كتاباتكتابات المنتدى

طوفان الأقصى وحروب الذاكرة (1)

المواطن الأمريكي

طوفان الأقصى وحروب الذاكرة (1)

المواطن الأمريكي

 

بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)

 

إن تاريخ اللحظة الغزية الفلسطينية المباركة التي انطلقت في السابع من أكتوبر عام 2023م، يحتاج من ينقذه من التشويه والتسطيح في وعي العرب والمسلمين من ناحية، وفي وعي الناس العاديين من العالمين من ناحية أخرى، قبل أن يدفن في محارق الآلة الإعلامية والبحثية الغربية الصهيونية وتابعيها من ملوك الطوائف وسامرييهم الكثر في بلادنا.

فتداعيات غزوة الأقصى تندرج في إطار ذاكرات مختلفة ومتباينة في شرق العالم وغربه وشماله وجنوبه صارخة في نفس وقلب وعقل كل صاحب فطرة سليمة من العالمين أن هبوا لنجدة المظلومين.

ففي عالم العرب والمسلمين وجدت ردود أفعال متباينة في أروقة الحكم وفي ساحات الشوارع والبيوت وتغيرت القلوب كثيرا والأولويات والتوجهات. وتم استدعاء ذاكرات مختلفة للنصر من الشعوب بدلاً من الذاكرة المهزومة للحكام والتي كانت لها الصدارة حتى مساء يوم السادس من أكتوبر 2023م. وفي عالم غير العرب والمسلمين خفتت ذاكرة إسرائيل المظلومة والعرب الظالمين لصالح ذاكرة فلسطين المجاهدة وإسرائيل المجرمة.

وانطلاقا من ذلك نحاول في هذا المقال وما يليه من مقالات الوقوف على تغيرات الذاكرة في المجتمعات المختلفة حول العالم فيما يخص قضية فلسطين، وواجبنا كعلماء وباحثين ودعاة وسياسيين إزاء ذلك، وذلك من أجل الحفاظ على نقاء الذاكرة الجديدة للعالمين بخصوص الحق والباطل فيما يجري في فلسطين، ويتناول هذا المقال الذاكرة الأمريكية بخصوص فلسطين وما يجري فيها.

فبينما تدور رحى الحرب في غزة وعليها، وفي عموم فلسطين بدرجة أو بأخرى، ويعلو صوت الرصاص يحصد أرواح الأطهار الشهداء من الذين صدقوا من أهل فلسطين الأبرار من النساء والرجال والولدان، نجد على الجانب الآخر على المحيط الأطلنطي تدور رحى معركة رهيبة أخري وفتنة أشد خطرا وفتكا على أهل فلسطين وعلى الأمة العربية والإسلامية بأسرها، تستخدم فيها أقذر الوسائل التي عرفها الإنسان بتحالفه مع الشيطان والتي هي بتعبير القرآن “أشد من القتل”، إنها معارك الذاكرة والوعي التي تدور رحاها على :شاشات الفضائيات، وعلى شاشات الأنترنت وتويتر وغيرها من الوسائط الاجتماعية، وبين صفحات الصحف والمجلات والكتب، وفي مقاعد الدراسة في المدارس والجامعات، وفي مراكز التفكير والبحث، وفي أروقة وكالات الإعلان والترويج والتسويق، كل ذلك تم تجييشه وتمويله واستنفاره من قبل فسطاط الكفر والنفاق والاستكبار العالمي الأمريكي الصهيومسيحي من أجل مهمة واحدة هي أم المهمات في الأيام والعقود القادمة مما تبقى من هذا القرن من أجل استدراك ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي وما أحدثته غزوة طوفان الأقصى من زلازل في وعي وذاكرة الأمريكان؛ وخصوصا الأجيال  الجديدة منهم، بخصوص فلسطين: قضية القضايا وبؤرة تنازع الديانات الثلاث الكبرى على أرض المقدسات، وتنازع القوى المستكبرة على مفترق طرق المواصلات بين قارات العالم، ومرتكز غالب ثروات العالم اليوم ومفتاح كنز الدنيا الجديد لقرن قادم في إفريقيا وآسيا.

إن المتابع لما تخرجه المصادر الإعلامية والبحثية والإعلانية الأمريكية بشكل لحظي في كل جنبات القارة الأمريكية، وما يقوم به قادة فسطاط الكفر والنفاق والصد عن سبيل الله من قيادات الفكر والإعلام المتصهينين في أمريكا يذهل من كم الجهد المبذول من جهة، وحجم الرعب والخوف والزلزلة التي أصابت القائمين على مشروع الاستيلاء على قلوب وعقول الأمريكان لصالح مصالحهم الخاصة في العالم؛ وخصوصا في بلاد الإسلام المسلمين، وفي القلب منها فلسطين بؤرة التنازع بين المشروع الإسلامي والمشروع الغربي، مما أحدثته غزوة طوفان الأقصى في العقل الجمعي الأمريكي وفي الذاكرة الحضارية لأبناء آدم ممن لم يفقدوا بعد فطرتهم في أمريكا.

تتداعى هذه المراكز العلمية والإعلامية والسياسية والإعلانية لتنتج افكارا جديدة وتبتكر طرقا لعرض الافكار وتدريسها ودمجها في مناهج التعليم وفي برامج الإعلام لتوجيه الأمريكان الذين تفتح وعيهم على حقيقة الصهيونية ودولة الكيان الصهيوني المجرمة حتى لا تظل نوافذ وعيهم مفتوحة على ما حدث والذي فتح الصندوق المغلق الذي كان محظورا عليهم أن يفتحوه أو يعرفوه، على حقيقة ما يجري في العالم منذ قرنين لأهل فلسطين.
فبينما يتابع الأمريكان الأحداث في غزة، ما تسفر عنه من شهداء وجرحى بالمئات يوميا بخلاف الملايين المعرضين للمجاعة والطرد والتشريد، ويتعاطفون مع ذلك بما في مقدرتهم من تظاهر وحديث وكتابة وتبرعات ومقاطعة للكيان الغاصب، نجد أن آلة دعم الصهيونية في مؤسسات القرار والإعلام ومؤسسات التفكير الأمريكية تعمد إلى جعل التغطية الإخبارية تعبر عن دعم كامل للجانب الإسرائيلي.

فالخطاب السياسي الأمريكي، وأصدائه في وسائل الإعلام الأمريكية، وخصوصاً المحطات التلفزيونية الأمريكيّة بدءاً من السي إن إن (CNN) ووصولاً إلى فوكس نيوز (Fox News) وغيرها من الوسائط الاجتماعية والإعلامية المؤثرة يطفح بتحيز غير معقول يصل لحد الهوس بدعم الكيان الصهيوني من منطلق مصالحي وديني في آن واحد.

فالمتابع لهذا الإعلام المرئي والمقروء سيجد أن هناك تركيزا حصرياً على “معاناة المدنيين في إسرائيل” وتجاهل معاناة المدنيين الفلسطينيين. فمحطات التلفزيون الأمريكية، المعروفة بتغطيتها العرضية والسطحية للشؤون الدولية، تخصص الآن 24 ساعة يومياً لتغطية هجمات حماس على إسرائيل، وتتبنى سردية “إسرائيل في حالة حرب” أسوة بالخطاب السياسي للحكومة الأمريكية، وتشكل هذه التغطية رسالة تضامن ودعم قوية للجانب الصهيوني ضد أهل فلسطين.

وتفعل تلك المؤسسات المختلفة ذلك حتى تبقي على سردية إسرائيل الديموقراطية في صحراء العرب المسلمين المتوحشين، بل وتزيدها كذبا وبتانا وتزويرا بكل الوسائل حتى تجعل دفاع حماس عن حق الفلسطينيين في أرضهم وأرضنا ومقدساتنا “غير مبرّر”، لتستمر الرواية الكاذبة وتضيع الرواية الصادقة المفقودة عما حدث ويحدث في فلسطين من أكثر من قرنين.

 وهم يفعلون ذلك بحرفية عالية مدججين بكل أسلحة العلم والإعلام والإعلان الحديثة، ووسائلهم المختلفة المرئية والمسموعة والمكتوبة، حتى يظل المواطن الأمريكي غافلا عما يعمل الظالمون من الصهاينة والأمريكان في فلسطين من قتل ونهب وسرقة للأرض وللأرواح والمقدسات، وحتى يحولوا بينه وبين تزوده بالمعارف المطلوبة لترسيخ وعيه بالحقائق المتعلقة بطبيعة الصراع في ضوء الوقائع الجديدة التي كشفت له جزءا من الحقيقة التي ظلت غائبة عنه ومغيب عنها طوال قرنين كاملين، خاصة أن الأمريكي العادي لا يملك إلا معرفة محدودة بالشؤون الدولية.

هذه ملاحظات مهمة يجب على قادة الفكر والثقافة والسياسة والدعاة في عالمنا العربي والإسلامي أن يولوها الأهمية الواجبة وكيف يمكن معالجتها اليوم وغدا؟ حتى لا تنتهز الأصوات الباطلة التي تحدثنا عنها فرصة غياب أي شرح مبسط ومكثف ومستمر للقضية لهؤلاء المواطنين اليوم وغدا  فتسيطر على السردية الخاصة بالقضية من جديد، ومن ثم فسوف ستكون النتائج مدمرة على المدى القصير والطويل معا على قضية فلسطين في أمريكا، ولن تكون سوى انتكاسة كبيرة لما أحدثته غزوة طوفان الأقصى من تغيرات في عقول وقلوب الأمريكان البسطاء تجاه قضيتنا المحورية فلسطين. فهل من مشمر لجهد حقيقي لصالح قضيتنا؟؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى