متابعات

حكمُ صلاةِ العيدِ في البيوتِ في ظلِّ جائحةِ كورونا – الشيخ أ. د. حسام الدين عفاتة

حكمُ صلاةِ العيدِ في البيوتِ في ظلِّ جائحةِ كورونا – الشيخ أ. د. حسام الدين عفاتة

يقول السائل: في ظل جائحة كورونا وفرض منع الحركة على الناس يوم العيد في بلادنا فهل نصلي صلاة العيد في البيوت، أفيدونا؟

الجواب:

أولاً: صلاةُ العيد من السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت بالتواتر في أحاديث كثيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة العيد. وصلاةُ العيد سنةٌ مؤكدةٌ على قول جمهور الفقهاء، لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وهي عند الحنفية واجبةٌ على القول الصحيح المُفتى به، وقال الحنابلة إنها فرضُ كفايةٍ.انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 27/240.

وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العيدين في مُصَلَّى العيد، وهو ليس المسجد النبوي، وإنما كان أرض خلاءٍ، لذا قال جمهور العلماء إنها تُصلى في الخلاء – المُصَلَّى -باستثناء أهل مكة، فالأفضل فعلها في المسجد الحرام، لشرف المكان، ومشاهدة الكعبة، وذلك من أكبر شعائر الدِّين.انظر الفقه الإسلامي وأدلته 2/369.

وقد ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ، وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ ) رواه البخاري ومسلم .

ثانياً: في ظل جائحة كورونا في أيامنا هذه، وفرض منع الحركة على الناس يوم العيد في بلادنا، وتعذر إقامة صلاة العيد في المساجد وفي المصليات، فيجوز أن نصلي صلاة العيد في البيوت. وهذا هو المأثور عن السلف في حقِّ من فاتته صلاة العيد مع الإمام، فله أن يقضيها على صفتها، أي أنه يصلي ركعتين، ويجهرُ فيها بالقراءة، ويكبر التكبيرات الزوائد، سبعٌ في الركعة الأولى، وخمسٌ في الركعة الثانية، لأن هذا أصحُّ ما ورد في عدد التكبيرات

الزوائد عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن فاتته صلاة العيد يصليها بدون خطبةٍ، لأن الخطبة مشروعةٌ مع الجماعة. قال الإمام البخاري في صحيحه:[ باب إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ وَمَنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ وَالْقُرَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَذَا عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ) وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلَاهُمْ ابْنَ أَبِي عُتْبَةَ بِالزَّاوِيَةِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ وَصَلَّى كَصَلَاةِ أَهْلِ الْمِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْلُ السَّوَادِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْعِيدِ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ الْإِمَامُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ]

وذكر الحافظ ابن حجر أن أثر أنس المذكور قد وصله ابن أبي شيبة في المصنف، وقولـه “الزاوية” اسم موضع بالقرب من البصرة كان به لأنس قصرٌ وأرضٌ وكان يقيم هناك كثيراً.

وقول عكرمة وعطاء وصلهما ابن أبي شيبة أيضاً] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 3/127-128.

وروى البيهقي بإسناده عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:[ كان أنس إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام، جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد ].

ثم قال البيهقي:[ ويذكر عن أنس بن مالك أنه كان بمنزله بالزاوية فلم يشهد العيد بالبصرة جمع مواليه وولده ثم يأمر مولاه عبد الله بن أبي عتبة فيصلي بهم كصلاة أهل المصر ركعتين ويكبر بهم كتكبيرهم ]

وذكر البيهقي أن عكرمة قال:[ أهل السواد -أهل الريف- يجتمعون في العيد يصلون ركعتين كما يصنع الإمام.

وعن محمد بن سيرين قال: كانوا يستحبون إذا فات الرجل الصلاة في العيدين أن يمضي إلى الجبان – أي الصحراءُ – فيصنع كما يصنع الإمام. وعن عطاء إذا فاته العيد صلى ركعتين ليس فيهما تكبيرة ] سنن البيهقي 3/305 .

وروى عبد الرزاق بإسناده عن قتادة قال:[ من فاتته صلاة يوم الفطر صلى كما يصلي الإمام.

قال معمر: إن فاتـت إنساناً الخطبة أو الصلاة يوم فطر أو أضحى ثم حضر بعد ذلك فإنه يصلي ركعتين] مصنف عبد الرزاق 3/300-301.

وروى ابن أبي شيبة أيضاً بإسناده عن الحسن البصري قال:[ فيمن فاته العيد يصلي مثل صلاة الإمام.

وروى أيضاً عن إبراهيم النخعي قال: إذا فاتتك الصلاة مع الإمام فصل مثل صلاته].

قال إبراهيم:[ وإذا استقبل الناس راجعين فلتدخل أدنى مسجد ثم فلتصل صلاة الإمام ومن لا يخرج إلى العيد فليصل مثل صلاة الإمام ].

وروى عن حماد في من لم يدرك الصلاة يوم العيد قال:[ يصلي مثل صلاته ويكبر مثل تكبيره ] مصنف ابن أبي شيبة 2/183-184.

وبمقتضى هذه الآثار قال جمهور أهل العلم إن من فاتته صلاة العيد صلى ركعتين كما صلى الإمام مع التكبيرات الزوائد.

ومن العلماء من قال: يصليها أربعاً واحتج بأثرٍ واردٍ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال:[من فاته العيد فليصل أربعاً] ولكنه منقطعٌ كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 3/121 .

ومن العلماء من خيَّره بين صلاة ركعتين أو أربع ركعات.

وأولى الأقوال هو القول الأول وهو أنه يقضيها ركعتين كأصلها، ولا يصح قياسها على الجمعة، فمن فاتته الجمعةُ صلى أربعاً، أي الظهر لأن الجمعة إنما تفوت إلى بدلٍ وهو الظهر.

قال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[ وإن شاء صلاها على صفة صلاة العيد بتكبيرٍ، نقل ذلك عن أحمد إسماعيل بن سعد واختاره الجوزجاني، وهذا قول النخعي ومالك والشافعي وأبي ثور وابن المنذر لما روي عن أنس: أنه كان

إذا لم يشهد العيد مع الإمام بالبصرة جمع أهله ومواليه ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه، فصلى بهم ركعتين يكبر فيهما،ولأنه قضاءُ صلاةٍ، فكان على صفتها كسائر الصلوات، وهو مخيرٌ إن شاء صلاها وحده، وإن شاء في جماعة. قيل لأبي عبد الله-أي الإمام أحمد-: أين يصلي؟ قال: إن شاء مضى إلى المصلى وإن شاء حيث شاء] المغني 2/290.

ونقل القرافي أن مذهب الإمام مالك كما في المدونة أنه يستحب لمن فاتته صلاة العيد مع الإمام أن يصليها على هيئتها. الذخيرة 2/423.

وقال الإمام الشافعي:[ ونحن نقول:إذا صلاها أحدٌ صلاها كما يفعل الإمام يكبر في الأولى سبعاً وفي الآخرة خمـسـاً قبل القراءة ] مـــعـرفـة الـسـنـن والآثـار 5/103 .

وذكر المرداوي الحـنـبـلي أن المذهب عند الحنابلة هو أنها تقضى على صفتها. الإنصاف 2/433.

واختارت هذا القول اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية برئاسة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز – يرحمه الله – فقد جاء في فتواها:[ ومن فاتته وأحب قضاءها استحب له ذلك فيصليها على صفتها من دون خطبة بعدها، وبهذا قال الإمام مالك والشافعي وأحمد والنخعي وغيرهم من أهل العلم، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:(إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا) وما روي عن أنس رضي الله عنه أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فيصلي بهم ركعتين يكبر فيهما] فتاوى اللجنة الدائمة 8/306 .

ثالثاً:لا بد من التذكير أن من شعائر العيد التكبير، ويبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان، أي من ليلة العيد ويدل على ذلك قول الله تعالى:{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}سورة البقرة الآية 185. قال زيد بن أسلم:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ }إذا رأى الهلال، فالتكبيرُ من حين يَرى الهلال حتى ينصرف الإمام، في الطريق والمسجد، إلا أنه إذا حضر الإمامُ كفّ فلا يكبرِّ إلا بتكبيره).

وصفة التكبير كما وردت عن ابن مسعود رضي الله عنه: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) ذكره ابن أبي شيبة في المصنف.

ويكون التكبير في عيد الفطر جهراً، وهو قول جمهور الفقهاء، واحتجوا بقوله تعالى:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} قال ابن عباس:هذا ورد في عيد الفطر بدليل عطفه على قوله تعالى:{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} والمراد بإكمال العدة بإكمال صوم رمضان.

ولما روى نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين مع الفضل بن عباس وعبد الله بن عباس وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وأيمن بن أم أيمن رافعاً صوته بالتهليل والتكبير، ويأخذ طريق الحدادين حتى يأتي المصلى] الموسوعة الفقهية الكويتية 13/213-214.]

رابعاً: يستحب الغُسل للعيد والتطيب والتزين والتجمل ولبس الملابس الجديدة، قال الإمام البخاري في صحيحه:[باب في العيدين والتجمل فيهما، ثم ذكر حديث ابن عمر قال: أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله:ابتع هذه تجَّمل بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما هذه لباس من لا خلاق له). فلبث عمر ما شاء الله أن يلبث ثم أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة ديباج فأقبل بها عمر فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنك قلت (إنما هذه لباس من لا خلاق له. وأرسلت إليَّ بهذه الجبة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبيعها أو تصيب بها حاجتك) صحيح البخاري.

ولما روي في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر والأضحى) رواه ابن ماجة، وإن اقتصر على الوضوء أجزأه، ويستحب أن يتزين ويتنظف ويحلق شعره ويلبس أحسن ما يجد ويتطيب ويتسوك، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسُ في العيدين بُرْدَيْ حَبْرَة) أخرجه ابن مردويه.

وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما على أحدكم أن يكون له ثوبان سوى ثوب مهنته لجمعته أو لعيده) أخرجه ابن السكن في صحيحه. الموسوعة الفقهية الكويتية 31/115-116.

ويستحب أن يأكل الشخص تمراتٍ قبل صلاة العيد، قال الإمام البخاري في صحيحه:[باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج ثم ذكر حديث أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات) صحيح البخاري.

وينبغي التذكير بإخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد، لما ثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه قال:(فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه البخاري ومسلم.

وخلاصة الأمر:

أن صلاة العيد من السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت بالتواتر في أحاديث كثيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة العيد. وصلاةُ العيد سنةٌ مؤكدةٌ على قول جمهور الفقهاء.

وأنه في ظل جائحة كورونا في أيامنا هذه، وفرض منع الحركة على الناس يوم العيد في بلادنا، وتعذر إقامة صلاة العيد في المساجد وفي المصليات، فيجوز لنا شرعاً أن نصلي صلاة العيد في البيوت ونصليها ركعتين، ونجهرُ فيها بالقراءة، ونكبر التكبيرات الزوائد، سبعٌ في الركعة الأولى، وخمسٌ في الركعة الثانية.

وأنه لا بد من التذكير أن من شعائر العيد التكبير، ويبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان، أي من ليلة العيد.

وأن من السنة المستحبة الغُسل للعيد والتطيب والتزين والتجمل ولبس الملابس الجديدة.

وأنه يستحب أيضاً أن يأكل الشخص تمراتٍ قبل صلاة العيد.

وأنه ينبغي التذكير بإخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد.

والله الهادي إلى سواء السبيل

(المصدر: شبكة يسألونك الإسلامية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى