تقارير وإضاءات

البهائية ودورها في ظهور النحلة الباطنية الكردية “حقة”

البهائية ودورها في ظهور النحلة الباطنية الكردية “حقة”

إعداد أ. د. فرست مرعي

لم تنقطع مؤامرات الحركات الباطنية على العقيدة والفكر الإسلامي في التاريخ حتى الوقت الحاضر. وفي بداية القرن التاسع عشر الميلادي تم تجديدها على يد شيخ فاسد العقيدة، غامض الفكرة والأسلوب، يثير حوله جواً من التقديس الكاذب، وهو الشيخ أحمد الأحسائي (1168-1243هـ/1753-1826م)، والذي أسس طريقة في مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية، سميت فيما بعد بـ«الشيخية».

والشيخية يقولون: إن الحقيقة المحمدية تجلت في الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم  تجلياً ضعيفاً، ثم تجلت تجلياً أقوى في محمد والأئمة الاثني عشر، ثم اختفت زهاء ألف سنة (260-1260هـ/874-1844م)، وتجلت فيما بعد في الشيخ أحمد الأحسائي، الذي هو الركن الرابع، وفيما بعد في الشيخ كاظم الرشتي (ت1259هـ/1843م)، ثم تجلت في محمد كريم خان القاجاري الكرماني (ت1288هـ/1870م)، وأولاده إلى أبي قاسم خان، هذا التجلي أو الظهور هو أعظم التجليات لله وأئمة الشيعة الإثنى عشرية[1]. والركن الرابع: من الشيخ الأحسائي إلى ما بعده، هم شيء واحد، يختلفون في الصورة، ويتحدون في الحقيقة، التي هي الله، ظهر بينهم، أو حلّ في أجسامهم، ويعتقدون أن محمداً رسول الله، وأن الأئمة الاثني عشر هم أئمة الهدى. ومعنى الرسالة والإمامة عندهم، أن الله تجلى في هذه الصورة، فمنهم رسول، ومنهم إمام. ويعتقدون أن اللاحقين هم أفضل من السابقين. وبناء على ذلك فالشيخ أحمد الأحسائي، في رأي أصحابه، أعظم من جميع الأنبياء والمرسلين. ويعتقد هؤلاء أيضاً بالرجعة، ويفسرونها بأن الله بعد أن غاب عن صور الأئمة، رجع وتجلى تجلياً أقوى في الركن الرابع، الذي هو الشيخ أحمد، ومن أتى بعده.

الشيخ أحمد الأحسائي من الشيعة الحلولية، الذين يفسرون علياً على غرار الشيعة النصيرية (العلوية)، وأدلته الفلسفية مستقاة من مذهب الفيلسوف الإيراني الباطني المشهور ملا صدرا الشيرازي (ت1050هـ/1640م) وترشح كتاباتهم بأنهم يعتقدون في علي بن أبي طالب نحو ما يعتقد فلاسفة الأفلاطونية المحدثة في العقل الأول، بل أدهى وأمر[2].

أما اعتقادهم في يوم القيامة، فهو اعتقاد باطل، مخالف لنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وإجماع الأمة، فقد أقروا بوجود جنتين، وجهنمين: إحداهما في هذه الدار العاجلة (الدنيا)، والأخرى اللاحقة (القيامة)، وإن الجنة هي الولاية والاعتراف بالقائم ولا فرق. أما يوم الحشر فإن الخلق لن يعودوا إلى الله وفق تعاليم الإسلام، وإنما إلى المشيئة الأولى. وأن البعث (النشور) لا يكون في الأجسام المشهودة، بل في أجسام لطيفة (قوريلائة) وهي كلمة سريانية تعني الأجسام بين عالم الكثافة وعالم الجنة الروحاني، أو العالم المثالي، وهو عبارة عن البرزخ ما بين عالم الأجسام وعالم النفوس، ولذلك فإن فكرة الأحسائي حول مسألتي المعاد والمعراج الجسماني، تعد بدعة في العقيدة الإسلامية، فقد قرر أن جسم الإنسان مكون من أجزاء متباينة، مستمدة من الطبائع الأربعة (الماء والتراب والهواء والنار)، والأجسام التسعة السماوية وفق الفلسفة الأفلاطونية المحدثة، وأن الجسم الذي يقوم في يوم القيامة لا يتكون إلا من الأجزاء السماوية، وأما الطبائع الأربعة، فإنها تعود إلى الأرض بمجرد الوفاة. وعلى هذا فإن معراج النبـي محمد صلى الله عليه وسلم  إلى السماء كان روحانياً لا جسمانياً[3].

وما تجدر الإشارة إليه، هو أن الفكرة الباطنية نظراً لما يحيط بها من غموض وإبهام، ولما في طرق تأديتها وتعاليمها من رموز وإشارات، قد يتعذر وجود شخصين متفقين فيها، وهذا ما جعل كاظم الرشتي يخالف أستاذه الأحسائي في كثير من مبادئه، ويؤسس له طريقة جديدة، عرفت بـ«الطريقة الكشفية»[4]. وهذا بعينه أيضاً هو الذي حدا بالسيد علي محمد الشيرازي أن يؤسس – بعد مدة – ديناً جديداً (الدين البابي)، برغم اتصاله الشديد بأستاذه كاظم الرشتي. وقد استخدم الشيخ الأحسائي جميع وسائل الباطنية، من: تأويل، وحلول، وتناسخ، وتقديس للأنبياء والأئمة، فالإمام مخلوق من نور الله، وأنه صاحب المشيئة في العالم، لأنه نفس الله! ولم يتورع الأحسائي عن الاستناد إلى روايات كاذبة، وأحاديث ضعيفة، منسوبة إلى الأئمة، في تمرير أساطيره وخرافاته بين أتباعه، الذين حاولوا دون جدوى توضيح آراء أستاذهم والدفاع عنها.

أما الحركة الكشفية أو الرشتية، فهي تطور طبيعي للشيخية، على يد كاظم الرشتي. وقد كتب الرشتي مجموعة رسائل، دافع فيها عن عقيدة الأحسائي، وحاول شرح غموضها، ولكن علماء الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ما لبثوا أن ردوا عليه أيضاً وعدوه من الغلاة.

والمعروف أن الميرزا علي محمد الشيرازي، زعيم البابية، كان تلميذاً للرشتي. برغم أن الفرقة الكرمانية، بزعامة محمد كريم خان الكرماني، انبثقت مباشرة من الرشتية، وتطرفت وغالت في أفكارها هي الأخرى. ومما لا شك فيه أن البابية قد استفادت إلى درجة ملحوظة من التراث الباطني، الذي خلفته الفرق الأخرى من التصوف الغالي، وخاصة تراث الحلاج المقتول، ومحيي الدين بن عربي، بالإضافة إلى فرقتي الشيخية – الأحسائية، والكشفية – الرشتية.

البهائية:

البهائية حركة باطنية ظهرت في إيران، نبعت من المذهب الشيعي الإثنى عشري، وهي امتداد للحركات الباطنية التي ظهرت في إيران في حقب سابقة: كالشيخية والكشفية والبابية، بدعم من روسيا فـي المرحلة الأولى، والاسـتعمار البريطـاني، واليهودية فيما بعد، بهـدف إفساد العقيدة الإسلامـية، وتفكيك وحدة المسلمين، وصـرفهم عـن مبادئهم الأساسية.

أسسها الميرزا حسين علي المازندراني الملقب ببهاء الله، المولود سنة 1234هـ/1817م وكان والده من كبار ملاك الأراضي. وقد أتعب الميرزا حسين نفسه في قراءة كتب التصوف الغالي، وكتب الشيخية، وتعاليم ابن عربي وعبد الكريم الجيلي، وكبار شعراء الفرس. لذا آمن بوحدة الأديان، وبوحدة الوجود، التي تنتهي بصاحبها إلى القول بسقوط التكاليف، ويتبعها سقوط الشعائر.

وقد أعلن بهاء الله دعوته في حديقة السراي (حديقة الرضوان) في بغداد (سـنة1281هـ/1863م). أما الميرزا يحـيى علي، أخو البهاء، والمقلب بـصبح الأزل، فقد أوصـى لـه الباب علي محمد رضـا الشيرازي، المقتول سنة 1267هـ/1849م، بخلافته، وسمى أصحابه «الأزليين». فنازعه أخوه الميرزا حسين علي البهاء في الخلافة، ثم في الرسالة، والإلهية، ودس السم لأخيه. ولشدة الخلافات بينهم وبين بقية الشيعة الإثنى عشرية في إيران والعراق، فقـد تـم نفيهم إلى الدولة العثمانية عام 1863م، بناء على طلب من الحكومة القاجارية الإيرانية، حيث تم نفيهم في البداية إلى بغداد، ومن ثم إلى مدينة أدرنة الواقعة غرب إسطنبول على الحدود اليونانية بعد اشتداد الصراع بين أتباع الأخوين، الحسين بن علي المازندراني الملقب ببهاء الله، وأخيه يحيى الملقب بصبح الأزل. بعد إعدام الباب علي محمد الشيرازي، من قبل السلطات القاجارية الإيرانية عام 1849م، بناءً على أوامر الشاه ناصر الدين القاجاري الذي اغتيل سنة 1325هـ/1896م.

هرب الميرزا يحيى (صبح الأزل)، وأودع أخوه الميرزا حسين السجن مدة أربعة أشهر، وقد تدخلت السفارة الروسية لمصلحة الأخير، فتم نفيه إلى بغداد، وزودته السفارة الروسية بالمال اللازم.

وبعد وصول الميرزا حسين إلى بغداد، التي سبقه إليها أخوه الميرزا يحيى (صبح الأزل) حدث خلاف وصراع شديد بينهما على نيابة الباب، مما دعا الميرزا حسين إلى ترك بغداد، والذهاب إلى منطقة السليمانية، حيث وصلها في الثاني من رجب 1270هـ الموافق العاشر من أبريل 1854م حيث استقر في كهف في جبل سورداش، المطل على قريتي سركلو وبركلو باسم مستعار (الدرويش محمد)، وكان يغادر مقر خلوته إلى خانقاه (تكية) مولانا خالد في السليمانية للاجتماع مع بعض شيوخ النقشبندية، ثم يرجع إلى كهفه المطل على قرية سركلو، وكان يؤمن معيشته خادم له يدعى أبو القاسم الهمداني.

وتذكر المصادر البهائية أن بهاء الله التقى في السليمانية عدداً كبيراً من أعيان وأهالي كردستان، أمثال: الشيخ عبد الرحمن الطالباني (خالص) شيخ الطريقة القادرية، والشيخ عثمان (سراج الدين) شيخ الطريقة النقشبندية وقطبها، وعمّت شهرته أرجاء السليمانية وما جاورها من مدن وقصبات، وسرعان ما انجذب إليه أهالي كردستان.

وتضيف هذه المصادر أن طرقات وجوامع وآثار السليمانية شاهدة على لقاءاته مع العلماء والعرفاء، وخطبه التي ألقاها في من حضروا مجالسه، وتوافد الناس ينهلون من علمه وحكمته ويستمعون إلى كلماته، كما أن كردستان حظيت كذلك بنزول عدد من أهم آيات وكتب حضرة بهاء الله، قد يكون من أهمها: «قصيدة العز الورقائية».

وتشير المصادر البهائية أنه من خلال زيارات بهاء الله (الدرويش محمد) المتكررة إلى خانقاه مولانا خالد في السليمانية الذي بناه الوالي الباباني محمود باشا سنة 1816م/1232هـ، استطاع تكوين صداقة مفعمة بالروح مع الشيخ إسماعيل رئيس الطريقة الخالدية في السليمانية.

وتؤكد هذه المصادر أنه استطاع التأثير على الشيخ عثمان سراج الدين النقشبندي، وتكوين صداقة متينة معه، ومع الشيخ إسماعيل رئيس الطريقة الخالدية دون ذكر لقبه، لأن هناك ثلاثة من خلفاء مولانا خالد يحملون التسمية نفسها. وتضيف هذه المصادر بالقول: «استمر انجذاب أهل كردستان إلى حضرة بهاء الله حتى بعد رحيله عنها. فالعديد من أعيانها استمروا بالتواصل معه بالخطابات والمكاتيب».

كما أن عدداً من أهلها وأعيانها انجذبوا إلى الكلمة الإلهية التي أتى بها حضرة بهاء الله، فمنهم من آمنوا برسالته، ومنهم من تبنوا العديد من تعاليمه في حياتهم، ومنهم من حافظوا على حبه في قلوبهم وفاء لتلك التجربة التاريخية الفريدة.

وتشير القرائن التاريخية إلى توافد عدد من علماء وعرفاء كردستان لزيارة حضرة بهاء الله بعد رحيله من ديارهم. كما يفتخر بهائيو كردستان بأن بعضاً من أبرز كتب حضرة بهاء الله العرفانية نزلت تشريفاً لشخصيات كردية، مثل «الوديان الأربعة» والذي أرسل للشیخ عبد الرّحمن الطالباني الكركوكي شيخ الطريقة القادرية وكبير آل الطالباني. و«الوديان السبعة» للشیخ محيي الدین المعروف بشيخ الصوفيين.

ويذكر العلامة الملا عبد الكريم المدرس في كتابه «يادى مردان» (تذكار الرجال) باللغة الكردية الصفحة 259-260، أن بهاء الله استطاع تكوين صداقات مع اثنين من أولاد الشيخ عثمان سراج الدين النقشبندي (1195-1295هـ/1781-1878م) أحد الخلفاء الرئيسيين لمولانا خالد الجاف النقشبندي، وهما: الشيخ محمد أبو البهاء (1252-1289هـ/1836-1872م)، والشيخ عبد الرحمن أبو الوفاء (1253-1285هـ/1837-1868م).

وقد عاش بهاء الله معهم حوالي شهرين في خانقاه مولانا خالد في السليمانية، وقد تبادل بهاء الله الرسائل مع الشيخ أبو الوفاء، وكان مضمونها حول العرفان والشعر الصوفي[5].

كما استطاع توطيد صداقة مع الملا حامد البيساراني (1232-1310هـ/1817-1892م) المعروف بكاتب أسرار الشيخ عثمان سراج الدين، وللمترجم عدة مؤلفات، من أهمها «رياض المشتاقين» الذي ذكر فيه بعض كرامات مولانا خالد، والشيخ عثمان سراج الدين، وكانت بينهما رسائل متبادلة حول القضايا المتعلقة بالأدب والعرفان وكتابة الشعر.

كما أرسل بهاء الله رسالة إلى حاجي رسول، أحد وجهاء مدينة السليمانية. وكان لبهاء الله اتصال مع الشيخ عبد الرحمن خالص (1212-1275هـ/1797-1858م) المعروف بعبد الرحمن الطالباني مرشد الطريقة القادرية المقيم في كركوك.

البهائية والكرد.. التأثير والتأثر:

 بعد إعدام الباب علي محمد الشيرازي من قبل السلطات القاجارية الإيرانية عام1850م، هرب يحيى صبح الأزل، وأودع أخوه الميرزا حسين المازندراني السجن مدة أربعة أشهر، وقد تدخلت السفارة الروسية لمصلحة الأخير، فتم نفيه إلى بغداد، وزودتهم السفارة الروسية بالمال اللازم. وبعد وصول الميرزا حسين إلى بغداد، التي سبقه إليها أخوه الميرزا يحيى صبح الأزل حدث خلاف وصراع بينهما على الزعامة والنفوذ، مما دعا الميرزا حسين إلى ترك بغداد، والذهاب إلى منطقة السليمانية الواقعة شمال شرق العراق حالياً (كردستان العراق)، حيث استقر في كهف في جبل سورداش، المطل على قريتي سركلو وبركلو، للفترة من 1854-1856م. وكان يغادر مقر خلوته إلى خانقاهات الصوفية النقشبندية في مدينة السليمانية وقصبتي: بيارة وطويلة (منطقة هاورمان على الحدود الإيرانية العراقية حالياً) للاجتماع مع زعماء الطريقة.

وكان العالم العثماني الصوفي الحنفي الحافظ بن محمد خواجة بارسا المتوفى سنة823هـ/1419م، ألف كتاباً سماه «فصل الخطاب»، تحدث فيه عن ظهور المهدي، ومناقبه، بقوله: «تظاهرت الأخبار عن ظهوره، وإشراق نوره، يجدد الشريعة المحمدية، ويجاهد في الله حق جهاده، ويطهر من الأدناس أقطار بلاده، زمانه زمان المتقين، وأصحابه خلصوا من الريب، وسلموا من الغيب، وأخذوا بهديه وطريقته، واهتدوا من الحق إلى تحقيقه. به ختمت الخلافة والإمامة، وهو الإمام من لدن موت أبيه إلى يوم القيامة، وعيسى يصلي خلفه، ويصدقه على دعواه، التي هي دعوة صاحب الملة المحمدية»[6].

وقد شرح هذا الكتاب (فصل الخطاب) محمد بن أبي جمهر الأحسائي (ت902هـ/1495م)، وأضاف إليه، وشرحه الشيعي الصوفي الميرداماد (ت1042هـ/1631م)، وتابعه في مدينة أصفهان ملا صدرا الشيرازي المتوفى سنة 1051هـ/1640م، وأودع تعاليمه في كتابه «جامع الأسرار ومنبع الأنوار». وأصبح هذا الكتاب أحد أعمدة المذهب الباطني، وعلى ضوئه وضع الشيخ أحمد الأحسائي (ت1243هـ/1826م) مذهب الشيخية.

حركة حقة:

عندما قام الميرزا حسين المازندراني الملقب بهاء الله بسياحته إلى كردستان العثمانية (العراق) في عام 1856م، اطلع على كتاب «فصل الخطاب»، عند أتباع الشيخ مولانا خالد الجاف النقشبندي مجدد الطريقة النقشبندية (ت1243هـ/1827م)، في تكية بيارة الواقعة شرق السليمانية بالقرب من الحدود الإيرانية، وكانت لها نتائج بعيدة المدى على طريقة تفكيره ودعوته.

وكان بهاء الله يظهر علاقته بالروس، ولكن يخفي علاقته بيهود بغداد ويهود كردستان. فحين وصل بهاء الله إلى بغداد عام 1272هـ/1852م كان فيها حوالي 50 ألف يهودي وفي كردستان حوالي 18 ألف يهودي، وعندما اتصل بهاء الله بالحاخام شمعون أغاسي (ت1334هـ/1914م) أرسل إلى كردستان الحاخام والعالم اليهودي هارون البارزاني (ت1318هـ/1900م)، وكان الحاخام رجلاً صوفياً يؤمن بظهور الملك الإلهي (المسيح المنتظر) وعهده السعيد، وكان عالماً بالعربية والفارسية، وكان متعطشاً لمذهب القبالة (التصوف اليهودي). وقد استقبل الحاخام اليهودي بهاء الله بالترحاب وأمن له المعيشة الحسنة في جبل سركلو وصار يتجول في السليمانية وما حولها[7].

ومن جانب آخر فإن بعض المصادر تذكر أن سبب اختفاء بهاء الله في جبال كردستان بالقرب من قرية (شه ده له) في جبال سورداش غرب السليمانية، كان نصيحة من الحاخام اليهودي يوسف حاييم لاكتساب تجربة روحية من الاطلاع على القبالة اليهودية وأسرارهما (التصوف اليهودي)، هذه التجربة تجعله يدرك جوهر الأشياء وقوانينها العميقة كما فعل نبي الله موسى عليه السلام حين غاب في جبل الطور في سيناء.

ويبدو أن فترة بقاء بهاء الله في تلك المنطقة، كانت لها آثار سلبية على عقيدة بعض الكرد، ففي سنوات 1339-1340هـ ظهرت في تلك المنطقة حركة الـ«حقة»، التي تعد إحدى حركات الغلو في التصوف النقشبندي، وكانت لها أفكار غريبة وعجيبة، مخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة، التي هي عقيدة الغالبية العظمى من الكرد.

وغالب الظن أن لبهاء الله يداً في ما حصل من الانحراف لدى الصوفية النقشبندية في تلك المنطقة، المحيطة بقرية (شه ده له)، التي آلت نتيجتها إلى ظهور نِحلة الحقة. وليس من المستبعد، لدى بعض الباحثين الكرد، أن يكون قد تم ذلك وفق خطة رسمت لهذه الغاية، لإفساد عقيدة أهل المنطقة، مثلما عمل البهاء لإفساد عقيدة من انتحلوا البهائية في إيران. وإلا فما الداعي ليسكن هذا الرجل، في هذه المنطقة النائية مدة سنتين، من 1272 لغاية 1274هـ، وبالقرب من مركز رئيس الطريقة النقشبندية في قرية (شه ده له)، الشيخ أحمد سردار النقشبندي، أحد خلفاء مولانا خالد الجاف النقشبندي ومما يدل على ذلك أن بعض منتسبـي هذه النحلة، نعتوا شيخهم عبد الكريم شدله بأنه هو المهدي، وبعضاً آخر وصفوه بأنه هو عيسى عليه السلام. كما أسبغ البهائيون على زعيمهم بهاء مثل هذه الأسماء. وينقل عن شخص معاصر لتلك الأحداث، وهو السيد الحاج عبد جاسم، الذي كان من رجال الشرطة العراقية الملكية، بأنه حين مداهمته لخانقاه تكية مامه رضا، أحد زعماء طريقة الحقة في قرية (كلكه سماق)، القريبة من (مصيف دوكان) (غرب مدينة السليمانية)، وتحريه لممتلكاتها، سنة 1365هـ/1944م، لم يجد فيها من الكتب غير كتاب «البهائية».

لقد تعاقب على زعامة الطريقة النقشبندية في منطقة سورداش الواقعة غرب مدينة السليمانية كل من الشيخ أحمد سردار النقشبندي، وبعدها ابنه عبد القادر سوور، ثم انتقلت زعامة الطريقة إلى الشيخ رضا بن الشيخ عثمان العسكري بناء على توصية الأخير بتلقين الطريقة إلى مريديه، وأوصى الشيخ رضا العسكري بأن يكون الشيخ محمد إلا الله (اسم قرية في منطقة كويسنجق) خليفة له في زعامة الطريقة النقشبندية، وبعدها قام الشيخ مصطفى بن الحاج الشيخ رضا العسكري بتلقين الطريقة إلى حين وفاته في بغداد سنة 1335هـ/1915م. وبناءً على وصيته قام الشيخ ملا أحمد كلنيري بزعامة الطريقة لحين وفاته سنة 1339هـ/1919م. وبعد سنة قام الشيخ عبد الكريم شَدَله في سنة 1340هـ/1920م باستلام الطريقة النقشبندية في مناطق سورداش وميركه وميرزا رستم وكويسنجق واغجلر وشوان (مناطق واقعة بين مدينتي السليمانية وكركوك)، وتلقوا الطريقة منه، ويبدو أن الطريقة قد توسعت في عهده وبدت فيها آثار الغلو والشطط فيها، حيث قيل إنه ادعى أن الألوهية قد حلت فيه.

وفي قرية (شَدَله) التي بناها الشيخ مصطفى بن الشيخ رضا العسكري في المنطقة الواقعة بين جبلي بيره مكرون وجرمابان شمال غرب مدينة السليمانية، ظهرت حركة حقة الدينية الاجتماعية على يد الشيخ عبد الكريم بن الشيخ مصطفى بن الشيخ رضا العسكري في سنة 1339هـ/1920م الملقب بعبد الكريم شَدَله كما أسلفنا.

وجماعة حقة مثلهم مثل أية جماعة صوفية كانوا يصابون بحالة (الجذبة) أثناء تواجدهم في خانقاه شدله ويفقدون السيطرة على أنفسهم، ويبدأون بذكر «الله.. الله»، أو يقولون «يا حق.. يا حق»، وبسبب اعتزازهم بهذا السلوك اشتهروا بين الناس بـ«الحقة». والظاهر أنهم كانوا يستحسنون هذه التسمية، وبدأوا بتفسير ذلك قائلين نحن نتبع الحق نبحث عن الحقيقة التي تستخلص من الطريقة، وطريقنا هو طريق الحق، لأن الطريقة الصوفية هي الحق، وأنها منبعثة من الشريعة. ولذلك عندما كانوا يسمعون كلاماً صحيحاً، أو يشاهدون تصرفاً أو عملاً صحيحاً كانوا يقولون «حقة». ولذلك عندما كان يثار الجدل بين علماء الإسلام وبين شيوخ حقة حول عدم التزامهم بالإسلام وأركانه وضوابطه، كان جوابهم: «إن الطريقة تنبع من الشريعة، وبناءً على ذلك فإن أعمالنا نحن كممثلين عن الطريقة شرعية وغير مخالفة للدين»[8].

لقد بدت عقائد الحقة في نظر الأغلبية السنية المحيطة بهم موضع شك وريبة، لأنهم خالفوا الأسس العامة للإسلام أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة، ويمكن إرجاع أسباب تشكك أهل السنة منهم ومن عقائدهم إلى سببين رئيسيين: الأول يتعلق بترويج مبدأ انتفاء الحاجة إلى أداء التكاليف الشرعية (سقوط التكاليف) من صلاة وصوم وزكاة وحج وغيرها. والثاني يتعلق بتصورات اجتماعية أكثر انفتاحاً وتطوراً من قبيل المساواة الاجتماعية بين الرجال والنساء والتكافل الاجتماعي وحقوق المرأة، شبيه بما كان الأمر عليه في مستوطنات القرامطة، حول وجود إباحية في مجتمع الحقة، حيث كان الاختلاط بين الرجال والنساء سيد الموقف، كما أن الجانبين كانوا يسبحون معاً في أحواض السباحة برفقة الكلاب، ويذكر الضابط البريطاني سي. جي. أدموندز، مستشار وزارة الداخلية العراقية في العهد الملكي، ما نصه: «إن نقشبندية كردستان (أقصد الفلاحين في القرى البعيدة لا رجال المدينة المتعلمين) يميلون بنوع إلى بعض الشذوذ. وليس من ريب عندي في أن اتجاهات إباحية ظلت تشيع زمناً طويلاً في القرى الجبلية البعيدة على حدود (سورداش) و(مه ركه) لانقطاعهم عن العالم الخارجي، وندرة زيارات موظفي الحكومة، ولم يجذبوا اهتمامي لأول مرة إلا في العام (1315هـ/1932م) أي بعد عدة سنوات من وجودي فقد ذهبت وحدة من الشرطة لإجراء تبليغ في قرية (هه له ون) التي هي من أملاك الشيخ محمود وتبعد عن (سه ركه لو) أربعة أميال وعند عودتهم أبلغوني أنهم شاهدوا بأم أعينهم حفلة استحمام مختلطة للجنسين في حوض المسجد، وأضافوا إليها تفاصيل غريبة. وقد شكت سلطات الإدارة (العراقية الملكية) في صحة ما بلغها أول الأمر، إلى أن أبلغ بعض التجار المحترمين عن مناظر مشابهة في قرية (سه ركه لو) نفسها وقدموا شكوى لأنهم أهينوا وأعتُدي عليهم عندما حاولوا استنكار هذه الأعمال، وقد كشفت التحقيقات عن قصة غريبة فريدة»[9].

ويظهر أن المستشار البريطاني (أدموندز) بحكم اطلاعه على الأوضاع في تلك المنطقة عن كثب بحكم كونه كان معاون الحاكم السياسي للواء كركوك في سنة 1934م، والمنطقة التي كان هؤلاء الباطنيون مستقرين كانت فيها تحت إشرافه المباشر، حيث زار بنفسه تكية قرية (شَدَله) في أغسطس 1936م لذلك كان على دراية كافية بالأوضاع، حيث يذكر أن الشيخ عبد الكريم شدله قد أسس طريقة صوفية عرفت باسم حقة، وتستند إلى التعاليم المعروفة برقصات الصوفية التي كتبها سلفه حاجي شيخ عارف، ولكن الشيخ عبد الكريم شدله آثر أن يبقى وراء الستار لأنه أبرز شخصية في المنطقة فضلاً عن مسؤولياته تجاه الحكومة الملكية العراقية، وكان هذا بعد نظر منه ودهاء، ويستطرد المستشار البريطاني قائلاً: «شوهد أتباع الطريقة يدفنون أجسامهم حتى الأعناق في أكداس روث حيوانات القرية، وهم يتلون الأدعية لله!  ووجد نوع من شيوعية الأموال، وبضمنها النساء. وراحت جماعات صغيرة من كلا الجنسين تتجول فوق الروابي والآكام بعد حلول الظلام، الرجال منهم في ثياب النساء أو حليهن، أما حفلات الاستحمام المختلطة في المساجد فكانت مظهراً منتظماً من مظاهر الطقوس، وكثيراً ما كانت تسحب الكلاب إلى الحوض مع المستحمين، وكانت أوعية البول تنتقل من يد إلى يد، وبلغ السيل الزبى عندما اقتحمت جماعة من الصوفية وهم في حال الوجد (السكر)، مسجد (سه ركه لو) وأحرقت علناً نسخة من القرآن وعندما استدعي الشيوخ والأدلة الصوفية إلى السليمانية للتحقيق. قالوا إنهم شخصياً لا يقرون مثل هذا الشذوذ، على أنهم حاولوا الاعتذار لذلك بقولهم: «إن يقم المريد الذي هو في حالة وجد ولفترة محدودة – بتصرفات مخالفة للسلوك والأخلاق والدين – فليس عليه جناح»[10].

وقد حاول بعض الكتاب والصحفيين المحسوبين على اليسار الكردي تبرير أعمال هؤلاء المنحرفين الباطنيين، بأنهم قاموا بهذه الأعمال لأسباب اقتصادية تخلصاً من سيطرة الآغوات والبرجوازية الكردية، وإقامة علاقات مبنية على المساواة بين الرجال والنساء لإنقاذ المرأة من سطوة الرجال! حيث يشير الكاتب الكردي اليساري محمد بن الملا عبد الكريم المدرس في تقييمه لهذه الحركة بالقول: «في الحقيقة إن حركة حقة قد أتت بأمور جديدة غير موجودة في النهج الديني، بل ولا تنسجم معه، سواء من وجهة النظر الدينية البحتة، مثل إهمال البعض منهم لأداء فرائض الصلاة والصوم (ترك الفرائض)، أو في ميدان الحياة الاجتماعية مثل موقفهم من المرأة (تحررها) والمساواة في المجال الاقتصادي… وأن الحركة كانت ذات صلة بالمناهج الدينية والفلسفية التي ظهرت بين المسلمين على مر التاريخ، وأظن أن هناك بصمات للطرق الفلسفية الحديثة على الحركة. وعموماً أنها نبعت من الشعور بالحاجة إلى الضرورات الحياتية للمجتمع الفلاحي الإسلامي الكردي»[11].

وفي رده على أحد الكتاب الكرد، الذين حاولوا تبرئة حركة حقة من الشطحات والأفكار الباطنية التي ظهرت فيها، يقول: «حان الوقت دون خوف من لوم الآخرين في المجتمعات المحافظة، أن نتجاسر ولا نحجب حقيقة تلك الحركات الاجتماعية والسياسية في كردستان، وأن نحاول الوصول إلى حقيقة أسباب ظهورها، لقد مضى ذلك الوقت الذي نجعل من وجهة النظر القديمة لآلاف السنين محكاً لتقييم الأفكار والاتجاهات وتقديرها حسب وجهة نظر رجعية»[12].

وعلى السياق نفسه يقول الشيخ حسين خانقاه أحد شيوخ الطريقة القادرية في مدينة كركوك ويمت بصلة القربى إلى شيوخ حقة: «إن شيوخ حقة مثل أية مجموعة من شيوخ النقشبندية كانوا يقومون بإرشاد مريديهم، إلى أن بدأ قسم من رجال الدين والمتصوفين في زمن الشيخ عبد الكريم بالشطحات، وقسم من هؤلاء كانوا يتكلمون عن ظهور محمد المهدي، ومن هنا أخذوا يهملون شيئاً فشيئاً القيام بالفرائض كالصوم والصلاة، وتركوا العمل والعلاقات الأخرى، ولما كان يقوله ويعمله هؤلاء من أمور غريبة عن عقلية الناس، اشتهروا بالمجانين، أما البقية الذين تمسكوا بسلوكهم الصوفي، فكان يطلق عليهم الصوفية، ولكن الشيخ عبد الكريم لم يرض بأقوال وأفعال هؤلاء، وفي إحدى المناسبات قام بضرب حمه سور (محمد الأحمر) أحد مستشاريه المقربين، لأن حمه سور كان يقول (لم تبق الشريعة)، وكان الشيخ يضربه ويقول قل (باقية)؛ إلا إن حمه سور كان يصر على قوله بعدم بقاء الشريعة»[13].

وبعد ثورة 14 يوليو 1985م/1378هـ في العراق التي قضت على النظام الملكي، نشرت جريدة الجمهورية البغدادية في السنة الأولى من صدورها في الأعداد (60،53،51،50)[14] حيثيات محاكمة مشهورة في بغداد لأحد مساعدي الشيخ عبد الكريم شدله وهو شخص معروف باسم حمه سور، وقد اتهمته المحكمة بأن حركته (حقة) تستند إلى مذهب الحلول والتناسخ والإباحية التي طبقها عملياً بين أتباعه كما روى شهود من أهل قريته (كلاوقوت) والقرى المجاورة. وكان حمه سور قد ادعى بين أتباعه النبوة زاعماً أنه نسخ الشريعة الإسلامية، وأن الله قد حل فيه، فكلامه هو كلام الله، وزعم أنه المهدي المنتظر، وكان يدعو الأهلين إلى ترك فريضة الصوم والصلاة، والدعوة إلى إباحة النساء، زاعماً أن مواقعة النساء اللاتي يرغبن في الجماع هي أحسن عند الله منها. فضلاً عن الدعوة إلى منع التناسل[15].

وكان أحد المحامين من مركز مدينة كركوك ويدعى معتصم قد اتهم حمه سور بأنه في حقيقته أجنبي، لا يعلم أصله، ولكن الشهود قالوا: إنه جاء إلى قريتهم من إيران، وكان قبل ذلك في روسيا، فتلقفه المستعمرون فدفعوه لتعلم اللغة الكردية، وجهزوه حتى يؤدي هذا الدور، وأرسلوه إلى العراق فاتصل بالشيخ عبد الكريم الشدلي الذي – كما قيل – كان يدعي الألوهية في ذلك الحين. ولما اختلف معه جاء إلى قرية كلاوقوت في ناحية شوان التابعة للواء (محافظة) كركوك، فأفسد عقيدة كثير من العوام الجهال الذين يتبعون كل ناعق دون دليل أو برهان[16].

وقد انقسمت الحقة إلى قسمين:

1- المامه رضائية، نسبة إلى المامه رضا الذي خلف شقيقه عبد الكريم شدله المتوفى سنة 1942م في قيادة الحقة، وتوفي هو الآخر سنة 1961م. وكان يناور عندما يسأل عن سبب تركهم للفرائض الشرعية من قبل أحد علماء مدينة السليمانية، فكان جوابه: «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين. حتى أداة بلوغ الغاية. إننا وصلنا إلى الغاية، وحصل لدينا اليقين، ولذلك لسنا بحاجة إلى السجود»[17].

2- الحمسورية، نسبة إلى حمه سور أو حمسور[18] الذي كان متطرفاً أكثر من الفرع الآخر، وكان يقول عن دينه: «بأنه فوق دين النووي» (يظهر أنه يقصد الإمام النووي)[19]، وكان يؤول الآيات القرآنية التي تتكلم عن خلق الإنسان من طين بقولهم: «ألا يقول العلماء أن الله خلق البشر من طين؟ فما يضر الله لو وضعنا قطعة طين في شق حائط»[20]. ولذا كان يعد الحقة خارجين عن الإسلام. وكان هذا الفرع أكثر تطرفاً من ناحية العلاقات الاجتماعية المشاعية بين الرجال والنساء، وقد مات حمسور سنة 1986م. حيث كانت له علاقات مباشرة مع مؤسس الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف (فهد النصراني) الذي أعدمته الحكومة الملكية العراقية في 14/2/1949م/1370هـ، وكان فهد عندما رجع من الاتحاد السوفيتي إلى العراق عن طريق إيران في عام 1943م/1362هـ، جلب معه طابعة بمساعدة الحزب الشيوعي الإيراني (تودة)، فاستقر في قرية شدله في بيت الشيخ عبد الكريم والتقى هناك بحمسور، فضلاً عن ذلك أنه حينما كان يضطر للاختفاء عن أنظار السلطات الملكية العراقية – آنذاك – يلجأ دوماً إلى المكان نفسه (قرية شدله) النائية ويبقى فيه لفترات طويلة[21].

وقد دخل الكثير من أتباع طائفة حقة إلى الأحزاب الكردية العلمانية بشتى أطيافها اليسارية والماركسية.

أما بخصوص الغرائب والشذوذ في تصرفاتهم، فقد ذكرها أحد الباحثين الكرد وفق ما يلي:

دفن الأجسام وهم أحياء في أكداس روث حيوانية.

شيوعية الأموال، حتى قال بعض الناس إنها شملت النساء أيضاً.

حفلات الاستحمام المشترك والمختلط وسحب الكلاب معهم إلى داخل الأحواض.

التبرك بأوعية مملوءة من البول ولمسها.

عدم حلق شعر الرأس وخصوصاً المقدمة منها.

عدم شرب الشاي والاكتفاء بالماء الحار والسكر[22].

بناء على ما تقدم يظهر للباحث ما يلي:

أن عناصر من حركة البابية والبهائية استطاعت التغلغل إلى صفوف الطريقة النقشبندية المجددية الكردية التي أسسها مولانا خالد الجاف انطلاقاً من مدينة السليمانية، ورسمت لها مخططاً للتنفيذ تم تطبيقه ببطء عن طريق الدفع بهم نحو الشطط والغلو في شيوخهم وعن طريق التوجيه بواسطة تعلق قلب المريد بشيخه وتذكره طوال الوقت! (في الإسلام على الإنسان أن يتعلق قلبه بالله وحده وليس بشيء آخر لأنه منافٍ للتوحيد الخالص). وهكذا بحلول سنة 1920م/1339-1340هـ ظهرت حركة الحقة في عهد شيخها عبد الكريم شدله.

دعم الحاخامات اليهود للبهائية عن طريق التصوف اليهودي والدعم المادي السخي، على أساس ظهور الألفية السعيدة وظهور المسيح المنتظر (المهدي المنتظر)، وعن هذا الطريق محاولة إنشاء نواة لها في الأجزاء الجبلية البعيدة من كردستان ذات الغالبية السنية مثل: حركة حقة في شمال شرق كردستان العراق، والخورشيدية البارزانية في أواسط شمال كردستان العراق، لأن الحركتين البابية والبهائية قامتا ضمن أتباع المذهب الشيعي الإثنى عشري في إيران المستعد أصلاً لاستقبال الخرافات والأوهام البعيدة عن الإسلام الصحيح.

استغل أعداء الإسلام بعد هذه المنطقة عن مراكز المدن ووقوعها بين مضائق جبلية وعرة، شمال غرب السليمانية، شمال وشمال شرق كركوك، لنشر أفكارهم الهدامة.

كان الجهل والأمية والإيمان بالخرافات متفشياً في هذه المنطقة. حيث الحالة الاجتماعية المتأخرة والبساطة التي كان عليها أهلها، وهذا ديدن الحركات الباطنية التي ظهرت في حقب مختلفة من التاريخ الإسلامي كالنصيرية (العلوية) والدرزية والبهرة والحروفية وغيرها.

تفرعت الحركة إلى أجنحة لامتداد نفوذها إلى مناطق أخرى، لاسيما الجناح الحمسوري.

كان الجناح الحمسوري أكثر تطرفاً من الناحية الباطنية، وإيغالاً في الإباحية، إذ ألغت الحمسورية العبادات والفرائض. كما دعت إلى شيوعية الأموال وحتى النساء، ويرون أن الله خلق البشر من طين ولا حرج في وضع قطعة طين في شق حائط – على حد زعمهم[23].

انضم غالبية أتباع الحركتين المامه رضائية والحمسورية إلى الحزب الشيوعي العراقي ومن ثم الحزب الشيوعي الكردستاني، والأحزاب اليسارية الكردية الأخرى، بسبب القواسم المشتركة الكثيرة بين الباطنية والعلمانية اليسارية.

 

[1] الدكتور محسن عبد الحميد، حقيقة البابية والبهائية بيروت، المكتب الإسلامي، ط3، 1405هـ/1985م، ص45.

[2] المرجع نفسه، ص46.

[3] عبد الرزاق الحسني، البابيون والبهائيون في حاضرهم وماضيهم دراسة دقيقة في الكشفية والشيخية وفي كيفية ظهور البابية فالبهائية، بيروت، الدار العربية للموسوعات، 2008هـ/1428هـ، ص22، الهامش(2).

[4] المرجع نفسه، ص24-25.

[5] عبد الكريم المدرس، يادى مردان (تذكار الرجال) باللغة الكردية، المجمع العلمي العراقي – هيئة اللغة الكردية، بغداد، 1979م، ج1، ص259-260.

[6] محسن الأمين  العاملي، أعيان الشيعة، دار التعارف، بيروت، 1986م، ج2، ص72.

[7] محمد عبد الحميد الحمد، البهائية ولادة دين جديد، دار الطليعة الجديدة، دمشق، 2006م، ص270-271.

[8] مصطفى رضا العسكري، التفاتة نحو حركة حقة، كتب مقدمته وهوامشه محمد الملا عبد الكريم، مديرية الطبع والنشر، السليمانية، 2009م، ص36-39.

[9]  سي. جي. أدموندز، كرد وترك وعرب، ترجمة: جرجيس فتح الله، منشورات الجمل، دار آراس للطباعة والنشر، بيروت  – بغداد – أربيل، 2012م، ص289.

[10] أدموندز، كرد وترك وعرب، ص289-290.

[11] مصطفى رضا العسكري، التفاتة نحو حركة حقة، ص33.

[12] المرجع السابق، ص33.

[13] مصطفى العسكري، التفاتة نحو حركة حقة، ص34-35.

[14] جريدة الجمهورية  البغدادية، 12 سبتمبر  1958م.

[15] محسن عبد الحميد، حقيقة البابية والبهائية، ص49؛ مصطفى العسكري، التفاتة نحو حركة حقة، ص31؛ رفيق مجيد عبد الله، حركة الحقة والحمسورية بين الإسلام والباطنية، مجلة جامعة دهوك، المجلد2، العدد1، مارس 1999م، ص167، لذلك عندما أنجب أحد أتباعهم طرد من صفوف جماعة حقة. ينظر: جواد فقي علي، محمد بن عبد الله الجلي وجهوده العلمية، رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية الشريعة – جامعة بغداد، 1411هـ/1990م، ص59.

[16] محسن عبد الحميد، حقيقة البابية والبهائية، ص49؛ رفيق مجيد عبد الله، حركة الحقة والحمسورية بين الإسلام والباطنية، ص166.

[17] مصطفى العسكري، التفاتة نحو حركة حقة، ص129.

[18] حمسور: مركب من محمد + سور الذي يعني في اللغة الكردية الأحمر، ومحمد يرخم لدى الكرد السورانيين ويحول إلى (حمه) للتخفيف، وقد مات حمسور سنة 1986م.

[19] المرجع نفسه، ص130.

[20] جواد فقي علي، محمد بن عبد الله الجلي وجهوده العلمية، ص59.

[21] رفيق مجيد عبد الله، حركة الحقة والحمسورية بين الإسلام والباطنية، مجلة جامعة دهوك، المجلد2، العدد1، مارس 1999م، ص166، حيث التقى الباحث شخصياً مع سكرتير الحزب الشيوعي الكردستاني العرقي كريم أحمد في  18/2/1996م، ومع أحد أتباع نحلة حقة المدعو ملا عمر كولده، في 18/1/1996م.

[22] المرجع نفسه، ص167، نقلاً عن المستشار والضابط البريطاني أدموندز، وفي مقابلة شخصية مع أحد أفراد الحقة أحمد رسول، في 15/1/1996م.

[23] المرجع نفسه، ص168.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى