تقارير وإضاءات

كراهية مسلمي الروهنغيا في ميانمار وصلت إلى حد ترقية دبلوماسي وصفهم “بالمسوخ”

إعداد شاشانك بنغالي

يحظى الراهب ميوادي ساياداو الذي دائما ما يرتدي رداءه قرمزي اللون، بتقدير الجميع. وهو يعتبر نفسه محاربا بارزا في كفاح ميانمار طويل الأمد ضد الحكم العسكري. ويوجد داخل معبده نصب تذكاري حجري لطلاب قتلوا خلال الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية. وخلال سنة 2007، خرج هذا الراهب رفقة عشرات الآلاف من الرهبان في مسيرة سلمية وطنية جابت شوارع البلاد، دون خوف من التحديق في طوابير الجنود الذين كانوا في انتظارهم، وهي مسيرة أطلق عليها اسم “ثورة الزعفران”.

أما اليوم، وبعد حشد جهود الجيش لتكوين حكومة منتخبة، ألقى ميوادي ساياداو خطابا أشار فيه إلى ضرورة ضمان حقوق الإنسان والدعوة إلى الحوار بين الأديان. ولكن، عندما يتعلق الأمر بأكبر قضية سياسية مثيرة للجدل في ميانمار، التي تتمثل في إقصاء الجيش لمسلمي الروهنغيا، يفضل هذا الراهب التزام الصمت.

وحيال هذا الشأن، قال ميوادي وهو جالس في معبده البسيط خارج مدينة ماندالاي الشمالية، “إن بوذا يحب الجميع، فهو يعلمنا كيف نتخلص من آلامنا الداخلية، إلا أن ذلك لا يمكن أن يلهينا عن أداء واجبنا لحماية بلدنا”. كما أضاف هذا الراهب “إن معظم المسلمين من المتطرفين”.

في ميانمار، التي كانت تعرف في السابق باسم بورما، كان الكره تجاه الروهنغيا أعمق بكثير من الخوف من التهديد الذي يشكله الإرهاب الإسلامي، الذي وظفه الجيش لتبرير الإجراءات القمعية التي دامت لأربعة أشهر في الضاحية الغربية من أراكان. وبتعلة مكافحة الإرهاب، لم يتوان الجنود عن قتل واغتصاب وتشويه آلاف المسلمين من الروهنغيا. ووفقا لجماعات حقوق الإنسان الدولية، فر أكثر من 640 ألف شخص عبر الحدود إلى مخيمات اللاجئين في بنغلادش.

كانت الكراهية تجاه الأقلية المسلمة، في بلد تبلغ فيه نسبة البوذيين 90 بالمائة من إجمالي السكان، الدافع الذي يحرك الصراع الطائفي، والاقتصادي، والديني الشرس الذي أعلنه الجيش على مدى قرون. ولقد انتشرت هذه الكراهية بسهولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال مجموعة ذات مستوى تعليمي محدود تنشط في جنوب شرق آسيا.

في الواقع، يقوم هذا الصراع أساسا على الاختلافات العرقية: فسكان الروهنغيا الذين حرموا من حقهم في المواطنة، هم أكثر شبها من الناحية الجسدية والثقافية بشعب بنغلادش والهند، مقارنة بالأغلبية العرقية في ميانمار أو ما يعرف بالبرماويين. وبالعودة إلى التاريخ، يقول العلماء إن هذه الأقلية تنحدر من التجار العرب والفرس الذين استقروا منذ أكثر من ألف سنة فيما يعرف الآن باسم ميانمار الغربية.

تسببت هذه الاختلافات في انقسام هذا البلد الآسيوي، البالغ تعداد سكانه 50 مليون نسمة. وعلى الرغم من أن الرهبان والناشطين الطلابيين والعصابات العرقية وغيرهم من المعارضين قد قاوموا سابقا ظلم وانتهاكات الجيش، إلا أنه لم يتجرأ أي منهم على الدفاع عن حقوق أكثر الأقليات اضطهادا في البلاد.

في هذا السياق، ذكر ثيت سوي وين، مدير مركز الشباب والانسجام الاجتماعي، وهي منظمة غير ربحية في ميانمار، أن “جميع هؤلاء الناشطين الديمقراطيين، يكونون متحيزين عندما يتحدثون عن حقوق الإنسان والمواطنين، وغالبا ما يستثنون الروهنغيا من خطاباتهم”، ويبدو أنه “لا أحد يقف إلى جانب شعب الروهنغيا، وهذا هو سبب مأساتهم”.

طيلة سنوات، عمل جيش ميانمار على حشد البوذيين بتعلة أن هناك مؤامرة إسلامية تحاك ضدهم للسيطرة على البلاد. وبناء على ذلك، أعاد الجيش كتابة قوانين المواطنة لاستبعاد أقلية الروهنغيا من المشهد العام، وتجاهل في المقابل الرهبان المتعصبين الذين كانوا يحرضون على الكراهية ضد المسلمين.

وفي الوقت الحالي، يعمل الرهبان البوذيون مثل ميوادي ساياداو على التوفيق بين تعاليم بوذا الداعية للسلم وبين الهجوم العسكري الذي يستهدف أقلية مسلمي الروهنغيا، الذي يسميه البعض بالإبادة الجماعية.

في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، اجتاحت البلاد موجة من الاحتجاجات بعد الكلمة التي ألقاها أحد أكثر الرهبان نفوذا في البلاد، سيتاجو ساياداو، في قاعدة عسكرية، برر فيها سياسات التطهير العرقي. وفي حديثه عن هذه المسألة، استشهد ساياداو بحكاية ملك سريلانكي قديم نُصح بأن لا يحزن على قتل الهندوس خلال المعركة لأن من لا يدينون للبوذية ليسوا من البشر ولا يستحقون الحياة. من جهته، اعتبر ميوادي ساياداو أن تصريحات هذا الكاهن خطيرة، إلا أنه سرعان ما وجه أصابع الاتهام إلى وسائل الإعلام الدولية بحجة أنهم يبالغون في تصوير العنف المسلط ضد الروهنغيا.

وفي هذا السياق، أورد ميوادي ساياداو “لا ينبغي على الغرباء إلقاء اللوم على بلدنا بهذه السهولة، فنحن بحاجة إلى معرفة حقيقة ما حصل في ولاية أراكان، لأنه لا أحد منا يصدق ما يبثه الإعلام”. وعلى نحو مماثل، تعرضت مستشارة الدولة في ميانمار، أونغ سان سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام والتي قضت سنوات تحت الإقامة الجبرية، إلى التشهير على الصعيد الدولي نظرا لدفاعها عن الجيش. لكن هذا لا ينفي مدى الشعبية التي تتمتع بها.

ومن بين العشرات من المنظمات المدافعة على الأقليات العرقية، التي ناضلت ضد الجيش لفترة طويلة من أجل نيل حقوق أكبر، أصدرت منظمة واحدة فقط وهي منظمة نسائية ذات أغلبية مسيحية تمثل أقلية “كارين” العرقية، بيانا أدانت فيه الحملة العسكرية ضد الروهنغيا.

بسبب مساندته لقضية الروهنغيا، كان ثيت سوي وين البالغ من العمر 31 سنة، عرضة للانتقادات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نعتته الجماعات القومية بأبشع الألقاب الساخرة وأكثرها بشاعة مثل “حشرة”، بالإضافة إلى اتهامه بالحصول على رشاوى من الدول الإسلامية. وفي خضم هذه المحنة، قالت أم سوي وين إنها لم تتمكن من تقديم الدعم الكافي لابنها، فيما تخلى عنه أصدقاؤه. وحيال هذا الشأن، أكد هذا الناشط الحقوقي أن جل المعلومات التي يحصل عليها سكان ميانمار تتأتى من الدعاية الحكومية والجماعات القومية، التي تروج لفكرة أن هؤلاء الروهنغيا لا ينتمون إلى هذا البلد”.

عندما استولى الجيش على السلطة سنة 1962، بدأ في الترويج لرواية مفادها أن القوى الاستعمارية البريطانية هي التي جلبت الروهنغيا إلى ميانمار بشكل غير قانوني، ووظفت عمالا من بنغلادش والهند (حاليا) في أشغال تعبيد الطرق وإنشاء البنى التحتية. كما أرسى الجنرالات نظاما تربويا غرس فكرة التعصب الأعمى في المدارس بين أجيال من التلاميذ.

استرجع ناشط من الروهنغيا يدعى وقار الدين، الذي يشغل حاليا منصب أستاذ علم أحياء في جامعة بنسلفانيا ويدير رابطة مناصرة روهنغيا أراكان، ذكرياته حول هذه الدروس التي تلقاها في المدرسة عندما كان طالبا في الصف السادس في أواخر الستينيات في مدينة أراكان. وفي ذلك الوقت، روى لهم المعلم قصة وصف من خلالها الهنود بأنهم منظفو شوارع قذرين، مطلقا عليهم نعوتا بشعة، جعلت الطلاب البوذيين يضحكون ويصفقون تعبيرا عن استحسانهم لما كان يقوله.

كما تذكر أدين كيف كان اعتماد عبارات مهينة، على غرار كلمة “كلار” التي تستخدم لوصف ذوي البشرة الداكنة، متداولا بين عامة البورميين. وأضاف أدين قائلا: “لقد كانت تلك الكتب التعليمية تسمم عقولنا”. وبين أدين أن “الجيش هيأ أرضا خصبة للكراهية على مدى خمسين أو ستين سنة، من خلال تلقين هذه الأفكار المتعصبة لأطفال في الصف الثالث والرابع، وبالتالي يحصد الجيش نتائج هذه السياسة اليوم”.

ورغم مساعي حكومة ميانمار وبنغلادش إلى وضع خطة لإعادة لاجئي الروهنغيا إلى وطنهم ابتداءً من شهر كانون الثاني/ يناير، إلا أن مناخ الكراهية الذي تدعمه الدولة يجعل من إمكانية عودتهم أمرا مستحيلا.

في سياق متصل، أفاد أحد الناشطين الداعمين للروهنغيا، ناي سان لوين، الذي فر من ميانمار منذ 16 سنة ويعيش حاليا في ألمانيا: “لو كنا بوذيين، لكان أغلبية سكان بامار في صفنا، لكننا مسلمون وهذا ما يفسر السياسة الوطنية العنصرية التي ترفض وجود هذه الفئة في البلاد”.

وإلى جانب المدنيين والرهبان، يمكن للمسؤولين العموميين التعدي على أقلية الروهنغيا دون الخوف من المس بمكانتهم. وفي هذا الصدد، كتب القنصل العام لميانمار في هونغ كونغ رسالة إلى الديبلوماسيين الأجانب وصف فيها مسلمي الروهنغيا على أنهم “مسوخ داكنة البشرة”، في حين أن بشرة بني جنسه ناعمة ويتمتعون بمظهر حسن. وخلافا للمتوقع لم تلحق هذه الرسالة أي أضرار بمسيرته، حيث عينته الحكومة بعد ذلك سفيرا لها في سويسرا.

وخلال هذه السنة، عندما سأل صحفي من “البي بي سي” أحد مشرّعي ولاية أراكان عن الجنود الذين اعتدوا جنسياً على نساء من الروهنغيا، أجاب ضاحكا أن “الجنود لم يرتكبوا عمليات اغتصاب جماعية لأن نساء الروهنغيا قذرات للغاية”.

(المصدر: وكالة أنباء أراكان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى