أخبار ومتابعات

فتوى الشيخ د. محمد سليمان الفرا من غزة في حكم إقامة صلاة الجمعة في البيوت بسبب فيروس كورونا

فتوى الشيخ د. محمد سليمان الفرا من غزة في حكم إقامة صلاة الجمعة في البيوت بسبب فيروس كورونا

? حكم إقامة صلاة الجمعة في البيوت بسبب فيروس كورونا

راسلَنِي عددٌ مِن طلبةِ العلمِ القاطنينَ فِي البلدانِ التِي ابتُليَت بوَقفِ الجُمُعَاتِ والجمَاعَاتِ فِي المساجِدِ بسببِ بلاءِ فيروس كورونا، وسؤالُهم هوَ هلَ يجوزُ عقدُ صلاةِ الجُمعَةِ في البيوتِ مَع الأهلِ، أم يصلُّونَهَا ظهراً، خاصَّةً وأنه قَد نُقِلَ عَن بعضِ أهلِ العلمِ أنَّ الجُمعَةَ تنعقِدُ باثنينِ فقط.

وأقولُ مُستعيناً باللهِ فِي جوابِ هذا السُّؤالِ:

إنَّ اعتبارَ العددِ الذِي تنعقدُ بِهِ الجمعةُ، والخَلافَ فيهِ ليسَ كافياً فِي الإجابَةِ علَى هذَا السُّؤالِ، وإنما هناكَ اعتباراتٌ شرعيَّةٌ: فقهيَّةٌ، وأثريَّةٌ، ومقاصديَّةٌ، حاكمَةٌ لهذِهِ المسألَةِ، وإليكَ بيانَها في النَّقاطِ الثَّلاثِ التَّاليَةِ:

أولا: الاعتبَارُ الأثَرِيُّ: فالأصلُ فِي العبَادَاتِ أنَّهَا توقيفيَّةٌ قائمةٌ على الاتِّباعِ، لا يجوزُ أداؤُهَا إلَّا علَى وفقِ ما جاءَ بِهِ النبيُّ ﷺ، ولم يُؤثَر عَن رسولِ اللهِ ﷺ، ولَا عَن الصَّحابَةِ الكرامِ أنَّهُم أقامُوا صلاةَ الجمعَةِ فِي بيوتِهِم، ومَع أهليهِم، رُغمَ أنَّ المدينَةَ المنوَّرَةَ مَرَّ عليهَا أيامُ بَردٍ، وخَوفٍ، ومطرٍ، وريحٍ، وغيرِها مِن الأعذارِ التِي جُمِعَت لأجلِهَا الصَّلواتُ، ونودِيَ فيهَا أن صَلُّوا فِي رحالِكُم.

ثانيا: الاعتبارُ المَقصديُّ: إنَّ المقصِدَ مِن صلاةِ الجُمُعَةِ اجتماعُ النَّاسِ، والتقاؤُهُم فِي صعيدٍ واحدٍ، وهذَا المعنَى واضِحٌ في اسمِهَا، فَهِيَ جمعَةٌ تجمعُ أهلَ البلدَةِ الواحِدَةِ، أو المِصرِ الواحِدِ للاستماعِ إلَى خطيبٍ واحدٍ، ولذلكَ اختَلفَ العلمَاءُ في حُكمِ تعدُّدِ الجَماعَاتِ فِي البلدِ الواحِدِ، ولا شكَّ أنَّ صَلاتَهَا فِي البَيتِ ولو لِعُذرٍ، تُفِيتُ هذَا المقصِدَ.

ثالثا: النَّظرُالفقهيُّ الجزئيُّ: فقَد اختَلفَ العُلماءُ فِي العدَدِ الذيِ تَنعَقِدُ بِهِ الجُمُعةُ، وصفةِ المكانِ الذي تنعقدُ فيهِ على مذاهبَ:

1. ذَهَبَ الحنفيَّةُ فِي المُعتمَدِ إلَى إنَّهُ لَا يُشتَرَطُ لصحَّةِ صَلاةِ الجُمُعَةِ إقامَتُهَا فِي المَسجدِ، بَل يكفِي أقامَتُهَا فِي كُلِّ بَلْدَةٍ نُصِبَ فِيهَا قَاض، بشرطِ انعقادِهَا بأربعَةٍ منهُم الإمَامُ، واشترَطُوا في المكانِ المُتَّخذِ لصلاةِ الجُمعَةِ أن يكونَ مأذوناً فيهِ إذناً عامّاً للنَّاسِ؛ فلا تصِحُّ فِي البَيتِ؛ لأنَّهُ ليسَ مُباحاً دخوُلُه للعامَّةِ.

2. وذهَبَ المَالكيَّةُ إلَى أنَّ الجمُعَةَ تنعقِدُ باثنَي رجُلاً ممَّن تجِبُ عليهِمُ الجمعةُ، إضافةً إلى الإمامِ، ومعلومٌ أنَّ الجمعَةَ لا تنعقِدُ بالمرأةِ، ولا الصَّبيِّ المميِّزِ، وإن كانَت تصِحُّ منهُمَا، ونصُّوا علَى أنَّ الجمعَةَ لَا تَجُوزُ فِي غَيرِ المَسجِدِ.

3. أمَّا الشَّافعيَّةُ والحنابِلَةُ فيشتَرطُونَ لانعقادِ الجُمُعةِ حضورَ أربعِينَ رَجُلاً مِمَّن تَجِبُ عليهِمُ الجمعَةُ، وإن صحَّحُوا عدَمَ اشتراطِ المَسجِدِ، واكتَفُوا بإقامَتِهَا فِي خُطَّةِ أَبْنِيَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ، علَى ما اختارَهُ الشَّافعيَّةُ، وَصَحَّحَ الحَنَابِلَةُ إِقَامَتَهَا فِي الصَّحَارِي، وَبَيْنَ مَضَارِبِ الخِيَامِ.

وعليهِ؛ فلا تَصِحُّ الجُمعَةُ فِي البيتِ عندَ الحنفيَّةِ؛ لأنَّ البيتَ ليسَ مكاناً عامّاً، ولا عندَ المَالكيَّةِ لأنَّهُم يشتَرِطُونَ المَسجِدَ، ولا عندَ الشّافعيَّةِ والحنابلةِ؛ إلَّا إذَا بلغَ عدَدُ الحاضِرِينَ أربعِينَ رجُلاً ممن تجبُ عليهِمُ الجمعةُ، كما أنَّهُ لا حاجَةَ للتَّلفِيقِ بينَ المذَاهِبِ، بالإضافةِ إلى إنَّ الخَوفَ مِن المرَضِ سبَبٌ معتبرٌ لتَركِ الجُمُعَةِ والجمَاعَةِ فِي قَولِ عامَّةِ أهلِ العِلمِ.

وبناءً علَى ما سبقَ يمكن القولُ: إنَّ مَن حبسَهُ العُذرُ، أو منَعَهُ المرَضُ، أو حالَ العَزلُ بينَهُ صلاةِ الجمعةِ مع العامَّةِ، ولم يستطع الخروجَ من بيتِهِ؛ فإنَّهُ يُصلِّيهَا ظُهراً أربعاً، ولهُ أجرُ الجمعَةِ؛ لأنَّ الذِي منَعَهُ هُو العُذرُ؛ لحديثِ أبِي مُوسَى الأشعريِّ رضيَ اللهُ عنهُ أنّ النَّبيّ ﷺ قالَ: (إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) (البخاري: 2996).

واللهُ تعالَى أعلمُ.

✍ محمد سليمان نصر الله الفرا
الجمعة 25 رجب 1441 هـ
الموافق 20 آذار 2020 م

 

(المصدر: قناة د. وصفي أبو زيد على التيليجرام)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى