علماء من عصرنا

سيرة مختصرة للعالم الأديب المربي الكبير الأستاذ الدكتور عبد الله بن الشيخ توفيق الشيرازي الصباغ المكنى بـ (أبو حزم)

سيرة مختصرة للعالم الأديب المربي الكبير الأستاذ الدكتور عبد الله بن الشيخ توفيق الشيرازي الصباغ المكنى بـ (أبو حزم)

 

كاتب الترجمة : د. عبد اللطيف الشيرازي الصباغ

 

  • ولد الأستاذ الدكتور عبد الله بن الشيخ توفيق الشيرازي الصباغ في مدينة حماة عام 1931م/ 1350هـ (والدته لطفية بنت الحاج عبدو علوش من مدينة حماة – تل الدباغة، وعمها هو الشيخ الجليل مصطفى علوش رحمه الله) في أسرة دينية علمية محافظة من أسر مدينة حماة، فوالده العلامة الشيخ توفيق،رحمه الله، كان آنذاك أحد علماء حماة المشهورين، وكان إماماً وخطيباً في جامع العليليات بحماة، ومديراً لمدرسة دار العلوم الشرعية (التي كان مقرها فوق أول سطح سوق الطويل من جهة الدباغة، فوق جامع الشيخ إبراهيم،أول السوق، وفوق حمام الحلق بالدباغة) ثم رئيس جمعية العلماء بحماة، وكان شيخ الشافعية في حماة ومرجع المذهب الشافعي فيها، وكان عمه الشيخ أحمد، رحمه الله، من العلماء الحفاظ المعروفين بالصلاح والتقوى!

*نشأ الدكتور عبد الله في كنف والده العالم الفقيه المستنير، والإداري الحازم القدير، وتأثر به كثيراً في علمه وتقواه وسمته ومنهجه، ودرس في المرحلة الابتدائية في مدرسة التطبيقات القديمة(شرقي الحاضر الصغير بحي المرابط)، التي كان مديرها في تلك الفترة(1937-1942)الأستاذ محمد سليمان البارد رحمه الله.

* ألحقه والده بعد حصوله على “السرتفيكا” شهادة الدراسة الابتدائية، بتفوق، سنة 1942م، بمدرسة دار العلوم الشرعية بحماة التي كان والده مديرها وأستاذاً فيها، ودرس فيها المرحلة الشرعية المتوسطة، وقد برزت فيها مواهبه العلمية والأدبية والخطابية، حتى أنه باشر الخطابة في جامع والده، جامع العليليات(الشيخ علوان)، في سن مبكرة(كان عمره ١٥ عاماً) عام 1946م.

*التحق في المرحلة الثانوية سنة 1946م بالكلية الشرعية بحلب ” المدرسة الخسروية الشرعية” الشهيرة، التي كان يدرس فيها كبار علماء حلب، وصقلت فيها مواهبه الشرعية والأدبية واللغوية والخطابية، وعرف ذلك شيوخه الكبار منه، وعلى رأسهم العلامة المؤرخ الشيخ محمد راغب الطباخ الذي كانت له به صلة خاصة، ثم انتقل إلى الكلية الشرعية بدمشق سنة 1949 وتخرج فيها على أيدي علماء دمشق المشهورين آنذاك سنة 1950م.

*سافر سنة 1951م إلى القاهرة لإكمال تحصيله الجامعي العلمي في الأزهر الشريف، والتحق فيه بكلية أصول الدين، وتخرج فيها سنة 1955م، وانتسب أثناء ذلك أيضاً إلى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، و درس وتخرج فيها سنة 1956م،مما أتاح له تكويناً علمياً عميقاً ومتكاملاً في علوم العقيدة والشريعة والقرآن والحديث واللغة والأدب والفلسفة، والحق أنه كان منذ نشأته الأولى، ذا ثقافة علمية ولغوية وأدبية واسعة وراقية!

* عاد إلى مدينته حماة في صيف عام 1956م، وعين مدرساً للتربية الإسلامية في ثانوياتها، حيث مارس التعليم الرسمي في مدارسها المختلفة للذكور والإناث، وكان أستاذاً ناجحاً ومؤثراً في كل مراحل التعليم ومستوياته، من عام 1956وحتى نهاية عام 1972(فترة 16 عاماً)، وتخرجت على يديه أجيال عديدة من أبناء حماة وبناتها! كما كان أثناء ذلك يمارس الخطابة الرسمية في مسجد والده الشيخ توفيق: جامع الشيخ علوان(أو جامع العليليات، ثم جامع المحبة)، كما كان خطيباً بليغاً ومؤثراً في كثيرمن اللقاءات والمواسم والمناسبات الدينية والوطنية في حماة وخارجها!

*تميز تدريس الشيخ الفقيد وتميزت خطبه في حماة بالعلم الموثق، وباللغة الرفيعة، وبالمستوى الراقي، وعرف بالنبرة الصادقة المخلصة، وبالجرأة في الحق، في غير غلو ولا مداهنة! وكان ذا شخصية مستقلة مهيبة ومؤثرة ومحببة في نفس الوقت عند الناس وعند أولياء الأمور كذلك!

* انتخب عضواً في الاتحاد القومي بمدينة حماة أثناء الوحدة بين مصر وسوريا (1959)، وكان على رأس الفائزين وقتئذ، وكان عضواً نشيطاً وفعالاً في جمعية العلماء بحماة طيلة وجوده في حماة، وكانت له علاقات ودية وتعاونية مع جميع العاملين في الحقول الدينية والتربوية والوطنية والاجتماعية في مدينة حماة في الفترة مابين 1957و1973، وبخاصة مع تلميذ والده العلامة الرباني الشيخ محمد الحامد، رحمه الله!

* حصل أثناء تدريسه في حماة على دبلوم التربية وطرق التدريس من جامعة دمشق، وتابع دراساته العليا في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، حتى حصل منها بعد ذلك على درجة الماجستير!

* أعير للتدريس في ثانويات مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية في نهاية عام 1972م ودرس فيها حتى عام 1977، ثم تعاقد للتدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود،فرع القصيم، لعدة سنوات، ودرس فيها عدة مواد علمية مهمة.

*حصل على درجة دكتوراة الفلسفة (في مجال الدراسات القرآنية واللغوية) من جامعة لاهور في باكستان!

* ثم تعاقد للتدريس بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي، ودرس فيهاعدة سنوات!

*ثم انتدب للتدريس في الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد في الباكستان، كما انتدب للمشاركة وضع مناهج الجامعة الاٍسلامية بسريلانكا، فسافر إليها وشارك في وضع مناهجها والتدريس فيها!

* تقاعد عن العمل الوظيفي، واستقر في القاهرة، واشتغل في الفترة الأخيرة من حياته بكتابة مذكراته، وبالكتابة في بعض الموضوعات العلمية المهمة في الدراسات الشرعية والتربوية والقرآنية واللغوية.

* تنقل الفقيد،منذ مغادرته سورية نهاية عام 1972، في عدد من البلدان العربية والإسلامية، واستقر به المقام في القاهرة،العزيزة عليه، حتى وافته المنية فيها مساء يوم الأربعاء في 14 كانون الثاني2015م الموافق 23 ربيع الأول 1436هـ،عن عمر يناهز الرابعة والثمانين ميلادية، وفي قلبه حرقة شديدة وألم مبرح لما يجري من أحداث مأساوية في وطنه الأصلي سورية، وفي عدد من الأقطار العربية والإسلامية الأخرى!

* للشيخ الفقيد ثلاثة عشر ابناً وبنتاً، كلهم كبار ومتزوجون، وله منهم أحفاد وأولاد أحفاد كثيرون، وهم منتشرون في أقطار متعددة، منهم مقيمون في حماة، ومنهم مقيمون في السعودية والإمارات ومصر، وفي بعض الأقطار العربية الأخرى!

* للأستاذ الفقيد مكتبة ثرية ومتنوعة في منزله بحماة، وأخرى مثلها في منزله بالقاهرة، وله عدد كبير من الكتب والأبحاث والمقالات والرسائل المنشورة في موضوعات شتى، وهي موضع عناية أهله وأبنائه لجمعها ونشرها والإفادة منها،إن شاء الله تعالى، ونذكر الآن منها:

– الاتجاه اللغوي في التفسير وأثره في تطور الدراسات اللغوية والنحوية والبيانية (كتاب)،وهو رسالته للدكتوراة، لم يطبع بعد.

– الشيخ توفيق الشيرازي الصباغ: لمحة من كفاح عالم مستنير ومرب كبير (كتاب منشور)

– نكاح المتعة في ضوء الكتاب والسنة (كتاب منشور)

– الإجابات في العقيدة والعبادات (كتاب منشور)

– الخطاب الديني ودوره الرائد في تصويب مسار الأمة (رسالة منشورة)

– أطفالنا…حبات القلوب (رسالة منشورة)

– حكمة التشريع وفلسفته (رسالة منشورة)

– فن الترتيل (رسالة منشورة)

– منهج المسلم في تلاوة القرآن وحفظه (رسالة منشورة)

– القراءات القرآنية وملاحظات على منهج الدرس (رسالة منشورة)

– دليل المرأة المسلمة (رسالة منشورة)

– المدخل الوجيز في اصطلاحات مذهب السادة المالكية (رسالة منشورة)

– لماذا أسلمت (رسالة منشورة)

– المصاحف، للحافظ أبي بكر عبد الله بن أبي داوود السجستاني (دراسة وتحقيق)، كانت تحت الطبع

– المحكم والمتشابه ومصطلح التأويل، كانت تحت الطبع

– القرآن الكريم أوثق كتاب في الوجود، كانت تحت الطبع

– الأحرف والقراءات، كانت تحت الطبع

– النسخ بين نفاته ومثبتيه، كانت تحت الطبع

* كانت للشيخ الفقيد مناشط عامة وعلاقات خاصة ببعض رجال الدعوة والعلم والأدب والثقافة والوطنية في سورية والسعودية ومصر والجزائر وغيرها من البلاد العربية والإسلامية، نذكر منهم بمصر خاصة، زميله وصديق عمره فضيلة العلامة الكبيرالأستاذ الدكتور حسن عبد اللطيف الشافعي، أطال الله في عمره، الأستاذ المشهور في الأزهر الشريف وفي جامعة القاهرة، وأمين مجمع اللغة العربية حالياً بمصر!

* كان رحمه الله وصولاً ودوداً لأصدقائه وأقاربه، وكان يتفقد أرحامه ويصلهم في حله وترحاله، كريماً جواداً مضيافاً، وكان وفياً لأصدقائه وأصحابه وأصحاب والده وإخوته وعائلته، وكان في عون كل من يطلب منه معونة ورفداً ما أمكنه الظرف والوسع، وماكان يدخر وسعاً في إغاثة كل ملهوف. وكان حيياً عفيف اليد واللسان، لا يحب الخوض في أعراض الناس. وكان مستقيماً في معاملاته المالية، عزيز النفس حتى ولو كان محتاجاً، وكانت قاعدته الذهبية أن اليد العليا خير من اليد السفلى! وكان يحب التنظف والطهارة والمظهر الأنيق والملبس الأنيق والروائح الطيبة، من غير إسراف ولا مخيلة!

كان مجلسه مجلس علم وأدب وأنس ومباسطة، وكان تدينه تدين العلماء الواعين، دون تنفير ولا تفريط. وكان يحفظ كثيراً من أجزاء القرآن وسوره، وكثير التلاوة والمراجعة لسور القرآن وكتب التفسير، وكان لغوياً متبحراً في معاني الألفاظ وضبطها!

كان رحمه الله صاحب رأي ونظر عميق في الأمور كلها، مقدراً للمصلحة العامة، وكان قوياً جريئاً في قول الحق، كما كانت له مواقف جريئة، ولكن دون تهور ولا استخذاء!

*رحم الله فقيدنا الكبير: العالم الأديب الخطيب الأستاذ المربي، الذي يعتبر بحق مفخرة من مفاخر مدينة حماة، مدينته العريقة، مدينة أبي الفداء، وغفر الله له، وأسكنه فسيح جناته، وأحسن جزاءه عن أهله ودينه وأمته ووطنه ومدينته، مدينة حماة الأبية!

كُتبت هذه السيرة المختصرة من قبل شقيقه الأصغر وعارف فضله

الدكتور عبد اللطيف الشيرازي الصباغ

 

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى