كتاباتكتابات مختارة

كيف تحول المغول إلى إمبراطورية إسلامية؟

كيف تحول المغول إلى إمبراطورية إسلامية؟

بقلم علاء الدين السيد

هل تحب الأفلام التاريخية العربية؟ ربما شاهدت الكثير من الأفلام التي تتحدث عن قصص المغول واجتياحهم العالم، وكيف قضوا على الخلافة الإسلامية في بغداد، وربما كادوا يقضون على الدولة الإسلامية بالكامل، لولا أن أوقفهم «قطز» في معركة «عين جالوت» الشهيرة.

لكن، هل شاهدت أيًا من الأفلام التاريخية للسينما الهندية – بوليوود؟ ربما لا يفضل البعض السينما الهندية؛ بسبب طبيعتها الدرامية أو الاستعراضية المبالغ فيها، على حد وصف البعض، لكن لو جربت مشاهدة عدد من أفلامها التاريخية؛ فستلاحظ أمرًا غريبًا قد يجهله البعض منا.

السينما الهندية بشكل عام غير عنصرية، وتعبر بشكل رائع عن الاختلافات العرقية والدينية واللغوية المنتشرة في جميع أنحاء الهند، لذلك تجدهم لا يسيئون في أفلامهم إلى عرقية أو ديانة معينة، بل على العكس، فهم يبرزون ويؤكدون على التعايش بين الأديان. هذا الأمر يتضح في تناولهم للتاريخ في السينما، فهم يعرفون أن تاريخ الهند ممتد عبر عدة ديانات أيضًا، وبالتالي تجد احترامًا وتقبلًا واضحًا، وإبرازًا لكل ديانة أو عرقية في الأفلام التاريخية.

عدد من هذه الأفلام يتحدث عن فترة حكم المغول للهند، لكنها تتحدث عن المغول كمسلمين أو كإمبراطورية إسلامية سيطرت على مساحات واسعة من شبه الجزيرة الهندية، والتي حكمت بالكثير من القوة والعدل. هنا يبرز السؤال: كيف أصبحت الدولة المغولية دولة مسلمة، بعد أن كادت تتسبب هذه الدولة في القضاء على الدولة الإسلامية بالكامل؟ كيف تحول المغول الذين كانوا يتميزون بجميع هذه الصفات التي لا تمت للإنسانية من الوحشية والقسوة والإبادة إلى دين الإسلام؟

المغول

المغول هم قبائل رعوية يعود أصلها إلى صحراء في أقصى شمال الصين، وكانوا يعبدون الأوثان والشمس وغيرها، فقد كانوا قومًا متساهلين في الديانات وكانوا يتبعون أكثر من ديانة في نفس الوقت، من بينها ديانة الشامانية، وهي دين بدائي يتميز بالاعتقاد بوجود عالم محجوب هو عالم الآلهة والشياطين، ويمارس كهنتهم السحر لعلاج المرضى والسيطرة على الأحداث.

وحتى نكون أكثر دقة، يستخدم لفظ التتار (وهو المستخدم لوصف الجيوش التي اجتاحت العالم) في وصف قبائل المغول والترك والإيغور والسلاجقة من قاطني مناطق شمال الصين وما حولها.

ويعرف بعضنا قصة كيف ظهر للمغول قائد جديد يملك مواهب عسكرية وسياسية فذة، هو جنكيز خان، الذي تمكن من جمع قبائل المغول والترك وغيرهم في الأعوام الأولى للقرن الـ13، وبدأ يسن لهم القوانين ويجمعهم حوله من أجل زيادة نفوذ مملكته الوليدة. في ذلك الوقت، كانت هناك دولة إسلامية تتوسع في القارة الأسيوية هي الدولة الخوارزمية، والتي كان يقودها «علاء الدين محمد الخوارزمي» والملقب باسم محمد شاه خوارزم.

عام 1206، وهو نفس عام سيطرة «جنكيز خان» على كامل منغوليا، تمكن «محمد شاه» من السيطرة على أفغانستان، ثم سيطر عام 1207 على سمرقند، ليتحدى بعدها جنكيز خان، الذي أرسل رسل لشاه خوارزم من أجل عقد علاقات تجارية، لكن الأخير قتلهم بعدما ظن أحد أمرائه خطأ أنهم جواسيس نتيجة خوفه من القدرات المبالغ فيها التي سمعها عنهم، ليبدأ جنكيز خان غزوه للدولة الخوارزمية والتي انتهت فعليًا عام 1231.

توفي جنكيز خان عام 1227 بعدما جعل إمبراطوريته على مساحة أكبر أربع أضعاف من الإمبراطورية الرومانية، والتي قسمها قبل وفاته على أبنائه الأربعة «جوجي خان» و«جغطاي خان» و«أوقطاي خان» و«تولي خان». تولى تولي خان حكم خراسان مع أمل مستقبلي في التوسع تجاه العراق وديار بكر بعدما تمكن بالفعل من بسط سيطرته على كافة الإمارات الفارسية ووصل إلى حدود العراق، لكنه توفى عام 1229 وخلفه ابنه هولاكو.

من هنا يعرف غالبيتنا بقية القصة المتعلقة بسقوط بغداد وأجزاء من الشام حتى بات المغول على أبواب مصر، حتى تمكن سيف الدين قطز من هزيمتهم في معركة عين جالوت.

وبالعودة إلى أبناء جنكيز خان، فقد تولى ابنه الأكبر جوجي خان حكم القوقاز وأجزاء من روسيا، وتعود بداية دخول المغول للإسلام إلى الابن الرابع لجوجي خان، بركة خان، الذي كان زعيم القبيلة الذهبية (أو مغول الشمال وهم أحد أقسام الإمبراطورية المغولية).

بركة خان

أسلم بركة خان عام 650 هجرية (1252 ميلادية)، ويعود الفضل لإسلامه – طبقًا لبعض الروايات – إلى الشيخ الصوفي «نجم الدين كبرى»، وهو أحد أعلام الصوفية والملقب بـ«صانع الأولياء»؛ لكثرة من تخرج تحت يديه من شيوخ التصوف المعروفين. بعد رحلة تعلم الحديث والتصوف، عاد نجم الدين إلى مدينته خوارزم، حيث بدأ يعلم تلاميذه ويتعهدهم بالمعرفة الإسلامية.

أحد أبرز وأهم تلاميذ هذا الشيخ كان «سيف الدين الباخرزي»، الذي أسلم بركة خان على يديه، ويقول الصوفيون: إن إسلام بركة خان هي إحدى بركات الشيخ نجم الدين كبرى، الذي قتل على يد المغول عندما اجتاحوا خوارزم، وهو يدور دورة الصوفية الشهيرة، بعدما كانت يده تقبض على شعر أحد جنود المغول؛ ليتلقى الأسهم والنبال وهو رافع رأسه للسماء قائلًا «إن شئت فاقتلني بالهجر أو بالوصال».

وكان نجم الدين قد بث دعاته في عدة أقطار للدعوة إلى الإسلام، وكان من تلاميذه سيف الدين الباخرزي الذي أرسله إلى بخارى، فأرسل الباخرزي أحد تلاميذه إلى بركة خان فدعاه إلى الإسلام، وبين له عقائده وشرائعه، فاستجاب له وأسلم. بعد ذلك توجه بركة خان إلى الباخرزي، فأكرمه وأجله وجدد إسلامه ورجع إلى بلاده يدعو إلى الإسلام، فأسلمت زوجه «ججك خاتون» واتخذت مسجدًا من الخيام يُحمل معها إن سارت.

بعد ذلك أرسل بركة خان إلى الخليفة العباسي المستعصم يبايعه، وكان ذلك في فترة حكم أخيه الأكبر باتو، وقبل توليه هو مقاليد الحكم بثلاث سنوات، وبعدما اعتلى رئاسة القبيلة الذهبية أخذ في إظهار شعائر الإسلام، وقام بإكمال بناء مدينة سراي (تقع مكان مدينة سراتوف الآن في روسيا على نهر الفولجا)، وجعلها عاصمة القبيلة الذهبية، وبنى بها المساجد والحمامات ووسعها للغاية، حتى صارت أكبر مدن العالم وقتها، وجعلها على السمت الإسلامي الخالص.

وجاء إسلام بركة وتوليه الحكم في فترة كان المغول فيها هم الكابوس المفزع للبشرية بشكل عام وللمسلمين خاصة، إذ كان ابن عمه هولاكو خان يهاجم بلاد المسلمين، حتى تمكن من دخول بغداد عام 1258. وبعد ذلك بعامين تلقى المغول الهزيمة التاريخية من جيش قطز في موقعة عين جالوت الشهيرة.

ويذكر أنه عندما أقنع هولاكو أخيه الأكبر مونكو خان بمهاجمة بغداد وبقية بلاد المسلمين، سارع بركة خان لإقناع أخيه باتو (الذي ساعد مونكو على الوصول للحكم)، كون المسلمين أصدقاء له وبينه وبينهم معاهدات ومراسلات، وبالفعل اقتنع باتو وأقنع مونكو بوقف الحرب، فانتظر هولاكو حتى وفاة باتو وبدء من جديد في شن الحرب.

بعد عين جالوت وتولي الظاهر بيبرس الحكم في الشام ومصر، حدث تقارب بينه وبين بركة خان الذي أخذ يقنع المزيد من الجنود المغول بالدخول للإسلام، حتى دخل بركة في حلف مع بيبرس وسط مراسلات لا تنقطع، كما بدء يثير المشاكل والفتن بين زعماء وقادة المغول.

الفرع الثاني: تولي خان

دخل بركة خان في حرب قوية مع ابن عمه هولاكو، واستعان الأخير ببعض القوات المسيحية الأرمينية والصليبية، وتزوج ابنه أباقاخان من ابنة امبراطور القسطنطينية، لكن المثير في الأمر هو أنه بعد وفاة أباقاخان، تولى أخوه تكودار أحمد السلطة، والذي أسلم، وكان أول من أسلم من الفرع الثاني لأسرة جنكيز خان.

لكن قامت في وجه تكودار أحمد ثورة كان على رأسها ابن أخيه أرغون الذي دبر قتله، ثم خلفه على العرش، وخلال فترة حكم أرغون (1284- 1291م) القصيرة، استرد المسيحيون مكانتهم من جديد في الفرع الثاني للمغول، وبدأت عملية اضطهاد من دخلوا في الإسلام، حتى أبعدوا عن كافة المناصب التي كانوا يشغلونها في القضاء والمالية.

وظل خلفاء تكودار أحمد على وثنيتهم، حتى دخل غازان سابع الإيلخانات (مصطلح يطلق على الحاكم وأعظمهم شأنًا) في الدين الإسلامي في سنة 1295م، وجعله دين الدولة الرسمي في فارس.

وذكر العالم المسلم ابن كثير إسلام غازان، وأوضح هو وغيره من المؤرخين أن الفضل في إسلامه يرجع إلى الأمير التركي الصالح توزون، الذي أسلم غازان بجهوده. قال ابن كثير «وفيها ملك التتار غازان بن أرغون بن أبغا بن تولى بن جنكيز خان فأسلم، وأظهر الإسلام على يد الأمير توزون رحمه الله، ودخلت التتار أو أكثرهم في الإسلام ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رءوس الناس يوم إسلامه، وتسمى بمحمود، وشهد الجمعة والخطبة، وخرب كنائس كثيرة، وضرب عليهم الجزية، ورد مظالم كثيرة ببغداد وغيرها من البلاد».

الفرع الثالث: جغطاي خان

لا توجد الكثير من المعلومات عن دخول الإسلام في هذا الفرع الذي حكم المنطقة الوسطى من إمبراطورية المغول، لكن الكثير من حكام هذه الدولة كانوا يستعينون بوزير من المسلمين، على الرغم من أن جغطاي كان يضيق على المسلمين فيما يتعلق بشعائرهم. وذكر مؤرخون أن حغطاي كان من ألد أعداء المسلمين بين جميع خانات المغول.

لكن أرغنة، وهي زوجة قراهولاكو، حفيد جغطاي خان وخليفته في الحكم، ربت ابنها على الإسلام، الذي طالب عام 1264 بالحكم الذي كان محل نزاع بين أمراء المغول، لكن سرعان ما خلعه ابن عمه براق خان. ولم ينتشر الإسلام بشكل واضح في هذا الفرع من إمبراطورية المغول، إلا في القرن الرابع عشر، بعدما أسلم طرما شيرين عام 1326.

ويذكر أيضًا أن هناك مملكة صغيرة انشقت عن هذا الفرع تسمى مملكة كاشغر، والذي «أسلم ملكها تغلق تيمور خان على يد أحد رجال الدين من مدينة بخاري يسمى جلال الدين، وكان معه جماعة من التجار، وكانوا قد اعتدوا على الأراضي التي خصصها ذلك الأمير للصيد، فأمر بأن توثق أيديهم وأرجلهم، وأن يمثلوا بين يديه، ثم سألهم في غضب: كيف جرؤوا على دخول هذه الأرض، فأجاب الشيخ بأنهم غرباء ولا يعلمون أنهم يجوسون أرضًا محرمة، ولما علم الأمير أنهم من الفرس قال: إن الكلب أغلى من أي فارسي، فأجاب الشيخ: نعم! قد كنا أخس من الكلب وأبخس ثمنًا منه لو أننا لم ندن بالدين الحق»، كما تذكر الروايات.

وأمر أن يقدم إليه ذلك الفارسي عند عودته من الصيد، فسأله عما يعنيه بهذا الكلام، وما ذلك الدين؟ فعرض عليه الشيخ قواعد الإسلام، فقال تيمور «ولكني إذا اعتنقت الإسلام الآن فلن يكون من السهل أن أهدي رعاياي إلى الصراط المستقيم فلتمهلني قليلًا، فإذا ما آلت إليَّ مملكة أجدادي فعد إليَّ»، كما يروي المؤرخون. وقد ذكر ذلك نتيجة انقسام إمبراطورية جغطاي في ذلك الوقت إلى إمارات صغيرة، حتى نجح تيمور في توحيد الإمبراطورية كلها تحت سلطانه، وأسلم على يد أحد تلاميذ الشيخ جلال الدين بعد وفاته.

الفرع الرابع: أوقطاي خان

برز في هذا الفرع العديد من الملوك والفاتحين أمثال منجوخان، وقوبيلائي خان، والذي كان يحكم الجزء الشرقي من إمبراطورية المغول.

ويقول أحد المؤرخين «ولا بد أن يكون هناك كثير من أنصار النبي محمد قد انتشروا في طول إمبراطورية المغول وعرضها، مجاهدين في طي الخفاء لجذب الكفار إلى حظيرة الإسلام؛ ففي عهد أوقطاي (1229- 1241م) نقرأ عن إسلام بوذي يدعى كاجوز وكان حاكمًا على بلاد الفرس من قبل المغول، وفي عهد تيمور خان (1223- 1228م) كان انندا حفيد قوبيلائي (1257 – 1294م) مسلمًا متحمسًا، كما دفع كثيرًا من أهل تانجوت إلى اعتناق هذا الدين».

وأضاف «وعلى الرغم من استدعائه إلى بلاط تيمور وبذل الجهد في ارتداده إلى البوذية، أبى إلا التمسك بدينه الجديد، فألقى به في غياهب السجن، ولكنه لم يلبث أن أطلق سراحه بعد قليل خشية ثورة أهالي تانجوت الذين كانوا شديدي التعلق به».

الملاحظ هنا أنه لا يوجد فرع من أفرع إمبراطورية المغول لم يدخله الإسلام.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى