تقارير وإضاءات

كابول على خُطى سايجون.. ما سر الانهيار الأمريكي في أفغانستان؟

كابول على خُطى سايجون.. ما سر الانهيار الأمريكي في أفغانستان؟

إعداد يوسف أحمد

سقطت العاصمة الأفغانية كابول بيد حركة طالبان لتعود لحكم أفغانستان بعد 20 عاماً من الاحتلال الأمريكي وإبعادها عن الحكم بالقوة والضربات الصاروخية، ولم يبق سوى ترتيبات الانتقال السلمي للسلطة.

الملا عبد الغني برادار (طالبان) وصل إلى كابول بطائرة عسكرية قادماً من العاصمة القطرية الدوحة لتسلم زمام السلطة المؤقتة بشكل فعلي بالقصر الرئاسي في كابول.

طالبان التي تقدمت بسرعة الصاروخ وأعلنت سيطرتها على 22 من أصل 34 ولاية وسقطت المدن أمامها مثل قطع الدومينو، وباتت تحاصر كابول وتفاوض على تسليمها سلمياً، أدهشت الغرب ومحللي السياسة بسبب قدرتها على تحقيق هذه الانتصارات في زمن قياسي.

حتى الجنرال دوستم الذي راهنت عليه أمريكا ليقود الحرب المضادة ضد دولة طالبان هرب بعد سقوط مزار شريف، وغادر بقواته وأسلحته وثرواته الي أوزباكستان.

كيف تمكن حوالي 60 ألفاً من مقاتلي الحركة، بأسلحة تقليدية ودون تدريب مناسب على أساليب الحرب الحديثة، من هزيمة أكثر من ربع مليون جندي بالجيش الأفغاني، مزودين بكل أنواع الأسلحة الحديثة، بما في ذلك سلاح الطيران، ويتلقون مساعدات دولية استثنائية؟.

E80yMLhXMAI_Wmo.jpg

مشهد السفارة الأمريكية في كابول 2021م والمروحيات الأمريكية وهي تقوم بإخلاء أعضاء السفارة في العاصمة الأفغانية هو نفس المشهد في سايجون 1975م، بعدما أرسل بايدن 5000 جندي لإجلاء دبلوماسييه وفي هزيمة هي الأكبر.

انتصرت طالبان وهُزمت أمريكا بعد عشرين عاماً من المقاومة الشعبية والصمود الأسطوري ووضوح البوصلة، في سيناريو مكرر بحرب العشرين عام التي انهزمت فيها أمريكا في فيتنام (1955-1975 لتؤكد أن غطرسة القوة تنهزم أمام إرادة الشعوب.

ولكن ما سر هذا الانهيار السريع؟ لماذا لم تصمد القوات الأفغانية برغم تدريبها وتسليحها الأفضل من طالبان ودعم أمريكا لها بضربات صاروخية؟

كيف يمكن تفسير تسليم ولايات وولاة أنفسهم بسلاحهم وطائراتهم إلى قوات طالبان الأقل عدة وسلاحاً؟

هل لأن أمريكا تحتل الدول وتدرب جيوش هذه الدول على القتال من دون عقيدة فتسقط هذه الجيوش عند أول امتحان ولا تنفعهم الدبابات والطائرات؟

أم لأن الشعب يعاني من فساد ذيول المحتل الأمريكي والانحلال الذي نشره المحتل في بلد مسلم محافظ؟

أم لأن طالبان اتبعت استراتيجية استنزاف وصمود تدريجية جعلت من المستحيل بقاء الحكم العميل لأمريكا؟

أم لنفس الشعور الذي شعر به العراقيون بعد احتلال الأمريكان لبلادهم وتحويلها إلى بلد محتل وتعيين عملاء لحكم البلاد فانتفض الشعب داعماً لطالبان؟

تشويه صورة طالبان

مع تقدم طالبان تحرك المتاجرون بـ (أطفال ونساء وشيوخ) أفغانستان في الإعلام الأجنبي وربط معظمهم أخبار أفغانستان بصور تُظهر معاناة (الأطفال والنساء والشيوخ) ليرتبط ذلك في شعور ولا شعور المشاهد بتقدم طالبان وأن هذه المعاناة ناتجة عن سيطرة الحركة.

رغم أن الحركة أعلنت بوضوح عفواً عاماً، وتسامحها مع الجميع حتى جنود السلطة ودعت الأفغان إلى ممارسة حياتهم بصورة طبيعية ومنعت جنودها من الانتقام من أحد، لا تزال الميديا الغربية (وتنقل عنها العربية) تصور طالبان “حركة متمردة” و”متمردين” وتنشر أكاذيب عن فرض الحجاب بالقوة والزواج من القاصرات!.

عندما احتلت الولايات المتحدة أفغانستان كان يسمع دوي انفجار ضخم كل 10 ثوان وكانت القرى تباد عن بكرة أبيها بالشيوخ والنساء والأطفال، ولم يدافع عنهم الإعلام الغربي ولا العربي.

الولايات المتحدة استخدمت ولازالت، طائرات B52 العملاقة لقصف كل ما تريد وما لا تريد، كما استخدمت (أم القنابل) لأول مرة في تاريخها في أفغانستان2017م وهي “قنبلة عصف هوائي جسيمة” تزن 9,8 أطنان، وتشكل أضخم سلاح غير نووي في الترسانة الأمريكية، ولم نشاهد أي شفقة على الأطفال.

فلماذا هذه “الإنسانية المخصوصة” الآن التي يستخدمها الإعلام الغربي والعربي لتشوية انتصار طالبان وهي حركة إسلامية تحارب لتخليص بلادها من المحتل.

سر الانهيار

سر انتصار طالبان الأول وصمودها طيلة عشرين سنة أمام أقوى تحالف على وجه الأرض، هو الحاضنة الشعبية، والشوق للشريعة الإسلامية وغضب الشعب المحافظ علي دينه من الانحلال والفساد الذي انتشر بعد الاحتلال.

ترحيب الشعب الأفغاني بطالبان أعطي مؤشراً واضحاً على أنه لا يريد أن يحكمه إلا من يطبق الشريعة ويرفضون انحلال رموز السلطة الذين جاء بهم المحتل الأجنبي.

لا يمكن تفسير استقبال الشعب الأفغاني لطالبان بالترحيب في المدن التي استولت عليها وأغلبها بالتسليم سلمياً على أنه خوف من الشعب من الحركة التي كانت تحكم البلاد حتى خلعها الغزو الأمريكي والبريطاني بالقوة عام 2001م.

وقد تصرفت طالبان بذكاء فهي أعلنت إنها تريد انتقالاً سلمياً للسلطة بكابل، وأمرت قواتها بعدم اقتحام المدينة عنوة، وحظرت أية عمليات انتقام.

واعلنت عفواً عاماً عن القوات الحكومية وطالبت من السكان عدم النزوح، ما يدل على أنها اليوم أكثر نضجاً وخبرة وذكاء مما كانت عليه قبل عقدين من الزمن واستفادت بدورها من أخطائها.

فالاحتلال الأجنبي لا يبني نظم ولا استقرار، لذا كان متوقعا أن ينهار النظام الأفغاني المتعاون مع الخارج.

فقد دمر الاستبداد والفساد مقدرات الشعب الأفغاني وقد تم رصد فيديوهات لحالة البذخ التي يعيش فيها قادة افغانستان في قصورهم بعد هربهم منها.

قبل 20 عاماً، قال الملا عمر عندما أعلنت أمريكا الحرب على أفغانستان: “لقد وعدنا الله بالنصر ووعدنا بوش بالهزيمة وسنرى أي الوعدين يتحقق؟ وقد تحقق وعد الله وعادت طالبان للحكم، ويبقي الاستفادة من دروس الماضي.

آخر التقييمات الاستخبارية الأمريكية كانت تقول إن طالبان سترفع أعلامها فوق كابول في 11 سبتمبر المقبل مع الذكرى العشرين لبدء الحرب على الإرهاب، وهذا ما حققته طالبان بالفعل.

المصدر: مجلة المجتمع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى