تقارير وإضاءات

تاريخ الإسلام في كينيا.. تاريخ إمارتَيْ لامو وبات الإسلاميَّتَيْنِ

إعداد سيد محمد حسن

كينيا إحدى دول جنوب الصحراء، وتقع في الجزء الشرقي من أفريقيا. وتحدها أوغندا من الغرب، وتنزانيا من الجنوب، وإثيوبيا وجنوب السودان من الشمال، والصومال من الشمال الشرقي. ويشكل المسلمون حوالي 35% من جملة السكان في كينيا (1). ويتكلم المسلمون اللغة السواحلية، أما اللغة الرسمية فهي الإنكليزية. وتعد المدن الساحلية ذات صبغة إسلامية، وأشهرها: ممباسا، وماليندي، ولامو، وبات، وغيرها (2).

كيف وصل الإسلام إلى كينيا؟

انتشر الإسلام في شرق أفريقيا عمومًا عن طريق الهجرات، والتجارة، وإقامة الإمارات والمماليك، وعن طريق الدعوة. وكانت بداية وصول الإسلام إلى كينيا مبكرة؛ تعود إلى القرن الأول الهجري، ثم تدفقت أعداد المسلمين لاحقًا في نهاية العصر الأموي، وأصبح الساحل الكيني ساحلًا إسلاميًّا أسسوا فيه مدنًا متطورة، وعمروا الأرض بالحراثة والتجارة والتشييد. ومازالت آثار الحضارة الإسلامية في كينيا وتنزانيا تشهد قيام دول وإمارات إسلامية، وأول الإمارات الإسلامية كانت “لامو”.

إمارة لامو (65هـ / 684م)

أنشأها أخوان من أزد عمان سعيد وسليمان ابنا عباد بن الجلندي. كانا ملكين في «عُمان»، واضطرتهما ظروف القتال مع «الحجاج بن يوسف الثقفي» -الذي أراد أن يفرض نفوذ دولة بني أمية على «عمان» بالقوة المسلحة- إلى ترك وطنهم والاتجاه في سفن إلى ساحل شرق أفريقيا؛ حيث وصلا ومَن معهما من رجال وجند وأهالٍ إلى جزر «أرخبيل لامو» التي تقع في دولة «كينيا» الآن، واستقروا هناك وأنشأوا إمارة صغيرة كان لها أثرها في نشر الإسلام بين الأهالي الموجودين في تلك المنطقة.

وذكر هينتشنز Hinchens المزيد من الضوء على تلك الهجرة حين عثر على كتاب ألفه شيبو فرج بن حمد الباقري وعنوانه “أخبار لامو”، يعرض فيه تاريخ هذا البلد والهجرات الأولى التي وفدت إليه؛ حيث ذكر أن تلك الهجرة الأولى استقرت في مدينة لامو شمال ممبسا، وكانت السبب في ظهور إمارة إسلامية في ذلك الوقت، وبذلك كانت إمارة لامو أقدم الإمارات الإسلامية ظهورًا في ساحل شرق أفريقيا (3).

سلطنة بات النبهانية في شرق أفريقيا (600 – 1278هـ / 1203 – 1861م)

ظهرت سلطنة بات النبهانية على مسرح التاريخ نتيجة هجرات عربية من عُمان إلى ساحل شرقي أفريقيا في أوائل القرن السابع للهجرة (الثالث عشر الميلادي). والنباهنة قوم من العتيك من الأزد في عُمان؛ كانوا قد استولوا على مقاليد السلطة هناك بعد أن دبت الفوضى في البلاد. وانقسم العمانيون إلى طائفتين متخاصمتين، وحكم النباهنة عمان نحوًا من خمسمائة عام؛ حيث قامت دولتهم هناك عام (500هـ / 1106م) واستمرت حتى نهاية القرن العاشر الهجري عندما قامت دولة اليعاربة في عُمان عام (1024هـ / 1615م).

وقد قام «سليمان بن سليمان بن مظفر النبهاني» بالهجرة إلى ساحل شرقي أفريقيا بين عامي (600 – 611هـ). واستقر هو وأتباعه في مدينة «بات» التي تقع في أرخبيل لامو (في كينيا الآن)؛ نتيجة المصاهرة بين سليمان الذي تزوج بنت حاكم بات، وورث الحكم، فنقل بلاطة من عمان وشرق أفريقيا، وأقاموا سلطنة هناك وحكموا جزءًا كبيرًا من الساحل متخذين من «بات» مقرًّا لسلطنتهم (4).

وقد نمت هذه السلطنة واتسعت في عهد أبنائه وأحفاده، ففي عهد السلطان «محمد الثاني بن أحمد» (690 – 732هـ / 1291 – 1331م) توسعت السلطنة شمالًا بعد حملات ناجحة قام بها هذا السلطان أخضع فيها كل المدن الساحلية التي تقع شمالي بات حتى مقديشو وعين حاكمًا لكل منها (5).

وفي عهد ابنه السلطان عمر الأول (732 – 760هـ / 1331 – 1358م) توسعت السلطنة جنوبًا؛ حيث أخضع المدن الساحلية بما فيها كلوة، ووصل إلى جزر كير مبا، وخضعت له كل هذه المنطقة ماعدا جزيرة زنجبار التي لم تكن لها قيمة بالنسبة له، ودخلت أيضًا مدينة مومباسا والمستوطنات القريبة منها ضمن منطقة نفوذه (6).

مميزات سلطنة بات الإسلامية

كينيا

وقد تميزت سلطنة «بات» بنظم إدارية وتقاليد سياسية واضحة، ومن مميزاتها:

  • كانوا يعيِّنون في كل مدينة حاكمًا خاضعًا لهم يسمى «ماجومب» بمعنى الخاضع للقصر الملكي في «بات». وكان مقر الحكم في العاصمة يسمى دار الشورى، وكان لقب السلطان هو «بوانا فومادى»؛ ومعناه الملك أو السلطان باللغة السواحلية.
  • من مميزاتها الملاءمة بين الضرائب وبين النشاط الاقتصادي للأهالي؛ إذ فرضت ضريبة إنتاج لا يتعدى مقدارها 10%، وهي الضريبة المعروفة بالعشور في الفقه الإسلامي.
  • نشر الزراعة: أدخلت الزراعة في بقاع كثيرة من الساحل الأفريقي في فترة الحكم النبهاني. وكانت أشهر المحاصيل هي القرنفل وقصب السكر، وأيضًا اهتموا بالرعي وتربية الماشية والأغنام، وأدخلوا تربية الإبل إلى هذه المناطق.
  • الحركة التجارية: في عهد هذه السلطنة ازدهرت الحركة التجارية إلى حد كبير، وتوافد على الساحل التجار من مصر والشام والعراق والبلدان المطلة على المحيط الهندي، وقد ترتب على ثراء هذه البلاد نهضة علمية وحضارية كبيرة.
  • مجال العمارة: فقد أنشأ أهل «بات» منازل كبيرة واسعة، بنوا البيوت المزدانة بمصابيح نحاسية، وصنعوا سلالم من الفضة، وزينوا أعمدة المنازل بمسامير كبيرة من الفضة الخالصة، وبمسامير من الذهب على قمتها. وقد تجلت مظاهر هذه الحضارة العربية أيضًا في المباني المعمارية وتخطيط المدن وزخارف الأبواب والنوافذ، كما أدخل العرب فن النقش والحفر والنحت وعقود البناء العالية والفسيفساء المتناسقة مع الرخام الملون (7).

سلطنة «بات» النبهانية فرضت نفوذها وتوسعت على معظم أنحاء الساحل الشرقي لأفريقيا، وكونوا دولة كبيرة تعدد سلاطينها حتى بلغ عددهم اثنين وثلاثين سلطانًا، واهتمت في مجال الثقافة واللغة والعلوم والفنون. وظهر في تلك الفترة ما يعرف باللغة السَّواحِليَّة؛ التي كان لها أثر كبير في نشر الإسلام وثقافته بين القبائل الأفريقية التي تقيم على الساحل، وظلت الأنظمة الإسلامية موجودة هكذا إلى أن جاء الاحتلال الأوروبي، فاحتل الساحل الشرقي لأفريقيا.

الحملات الغربية الصليبية ضد مسلمي ساحل كينيا (الحملة البرتغالية ثم البريطانية)

أولًا: حملة البرتغال على ساحل كينيا 903هـ / 1498م

كينيا

بدأت الصليبية العالمية في التحرك عقب سقوط الأندلس عام 1492م؛ فتوحَّدت كل القوى الصليبية. والهدف هو تَعَقُّب المسلمين، والقضاء على آخر معاقلهم على الساحل الأفريقي. ترتَّب على ذلك أن قامت الحملات الاستعمارية المتتالية في محاولة جادَّة لتطويق المسلمين، وذلك بمساندة ملوك أفريقيا النصارى، وعلى رأسهم ملك الحبشة. فلمع نجم البرتغاليين والإسبان من القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر الميلادي، لكن الصبغة التي انتحلها كلٌّ من البرتغاليين والإسبان كانت صبغة صليبية صِرفة، من أجل القضاء على المسلمين.

وفي عام 1498م، قام البرتغالي “فاسكو دا غاما” بالإبحار حول رأس الرجاء الصالح، ووصل إلى الساحل الكيني. وفي القرن العاشر الهجري -السادس عشر الميلادي- استطاع البرتغاليون الاستيلاء على المنطقة الساحلية من المسلمين، وقضى البرتغال على القوة الإسلامية في الساحل الشرقي (كينيا) واحتلوها وسفكوا دماء المسلمين، وهتكوا أعراض المسلمات وسلبوا ثرواتهم، ولم تنجُ مدينة من المدن الإسلامية من أذاهم.

وأغاروا على مدينة مومباسا خمس مرات وجعلوا المسلمين فيها ما بين أسير وقتيل، ودمروا المساجد، وقتلوا العلماء والشيوخ (8). استنجد المسلمون بالإمام سلطان بن سيف 1649 – 1668م سلطان عمان؛ الذي تمكن من طرد البرتغاليين من مسقط وجنوب شبه الجزيرة العربية 1060هـ / 1650م. فاستطاع مرة ثانية هزيمة البرتغاليين 1070هـ / 1660م، واستعادة السيطرة على منطقة الساحل شرق أفريقيا بيد المسلمين، وعادت البلاد إلى أهلها والحق إلى أصحابه (9).

إلا أن الدول الأوروبية المسيحية (هولندا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا) لم تهدأ، وبدأت تتعقب البرتغاليين وعملت متعاونةً على إضعاف القوى الإسلامية في ساحل شرق أفريقيا والسيطرة عليها بشتى الوسائل، وعقدت اتفاقيات متعددة لتقسيم المناطق الإسلامية فيما بينها؛ أهمها معاهدة 1111هـ / 1700م؛ حيث وقَّعت بين كل من إنجلترا وفرنسا وهولندا لاقتسام المناطق الإسلامية بينها! (10)

عودة البرتغاليين من جديد

غزت البرتغالُ مرة ثانية، ووصل أسطولها أوائل 1140هـ / 1728م إلى ساحل شرق أفريقيا، واحتلوا مومباسا وبعض المدن من جديد، واستمر احتلالهم ثمانية عشر شهرًا قاسى المسلمون خلالها الأهوال؛ فقد جعل البرتغاليون وُجهاءَ مومباسا يقومون بخدمتهم، وألقوا الحجارة على المُصلَّى، ودأبوا على طرد أهلها من بيوتهم والاستيلاء عليها، واستباحوا الزوجات. إلا أن السلطان أحمد بن سلطان العماني استطاع أن يهزم البرتغال مرة ثانية، وفيما بعد كان المسلمون أحرارًا يعيشون تحت إمرته (11).

ثانيًا: الحملة الإنكليزية على ساحل كينيا 1313هـ / 1895م

وبعد أن طرد احتلال البرتغال في أواخر القرن السابع الميلادي، برز العُمانيون في الميدان ووضعوا أيديهم على الساحل شرق أفريقيا بما فيها سلطنة (بات)، وأمن المسلمون في أنفسهم وأموالهم بعد تحريرهم. وعادت الأمور إلى طبيعتها حتى عقدت الدول الأوروبية مؤتمر برلين 1301هـ الموافق 1884م، ورجعت أطماعها الاستعمارية، وذلك لتقسيم مناطق النفوذ بينهما في أفريقيا. واستخدمتْ شعارات خادعة مثل مكافحة تجار الرقيق باسم الإنسانيَّة المعذبة، والكشوفات الجغرافية، والنشاط التبشيري.

وكان لبريطانيا الدور الأبرز في هذا الجزء من العالم، وبدأت نفوذها مستترة خلف شركة شرق أفريقيا البريطانية، وبدأت تتدخل في شؤون السلطنة الإسلامية في ساحل شرق أفريقيا عمومًا -وكينيا خصوصًا-، حتى أصبح “كيرك” قُنصل بريطانيا في زنجبار هو الحاكم الفعلي والمتصرف في شؤون السلطنة. وفي سنة 1305هـ – 1887م وقعت الشركة البريطانية معاهدة مع السلطان برغش بن سعيد سلطان زنجبار صاحب السلطة الشرعية على ساحل شرق أفريقيا، واضطر السلطان أن يتنازل عن لامو وبات لصالح بريطانيا، ولم يأتِ عام 1313هـ / 1895م إلا وأصبحت كينيا كلها تحت الاحتلال البريطاني المباشر (12).

وبعد ذلك كان مسلمو ساحل كينيا تحت حُكم مستعمرة بريطانية، وكانت بريطانيا تحكم كينيا من خلال الموظفين البريطانيين، ونشرت البعثات التبشيرية في تنصير أعداد من الوثنيين. ولجأ الاحتلال لمجموعة من الحيل السيِّئة للتخلص من اللغة العربية؛ وذلك بكتابتها باللغة اللاتينية؛ لصرف المسلمين عن قرآنهم، وإلغاء مادَّة التربية الدينية في المدارس. وأنشأوا مدارس على نمط المدارس القائمة في بلادهم، وحاربوا الإسلام بشتى السبل وأبى الله إلا أن يتم نوره، وما زال الإسلام أغلبية في ساحل كينيا، وإقليم جنوب غربي الصومال المسمى NFD المحتل من قبل كينيا.

مسلمو ساحل كينيا تحت قبضة نصارى كينيا 1383هـ / 1963م

كينيا

وفي نهاية النصف الأول من القرن العشرين الميلادي بعد خروج قيام الحركات التحررية في أفريقيا، غيرت الدول الأوروبية المستعمِرة أسلوبها وانتهجت أسلوبًا جديدًا في فلسفة الاستعمار ومفهومه؛ وهو استنزاف خيرات الدول، وتسيير مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية دون وقوعِ خسائرَ في الأموال والأنفس، وخرجت الدول الأوربية عسكريًّا، وخرجت بريطانيا عن ساحل شرق أفريقيا (كينيا) 1383هـ / 1963م، وسلموا زمام الحكم لبعض النصارى على الأغلبية المسلمة الكاسحة في الساحل الكيني. وبدأت مرحلة جديدة للمسلمين بعد خروج الاحتلال البريطاني في وضع سيء 60 عامًا تقريبًا تحت حكم نصارى كينيا!

في الربع الأول من هذا القرن 21م، لقوا اعتداءات من قبل السلطات الكينية من اختطاف وقتل الزعماء وأئمة المساجد والدعاة المسلمين في الساحل أمثال: الشيخ الداعية سالم مواسالم، والشيخ حمادي بوجا، والشيخ عبده روجو، والشيخ إبراهيم إسماعيل، وأبو بكر شريف مقبور -رحمهم الله-. وما زال المسلمون في الساحل الكيني يواجهون حربًا شرسة من قبل الحركات التنصيرية، والقاديانية، والمنظمات الصهيونية.

______________________________________________________________________
المصادر

المصدر: موقع تبيان

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى