كتب وبحوث

هل صار بناء الهيكل الثَّالث على أنقاض الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى قريبًا؟ 1 من 5

هل صار بناء الهيكل الثَّالث على أنقاض الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى قريبًا؟ 1 من 5

إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

 

“وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” (سورة البقرة: الآية 114).

تقديم

ظلَّ بيت المَقدس، الاسم الأوَّل للْمَسْجِدِ الْأَقْصَى قبل نزول القرآن الكريم، قبلة المسلمين في الصَّلاة لفترة بلغت ستة عشر شهرًا، كما ثبت في الصَّحيحين، حتَّى أنزل الله قوله تعالى “قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ” (سورة البقرة: الآية 144). ومن الملفت أنَّ الله تعالى يختم الآية بقوله “وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ”، في إشارة منه إلى أنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ طالما كانت قبلة الصَّلاة، قبل أن يضلَّ أهل الكتاب ويحوّلوا قبلتهم إلى بيت المَقدس، حيث تقع الصَّخرة المشرَّفة، الَّتي يطلقون عليها “ابن شتيه”، أي حجر الأساس، (אבן השתייה‎)، الَّذي يعتقد اليهود أنَّ عمليَّة الخلْق الأوَّل انطلقت منها. باعتراف حاخامات اليهود، لا يوجد دليل كتابي صريح على أنَّ هضبة موريا هي موقع بناء هيكل أورشليم، والثَّابت هو أنَّ الهيكل بناه الملك سليمان بن داود في القرن العاشر قبل الميلاد، وسُمي هيكل سليمان تيمُّنًا باسمه؛ ثمَّ أعيد بناؤه في مطلع القرن السَّادس قبل الميلاد بعد أنَّ دُمّر في الغزو البابلي، وسُمي هيكل زرُبَّابل، على اسم قائد الفرقة العائدة من بني إسرائيل من السَّبي البابلي عام 539 ق.م. تقريبًا. خضع هيكل زرُبَّابل لعمليَّة تجديد وتوسعة شاملة في القرن الأوَّل قبل الميلاد على يد الملك الرُّوماني هيرودس الكبير، وبلغ ما لم يبلغ من قبل من العظمة والرَّونق؛ من هنا، أُطلق عليه هيكل هيرودس.

وما يبرهن على تقديس اليهود لتلك الصَّخرة أنَّ التَّابعي كعب الأحبار، وكان حبرًا يهوديًّا أسلم بعد وفات النَّبي، لما استشاره أمير المؤمنين عُمر بن الخطَّاب في موقع بناء الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بعد فتح إيلياء، الاسم الرُّوماني للقُدس، أشار ببنائه إلى الصَّخرة، وكأنَّما أراده قبلةً من دون الكعبة؛ فردَّ عليه عُمر، كما ينقل الطَّبري في تاريخ الرُّسُل والملوك، بقوله “إنَّا لم نؤمر بالصخرة، ولكنَّا أمرنا بالكعبة” (جزء3، ص511). ينظر اليهود إلى هضبة موريا، حيث بُني الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، والتَّي تشكّل الصَّخرة المشرَّفة أعلى جزءٍ منها، باعتبارها ملتقى السَّماء والأرض؛ ويعتبرون الصَّخرة بمثابة “سُرَّة الأرض” ومركز الكون؛ ويطلقون على القُدس، أو أورشليم وفق تسميتهم، “المدينة السَّماويَّة”، مفترضين أنَّها تطلُّ على بوابة من بوَّابات السَّماء يمكن منها الانطلاق إلى السَّماوات العلا. ومن المثير أنَّ هذا الاعتقاد، وإن كانت له جذور في الكتاب المقدَّس، فهو أساس عقيدة القبَّالة (קַבָּלָה)، أي التَّلقّي، وهي التُّراث الباطني اليهودي. يستند تقديس الصَّخرة المشرَّفة إلى تفسير كتاب الزُّوهار (זֹהַר‎)، دستور القبَّالة، لما يُروى في سفر التَّكوين (إصحاح 28، آيات 12-19) عن رؤيا يعقوب لسُلَّم يتدلَّى من السَّماء أعلاه يقف الرَّبُّ.

 اعتُبر “بَيْتَ إِيلَ”، كما أطلق يعقوب على الموقع الَّذي جاءته فيه الرُّؤيا، نواة لهيكل أورشليم، برغم أنَّ يعقوب نفسه لم يحدّد أنَّه فوق هضبة موريا. وبعد مرور أكثر من ستَّة قرون، يقرّر الملك سليمان بناء بيت للرَّبّ، تنفيذًا لوصيَّة أبيه: “فَها أَنَا ذَا أَبْنِي بَيْتًا لاسْمِ الرَّبِّ إِلهِي لأُقَدِّسَهُ لَهُ، لأُوقِدَ أَمَامَهُ بَخُورًا عَطِرًا، وَلِخُبْزِ الْوُجُوهِ الدَّائِمِ، وَلِلْمُحْرَقَاتِ صَبَاحًا وَمَسَاءً، وَلِلسُّبُوتِ وَالأَهِلَّةِ وَمَوَاسِمِ الرَّبِّ إِلهِنَا. هذَا عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ” (سفر أخبار الأيَّام الثَّاني: إصحاح 2، آية 4). ويوضح سليمان أنَّ الرَّبَّ هو الَّذي اصطفاه لتلك المهمَّة: “إِنَّكَ قَدِ اخْتَرْتَنِي لِشَعْبِكَ مَلِكًا، وَلِبَنِيكَ وَبَنَاتِكَ قَاضِيًا. وَأَمَرْتَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَيْكَلًا فِي جَبَلِ قُدْسِكَ، وَمَذْبَحًا فِي مَدِينَةِ سُكْنَاكَ عَلَى مِثَالِ الْمَسْكَنِ الْمُقَدَّسِ الَّذِي هَيَّأَتَهُ مُنْذُ الْبَدْءِ” (سفر الحكمة: إصحاح 9، آيتان 7-8). وتجد في الإشارة إلى ذلك البيت بأنَّه “الْمَسْكَن الْمُقَدَّس الَّذِي هَيَّأَتَهُ مُنْذُ الْبَدْءِ” تحديًا صريحًا لقوله تعالى “إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ” (سورة البقرة: الآية 96). تتعقَّب هذه الدّراسة قصَّة بناء الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وفق المصادر الإسلاميَّة، مقارنةً بما ورد عن بناء هيكل أورشليم في مصادر أهل الكتاب، سواءً الكتاب المقدَّس أو التُّراث الباطني اليهودي، في محاولة لتبيان أيّ من المصادر أجدر بمنح الشَّرعية لبناء بيت لله تعالى فوق هضبة موريا، التَّي شهدت معراج النَّبيّ (ﷺ) للقاء الله تعالى ليلة الإسراء والمعراج، كما شهدت صلاته إمامًا بالأنبياء بعد نزوله إلى الأرض.

1.تأريخ تفصيلي لمحاولات هدْم الْمَسْجِد الْأَقْصَى

يقدّم الكاتب “عبد بن محمَّد بركو” (2010) رؤيته بشأن قضيَّة الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى المبارك، في استعراض لتاريخه ومكانته لدى المسلمين، سعيًا إلى دحْض المزاعم اليهوديَّة بشأن بنائه على أنقاض هيكل للطُّقوس الباطنيَّة بُني في الأزمنة القديمة، وتحديدًا في زمن أحد أنبياء بني إسرائيل، هو “سليمان” (عليه السَّلام). يتأسَّف الكاتب على ما يتعرَّض له المسجد المبارك منذ احتلال اليهود للضَّفَّة الغربيَّة لنهر الأردن، حيث يقع المسجد، خلال حرب الأيَّام السّتَّة، في يونيو 1967م، من محاولات للهدم والتَّهويد؛ ولعلَّ الحفريَّات الَّتي تجري من تحته والاستيلاء على الأراضي الواقعة في محيطه أبرز أعمال التَّخريب الَّتي تطال المسجد. وترصد هذه الدّراسة أهمَّ الأدلَّة على زيف ادّعاءات اليهود بشأن الهيكل، ممَّا ساقه المؤرّخون وعلماء الآثار من حُجج وشواهد لا تقبل التَّشكيك. أمَّا عن نقاط تركيز الدّراسة، فتشمل الأدلَّة التَّاريخيَّة على عروبة مدينة القُدس وانتمائها إلى العالم الإسلامي؛ ومحاولات الفكر الصُّهيوني التَّرويج لوجود هيكل اغتَصب الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى مكانه على هضبة موريا دون وجْه حقّ؛ والخطوات الإسرائيليَّة الفعليَّة لهدْم المسجد لبناء الهيكل في مكانه.

تأصيل تاريخي لعروبة القُدس وإسلاميَّتها

تتعدَّد الأدلَّة على أنَّ مدينة القُدس عربيَّة منذ أمد بعيد؛ فقد عاش فيها السَّاميون العرب قبل ميلاد “يسوع المسيح” (عليه السَّلام) بستَّة آلاف عام، واستقرَّ فيها الكنعانيون في الألفيَّة الثَّالثة قبل الميلاد(ق.م.)، بينما لم يدخلها بنو إسرائيل إلَّا عام 1220 ق.م. مع “يشوع بن نون”، نبيّهم ووصي نبي الله “موسى” (عليه السَّلام). تمزَّقت مملكة بني إسرائيل في الأرض المقدَّسة على يد الآشوريين عام 732 ق.م.؛ وغزاها البابليون عام 587 ق.م.، ومن بعدهم الفُرس عام 539 ق.م.، وعاش بنو إسرائيل حينها تحت إمرة ملوك من الأغيار استعمروا بلادهم وساموهم سوء العذاب. ومن بعد الفُرس، جاء دور الإغريق، الَّذين دخلوا فلسطين عام 332 ق.م.، واستمرَّت سيطرتهم عليها حتَّى عام 63 ق.م.، حينما غزاها الرُّومان وأخضعوها لسلطانهم حتَّى الفتح العربي في زمن أمير المؤمنين “عُمر بن الخطَّاب” (رضي الله عنه) عام 636 ميلاديًّا، الموافق عام 15 هجريًّا. وكما يشير “مارديني” (2003)، أور سالم، أي مدينة السَّلام، هو أقدم اسم عُرفت به مدينة القُدس، وهو اسم كنعاني تحوَّر إلى الاسم الأكادي أورو سالم، وإلى العبري أورشليم، وهو الاسم الوارد في الكتاب المقدَّس ويُفترَض أنَّه يشير إلى القُدس. أمَّا في الأحاديث النَّبويَّة، فقد عُرفت المدينة ببيت المقدس، وإيليا أو إيلياء.

ويؤكّد “الحسيني” (1969) أنَّ الكنعانيين العرب قد استوطنوا القُدس قبل بني إسرائيل بأكثر من ألفي عام، مضيفًا أنَّ “إبراهيم” و “إسحق” و “يعقوب” (عليهم السَّلام) سكنوا الأرض المقدَّسة، ولم يكونوا ملوكًا عليها. يدلّل الحسيني على أنَّ “إبراهيم” كان ضيفًا نزل على الأرض المقدَّسة بما أورده العهد القديم عن قصَّة شرائه مساحة من الأرض لدفْن امرأته، “سارة”: “قَامَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ أَمَامِ مَيِّتِهِ وَكَلَّمَ بَنِي حِثَّ قَائِلًا. «أَنَا غَرِيبٌ وَنَزِيلٌ عِنْدَكُمْ. أَعْطُونِي مُلْكَ قَبْرٍ مَعَكُمْ لأَدْفِنَ مَيْتِي مِنْ أَمَامِي» …وَكَلَمَ عِفْرُونَ فِي مَسَامِعِ شَعْبِ الأَرْضِ قَائِلًا: «بَلْ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ إِيَّاهُ فَلَيْتَكَ تَسْمَعُنِي. أُعْطِيكَ ثَمَنَ الْحَقْلِ. خُذْ مِنِّي فَأَدْفِنَ مَيْتِي هُنَاكَ». فَأَجَابَ عِفْرُونُ إِبْرَاهِيمَ قَائِلًا لَهُ. «يَا سَيِّدِي، اسْمَعْنِي. أَرْضٌ بِأَرْبَعِ مِئَةِ شَاقِلِ فِضَّةٍ، مَا هِيَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ؟ فَادْفِنْ مَيْتَكَ»” (سفر التَّكوين: إصحاح 23، آيات 3-15). بيعت “أَرْضٌ بِأَرْبَعِ مِئَةِ شَاقِلِ فِضَّةٍ” لـ “إبراهيم”، الَّذي رفَض الحصول على مدفن لامرأته هبةً من أحد السُّكَّان الأصليين للأرض المقدَّسة، يُدعى عفرون، برغم أنَّ الرَّبَّ وعَد “إبراهيم” بمُلك أبديّ على أرض كنعان ترثه ذريَّته من بني “إسحق” (سفر التَّكوين: إصحاح 17، آية 8). ويتعجَّب الحسيني من موقف إبراهيم، متسائلًا “لمَ لمْ يعدّ الأرض الَّتي وعَدها الله مُلكًا له حقًّا؟ ولماذا أصرَّ على دفْع ثمن الكهف، مع أنَّ صاحبه عرَضه عليه هبةً؟ وإذا كان الحال كذلك مع إبراهيم (عليه السلام) صاحب الوعد الأوَّل، أيجوز أن يستولى بنو إسرائيل اليوم على مئات القرى والمدن العربيَّة بالإرهاب والقوَّة؟” (صـ10).

لم يؤسّس بنو إسرائيل حضارة في الأرض المقدَّسة تركت آثارًا تشهد على أحقّيَّتهم التَّاريخيَّة فيها، على عكْس الكنعانيين، الَّذين خلَّفوا إرثًا حضاريًّا كبيرًا نقَلته عنهم الأمم الأخرى. اعترف بنو إسرائيل بكفرهم بربّهم الَّذي أخرجهم من مصر بعد عقود من الاستعباد والتَّنكيل على يد فرعون وقومه، وبعبادتهم آلهة أخرى وإقامة المعابد والأصنام لها فوق المرتفعات، كما جاء في أسفار العهد القديم، ومنها يشوع، والقضاة، الملوك الأوَّل والثَّاني، وأخبار الأيَّام الأوَّل والثَّاني؛ حتَّى استحقُّوا الطَّرد من الأرض المقدَّسة على يد البابليين عام 587 ق.م. عاد بنو إسرائيل إلى الإفساد في الأرض بعد عودتهم من السَّبي البابلي عام 539 ق.م.، وليتكرَّر طرْدهم عام 70 ميلاديًّا على يد الرُّومان، الَّذين دمَّروا مملكة يهودا، آخر مملكة لبني إسرائيل في الأرض المقدَّسة في الأزمنة القديمة. حُرَّمت مدينة إيليا، كما صار اسم أورشليم في زمن الحُكم الرُّوماني، على اليهود، ولم يتغيَّر ذلك الوضع بعد الفتح الإسلامي؛ حيث جاء في نصّ معاهدة أمير المؤمنين، عُمر، مع أهل بيت المقدس “هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيليا من الأمان. أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم…ولا يسكن بإيليا معهم أحدٌ من اليهود” (إسلام ويب، 5 مايو 2011). انقطعت صلة اليهود بالأرض المقدَّسة لما يقرب من 19 قرنًا، حتَّى بدأوا يتوافدون عليها في نهاية القرن التَّاسع عشر للميلاد، مع اشتداد بطْش روسيا القيصريَّة عليهم، ممَّا منحهم العذر والمبرّر للمطالَبة بتأسيس وطن قومي يجمع شتاتهم.

إنَّ العرب ظلُّوا يحكمون الأرض المقدَّسة على مدار 13 قرنًا، منذ الفتح العُمري عام 636م وحتَّى الانتداب البريطاني عام 1920م، فيما عدا فترة الاحتلال الصَّليبي خلال القرن الثَّاني عشر للميلاد. ويؤكّد “بركو” (2010) إنَّ زعْم “حاييم وايزمان”، الأب الثَّاني للصُّهيونيَّة بعد مؤسّسها “تيودور هرتزل” وأوَّل رئيس لإسرائيل (1949-1952م)، عن تشكيل اليهود أكثريَّة سُكَّان الأرض المقدَّسة في الفترة السَّابقة على إعلان دولة إسرائيل عام 1948م زعمٌ واهٍ؛ حيث تشير الوثائق إلى أنَّ عدد سُكَّان البلدة القديمة عام 1947م تجاوَز 33 ألفًا، بينما بلغ عدد اليهود حينها 2400 فقط. ومنذ إعلان وعْد بلفور في 2 نوفمبر من عام 1917م، بتأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدَّسة، الَّذي تبعه فرْض الانتداب البريطاني عام 1920م، بدأت حملة منظَّمة لتهويد مدينة القُدس، من خلال تسهيل الهجرة اليهوديَّة، والسَّماح بتسلُّل إلى اليهود إلى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، الَّذي يسمُّونه جبل الهيكل، لإقامة الصَّلاة عند الحائط الغربي (הכותל המערבי)، المعروف باسم حائط البراق، والَّذي يطلق عليه اليهود حائط المبكى.

تصحيح خطأ شائع عن الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى

الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى بكامل مُصلَّياته

يحرص “بركو” (2010) على إيضاح حقيقة ثابتة عن الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، ربَّما حاول اليهود طمسها عبر حيلهم الإعلاميَّة، وهي إنَّ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى ليس مجرَّد مبنى واحد قبَّته ذهبيَّة أو رصاصيَّة؛ إنَّما يشمل بناء الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى كافَّة الأبنية والسَّاحات القائمة على هضبة موريا بالقُدس على مساحة 144 دونم، أي 144 ألف متر مربَّع. وتوضح الصُّورة أعلاه كافَّة مصلَّيات أولى القبلتين، وثالث المساجد الَّتي تُشدُّ إليها الرّحال، بما فيها المصلَّى القبلي ذو القبَّة الرَّصاصيَّة، ومُصلَّى قبَّة الصَّخرة ذو القبَّة الذَّهبيَّة. ويشيع خطأ بحصر مسمَّى الْمَسْجِد الْأَقْصَى في المصلَّى القبلي أو مُصلَّى قبَّة الصَّخرة، وهو ما لا بدَّ من تنبيه النَّاس إلى عدم صحَّته. ينبّه بركو كذلك إلى أنَّ من الخطأ اعتبار الأقصى ثالث الحرمين، مستندًا إلى ما يورده شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (27/15): “ليس ببيت المقدس مكانٌ يُسمَّى حرمٌ أو بتربة الخليل”. يستشهد بركو برأي شيخ الإسلام في الكتاب ذاته (27/10-11) بشأن عدم مشروعيَّة اتّخاذ الْمَسْجِد الْأَقْصَى  قبلة، أو الطَّواف بالصَّخرة المشرَّفة “أمَّا مسجد النَّبي ﷺ والْمَسْجِد الْأَقْصَى  وسائر المساجد، فليس فيها ما يُطاف به، ولا فيها ما يُتمسَّح به، ولا ما يُقبَّل؛ فلا يجوز لأحد أن يطوف بحجرة النَّبي ﷺ، ولا بغير ذلك من مقابر الأنبياء والصَّالحين، ولا بصخرة بيت المقدس…بل ليس في الأرض جوازٌ الصَّلاة إلى غير الكعبة…فمن اتَّخذ الصَّخرة اليوم قبلة يصلّي إليها، فهو كافر مرتدُّ يُستتاب، فإن تاب وإلَّا قُتل”. وكما يذكر الدُّكتور “محمَّد هاشم غوشة” (2002، صـ 11):

يقع الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى جنوب شرق القُدس القديمة، ويحده من الجنوب الزاوية الختنيَّة ويليها قرية سلوان، ومن الشَّرق السُّور الشَّرقي المشترك للقُدس والمسجد يليه مقبرة باب الرحمة ثم وادي جهنم ثم جبل الزَّيتون الذي يطل على المسجد، ويحده من الشَّمال كل من حارة باب حطة وجزء من حارة الغوانمة، ويحدُّه من الغرب حارات إسلاميَّة مختلفة منها جزء من حارة الغوانمة وحارة باب الناظر، وسوق القطَّانين، وحارة باب السّلسلة، وموضع حارة المغاربة التي هدمتها جرافات الاحتلال “الإسرائيلي” في سنة 1967م.

ويعتبر المصلَّى القبلي، أو المصلَّى الجامع كما يُعرف أيضًا، أكثر مصليَّات الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ارتيادًا من قِبل المصلّين؛ حيث تُقام فيه الصَّلوات الخمس وصلاة الجمعة، وتخرج عنه صفوف المصلّين حتَّى أسوار المسجد. بدأ الخليفة الأموي “عبد الملك بن مروان” في بناء المصلَّى، الَّذي أتمَّ خليفته “الوليد بن عبد الملك” تأسيسه عام 705م، بطول 80 مترًا وعرْض 55 مترًا، على 53 عمودًا من الرُّخام. أمَّا مُصلَّى قبَّة الصَّخرة، فقد بناه “الوليد بن عبد الملك”، ليصبح أقدم أثر إسلامي لم يزل باقيًا إلى اليوم، وهو يحيط بالصَّخرة المشرَّفة، الَّتي يوضح موقع إدارة الثَّقافة الإسلاميَّة إنَّ الكثير من الأقاويل غير المستندة إلى نصّ شرعيّ أثيرت حولها؛ ولعلَّ من أشهرها أنَّها موقع العروج بنبيّنا مُحمَّد (ﷺ) إلى السَّماوات ليلة المعراج.

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى