كتب وبحوث

أبعاد المؤامرة العالميَّة لتنصير العالم الإسلامي 1 من 8

أبعاد المؤامرة العالميَّة لتنصير العالم الإسلامي 1 من 8

إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

بعد استُعرض في أكثر من مقال سابق تطوُّر عقيدة بني إسرائيل، منذ انحرافها عن صحيح الرسالة السماويَّة بعد العودة من السبي البابلي ومرورًا بتأثيرات أهل كهوف قُمران، ونشأة عقيدة المخلِّص وما يرتبط بها من طقوس تأمليَّة تشابِه العديد من طقوس الأمم الوثنيَّة التي تأثَّر بها بنو إسرائيل؛ وبعد الإشارة إلى تأثُّر عقيدة بني إسرائيل بعقائد ثيوصوفيَّة، على رأسها القبَّالة؛ وبعد الكشف عن جذور القبَّالة، والإشارة إلى دعوتها إلى نشر علومها وطقوسها تمهيدًا لاستقبال المخلِّص في آخر الزمان؛ يأتي الدور على رصد وسائل نشر تلك العلوم والطقوس لكي تحلَّ محلَّ العقيدة السماويَّة وتهيِّئ العقول لاستقبال آدمي يُعبد من دون الخالق باعتباره تجسيدًا له بعد حلول الرُّوح القُدُس عليه.

تتعقَّب هذه الدراسة نشأة الدعوة إلى اعتناق المسيحيَّة والإيمان بعقيدة الفادي المخلِّص، وتلقي الضوء على أهم مؤسِّسيها، وإن كان معظم علماء مقارنة الأديان اتَّفقوا على أنَّ بولس الرَّسول هو أوَّل مبشِّر بالمعنى المتعارف عليه، كما أجمعوا على أنَّ تأثُّره بالعقائد الفلسفيَّة الشرقيَّة السائدة في موطن ميلاده-طرسوس الواقعة جنوبي الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة-له الإسهام الأكبر في تشكيل العقيدة المسيحيَّة بمفهومها السائد إلى اليوم. وتعتمد الدراسة على إسهامات مفكِّرين إسلاميِّين أسهموا في درء شبهات الغرب، ودحض مزاعم المستشرقين عن الإسلام، وبلورة افتراءات أعداء الدين على الرسالة السماويَّة، وعلى رأسهم الشيخ محمَّد الغزالي، والشيخ عبد الجليل عبده شلبي، والإمام عبد الحليم محمود.

أهداف التَّبشير والاستشراق: إخراج المسلمين من الظلمات إلى النور، أَم…؟

اجتهد الغرب غير المسلم منذ فشل الحملات الصليبيَّة في القرنين الحادي عشر والثاني عشر ميلاديًّا في سدِّ الثغرات، وإزالة العقبات التي تحول دون تحقيق هدفه الأساسي بإخضاع العالم الإسلامي إلى سُلطانه، واستعادة أراضي المشرق الإسلامي، التي حكمها على مدار قرون قبل الإسلام. تعلَّم الغرب من خطئه السابق حينما غزا العالم الإسلامي قبل تحريف المسلمين عن عقيدتهم وسحق ثقافتهم واستبدالها بالثقافة الغربيَّة المتعارضة مع صحيح الإسلام في أغلب سماتها. ولذلك، طُبِّقت وسائل للغزو الفكري تتوافق مع مختلف درجات التعليم والثقافة؛ فأُطلقت إرساليَّات تبشيريَّة تستهدف البسطاء ومتواضعي التعليم، كما جُنِّد علماء ومثقَّفون لإقناع المثقَّفين من المسلمين بتأخُّر ثقافتهم عن ركب المدنيَّة، وباحتواء عقيدتهم على تناقضات تهدِّد سلامتها، بل وبأنَّ الإسلام لم يعد يصلح لهذا الزمان؛ أي أنَّ من يريد اللحاق بقطار الحداثة والمدنيَّة عليه بالتخلِّي عن أصول دينه واتِّباع ملَّة الغرب.

حرص الدكتور عبد الجليل عبده شلبي-أستاذ الشريعة الإسلاميَّة ومقارنة الأديان والأمين العام الأسبق لمَجمع البحوث الإسلاميَّة-في كتابه الإرساليَّات التَّبشيريَّة: كتاب يبحث في نشأة التَّبشير وتطوُّره وأشهر الإرساليَّات التَّبشيريَّة ومناهجها (1998) على إيضاح الفرق بين طبيعة التَّبشير والاستشراق، مبيِّنًا أنَّ الاستشراق أحد أفرع التَّبشير التي استقلَّت لاحقًا لتصبح مجالًا منفصلًا للبحث يستهدف استمالة عقول الدارسين والمفكِّرين. لم يتخلَّ المستشرقون عن تجارب المبشِّرين في دراساتهم لعقليَّة المسلمين، كما بدأ كثيرٌ منهم دراسة العربيَّة ثمَّ الثقافة الإسلاميَّة بعد خبرتهم في مجال التَّبشير؛ والسبب في ذلك صعوبة إقناع عامَّة المسلمين بضرورة التخلِّي عن دينهم إلَّا بإقناعهم بمواطن الضعف فيه. قد تنطلي بعد الادعاءات على السذَّج والأميِّين، ولكن ليس على المتعلِّمين.

ويبدأ الدكتور شلبي دراسته المستفيضة عن نشأة التَّبشير بالإشارة إلى عدم صحَّة اعتقادات مُسلَّم بها في المسيحيَّة، من بينها سنة ويوم ميلاد المسيح. يوضح شلبي أنَّ المسيح عيسى بن مريم-عليه وعلى سائر أنبياء الله ورسله أزكى الصلوات وأتم التسليم-لم يولد في الخامس والعشرين من ديسمبر، هو أيضًا لم يولد في العام الأول من الألفيَّة الأولى وفق التأريخ الميلادي، من المرجَّح أنَّ ميلاد نبي الله عيسى كان قبل ذلك الموعد بأربعة أو ستة أعوام. ويكمن سبب عدم وجود رواية ثابتة عن تاريخ مولده إلى نُدرة التفاصيل عن حياته قبل بعثته في المصادر الإسلاميَّة. أمَّا بخصوص ما ورد ن يسوع في المصادر المسيحيَّة، فالقصَّة التي سردتها الأناجيل هي أنَّ مريم وخطيبها يوسف النجار كانا من سكان قرية الناصرة في بيت لحم، وكلاهما من نسل الملك داود، أي من سبط يهوذا بن يعقوب. وفق الأناجيل الثلاثة الأولى-متَّى ومرقس ولوقا-جاء الملاك لمريم ليهبها غلامًا، دون اتصال جسدي بأي رجل، وقد تزامن ذلك مع حملة شنَّها الإمبراطور هيرودس لإحصاء الحوامل، تخوُّفًا من ظهور طفل من أبناء بني إسرائيل سيهدم ملكه. وضعت مريم الغلام، وأسمته يسوع-الخلاص بلغة قومها-وذهبت به إلى الهيكل في أورشليم، ثم عادت به إلى الناصرة. خوفًا على رضيعها من بطش الإمبراطور الذي أراد قتل صبيان بين إسرائيل، استجابت مريم ليوسف المجَّار حينما أراد أن يصحبهما إلى مصر، تنفيذًا لأمر الملاك الذي ظهر ليوسف وطلب منه ذلك. بقي الثلاثة في مصر حتَّى عاد الملاك إلى يوسف ليخبره بموت الإمبراطور، عادوا جميعًا إلى الناصر. وهناك، شبَّ يسوع وظهرت عليه علامة الفطنة ورجاحة العقل وفصاحة اللسان. عمَّد القديسُ يوحنَّا المعمدان يسوعَ في نهر الأردن وهو ابن تسعة وعشرين عامًا تقريبًا، وبعدها سُجن يوحنَّا، ليعلن يسوع عن دعوته التي أثارت ضدَّه بني إسرائيل وأدَّت إلى اضطهاده، ومن ثمَّ صَلبه. وقد أوضح في الفصل الأوَّل أنَّ ما يتعلَّق بيوم ميلاد المسيح والظروف المحيطة بالميلاد هو في الأصل مُستمد من الهندوسيَّة والبوذيَّة وعقائد شرقيَّة أخرى.

دور الإرساليَّات في تشجيع الفكر القومي والنزعات الطائفيَّة باستغلال مؤسَّسات التعليم

كما يوضح مصطفى خالدي وعُمر فرُّوخ في كتابهما الشهير التَّبشير والاستعمار في البلاد العربيَّة (1953)، استغلَّ المبشِّرون العلم، الذي هو وسيلة للتحرر والرقي، في استعباد البشر، ثم دفعهم إلا الاستسلام إلى الاستعمار الخارجي بدافع من تحقيق المكسب المادي. ينصبُّ اهتمام المدارس الإرساليَّة على تخريج أفرادًا مسيحيِّين، وإن لم ينتفِ هدف الاستفادة من تفوُّقهم العلمي في تحقيق منافع دنيويَّة. غير أنَّ المنفعة من هؤلاء لا تصبُّ سوى في مصلحة الغرب المسيحي في خدمة مشروعاته. تُعد المدارس الإرساليَّة والبعثات إلى الغرب الطلَّاب ليكونوا قادة أوطانهم، ولا شكَّ أنَّ تلقينهم من الأفكار ما ينفع الغرب وحده هو أكبر ضامن لعمل هؤلاء بما يتَّفق وسياسة الغرب وأهدافه في بلاد الإسلام؛ ولهذا السبب، أولت الإرساليَّات اهتمامًا كبيرًا بالتعليم العالي.

منحت الامتيازات الأجنبيَّة التي انتزعها الاستعمار البريطاني من السُلطة الحاكمة في المستعمرات الآسيويَّة والإفريقيَّة، الفرصة لإرسال البعثات التَّبشيريَّة باسم الصداقة، والإسهام في رفع المعاناة، وتقديم الخدمات الطبيَّة والتعليميَّة. وهكذا، استطاع المستعمر البريطاني تأسيس الكنيسة البروتستانتيَّة، بهدف دفع المسلمين إلى ترك دينهم.

رأى المبشِّرون في بداية عملهم في العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر في الدولة العثمانيَّة عقبةً كبيرةً في سبيل تحقيق أهدافهم. غير أنَّ ذلك الموقف المعادي قد تغيَّر بمرور الوقت؛ حيث رأى المبشِّرون في سياسات الدولة ما يستدعي التعاطف والتأييد، على أمل تعديل السياسات الأخرى المعادية للفكر الغربي. وقد تبدَّد الأمل في تغيير الدولة العثمانيَّة سياساتها لمجاراة النمط الغربي بالكامل عام 1908 ميلاديًّا، حينما تمرَّد مجموعة من خرِّيجي المدارس والكليَّات غربيَّة الإدارة، من أعضاء حزب تركيا الفتاة، على السلطان عبد الحميد الثاني. كان من بين هؤلاء شباب تلقُّوا تعليمهم في جامعة البوسفور –Boğaziçi Üniversitesi، التي أسَّسها عام 1863 ميلاديًّا كريستوفر روبرت، وهو مبشِّر أمريكي كرَّس ما بقي من حياته وقتها للتعليم الداعم لنشر الفكر الغربي والمتعارض مع التعاليم الإسلاميَّة. أُسِّست الجامعة وقتها باسم كليَّة روبرت، وقد تغيَّر اسمها لاحقًا بعد أنَّ أمَّمتها الحكومة التركيَّة.

استغلَّ المبشِّرون الأمريكيُّون، وعلى رأسهم جيمس بيرتون، اشتعال الصراع بين الدولة العثمانيَّة والأرمن بالتزامن مع بداية الحرب العالميَّة الأولى، والعنف الممارَس تجاه الأرمن، فطالب بيرتون وقتها بوصاية أمريكيَّة على أرمينيا، على أمل أن يُجبر الجيش الأمريكي الدولة العثمانيَّة على منْح الأرمن الاستقلال. من المثير للاهتمام أنَّ أبرز المؤيدين لمساعي بيرتون وقتها رؤساء الجامعات والمعاهد الأمريكيَّة في تركيا. وبالفعل، تحقَّق ما سعى إليه بيرتون، ومنحت معاهدة سيفر (1920 ميلاديًّا) الاستقلال للدولة الأرمينيَّة.

ولم يتوقَّف دور بيرتون عند ذلك الحد؛ فقد كان من أبرز المشاركين في مفاوضات معاهدة لوزان (1923 ميلاديًّا)، التي اعترفت بالجمهوريَّة التركيَّة، باعتبارها وريث الدولة العثمانيَّة، التي تمزقت وتحوَّلت إلى دول مستقلَّة، إيذانًا بسقوط الخلافة الإسلاميَّة عام 1924 ميلاديًّا. عيَّن بيرتون نفسه مستشارًا للوفد الأمريكي، وممثلًا لمختلف المجالس التَّبشيريَّة في الشرق الأوسط. ولعب كيليب جيتس-رئيس جامعة البوسفور-دورًا مشابهًا؛ فقد كان مستشارًا رسميًّا. غير أنَّ جهود المبشِّرين لم تفلح تلك المرَّة في ضمان استقلاليَّة أرمينيا، حيث أنَّ معاهدة لوزان أبطلت معاهدة سيفر السابقة عليها.

كما سبقت الإشارة، أسَّست الإرساليَّات عددًا من المدارس والجامعات لخدمة أغراض التَّنصير، ولعلَّ أشهرها الجامعة الأميركيَّة في بيروت (AUB) والجامعة الأمريكيَّة بالقاهرة (AUC). حرص المدرِّسون في تلك المؤسَّسات التعليميَّة على إبداء تعاطُف مع القضايا السياسيَّة لأبناء البلدان التي خدموا بها، مؤيدين حقَّ الشعوب العربيَّة في تقرير مصيرها. ويعتبر هوارد بليس-رئيس الجامعة الأمريكيَّة في بيروت، ونجل مؤسِّسها، دانيال بليس-خير مثال على ذلك؛ فقد شارك في مؤتمر باريس للسلام عام 1919 ميلاديًّا بهدف تكوين جبهة ضغط غربيَّة للمطالبة باستقلال البلدان العربيَّة.

برغم أنَّ نتائج الجهود طويلة الأمد للإرساليَّات كانت محدودة، فقد نجحت المؤسسات التعليميَّة التي أنشأتها في إنجاز خطوة في غاية الأهميَّة في طريق الإعداد لعمليَّة التَّنصير، وهي إذكاء الشعور القومي لدى الجماهير العربيَّة، باعتباره بديلًا عن الانتماء إلى خلفيَّة إسلاميَّة موحَّدة. غُذِّيت أدمغة الطلَّاب بأفكار غربيَّة خالصة في مجالات السياسة والاقتصاد والعلوم الاجتماعيَّة، وأصبح الخرِّيجون القادة والزعماء وأصحاب القرار، ولا مجال للتساؤل عن الانتماء العقدي والسياسي لأمثال هؤلاء، ومدى خدمته لقضايا الأمَّة الإسلاميَّة عن حقٍّ. ويقول روبرت كابلان عن الجامعة الأمريكيَّة في بيروت في كتابه المستعربون: رومانسيَّة النخبة الأمريكيَّة-The Romance of an American Elite (1993) “تبنَّت الجامعة مناخًا حرًّا في الفكر والنقاش، مما أثمر عن القوميَّة العربيَّة ومنحها فرصة التطوُّر. ويمكن القول بأنَّ القوميَّة العربيَّة ثمرة هذه الجامعة” (ص37).

دور الجامعات الأمريكيَّة في العالم العربي في عمليَّة التَّبشير

تخصِّص هيذر شاركي، أستاذ التاريخ في قسم حضارات ولغات الشرق الأدنى في جامعة بنسلفانيا الأمريكيَّة، خامس فصول كتابها American Evangelicals in Egypt: Missionary Encounters in an Age of Empire-الإنجيليُّون الأمريكيُّون في مصر: لقاءات تبشيريَّة في عصر الإمبراطوريَّة (2008)، لتناوُل دور الجامعة الأمريكيَّة بالقاهرة في منظومة التَّبشير، مستعرضةً قصَّة تأسيسها على يد تشارلز واطسون، المبشِّر الإنجيلي الذي تربَّى في مصر؛ لأنَّ أباه كان عضوًا الإرساليَّة الأفريقيَّة التابعة للكنيسة المشيخيَّة المتَّحدة في أمريكا الشماليَّة. كما تسر شاركي، استقال واطسون عام 1916 ميلاديًّا من منصب سكرتير الهيئة الإرساليَّة الأجنبيَّة في فيلادلفيا، ليبدأ مساعيه لتأسيس “كنيسة مسيحيَّة في مصر” بدعم من “الكنيسة المشيخيَّة المتَّحدة في أمريكا الشماليَّة وجناحها التَّبشيري” (ص149). تركَّزت جهود واطسون وقتها على البحث عن مكان مناسب لتأسيس الجامعة، بعد جمع التبرُّعات اللازمة، والحصول على موافقة السلطات البريطانيَّة، التي كانت تفرض حينها الحماية على مص، وتزامَن ذلك مع الحرب العالميَّة الأولى. وقد أوضح واطسون في خطاب الاستقالة الذي أرسله بتاريخ 24 أبريل 1916 ميلاديًّا، إلى هيئة الإرساليَّات الأجنبيَّة للكنيسة المشيخيَّة المتَّحدة في أمريكا الشماليَّة، أنَّ وظيفته التي أراد تركها لم تشعره بأنَّه كان يخدم عمليَّة التَّبشير على النحو الذي كان يريده، مضيفًا اعتقاده بأنَّه وكأنَّما “استُدعي” لتقديم خدمة أكثر عمومًا، هي “شكل أكثر تخصُّصًا من الجهود التَّبشيريَّة يستهدف تقديم يسوع المسيح للعالم الإسلامي بطريقة مفعمة بالحيويَّة”. وتعترف شاركي بأنَّ “الرابط الصريح بين الجامعة الأمريكيَّة بالقاهرة والإرساليَّة التَّبشيريَّة” قد يصيب البعض بالدهشة (ص149).

فتحت الجامعة الأمريكيَّة بالقاهرة أبوابها أمام الطلَّاب عام 1920 ميلاديًّا، بفضل جهود واطسون، الذي حرص منذ البداية على استقلالها عن إرساليَّة الكنيسة المشيخيَّة المتَّحدة، مما أثار حفيظة بعض المبشِّرين المشاركين في التخطيط لتأسيسها. غير أنَّ واطسون عمل على ضمِّ الجامعة حديثة النشأة إلى المجلس المشترك بين الإرساليَّات، وكان عبارة عن منتدً يجمع مختلف المؤسَّسات التَّبشيريَّة البروتستانتيَّة في مصر؛ هذا بالإضافة إلى تخصيص برنامج تدريبي للعربيَّة للمبشِّرين بالمسيحيَّة في مصر. وكانت لواطسون خلال سنوات رئاسته للجامعة الأمريكيَّة بالقاهرة (من 1920 إلى 1945)، مشاركة فعَّالة في العديد المنظَّمات المسكونيَّة البروتستانتيَّة، من بينها World’s Sunday School Association (WSSA)-الرابطة العالميَّة لمدارس الأحد، كما أسهم في تأسيس  International Missionary Council (IMC)-مجلس التَّبشير الدولي، و Near East Christian Council (NECC)-المجلس المسيحي للشرق الأدنى، اللذين انبثق عنهما لاحقًا World Council of Churches (WCC)-مجلس الكنائس العالمي، و Middle East Council of Churches-مجلس كنائس الشرق الأوسط، كما ذكر ويليام آر. هوج في كتابه Ecumenical Foundations-مؤسَّسات مسكونيَّة (1952). غير أنَّ هويَّة تشارلز واطسون بوصفه مبشِّرًا ربَّما نُسيت بعد أن جنحت الجامعة الأمريكيَّة بالقاهرة للعلمانيَّة.

تشير هيذر شاركي إلى أنَّ رحلة تشارلز واطسون التَّبشيريَّة تمتدُّ إلى ثلاث مراحل مختلفة مرَّت على الحقل التَّبشيري في مصر، وهي مرحلة ما قبل الحرب العالميَّة الأولى، التي باشر خلالها المبشِّرون مهامهم بلا قيود أو معوِّقات؛ ومرحلة سنوات الحرب، والتي أُجبر خلالها المبشِّرون على تغيير استراتيجيَّاتهم نتيجة المشاعر العدائيَّة التي أبداها المسلمون؛ وأخيرًا مرحلة ما بعد الحرب العالميَّة الثانية، والتي شهدت تقيُّد علاقة أمريكا بالعالم العربي بمزيد من الموتِّرات، في أعقاب تأسيس دولة إسرائيل ونشوب الصراع العربي-الإسرائيلي، الذي ساندت فيه أمريكا، ولم تزل تساند، الجانب الإسرائيلي. وقد عبَّر واطسون في كتابيه Egypt and the Christian Crusade-مصر والحملة الصليبيَّة المسيحيَّة (1907) وIn the Valley of the Nile-في وادي النيل (1908)، بأنَّ أمريكا، بفضل ما تنعم به من ازدهار ووفرة، على عاتقها دور لخدمة العالم، ولا شكَّ أنَّ كان يقصد بذاك الدور ترقية الهمج والأجلاف من أبناء الأمم غير المسيحيَّة بعد هدايتهم إلى نور المسيح. واقترح واطسون استغلال موارد أمريكا المتزايدة في خدمة أهداف التَّبشير.

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى