تقارير وإضاءات

مصر.. صراع الرئاسة والأزهر ينتهي بانتزاع “دار الإفتاء” من “هيئة كبار العلماء”

مصر.. صراع الرئاسة والأزهر ينتهي بانتزاع “دار الإفتاء” من “هيئة كبار العلماء”

إعداد يوسف أحمد

في إطار الصراع الدائر منذ سنوات بين الرئاسة المصرية ومشيخة الأزهر، كسبت الرئاسة جولة من الأزهر بعدما أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قرارات يجعل مفتي مصر بالتعيين من جانبه وينتزع اختصاص انتخاب هيئة كبار علماء الأزهر له.

وأصدر السيسي، في 11 أغسطس 2021م، قراراً جمهورياً يعتبر دار الإفتاء المصرية من الجهات ذات الطبيعة الخاصة، ويعتبر تعيين مفتي مصر من اختصاص الرئيس.

بموجب القرار لن يطبق قانون الخدمة المدنية على دار الإفتاء وخاصة المادة (20) المتعلقة بإحالة المفتي إلى المعاش، ما ينقذ المفتي الحالي من ترك وظيفته، في 12 أغسطس الجاري، موعد تقاعده للمعاش.

وسبق أن سعى مجلس النواب المؤيد للرئاسة لتعديل قانون تنظيم دار الإفتاء، في 19 يوليو 2020م، بنقل تبعيتها لمجلس الوزراء بدل وزارة العدل، واعتبارها كيانًا دينيًا مستقلًا.

ورفض الأزهر ذلك علناً، واعتبره ممثل الأزهر بالبرلمان “يمس استقلالية الأزهر”.

وقرر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، النزول بنفسه لحلبة المواجهة مع البرلمان لمواجهة قانون فصل الإفتاء عن الأزهر ظاهرياً، الذي اعتبره علماء محاولة للنيل من استقلال الأزهر وإضعافه بخلق كيان مواز له هو دار الإفتاء بدل تبعيتها له، ما اضطر البرلمان للتراجع في النهاية.

وجاء قرار السيسي الأخير لينتزع دار الإفتاء من الأزهر ومن النظام الوظيفي المعتاد بما يمنع إحالة المفتي للمعاش ويسمح للرئيس المصري بتعيينه أو مد خدمته.

وأيد المفتي الحالي شوقي علام كل قرارات الإعدام التي أصدرتها المحاكم ضد معارضين دون الاعتراض على قرار واحد، كما أصدرت دار الإفتاء عدة فتاوى ذات طابع سياسي تناهض جماعة الإخوان المسلمين، وتؤيد القرارات السياسية.

أول مفتٍ منتخب

ومفتي مصر الحالي د. شوقي علام، وهو المفتي رقم 19 لدار الإفتاء، هو أول مفتٍ لمصر منتخب بعد تعديلات قانون الأزهر رقم (103) بعد إقراره من قبل المجلس العسكري وتصديق د. محمد مرسي، رئيس الجمهورية الراحل.

ففي عام 2012م، في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، تم تعديل القانون ليكون المفتي بالانتخاب من خلال اقتراع سري مباشر، يصوّت فيه أعضاء هيئة كبار العلماء التي يترأسها شيخ الأزهر.

ونص قانون هيئة كبار العلماء على اختيار أحد الشخصيات التي يتوافق عليها أعضاء الهيئة للتعيين في منصب مفتي الديار المصرية، وترشيحها لرئاسة الجمهورية، قبل شهرين من نهاية فترة المفتي الحالي.

وقد دارت تكهنات حول ترشيح هيئة كبار العلماء بالفعل د. محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، الذي بحسب بعض المصادر كان يستعد بالفعل لتسلم مهام منصبه الجديد ويخلي مكتبه بالمشيخة استعداداً لقرار انتقاله إلى دار الإفتاء المصرية.

لكن جاء قرار الرئيس المصري الذي يلغي انتخاب الأزهر للمفتي ويجعل تعيينه بيد رئيس الجمهورية ليلغي القانون الذي تم إقراره في عهد الرئيس محمد مرسي.

وسبق أن أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي، القرار رقم (37) لسنة 2017، في 22 يناير 2017م بتجديد تعيين د. شوقي علام، مفتياً لمصر، لمدة 4 سنوات، اعتباراً من 4/ 3/ 2017 وذلك بناء على ترشيح الأزهر، حيث كان هو المفتي أيضاً خلال حكم الرئيس محمد مرسي.

حيث اختير د. شوقي علام، في 11 فبراير 2013م، من قبل هيئة كبار العلماء، لمنصب المفتي خلفًا للدكتور علي جمعة، خلال انتخابات بالاقتراع السري المباشر لأعضاء هيئة كبار العلماء للمرشحين.

وتضم هيئة كبار العلماء 17 عضواً، وفي 8 سبتمبر 2020م انتخبت الهيئة 3 أعضاء جدداً بدلاً من المتوفين، وهم: د. طه الدسوقي حبيشي، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، الذي توفي بعد ذلك في 5 ديسمبر 2020م، ود. محمد عبدالرحمن الضويني، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون، ود. فتحي عثمان الفقي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، لكن لم يصدر قرار من الرئيس السيسي حتى الآن بهم.

اجتماع لهيئة كبار العلماء بمصر (أرشيفية)

وشهدت السنوات الأخيرة صراعاً بين الرئاسة ومشيخة الأزهر حول قضايا تجديد الخطاب الديني والتراث، وترددت أنباء عن سعي الرئاسة لتقليص صلاحيات شيخ الأزهر الحالي بسبب ذلك.

ومرت العلاقة بين الرئيس المصري وشيخ الأزهر الحالي بمحطات صدام متعددة، نجا منها الطيب، لأسباب كثيرة، وكانت أولى تلك المحطات موقف شيخ الأزهر من مذبحة فضّ اعتصام أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي في ميدان رابعة العدوية، في 14 أغسطس 2013م، التي تحل ذكراها اليوم.

وكان لافتاً حدة خطاب الطيب، الذي لم يساوِ بين الجلّاد والضحية، كما تبرّأ من هذه الدماء، وأكد أن الأزهر ليس لديه علم بما حدث، ثم إعلانه الاعتصام في قريته إلى أن تزول الأزمة.

المحطة الثانية في الصدام، كانت متعلقة بهجوم السيسي على قادة المؤسسات الدينية، في عام 2017م، متهماً إياهم بالتقصير في تطبيق إصلاحات متعلقة بالمناهج التعليمية، موجهاً حديثه للطيب شخصياً، قائلاً له: “تعبتني يا فضيلة الإمام”.

وكانت المحطة الثالثة والأبرز في الصدام هي ما عرف إعلامياً باسم “الطلاق الشفوي” حيث رفضه الرئيس السيسي وتمسك شيخ الأزهر بالرأي الشرعي الذي يؤكد وقوع الطلاق الشفوي، ورفض مطلب السيسي بعدم اعتبار الطلاق نافذاً إلا في حال توثيقه.

 وأصدر الأزهر بياناً يُصر على وقوع الطلاق الشفهي، إلا أنه يشير في الوقت ذاته إلى حق “ولي الأمر”، أي الحاكم السياسي شرعاً، باتخاذ إجراءات لتوقيع عقوبة على مَن لا يوثّق الطلاق الشفهي.

وكانت المحطة الرابعة هي أزمة الخطبة الموحدة، والتي أعلن الأزهر وشيخه رفضه لها، وتصدت وزارة الأوقاف وقتها للإمام الطيب، كون ذلك توجيها رئاسياً.

والمحطة الخامسة والأخيرة، هي التعديلات الدستورية، التي كانت تتضمن نصّاً يتيح لرئيس الدولة عزل شيخ الأزهر، وذلك قبل استبعاد ذلك النص.

المصدر: مجلة المجتمع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى