسل والنسب بالإبطال بطل

لذلك لا نجيز زراعة الأعضاء التناسيلة ولا الخصي ولا المبايض لأن الطب أثبت أنها مصانع منتجة لمن نقلت منه أصلا

فكان زرعها مجرد تشغيل لها لإنتاج منويات وبيضات شخص آخر هو من نقلت عنه

وهذا مؤدي إلى اختلاط الانساب والنسل وهو محرم

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى