فعاليات ومناشط علمائية

بيان رابطة علماء المسلمين في التحذير من التطبيع مع النظام السوري

بيان رابطة علماء المسلمين في التحذير من التطبيع مع النظام السوري

الحمد لله رب العالمين ناصر المستضعفين، والصلاة والسلام على المبعوث بالحقِّ المبين، وبعد:
فقد بلغ النظام السوري مرحلة من الإجرام لم يعرف لها التاريخ المعاصر مثيلاً؛ اعتدى فيها على جميع الحرمات، وخرق كلَّ القيم الإنسانية، بل حتى الأعراف الدولية؛ من الإسراف في القتل والتعذيب، إلى هدم الأحياء السكنية والمساجد والمدارس والمستشفيات فوق رءوس قاطنيها، فأدان جرائمه القاصي والداني، ووثقتها المنظمات الدولية، ولاتزال آثار إجرامه على حالها لم تبرح مكانها، يعاني منها مَنْ هم تحت قبضته ومن خرجوا منها.
والواجب في هذه الحال السعي إلى رفع الظلم، ومساعدة المظلومين؛ فنصرة المظلوم من أعظم حقوق الأخوة الإسلامية التي لا تبرأ الذمَّة ولا يندفعُ مقت الله وعذابه إلَّا بالقيام بها، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 72 – 74]].
ولا يصحُّ أنْ يقال: إنَّ هَذَا شأنٌ داخلي ولا علاقة لنا بِهِ، فإنَّ الرابطة التي تجمع المسلمين هي رابطة الإِسْلَام، وهو الَّذِي يحدد الوشائج والولاءات والعلاقات بين النَّاس. وقد نبه أبو بكر الصديق إلى ذلك؛ فلما قرأ قوله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَضَعُونَ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى غير موضعهَا، وَإِنِّي سَمِعتُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: “إِن النَّاس إِذا رَأَوَا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْ قَالَ الْمُنكر فَلم يغيروه أوشك أَنْ يعمَّهم الله بعقاب”. رواه ابن حبان.
وما يجري الحديث عنه من تطبيع العلاقات مع هذا النظام، والاعتراف به حاكمًا لسورية، يُعدُّ دعمًا لإجرامه، وتخليًّا عن نصرة المظلومين بل وتشجيعًا لغيره عَلَى الظلم والطغيان، كما أنه يفقد الحكومات التي تُقْدِم على ذلك مصداقيتَها الأخلاقية أمام شعوبها المتعاطفة مع الشعب السوري المنكوب، لا سيما أنَّ الأسباب التي قطعت العلاقاتِ لأجلها لاتزال قائمة بل هي في ازدياد، ولعلَّ مِن آخرها مهزلةَ ما يُسمى بالانتخابات لتزييف إرادة الشعب ومصادرة صوته بالبطش والكذب والبهتان.
إنَّ رابطة علماء المسلمين تربأ بالحكومات العربية والإسلامية أن تعترف بشرعية هَذَا النظام الظالم بإعادته إلى الجامعة العربية ممثلاً للشعب السوري، وتحذِّرُها أنْ تكون شريكًا لهذا النظام الظالم الذي فتح البلاد لحلفائه من الروس والإيرانيين الصفويين ليعيثوا في الأرض فسادًا ويُمكِّن للصفويين من الاستيلاء على ممتلكات الناس وأراضيهم وتهجيرهم وتغيير هُوية الشعب السوري.
إنَّ هذا التطبيعَ لنْ يصبَّ في صالح المنطقة وشعوبها ولنْ يدفع هَذَا النظام الظالم لتغيير موقفه، بل سيزيده ذلك تماديًا وظلمًا، ويسهم في تسليط الخطر الصفوي على الأمَّة، وإبعاد بلاد المسلمين عن مفاصل القوة والمنعة، كيف لا وقد أثبت التاريخ غدر هَذَا الظالم بكلِّ من دعمه منذ عهد الأب، سواء بدعم المنظمات الإرهابية التي تهدف إلى زعزعة استقرار هذه الدول وضرب أمنها، أو تصدير المخدرات لتدمير شعوبها.
فالتطبيع معه وإعادة العلاقات مع مؤسساته ليست تفريطًا بحقِّ أكثر من نصف مليون ضحية من الشعب السوري الذين قتلهم هذا النظام ظلمًا، وضعفيهم من الأسرى، وملايين المهجرين- ليست تفريطًا بحقِّ هؤلاء كلِّهم فحسب؛ بل هو أيضًا تعريضُ بلدانهم لخطر هذا النظام الظالم، وظلمٌ لضمير الأمَّة، وضربٌ للقيم والمبادئ، وخيانةٌ للدِّين وللشعوب الإسلامية جمعاء، وفيه جهلٌ بحقيقة سلطته التي لم يبقَ منها شيءٌ لولا دعم جيوش الاحتلال.
والرابطة إذ تذكِّرُ بتاريخ هذا النظام الظالم وسبل الفساد التي سلكها والجرائم التي ارتكبها؛ فإنَّها تحذر الدول التي تسعى إلى إعادة تأهيل هذا النظام وتبييض صفحته السوداء من خطورة هذا العمل على شعوبها والخذلان في الدنيا والوعيد في الآخرة، وتُذكِّر من تولى أمر المسلمين أن يقوم بحقوقهم ويتحرَّى العدل فيهم، لا أنْ يسعى في تكريس تمكين أعداء الإسلام وسافكي الدماء؛ فإنَّ هذا من خيانة الأمانة التي أوكلت إليه.
واللهَ نسألُ أنْ يُهلك الظالمين، وأنْ ينجي المستضعفين، وأن يُعزَّ الإسلام والمُسلِمِينَ، وأن يُولي عَلَى هَذِهِ الأُمَّة خيارها.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى