كتب وبحوث

جذور المؤامرة الماسونيَّة للتوطئة لدولة الدجَّال 2 من 7

جذور المؤامرة الماسونيَّة للتوطئة لدولة الدجَّال 2 من 7

إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أهم أسباب معاداة اليهود: التَّعامل بالرّبا والاحتكار ونشْر الفساد الأخلاقي

يلفت غاي كار الانتباه إلى حقيقة أنَّ الشُّعوب التُّركيَّة غير الساميَّة بدأت تتوافد منذ القرن الأوَّل الميلادي من أواسط آسيا إلى شرق أوروبَّا، واستقرَّت في المنقطة الواقعة شمال بحر قزوين، وقد عُرفت تلك الشُّعوب الوثنيَّة باسم الخزر. أسَّس الخزر مملكة قويَّة نهاية القرن الثَّامن الميلادي، واتَّسعت حدود المملكة لتصل إلى غرب جبال الأورال وشمال البحر الأسود، وحينها أراد حُكَّام المملكة اعتناق ديانة سماويَّة تمنحهم الهيبة والشَّرعيَّة الدّينيَّة، في مواجهة الدَّولة العبَّاسيَّة المسلمة جنوبًا والدَّولة البيزنطيَّة المسيحيَّة غربًا؛ فاعتنقوا اليهوديَّة. استمرَّت مملكة الخزر 5 قرون، لتسقط على أيدي الرُّوس في القرن الثَّالث عشر الميلادي، وتصبح بلادهم جزءًا من روسيا القيصريَّة؛ فاضطر يهود الخزر هؤلاء إلى التَّمشّي مع الواقع والاندماج في المجتمع الرُّوسي. غير أنَّ هؤلاء اليهود لم ينسوا للرُّوس تدمير مملكتهم، وظلَّت رغبة الانتقام تساورهم، منتظرين الفرصة المناسبة، وكان سبيل إلى ذلك الانعزال في جماعات عرقيَّة بعيدًا عن مضطهديهم من المسيحيين الرُّوس، واكتناز الأموال لتوجيهها إلى تنفيذ مخطَّطهم التَّدميري، والتَّعامل بالرّبا، وإشاعة الفاحشة والرَّذيلة.

ترجع ممارسة اليهود للاحتكار في تعاملاتهم إلى عهود قديمة، ويذكّر غاي كار بموقف الإمبراطور البيزنطي في القرن السَّادس الميلادي من الاحتكار التُّجاري لليهود، بأن أصدر تشريعًا يضع حدودًا للممارسات الاحتكاريَّة، وقد ظلَّ مطبَّقًا حتَّى القرن العاشر الميلادي. لم تتوقَّف ممارسات التُّجَّار اليهود المحظورة على احتكار الموارد الثَّمينة والعطور والجواهر، إنَّما امتدَّ الأمر إلى تجارة الرَّقيق والمخدّرات والخمور، وقد اعتبر المؤرّخ الإنجليزي إدوارد جيبون في كتابه الموسوعي The History of the Decline and Fall of the Roman Empire-تاريخ انحدار الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة وسقوطها (1776-1789م) أنَّ النُّفوذ اليهودي داخل الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة كان من أهمّ معاول هدمها، وكان لذلك دوره في إدخال قارَّة أوروبَّا بأكملها في فترة التَّردّي المعروفة تاريخيًّا باسم القرون الوسطى أو عصور الظَّلام. لم يتوّقَّف الطُّموح اليهودي في تلك الفترة، وتواصلت مساعي السَّيطرة على المال، وكان التَّحكُّم في صكّ العملات أكثر ما حرص عليه المتعاملون بالرّبا من اليهود، حتَّى أنَّ أمشل ماير باور، مؤسّس عائلة روتشيلد، قد رفَع شعار “دعنا نتولَّى إصدار النَّقد في أمَّة من الأمم والإشراف عليه، ولا يهمُّنا بعد ذلك مَن الَّذي يسنُّ قوانين هذه الأمَّة” (ص57).

كانت ممارسة الرّبا والاحتكار التُّجاري من أهمّ أسباب إطلاق الحملة الصَّليبيَّة الأولى نهاية القرن الحادي عشر الميلاد على المشرق الإسلامي، وقد اتَّفقت مصالح المرابين اليهود حينها مع مصالح الإقطاعيين الآريين في تطلُّع الطَّرفين إلى نهْب خيرات العالم الإسلامي. وراح المرابون الاحتكاريُّون اليهود حينها يجوبون أوروبَّا، ويحرّضون حُكام الإمارات المسيحيَّة على الدَّفع بجنود إلى ساحة المعركة، وكذلك إلى الإسهام في تمويل الحملة الصّليبيَّة. بدأ الغزو الأوروبي المسيحي للمشرق الإسلامي عام 1096م تقريبًا، وتلاحقت الحملات حتَّى عام 1271م، وكان هدفها المزعوم عند انطلاقتها الأولى حماية الحجَّاج المسيحيين عند زيارة مهد المسيح واستعادة السَّيطرة المسيحيَّة على تلك البقعة المقدَّسة لديهم، لكنَّ هدفها الحقيقي، وكما يرى غاي كار، كان التَّهافت على ثروات الأمم الأخرى والحقد على الإسلام وأهله. وما يثبت استغلال المرابين اليهود للدّين ستارًا لإخفاء نواياهم الحقيقيَّة العداءُ التَّاريخي بين اليهود والكنيسة، والَّذي يرجع إلى سبيين أساسيين: دعوة اليهود إلى فصْل الدّين عن سياسة الحُكم ونشرهم القيم غير الأخلاقيَّة بين الشُّعوب، ناهيك عن تأجيج النّزاعات بين الأمراء بما يصبُّ في مصلحة المنتفعين من عبيد المال من اليهود.

كان إدوارد الأوَّل (1239-1307م)، ملك إنجلترا، من أشدّ الحانقين على اليهود والمندّدين بممارساتهم غير الأخلاقيَّة؛ فطردهم من مملكته، ليتوجَّهوا إلى فرنسا وألمانيا وهولندا، وأصبحت إنجلترا منذ حينها هدفًا لليهود، ليتوعَّدوها بإثارة الاضطرابات. وبرغم مرور أكثر من 3 قرون على طردهم من إنجلترا، دأب اليهود مطلع القرن السَّابع عشر الميلاد على افتعال أزمة تطيح بالملك تشارلز الأوَّل (1600-1649م)، مستغلين الانقسام الدّيني الَّذي مرَّ به المجتمع الإنجليزي حينها بسبب افتراق أفراد الشَّعب إلى طائفتين، إحداهما تعتنق المذهب البروتستانتي حديث النَّشأة، بينما بقيت الأخرى على اعتناقها المذهب الكاثوليكي. تآمر المرابي اليهودي الهولندي مناسح بن إسرائيل مع العسكري والسّياسي الإنجليزي أوليفر كرومويل في الإطاحة بالملك تشارلز الأوَّل وتأسيس الكومنولث الإنجليزيَّة (1653-1659م)، في أعقاب الحرب الأهليَّة الإنجليزيَّة (1642-1651م)، وقد استند الحُكم خلال تلك الفترة إلى تعاليم المذهب البروتستانتي، الَّذي يُعرف كذلك بالصُّهيونيَّة المسيحيَّة، شديد التَّقارب مع تعاليم اليهوديَّة، والمؤمن دون سواه من مذاهب المسيحيَّة بعهد الرَّب لأبرام العبراني بمملكة من نهر مصر إلى نهر الفرات. يُذكر أنَّ جماعات يهوديَّة فوضويَّة تدفَّقت إلى إنجلترا لإحداث اضطرابات وإثارة أعمال عنف، تمثَّل في ترويع الآمنين وإشاعة حالة من الذُّعر.

كان الهدف الجوهري للمرابين اليهود من وراء تلك الهجمة الشَّرسة على إنجلترا هو السَّيطرة على اقتصادها وجرّها إلى حروب مع دول أخرى، بما يخدم مصالح هؤلاء المرابين وبني جلدتهم. وإلى الحصول على أرباح خياليَّة عن التَّعاملات الرّبويَّة، كان من أهمّ نتائج الانخراط في تلك التَّعاملات “وضْع حُكَّام أوروبَّا بموقف التَّبعيَّة والحاجة بالنّسبة للمرابين العالميين” (ص76). نجح المرابون اليهود في السَّيطرة على موارد إنجلترا الماليَّة من خلال القروض الَّتي منحوها إيَّاها خلال فترة الاضطرابات السّياسيَّة، ما بين عاميّ 1640 و1689م، وكان في تأسيس بنك إنجلترا (The Bank of England) إتمام لخطَّة السَّيطرة تلك، من خلال ترسيخ القروض القوميَّة وتقييد البلاد بديون لأموال اقترضتها لتنفقها على مواجهات مسلَّحة لم تحقّق من ورائها أيَّ نتائج مرجوَّة، أو تحل مشكلة كانت تؤرقها. رضخ وليام الثَّالث، والمعروف كذلك بوليام الهولندي ووليام أوف أورانج، معتنق البروتستانتيَّة، لشروط المرابين اليهود عند تقديمهم قرضًا بقيمة 1.250.000 جنيه إسترليني، وكان من شأن تلك الشُّروط أن تجعل بنك إنجلترا رهن تصرُّف هؤلاء المرابين، خاصَّة وأنَّ من تلك الشُّروط ما كان يُعجز إنجلترا عن تسديد دينها.

تفاصيل المؤامرة اليهوديَّة لإخضاع العالم

يتطرَّق وليام غاي كار إلى الإشارات التَّاريخيَّة على دور اليهود في إشعال الثَّورات العالميَّة، تنفيذًا لمخطَّط ألبرت بايك، واصفًا إيَّاهم بـ “القوَّة الخفيَّة الَّتي تحرّك الخيوط من وراء السّتار” (ص87-88). يعيد المؤلّف الكندي إلى الأذهان بداية سيطرة المرابين اليهود على اقتصاد العالم، بتذكيره بنشأة أباطرة المال من أبناء عائلة روتشيلد الألمانيَّة، الَّتي توزَّع أفرادها على شتَّى عواصم العالم، ومارسوا أعمالهم الرّبويَّة، حتَّى كوَّنوا إمبراطوريَّة ماليَّة هائلة. أمَّا عن أصل التَّسمية بـ “روتشيلد”، فهو يرجع إلى اتّخاذ مؤسّس تلك العائلة، وهو أمشل ماير باور، درعًا أحمر رمزًا لمؤسَّسته الرّبويَّة، وتعني عبارة الدّرع الأحمر بالألمانيَّة “روت شيلد”. بدأت خيوط مؤامرة المرابين اليهود للسَّيطرة على العالم تُحاك منذ عام 1773م، حينما توجَّه 12 من المرابين إلى مقرّ إقامة أمشل ماير باور، أو روتشيلد الأوَّل، في مدينة فرانكفورت الألمانيَّة، لعقد مؤتمر لتنظيم عمليَّة الاحتكار اليهوديَّة لاقتصاد العالم. اتَّفق المؤتمرون على الإسراع في تنفيذ خطوات المؤامرة، ولو “عن طريق البطش والعنف والإبادة الجماعيَّة”، مع تدجين الجماهير وإحكام السَّيطرة على مصادر تشكيل الوعي لديهم “عن طريق فرْض الإرهاب الفكري والمادي” (ص89-90). وتحت إشراف روتشيلد الأوَّل، وُضع مخطَّط إرباك العالم بنشاطات ثوريَّة تُوضع أموال المرابين اليهود رهن تنفيذها، على أن تؤدّي الأحداث في النّهاية إلى إخضاع الشُّعوب إلى سُلطان اليهود. وانصبَّ تركيز المؤتمرين في البداية على فرنسا، الَّتي كانت تعاني من حالة تذمُّر شعبي واسعة النّطاق من جرَّاء انتشار البطالة واستئثار الأمراء وعلية القوم بالثَّروة والنُّفوذ على حساب الشَّعب، إلى جانب تدخُّل رجال الدّين في السّياسة.

أوصى روتشيلد الأوَّل خلال اجتماعه ببني جلدته من المرابين بتكريس مبدأ الحريَّة، ليكون عوضًا عن الدّين في توجيه الفكر الاجتماعي، ممَّا يتسبب في إثارة النّزاع داخل المجتمع، مشيرًا إلى أنَّ “سُلطة الذَّهب” من شأنها أن تتغلَّب على سُلطة الحُكَّام في النّهاية، ولكن بعد إخضاع عقول الشُّعوب من خلال الإغراءات الماليَّة ومغيّبات الوعي، من مُسكرات ومخدّرات ومُفسدات للأخلاق (ص92). أضاف روتشيلد الأوَّل أنَّ من الضَّروري رفْع شعارات برَّاقة تُوهم الجماهير ببراءة مخطَّط القوَّة الخفيَّة المتحكّمة في العالم من خلال المال ووسائل الإعلام، وهي الحريَّة والإخاء والمساواة، لتكون تلك الشَّعارات محفّزًا على الانتفاض الشَّعبي ضدَّ الأوضاع المعيشيَّة الصَّعبة؛ فتُستغل تطلُّعات الجماهير إلى تحسين الأوضاع في إشعال ثورات تعيد تأسيس النّظام الاجتماعي بما يخدم مصالح أعضاء الحركات السّرّيَّة. ومن بين النّقاط الحسَّاسة الَّتي أثارها روتشيلد الأوَّل ضرورة التَّحكُّم في نتائج الانتخابات والتَّرشيحات للمناصب المفصليَّة في الدَّولة، ويتأتَّى ذلك من خلال “استخدام سُلطان شبكات العملاء والدَّعايات الواسعة، باسم شعارات تحرُّريَّة مزعومة للتَّحريض على الفوضى والعصيان وتأليب الجماهير بحملات منظَّمة تقوم بتمويلها مجموعة الأموال العالميَّة التَّابعة للمؤامرة” (ص95). وكما ينقل غاي كار، انتقل روتشيلد الأوَّل إلى مسألة أخرى لا تقلُّ حساسيَّة عمَّا سبق، وهي إحداث أزمات ماليَّة تؤدّي إلى الانهيار الاقتصادي، وفي ذلك قال روتشيلد الأوَّل (ص97):

إنَّ أزمات البطالة النَّاتجة عن توقُّف الأعمال وأزمات المجاعة الَّتي سوف نخلقها جميعًا ونفرض على الجماهير بفضل ما نمتلكه من سلطان يكفل لنا افتعال انعدام الموادّ الغذائيَّة من البلاد، وستؤدّي إلى ولادة حقّ جديد هو حقُّ رأس المال في السَّيطرة. وتابَع مبيّنًا للمؤتمرين كسف ستقوم المنظَّمة بتسيير الجماهير والسَّيطرة عليها، وكيف يصبح من الممكن بالتَّالي اكتساح كلّ مَن يجرؤ على الوقوف في وجه المنظَّمة عن طريق توجيه الجماهير…

أوضح روتشيلد الأوَّل أنَّ الغاية الَّتي يسعى أعضاء كنيس الشَّيطان وأذنابهم إلى تحقيقها هي “السَّيطرة على العالم بأسره”، من خلال تأسيس احتكارات عالميَّة تتَّحد فيها رؤوس أموال المرابين اليهود، كما تتَّحد الجهود من أجل إخضاع أيّ ثروات يمتلكها الغوييم، أو الأغيار، أي غير اليهود، لتلك الاحتكارات؛ وغاية ذلك هي ضمان سحْق ثروات الأمم الأخرى في الوقت المناسب كي “تتهاوي…سياسيًّا واقتصاديًّا، وتتهاوى معها جميع الثَّروات الوطنيَّة فيها” (ص98-99). ومن بين أهمّ النّقاط شديدة الأهميَّة الَّتي تضمَّنتها توصيات روتشيلد الأوَّل هي عدم الأخذ في الاعتبار ردّ فعل الأغيار حيال المؤامرة الَّتي تُحاك ضدَّهم، معتبرًا أنَّ في تقويض النّظام الشَّرعي ونشْر الانفلات الأخلاقي من شأنه تدجين الجماهير وإجهاض أيّ مساعٍ للمقاومة، وينقل غاي كار عنه (ص100):

وأضاف روتشيلد بعد ذلك الملاحظة التَّالية: لعلَّكم تظنُّون أنَّ الجوييم (الأغيار-غير اليهود) لن يسكتوا بعد هذا، بل سيهبُّون للانقضاض علينا، ولكن هذا خطأ.. سيكون لنا في البلدان والأقطار الَّتي تمكَّنا من تدمي نظامها الشَّرعي وتمسُّكها بالدّين والأخلاق.. منظَّمة كفيلة بتدارُك هذا الاحتمال، وستكون منظَّمة على درجة من القوَّة، رهيبة بحيث تتخاذل القوى الأخرى أمامها مرعوبة.

ويشير الكاتب إلى أنَّ ما نشَره عن مؤامرة المرابين اليهود للسَّيطرة على العالم يستند إلى وثائق حصل عليها العالم الرُّوسي سيرغ اليكسندروفيتش نيلوس عام 1901م، ليحرّرها عام 1905م في كتاب أطلق عليه الخطر اليهودي، والَّذي يعتبر إصدارًا خاصًّا من بروتوكولات حكماء صهيون.

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى