لهذه الأسباب تتجه السودان لمذبحة على يد العسكر!

لهذه الأسباب تتجه السودان لمذبحة على يد العسكر!

بقلم عمر ياسين

لن نكون مثل مصر… السيناريو المصري لن يتكرر في السودان.. لقد استوعبنا التجربة المصرية جيدا ولن تطبق في السودان… ما حدث في مصر لن يحدث في السودان، كل هذه العبارات كررها الكثير من قاده قوى الحرية والتغير في السودان والتي تدير تحركات الثوار وتفاوض باسمهم مع المجلس العسكري، وكررها أيضا الكثير من الاعلامين والباحثين والمحللين السياسيين في السودان. بل رفعها ثوار السودان في اعتصام القيادة العامة للجيش. ولكن هل استوعب ثوار السودان التجربة المصرية فعلا؟ وهل بإمكانهم مواجهه اطماع العسكر كما يدعون؟

في الحقيقة لا أرى أي بوادر استيعاب من جانب ثوار السودان لتجربة الثورة المصرية، فمع الأسف لم يستطع ثوار السودان تشخيص الأسباب الحقيقة وراء فشل الثورة المصرية والتي أدت لانقلاب العسكر على المسار الديمقراطي المكتسب من الثورة، فهم لا يزالون يشخصون المشكلة في سذاجة قاده الثورة المصرية التي لم تستطيع كشف حقيقة كذب وخداع العسكر ويرون أن المشكلة تكمن في ترك الثوار لميدانهم والتعامل مع المجلس العسكري كشريك، يرون أن الثورة المصرية أخطأت عندما لم تتراجع خطوه للخلف وتعود للميدان وانها تماشت مع خارطة الطريق التي وضعها المجلس العسكري الذي كان جزءا من النظام السابق، إذا هم يصنفون الخطأ في عدم فهم حقيقه العسكر وتعامل الثوار معهم كشريك وليس خصم.

والخطأ الثاني في ترك الميدان وعدم استكمال المسار الثوري، وإن كنا نعتقد ان هذه الأخطاء كانت فعلا أسبابا لفشل الثورة ولكن لم تكن الأسباب الرئيسية بل كانت أسبابا من وجهه نظري فرعية. السبب الرئيسي في فشل الثورة المصرية هو عدم استيعاب الثوار المصريين لمفهوم الثورة فلم يكن لديهم فكر ثوري يمكنهم من حماية ثورتهم. لم يكن لديهم رؤية استراتيجية حقيقية تصل بثورتهم لبر الأمان. لم يكن لديهم الوعي الكامل بتحديات الواقع ولا بموازين القوي التي توفر كل مواردها للانقضاض على الثورة، وهذا هو واقع السودان الآن فلا توجد قوه تحمي الثورة ولا رؤية حقيقيه للخروج من هذا المشهد الذي يتعقد يوما بعد يوم.

أين حراس الثورة؟

ظن ثوار السودان أنهم بمجرد تصنيف المجلس العسكري كخصم والتعامل معه بنديه وثبات الثوار في الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش أنهم تخطوا محنه الثورة المصرية، وأنهم هكذا يستطيعون فرض شروطهم عند التفاوض وإلزام المجلس بمسار الثورة السودانية بل وتعليه شروط التفاوض وانتزاع جميع صلاحيات الحكم ونقلها إلى هيئة مدنية، وكل هذه المعطيات تدل على عدم تشكل الفكر الثوري لدي ثوار السودان بل وعدم التعلم من التجربة المصرية كما يدعون.

   

هل ظن ثوار السودان فعلا أن اعتصامهم أمام القيادة العامة للجيش سيحول دون مذبحه للمعتصمين. ألم تكن هناك سابقه لعسكر مصر عندما أبادوا معتصمي رابعة العدوية، ألم يشاهد فريق التفاوض أثناء دخوله لقصر الرئاسة أنه تحول لثكنة عسكرية من قوات الدعم السريع. ألم تصل معلومة لقادة الاعتصام عن خطه انتشار قوات الدعم السريع، وأن كنا نعتقد أن الإعتصام وثبات الثوار في الميادين ورقة قوية ولكنها ليست كافية لحماية الثورة والثوار.

إذن ما الحل؟ الحل في حراس الثورة كما حدث في تجربة الثورة الإيرانية وإن كنت أرى أن الثورة الإيرانية مهملة في فكر الثورات العربية وهذا خطأ كبير لسبب بسيط أنها تعتبر من أنجح الثورات في العالم والتي استطاعت تمكين أصحابها في الحكم والقضاء على بقايا النظام السابق واستطاعت حماية نفسها وصولا لمكانه جمهوريه إيران الآن في المنطقة بل العالم وكل ذلك بسبب الثورة الإيرانية.

إذن الحل يكمن في حرس ثوري أو بمعني أدق قوه تحمي الثورة، وهذا هو السبب الحقيقي وراء فشل الثورة أنها لم تكن لديها قوة تحميها من أطماع العسكر ولا فلول النظام السابق أو كما يطلق عليها الثوار الدولة العميقة، فلا تصنيف المجلس العسكري كخصم ولا تحركات الثوار السلمية في الشوارع ولا املاءات فريق التفاوض ولا الأساليب السياسية ستحمي ثوار السودان من تحركات العسكر لفض اعتصام القيادة العامة والانفراد بكل صلاحيات الحكم.

العنصر الأخطر في المشهد السوداني..

حميدتي.. الرجل الذي حصل على لقب أصغر جنرال ينال رتبه فريق فهو قائد قوات الدعم السريع الوحدة الأشهر والأقوى في الجيش السوداني، هذا الرجل الذي رفض الانضمام للمجلس العسكري الانتقالي بتشكيلته الأولى لنتفاجأ بحصوله على منصب نائب الرئيس في التشكيلة الثانية للمجلس.

حميدتي يعتبر الوجه الأبرز والأخطر في المشهد السوداني فقد قرر حميدتي الانحياز بقواته لتطلعات الشعب ويتميز بعلاقاته الدبلوماسية والإقليمية القوية ويقود أقوى وحده في الجيش السوداني، هذه الوحدة التي تشكلت من قبل النظام السابق وكانت قواتها قبليه وهدفها القضاء على حركات التمرد ضد النظام ومشهور عنها ارتكاب الجرائم والمذابح، وتشارك هذه الوحدة بقوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، وتم تقنين هذه الوحدة رسميا وضمها إلى الجيش السوداني وتتمتع بصلاحيات واسعه في الجيش بالإضافة إلى تسليحها تسليحا ثقيلا.

   

تولت هذه الوحدة تأمين جميع المفاصل والمنافذ الحيوية والاستراتيجية للدولة عقب الإطاحة بعمر البشير وهي التي تتولي تامين القصر الرئاسي الذي بضم كثير من سيارات الدعم السريع وهي التي تتولي ايضا تامين اعتصام القيادة العامة للجيش. حميدتي معروف بطموحاته وتطلعه للسلطة ولن يسمح لأحد بانتزاع السلطة منه فهو الوجه السوداني الجنرال عبد الفتاح السيسي، لذلك يعتبر حميدتي الوجه الأخطر في المشهد وطريقه انتشار قوات الدعم السريع المشكلة خصيصا لمواجهه حركات التمرد ضد النظام والاحتكاكات الأخيرة بينها وبين المعتصمين لا تبشر بخير.

وأخيرا…

الحرية والكرامة لا توهب بل تنتزع ولن تحصل الشعوب العربية على حريتها وكرامتها إلا بالقوة والحماية، التحركات السودانية حالها كحال الثورة المصرية كانت في البداية موجه من التظاهرات تطالب بإصلاحات سياسية وحقوقية واقتصادية ثم انقلب العسكر على هذه التحركات ليمتص غضب الشعب.

وفي النهاية وجد الثوار أنفسهم امام مجلس اقتلع النظام ووجدوا أنفسهم يتعاملون مع عنصر كان من مكونات النظام السابق يدعي أنه انحاز للشعب وهذا العنصر يمتلك القوة والنفوذ، وجد الثوار أنفسهم امام محور إقليمي يمثل الثورات المضادة ويضخ الأموال لضمان فشل هذه التحركات وضمان مصالحه في هذه البلاد، وجد الثوار أنفسهم أمام تجربه لم يخوضوها من قبل وأمام خطوه لم يتطلعوا إليها ولم يعمل لها أي حساب، فيجد الثوار أنفسهم مجبرين على حماية هذه الثورة ومكتسباتها ولكن كيف؟ النتيجة ستكون دماء زكيه تسال على أرض الوطن فالحرية ثمنها الدم وإن أبى الكثير أن يصدق، فلا حل لثوار السودان سوي التضحية والدفاع عن ثورتهم وحمايتها لا حل أمامهم إلا حرس ثوري يضمن نجاح هذه الثورة وينتزع الحرية والكرامة والعدالة.

الوسائل السياسية لن تجدي نفعا مع العسكر وقواته وتشكيلاته ومذبحة رابعة العدوية ليست ببعيدة، فعسكر السودان له نفس أيديولوجية الجيوش العربية التي لن تسمح أبدا بتهديد مصالحها وانتزاع مقاليد الحكم منها، والسعودية والإمارات ومصر أو ما يعرف بمحور الثورات المضادة لن يسمحوا أيضا بنجاح الشعب السوداني في الحصول على مكتسبات ثورته، فمعطيات المشهد السوداني تدل على أن قادة الاعتصام انتقلوا من خانة الواعي بالتجربة المصرية إلى خانة التشهير بالثورة المصرية فقط، فعدم اعتراف قادة قوة الحرية والتغير بحركة الجيش بأنه انقلاب عسكري يدل على أن نهاية المشهد ستكون مذبحة، فالحق لابد له من قوه تحميه والثورة السودانية على حق.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى