كتب وبحوث

نور البيان في مقاصد سور القرآن: سورة البقرة

إعداد أ. أحمد الجوهري عبد الجواد

نور البيان في مقاصد سور القرآن

سورة البقرة

سورة البقرة: هكذا سماها الله – تبارك وتعالى – وأطلق هذا العنوان عليها، وكذلك كل سور القرآن سماها الله – سبحانه وتعالى – من عنده، ولذلك مرَّت عبر العصور، وتناقلت بين الأماكن والبلدان، وتتابعت عليها أجيال البشرية، وتعدَّدت فيها نظرات الأئمة الأعلام، ولم يتغير اسم من على سورته، كل سورة باسمها الذي ذكرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وإلى الآن وإلى أن تقوم الساعة إن شاء الله، وقد دلَّ ذلك على أن الأسماء توقيفية [1]، أوقفنا الله عليها فلا يجوز لنا أن نبدِّل أو نؤخر، وإن كان العلماء قد أضافوا بعض الأسامي أحيانًا؛ لبيان معنى آخر في السورة، لكن ما قصدوا تبديلًا ولا تغييرًا، رحمة الله عليهم أجمعين.

سورتنا اسمها: سورة البقرة، ويصح أن تقول: قرأت البقرة، وحفظت البقرة، أو تقول: قرأت سورة البقرة [2]، كل هذا جائز إن شاء الله، ولكن إذا أضفنا كلمة سورة كان أحسن وكان أجمل، وكان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: السورة التي تذكر فيها البقرة [3]، هكذا كانوا يقولون عنها.

البقرة حيوان معروف، ولكن لوضعها أو لوضع اسمها عنوان على سورة قرآنية هي أكبر سور القرآن؛ فهذا يشير إلى شيء بلا شك، وله دلالته وله مناسبته:

أما مناسبة تسمية هذه السورة بهذا الاسم؛ فلأن سورة البقرة على طولها من أولها إلى آخرها وعبر آياتها، تحكي تاريخ بني إسرائيل، وهو تاريخ عصيان وعناد وكفر وجحود، وهو تاريخ تطاول على شريعة الله، وتحريف في آيات الله، وإيذاء لرسل الله عليهم الصلاة والسلام؛ ولذلك كان يمكن أن تسمى هذه السورة سورة بني إسرائيل، ولكن الله أحكم، ولكن قول الله أعظم.

لو قيل: بنو إسرائيل، لا ندري إن كانوا ممدوحين أو مذمومين، لكن حين يشار إلى الشخص بما يذمه، فإن ذلك يدل على أن المقصود ذمُّ هذا الشخص، فذكر الله اسم البقرة؛ ليشير إلى قصة البقرة في حياة بني إسرائيل، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [البقرة: 67] إلى آخره، ذكر هذه القصة عنوانًا على هذه السورة؛ إشارة واضحة للمتدبرين إلى أن هذه السورة إنما تذكر سيئات بني إسرائيل – وما أكثرها – على طول السورة، وهم قوم عصاة، ظلمة، قتلة، ناقضون للعهد، مخالفون لشريعة الله، لم يتحملوا أمر التوراة، حتى وإن كان الأمر التكليفي يسيرًا جدًّا، ولو كلفهم الله بذبح بقرة من الأبقار أيًّا كانت هذه البقرة [4]، فما أيسر هذا الأمر، وما أسهله على المكلفين أن يأتوا بأية بقرة – صغيرة أو كبيرة، سمينة أو هزيلة – ويذبحونها، ولكن رأيتم وعلمتم – من خلال قراءتكم للقرآن، وسماعكم للتفسير قبل ذلك – كيف راوَغ بنو إسرائيل في هذا الأمر؛ لئلا يقوموا بهذا التكليف، ولئلا يذبحوا البقرة، رغم سهولة الأمر، حاولوا ألا يطيعوا الله فيه، وألا يتبعوا رسول الله موسى عليه السلام، رغم أن الفائدة لهم، والمصلحة لهم في ذبح البقرة؛ حيث قُتِل فيهم قتيل [5] لا يُعرف قاتله، وحاروا في معرفة القاتل [6]، حتى لجؤوا إلى موسى عليه السلام، ودين الله هو الحل دائمًا، فسأل موسى ربه، فأمره أن يأمرهم أن يذبحوا بقرةً، وأن يأخذوا جزءًا من هذه البقرة المذبوحة، فهي ميتة يقينًا لا حياة فيها، فقد ذبحوها بأيديهم؛ ليضربوا بها هذا القتيل الذي هو قتيل حقًّا لا حياة فيه، ليست سكتةً قلبيةً، ليس توقفًا مفاجئًا عن الحياة، قد تكون غيبوبةً من علة من العلل، ثم يفيق بعدها، لا بل مات، مات، إذًا سيأخذون جزءًا من بقرة ميتة؛ ليضربوا بها إنسانًا ميتًا – حقيقةً ويقينًا – فيقوم هذا الميت حيًّا بإذن الله تعالى مرةً أخرى؛ لينطق باسم قاتله، ويكشف السر الغامض في هذه القضية، ثم يموت من جديد: ﴿كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 73]، ولكن رغم تعلق مصلحتهم بذبح بقرة من الأبقار – أيًّا كانت – راوغوا وزاغوا، وانتقلوا بموسى من هنا إلى هنا بأسئلة باهتة لا معنى لها، ولا محل لها من الكلام، حتى اضطروا إلى ذبحها اضطرارًا، يعبر الله عنه بقوله: ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ [البقرة: 71]، إذا كانوا بهذا الشكل، إذًا هم قوم مذمومون جدًّا عند الله تبارك وتعالى، مخالفون لمنهج الله مهما كان المنهج يسيرًا، ومهما كان التكليف سهلًا، فما بالنا لو أُمروا بأكبر من ذلك!

ذكر الله أيضًا إجمالًا في سورة البقرة، وتفصيلًا في سور أخرى؛ حيث أمرهم الله أن يدخلوا باب القرية، وفيها من الداخل عمالقة جبارون، قوم ظلمة، بطشتهم شديدة، ولكن ما على بني إسرائيل إلا أن يدخلوا من باب القرية المقدسة، وأن يستغفروا الله تعالى قبل الدخول، أو أثناء الدخول، أو بعد الدخول، الدخول مقترن بالتسبيح والاستغفار: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ [البقرة: 58]، ﴿ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾ [النساء: 154]؛ أي: خاضعين لله.

﴿ وَقُولُوا حِطَّةٌ ﴾؛ يعني: اللهم حطَّ عنا خطايانا، نستغفرك ربنا من ذنوبنا، بمجرد هذا الدخول سوف يهزم الله العمالقة الجبارين، ويمكن لهؤلاء الضعفاء، ولكن لم يُصدقوا وعد الله، ولم يَطمئنوا لكلام موسى عليه السلام، مع أنه رسول يوحى إليه، وقد أظهر لهم المعجزات، وقالوا لموسى تلك القولة المشهورة المعروفة: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: 24]، فلا يقومون لتكليف سهل، ولا لتكليف صعب، وبالتالي فهذه السورة من أولها إلى آخرها تقصد ذم بني إسرائيل، ولا يشير إلى ذمهم وإلى قبحهم وإلى عصيانهم إشارةً أحسن من إشارة قصة البقرة، فلا أسهل من ذلك في التكليف، ورغم ذلك عصوا الله تعالى ولم يطيعوه إلا اضطرارًا: ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ [البقرة: 71]، فحين نقرأ نحن اسم البقرة عنوانًا على هذه السورة، لا يرد في خاطرنا غير بقرة بني إسرائيل، ونتذكر بها قصتهم في عصيانهم لله ورسوله موسى عليه السلام، فندرك أن الله قصد بهذا العنوان أني سأقص عليكم تاريخ عصيان بني إسرائيل، ولذلك تجد أول ذكر لهم في السورة حينما صنف الله أصناف الناس في المجتمع المدني، فقال: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2]، هؤلاء هم الصحابة رضي الله عنهم، ومن كان على طريقهم مِن بعدهم.

ثم قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾ [البقرة: 6]، الكافرون الصُّرحاء الذين يصرحون بالكفر ولا يقبلون الإيمان.

ثم قال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 8]، هؤلاء هم المنافقون المتذبذبون؛ مرةً مع المؤمنين، ومرةً مع قوم سماهم الله الشياطين، مرةً هنا ومرةً هناك، لم يؤمنوا بقلوبهم، ولم يكفروا بظاهرهم: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ﴾ [البقرة: 14]، فكأن شياطينهم يقولون لهم: بل كنتم الآن مع المؤمنين، مع محمد وأصحابه عليه الصلاة والسلام، فيردون عليهم: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [البقرة: 14]؛ أي: كنا معهم لنستهزئ بهم، فلا تلتفتوا إلى هذا، ولا تؤاخذونا به.

فيُرضون هؤلاء ويرضون هؤلاء، وما رضي عنهم أحد، فلما ذكر الله الفريق المقابل للمؤمنين في الأول ذكر الكافرين، ولما ذكره في المرة الثانية: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا﴾ [البقرة: 14]، قال: ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ﴾ [البقرة: 14]، شياطين المنافقين هم بنو إسرائيل؛ بدليل أن هذه الحركة ذاتها – الترنح بين المؤمنين وبين أهل الكتاب – هي التي كان يعملها بنو إسرائيل، اليهود كانوا يفعلونها، بعد آيات من السورة يقول الله تعالى عن بني إسرائيل: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ [البقرة: 76]، هؤلاء بنو إسرائيل ليس لهم شياطين، بل هم أنفسهم شياطين، فقال الله عنهم: ﴿وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 76].

أنكر بعضهم على بعض جلوسهم مع المؤمنين، فذكر الله بني إسرائيل أول مرة في السورة بوصف الشياطين، وهذا يؤكد ما نقول من أن المقصد من سورة البقرة هو ذم بني إسرائيل، وقصة البقرة وعنوان البقرة على السورة لا أدل منه على عصيان هؤلاء القوم وعنادهم مع الله سبحانه وتعالى.

ولهذا الاسم إشارة لطيفة؛ كما قال الله تعالى في سورة الجمعة: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾ [الجمعة: 5]، وهؤلاء هم اليهود: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الجمعة: 5]؛ يعني: لا يدري ما على ظهره، لا يدري ما في هذه الأسفار، وهذه الكتب؛ حمار يحمل كتبًا، هل هو عالم بما في الكتب؟ لا، فكان بنو إسرائيل في تحمُّلهم للتوراة كالحمار يحمل أسفارًا، يفتخرون بالتوراة، ويتطاولون، ويتعالَمون على العرب أننا أصحاب كتاب سابق، ورسالة سابقة، ماذا تعرفون منها؟ أين علومكم من التوراة؟ هل تحفظونها؟ هل تعلَّمتم مدلولاتها؟ هل عرفتم أحكامها؟ هل التزمتُم بهديها؟ أبدًا، فصار مثلهم كمثل الحمار حين يحمل كتبًا على ظهره، فهو لا يدري ما فيها، إنما هو حمل من كتاب كحمل من تراب، لا فرق عند الحمار، وكذلك عندهم أيضًا، لو حملوا التوراة أو كان حملهم للتوراة كحمْلهم شيئًا آخرَ.

هنا أيضًا بوضع هذا العنوان على هذه السورة إشارة لطيفة إلى أن بني إسرائيل في عصيانهم لله، كانوا في قمة الغباء، أو قل: في سفح وأسفل الغباء، فليس للغباء قمة، إنما هو ينزل بالإنسان إلى أسفل، ويرجع به إلى الوراء، لا تقدُّم ولا علو، وأعظم الغباء أو أقبح الغباء أن يُعرض العبد عن ربه، وأن يترك منهج الله عز وجل، هكذا وصفهم الله بالحمار يحمل أسفارًا، وأشار هنا إلى أنهم كالبقرة في عدم الفهم.

وسبحان الله تجد في واقع الناس إلى اليوم – رمز الغباء في بعض البلاد هو الحمار، فإذا أراد أحد أن يصف أحدًا بالغباء المحكم، وصفه بأنه حمار، وفي بعض البلاد يصفونه بالبقرة، ويعتبرون أن الحمار ذكي؛ لأنه يأخذ صاحبه من البيت إلى الغيط، وإن لم يَقُدْه صاحبه، ولو نام على ظهره، فبمجرد أن يخرج به من البيت يعرف الحمار طريقه إلى الغيط، وإذا خرج به من الغيط رجع به إلى البيت، ما شاء الله! حمار ذكي، ويفخر بذكاء الحمار، هكذا فعلًا الحمار إذا مشى في طريق مرةً، عرفه المرة الثانية، فيظنون أنه ذكي، ولكن الأغبى منه البقرة؛ فيشبهون الغبي بالبقرة، والمثلان جمعهما الله تعالى على بني إسرائيل، ويدخلون بذلك في قول الله تعالى: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: 44].

هذا هو اسم السورة ومناسبته لموضوع السورة، وإشارته إلى ما في السورة من مقصود للرحمن سبحانه وتعالى، هذه السورة باعتبارها تتكلم عن بني إسرائيل، وفيها حديث عن الجهاد، وفيها حديث عن القصاص، وإقامة الحدود، وهذا يحتاج إلى دولة، وفيها حديث عن الحج، وعن الصيام، وتحريم الربا، وكان تحريمه مؤخرًا في حَجة الوداع، وفيها حديث عن المنافقين وهكذا، وأحكام وآداب، هذا يدل دلالةً واضحةً على أن هذه السورة نزلت في العهد المدني؛ يعني: بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، بل أصرح من ذلك، وآكد من ذلك قول أُمنا عائشة رضي الله عنها فيما صح عنها من الحديث: «وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده» [7]؛ يعني: وأنا زوجة عنده.

ومعلوم تاريخيًّا وفي السيرة أن عائشة لم تكن زوجةً إلا بعد الهجرة، وإن خُطبت قبلها، لكن تم التزويج بعد الهجرة إلى المدينة، هاجرت وهي عروس، وهناك في المدينة المباركة تزوَّجها النبي صلى الله عليه وسلم [8].

إذًا سورة البقرة ومثلها سورة النساء سور نزلتا بعد الهجرة، فيقال لها: سورة مدنية، فتتوقع أنها تتكلم عن مجتمع متكامل، وهيكل قائم للحياة الإسلامية، هناك دولة، وهناك زعيم لهذه الدولة، أو أمير وهو رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهناك وزراء ومعاونون كأبي بكر وعمر، هناك جيش، هناك قوة، هناك معاهدات مع الآخرين وهكذا، كِيان دولي كامل، مجتمع كبير، أكبر ظهور للمجتمع، ليس أسرةً وليس حيًّا وليس فردًا، إنما دولة، فسورة البقرة تشكل منهجًا أيضًا لإقامة دولة، من أراد أن يقيم دولةً سليمةً من أهل السياسة والكبراء؛ فعليهم أن يهتدوا بسورة البقرة في ذلك؛ ففيها منهج عظيم لهذا الأمر؛ قال الله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: 38].

اسمها سورة البقرة، والذي سماها بهذا هو الله عز وجل، بينما حينما تدبرها العلماء وقرؤوا فيها، وجدوا فيها أحكامًا جليلةً للمرأة، وحقوقًا عظيمةً يثبتها الله للمرأة المسلمة، ولا مانع أن يقيم الكافرون هذه الحقوق للمرأة الكافرة في مجتمعاتهم، فلو أخذوا بذلك فلا مانع، مرحبًا، فهي حقوق عظيمة للمرأة لا تصل إليها خيالات الناس، ولا يصل إليها فكر جمعيات حقوق المرأة، ولا حقوق الإنسان، ولا حقوق الحيوان، أمر فوق الخيال، أمر حق، أمر قسط، حقوق عظيمة للمرأة المطلقة، والمرأة المتوفَّى عنها زوجُها، وما لها من النفقة وما عليها من العدة، وما إلى ذلك، وكيف تكون خطبتها بعد ذلك، وأمور تهم المرأة في حياتها العامة؛ سواء كانت زوجةً أو غير زوجة، حينما يأتيها الأمر الشهري، وكان اليهود وبنو إسرائيل يعتبرونها في حال الحيض قطعةً من النجاسة، فعليها أن تعتزل الأسرة جميعًا إلى مكان آخر تكون فيه، لا تمس طعامًا من طعامهم، ولا تلبس ملبسًا من ملابسهم، ولا تخالطهم في حياتهم؛ لأنها نجاسة، وتنجس كل ما تلمسه، فكانوا ينبذونها كالشيء القذر يلقونها بعيدًا حتى ينقطع عنها الدم، جاء الإسلام ونفى كل هذا، وقال النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة يومًا من الأيام: ((ناوليني الخُمْرة [9] من المسجد)) [10]، حصير صغير كان يصلي عليه النبي عليه الصلاة والسلام؛ يعني: كسجادة الصلاة في أيامنا، ((ناوليني الخُمْرة))، وليست (الخَمْرة)، فبعض الأعداء يقرؤونها خَمْرةً، ويعلمونها لبعض المسلمين (خَمْرةً)، ويقولون: نبيُّكم كان يشرب الخمرة في المسجد بيد عائشة رضي الله عنها؛ ضلُّوا وأضلُّوا، فلا تنساقوا وراءهم حفظكم الله.

إنما الخمرة المسكرة اسمها خَمْر، اللفظ مذكر ليس فيه تاء مربوطة في آخره [11]: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ [البقرة: 219] عن الخمر.

أما هذه فهي الخُمرة، وهي حصير كان يصلي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتذرت عائشة عن إجابة الطلب بحجة أنها حائض، قالت: «إني حائض يا رسول الله»؛ يعني: لا يصلح أن أمسك سجادة الصلاة، وأشياء الصلاة، وأنا في هذا الظرف؛ لأني سأُنجسه.

من أين جاءت عائشة بهذا الكلام في المجتمع المدني؟

من اليهود الذين سكنوا حول المدينة، وبثوا هذه السموم، وهذه الأفكار الباطلة داخل المجتمع؛ حتى تدركوا ماذا يصيبنا من مخالطة غير المسلمين، حينما نخالطهم في حياتهم مخالطةً شديدةً؛ فإنما نتأثر بهم ويبثون فينا سمومًا فكريةً واجتماعيةً، وأعرافًا خاطئةً، وتقاليدَ باطلةً نتأثر بها ونشربها، ونعيش بها في حياة غير صحيحة، لكن خذوا أعرافكم، خذوا تقاليدكم، خذوا عاداتكم من الدين، الله تعالى علَّمنا كل شيء، والنبي عليه الصلاة والسلام بلغنا كل شيء، وما كتم شيئًا أبدًا عليه الصلاة والسلام.

قالت: «إني حائض»، فيقول عليه الصلاة والسلام: ((حَيضتُك ليست في يدك)) [12]؛ يدك طاهرة، هذا معنى الحديث، يدك طاهرة ولا صلة لها بالدم النازل من الحيض، وبالتالي الجسم كله طاهر، إنما النجاسة فقط في مكان الدم، ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: 222]، يسألونك؛ أي: الرجال ﴿ عَنِ الْمَحِيضِ ﴾}؛ أي: عن حكم المرأة أثناء المحيض؛ ﴿ قُلْ هُوَ ﴾؛ هو: الحيض، ومكانه﴿ أذًى ﴾، أما بقية الجسم، فحلال وطاهر لا شيء فيه، عليها شيء اسمه الجنابة، وهي ليست نجاسة حسية كالبول والغائط، إنما هي كما يقال: نجاسة حكمية لا تُرى ولا تُحس.

هذه جنابة ترفع بالغسل، لكن من لمس جسم امرأته وهي حائض، أو هي لمست شيئًا مما يخصه، فلا تنجس بينهما في شيء من ذلك؛ فالممنوع فقط هو اللقاء بين الزوجين في مكان الدم؛ لأنه يحمل الأذى ويصيب بالأمراض، قد يصيب المرأة، وقد يصيب الرجل غالبًا.

وهكذا يرفع الإسلام قدر المرأة، فلما رأى العلماء ذلك أطلقوا على السورة بجوار اسم البقرة قالوا: من حقها أيضًا أن تسمى سورة النساء الكبرى؛ لأن هناك سورة نساء معروفة، فحملوا هذه السورة اسمًا آخر (سورة النساء)؛ ليميزوها عن السورة الأصلية، قالوا: سورة النساء الكبرى [13]، ولأن هناك سورةً صغيرةً أو قصيرةً قالوا عنها أيضًا: سورة النساء؛ لأنها كلها تتكلم عن النساء، وعن حقوق النساء أيضًا، وهي سورة الطلاق.

والطلاق يكون من الرجل للمرأة، وقد يقع فيه ظلم غالبًا، فلذلك سموها سورة النساء الصغرى، وهي سورة الطلاق، والبقرة سورة النساء العظمى، وسورة النساء المعروفة باسمها كما سماها الله سبحانه وتعالى.

سورة البقرة سورة لها فضل عظيم، وجلال كريم، عظيم من حصلها، شريف من حملها؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه)) [14]، فضمنيًّا هناك شفاعة لسورة البقرة كبقية القرآن، ويكمل الحديث، فيقول عليه الصلاة والسلام: «اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران))، و(زهراوين): مثنى – اثنتين – يعني: الواحدة منهما زهراء، وتثنيتهما: زهراوان؛ زهراء يعني: منيرةً؛ فسورة البقرة منيرة، وسورة آل عمران -كما سنعرف إن شاء الله – منيرةً، فيها نور.

((اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان))؛ سحابة في السماء، أو قال: «غيايتان» سحابةً أيضًا، أو «فرقان من طير صواف»؛ ترون الطيور وهي مهاجرة تكون كتلةً واحدةً، ورقعةً واحدةً كالسحابة، جماعةً منتظمةً في شكل واحد كالسحابة أيضًا.

جماعة الطيور، أو السحابة – وهي الغمامة – كلتاهما كأنهما مظلة يستظل الإنسان بها.

((فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما))، سورة البقرة وسورة آل عمران تدافعان وتشفعان لصاحبهما يوم القيامة، شفاعةً ثانيةً بعد الشفاعة الأولى.

ثم أتم النبي عليه الصلاة والسلام الحديث؛ فقال: ((اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطلة)): البطلة [15]: هم أهل الباطل والسحر والأذى، يقي ربنا سبحانه وتعالى قارئ سورة البقرة، وحافظ سورة البقرة، والمتحصن بسورة البقرة – من أهل الشر جميعًا، مهما كانت قوتهم، فسورة البقرة حصن حصين.

ترى أخي المسلم الكريم أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر سورة البقرة ضمن قوله: ((اقرؤوا القرآن))، فهي من القرآن، هذا ذكر، ثم ذكرها ذكرًا أخص حينما، قال: ((اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران))، ثم خصها مرةً ثانيةً وحدها لا يشاركها شيء من القرآن، في قوله: ((اقرؤوا سورة البقرة))، ثم وصفها بقوله: ((فإن أخذها بركة))؛ بركةً في العمر، أو في الرزق، أو في المال، أو في الولد، أو في البيت، لا مانع من كل هذا، فلم يحدده النبي صلى الله عليه وسلم مما يشير إلى أنه من البركة العامة، يبارك الله بها في كل شيء، وأحسن الظن بالله، ووسِّع رجاءك في الله، يُعطِك الله مما تحب على قدر ما تظن فيه، قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي» [16]؛ معنى الحديث، أو استشهادنا بالحديث: أن مَن ظنَّ أن الله يبارك له في عمره فقط بسورة البقرة، لن تأتيه البركة إلا في عمره، ومن ظن أن الله يبارك له في رزقه وماله فقط بسورة البقرة، فستأتيه البركة في ماله فقط، وهكذا مَن ظنَّ أن الله يبارك له بسورة البقرة في كل شيء، سيبارك الله له في كل شيء.

«فإن أخذها بركة»: من قرأها في خلال هذين الأسبوعين الماضيين كما تواصينا.

من لم يدرك، فليقرأها هذا الأسبوع، وليَنْوِ حفظها، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، يندم الإنسان في مواقف كثيرة حين يصيبه أذًى، لو أنه كان يحفظ سورة البقرة، لو كان يأخذها ويقرأها، لحفظه الله تعالى، حينما لا يرى بركةً في حياته، يندم لو كان عاقلًا، لو أني أخذت سورة البقرة، لبورك لي في مالي وولدي وصحتي وحياتي وعمري، وهكذا.

«وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة»، وهذا مرض نستطيع أن نسميه مرض العصر، مرض داهم غاشم عام في كثير من البيوت، وأكثر منها من الأشخاص، عافانا الله والمسلمين.

الأسحار والأعمال والمس الشيطاني، أنكره من أنكره، وأقر به من أقره، لكنه واقع، والناس يحسونه ويعانون منه، ولا مجال لإنكاره، فقد صار واقعًا يعيشه الناس، ويعانون منه الأَمَرَّيْن [17].

سورة البقرة حصانة من هذا الشر العظيم، من هذا المرض الخطير، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في فضل سورة البقرة: ((من قرأها في بيته ليلًا لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليال، ومن قرأها نهارًا لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام)) [18]، يمتد مفعولها إلى ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ؛ إذًا ممكن تقرأ في الأسبوع مرتين فقط، ويحفظ الله بها البيت.

لا تقل بعد ذلك: نعلق حدوة حصان، أو سنبلة قمح، أو خرزةً زرقاء … أو نحو ذلك من التمائم الباطلة الشيطانية التي يتعلق بها كثير من الناس؛ إنما من أراد حصانةً، فليقرأ سورة البقرة على الأقل مرتين في الأسبوع، يحفظ الله بيته بمن فيه بفضل الله تعالى، واقرأها في ليل أو نهار، كل ذلك متاح لك.

سورة البقرة هي أكبر سورة، وأطول سورة في القرآن كله، وفيها أعظم آية في القرآن، وهي آية الكرسي: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾ [البقرة: 255]، آية جليلة عظيمة فيها تقديس وتعظيم لله رب العالمين.

في سورة البقرة أطول آية في القرآن كله، ما من آية في طولها، ألا وهي آية الدين أو المداينة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: 282].

في سورة البقرة آخر آية أنزلت من القرآن مطلقًا، ولم ينزل بعدها شيء من القرآن؛ كانت ختام كلام الله لنا في القرآن الكريم، نزلت وتوفي النبي عليه الصلاة والسلام بعدها بليال؛ هي الآية الخامسة والثمانون بعد المائتين؛ الآية بعد آيات الربا، وقبل آية الدين: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281] [19]، الآية الثمانون بعد المائتين.

هكذا لهذه السورة فضائل عظيمة، وفضائل جليلة، وهدفها لخصه بعض العلماء في كلمتين مع طولها، مع عظمها لخصها العلماء في سطر، قال: تدور سورة البقرة حول محورين اثنين، وتركز على نقطتين اثنتين، وكأنها تخاطبنا نحن المسلمين والعالمين من حولنا في هذه الأمة منذ بعثة النبي عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة، تخاطب جميع الناس الموجودين بأمرين اثنين:

الأول: أن بني إسرائيل حملوا رسالة الله، فلم يحملوها، فصاروا كالأنعام، بل هم أضل، وأنتم أيتها الأمة الخاتمة – هذا هو الأمر الآخر – أيتها الأمة الخاتمة حملتم رسالة الله من بعدهم، فلا تكونوا مثلهم، واحذروا أن تفعلوا فعلهم وخذوا الكتاب بقوة.

هذا ملخص السورة، ولذلك كما قلنا في البداية: تجد فيها حديثًا طويلًا من أولها إلى آخرها عن بني إسرائيل، وقبحهم وجرائمهم، وكذلك تجد فيها تكليفات عظيمة، معظم أركان الإسلام – إن لم تكن كلها – موجودة في سورة البقرة، فقد أمر الله فيها بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وفرض فيها الصيام، وفرض فيها الحج؛ قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: 43، 83، 110، والنساء: 77، والنور: 65، والمزمل: 20]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة: 183]، وقال تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾ [البقرة: 178]، وهكذا فرائض عظيمة.

وفيها تحريم الربا التحريم القاطع: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 278، 279]، سورة بعظمها تدور حول هذين الأمرين:

بنو إسرائيل كانوا قبلكم متنازلين أو معرضين عن شريعة الله، ولم يحملوها كما ينبغي، بل حرَّفوها وبدَّلوها واستهانوا بها، وأهانوا مَن بلَّغهم إياها من الرسل: ﴿فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾ [الأحزاب: 26]، هذا من الأنبياء يفعلون بهم هكذا: قتل وأسر.

الأمر الآخر أنتم أيتها الأمة الأخيرة أيتها الأمة الخيرة: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110]؛ احرصوا على شريعة الله، فلا تضيعوها، ولا تُفوتوها، ولا تلقوها كما ألقاها بنو إسرائيل؛ إذا جاءكم الأمر، فقولوا: سمعنا وأطعنا، ولا تقولوا – كما قالت بنو إسرائيل لموسى -: سمِعنا وعصِينا.

هذا مع أن سورة البقرة مدنية، وسورة الفاتحة مكية، وسورة آل عمران بعدها مدنية؛ إلا أن سور القرآن كلها كالعقد الواحد متناسبةً؛ فإن سورة الفاتحة جاء فيها قول الله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6].

فصل الله مضمون هذا الصراط في سورة البقرة، وماذا علينا أن نفعل؟ حتى ذكر لنا القبلة التي نتوجه إليها؛ الصلاة التي نؤديها، الصيام، الحج، القصاص، المحرم من الربا، أحكام النساء، أحكام اجتماعية، وأحوال شخصية في الطلاق ونحو ذلك، فصل الله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6]، وبالتالي فهذا تفسير لقوله أيضًا: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5].

في سورة البقرة تفصيل آخر لشيء ورد في سورة الفاتحة مجملًا، تقول دائمًا في سورة الفاتحة – وأنت تقرؤها -: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: 7]، فذكر الله لك في أول السورة أول فريق: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ …﴾ [البقرة: 2، 3] إلى آخره: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: 5]، وذكر المغضوب عليهم – وهم اليهود – وفصَّل القول فيهم، كما قلنا على طول السورة بجرائمهم الكثيرة المتعددة.

سورة البقرة أخيرًا، وليس آخرًا، فالكلام فيها كثير، وتعلمون حجمها وكبرها وعظمها، فلا نستطيع أن نوفيَها حقها، لكنها إشارات نسأل الله أن تكون وافيةً ونافعةً.

سورة البقرة لمح فيها بعض العلماء لمحةً جميلةً؛ حتى سموها أو قالوا فيها: إنها تدور حول موضوع البعث؛ تدور حول موضوع بعث الله للموتى، وإحيائه لهم يوم القيامة، مع أن هذا الموضوع موضوع السور المكية يظهر فيها كثيرًا جدًّا؛ لكن فعلًا سورة البقرة لم تبعد عن هذا الموضوع، بل ذكرت فيه وقائع عدة، ففي أولها ذكر الله تعالى قصة البقرة، وفي ضمنها من خلال السنة قصة القتيل الذي أحياه الله في بني إسرائيل، ويقول الله تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 73]، وذكر فيها عن بني إسرائيل حينما قالوا: أرنا الله جهرةً أهلكهم الله تبارك وتعالى، ثم قال: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 56].

ذكر الله تعالى قصة الرجل الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها؛ أعلاها في أدناها، وأدناها في أعلاها؛ ساقطة ميتة لا حياة فيها؛ فقال – من باب العجب، وليس من باب الإنكار، من باب التعجب من عظمة قدرة الله تعالى -: ﴿قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة: 259]، سبحان الله؛ يعني: كيف يحيي الله هذه بعد موتها، كأنه يحب أن يرى هذه الآية: ﴿فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [البقرة: 259]؛ إنه كان ميتًا لا يعد الأيام، فقال: لبثت يومًا أو بعض يوم: ﴿قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ…﴾ [البقرة: 259] إلى آخر الآية.

وفيها أيضًا موقف مع سيدنا إبراهيم عليه السلام فيما يتصل بإحياء الموتى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [البقرة: 260]؛ ليس شكًّا من إبراهيم، ولكنه يريد أن يرتقي من علم اليقين إلى عين اليقين؛ أن يرى بعينه من جمال هذه الآية وروعتها كيف هذا الميت يُحيا من جديد بعد أن مات، مات، ليست سكتةً مؤقتةً أو مفاجئةً، وإنما موت محقق: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى﴾ [البقرة: 260]؛ أي: أنا مؤمن والحمد لله: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: 260]، أُريد طمأنينةً أكثر، وعلمًا أزيدَ، فأعطاه الله آيةً ملخصها: ﴿فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ﴾ [البقرة: 260]، كل طير من صنف؛ أي: أنواع من أنواع الطير: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ [البقرة: 260]؛ أي: اذبحهنَّ ودق لحمهنَّ وعظامهنَّ في كتلة واحدة مختلطة، فتداخلت اللحوم والعظام من هذه الطيور الأربعة المختلفة الأنواع، ثم قسم هذه الكتلة من اللحم والعظم أربعة أقسام، وضع كل قطعة منها على رأس جبل، وهذه القطعة مختلطة من لحم عصفور على لحم كذا على لحم، الله يعلم ماذا كانت الأنواع؟ ولا يهمنا أن نعرفها، ولكن هذه القطعة الواحدة مختلطة: ﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ﴾ [البقرة: 260]؛ أي: نادِ عليهن: ﴿يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾ [البقرة: 260]، وقد فعل إبراهيم هذا ونادى على الطيور، فعادت من جديد تطير إليه وتلبي نداءه بقدرة الله سبحانه وتعالى الذي وعد ببعث العباد يوم القيامة؛ ليدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات، وليدخل الذين كفروا النار وبئس المصير.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يكون لنا فيما أفاض علينا من فضله وفيضه – أوفر الحظ والنصيب من النفع والعلم والعمل الصالح، اللهم آمين، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونعوذ بك من علم لا ينفع.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد، فأوصيكم عباد الله بتقوى الله العظيم، ولزوم طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه تعالى، ومخالفة أمره؛ فهو القائل سبحانه وتعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صلِّ على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد:

فيا أيها الأحبة الكرام، لا تنسوا محور السورة، ومقصود السورة؛ فهذا هو الذي نسعى إلى معرفته، نسأل الله أن يهدينا إليه هدايةً رشيدةً، وأن ينفعنا به، وعرفنا أن مقصود هذه السورة أن ننظر إلى تاريخ بني إسرائيل على أنهم عصاة لله؛ على أنهم هم المغضوب عليهم؛ هكذا باؤوا بغضب على غضب، كما حدثنا الله في سورة البقرة، هم الذين قالوا لنبي الله موسى عليه السلام: ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ [البقرة: 93]، هم الذين قالوا له: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: 24].

أخي المسلم، هل ترضى لنفسك أن تكون من هؤلاء العصاة؟!

هل ترضى لنفسك أن تبوء – عافاك الله وإياي – بغضب من الله؟

هل يرضى عاقل لنفسه هذا؟

هذا مثال بين أيدينا، فلنحذر منه، ولنحذر من مثله ومن فعله، هل لو كان نبي الله عليه الصلاة والسلام بين أيدينا قائمًا يأمرنا وينهانا، يكلفنا ويدلنا ويهدينا؛ أكنا نقول له: سمعنا وأطعنا، أو سمعنا وعصينا؟!

تختم سورة البقرة في خواتيمها بهذا الموقف الجليل، حينما قال الله تعالى: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: 284]، معنى هذه الآية: أن الله تعالى يحاسبنا على خطرات القلب، وعلى خواطر النفس، وعلى الأشياء التي تخطر ببالنا دون أن نتكلم بها، أو نعزم نيةً عليها، أو نفعلها، مجرد أن يمر خاطر على قلبي من خير أو شر؛ الله يحاسبني عليه، نظهره ونبديه، أو نخفيه ونُكنه في صدورنا.

لما سمع الصحابة هذه الآية وجدوها ثقيلةً عليهم لا يُطيقونها؛ لأن حديث النفس يأتي إلى أحدنا رغمًا عنه، ليس بإرادته ولا اختياره، قد يكون الإنسان في صلاة أو في عبادة، أو في جلسة مباحة ويأتيه خاطر سوء، ولا يقوم له ولا يعتبر به، ولكنه يخطر بباله، يحاسبك الله عليه، وجد الصحابة أن هذا الأمر شاق جدًّا، فمَن منا يتحمل؟!

فذهبوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وأشاروا له بأنهم على فزع عظيم وخوف جليل، فلم يقفوا بين يديه وقوفًا، وإنما نزلوا على ركبهم، وقفوا على ركبهم، وهذه الجلسة عند العرب تشير إلى أن هذا الإنسان وراءه ما يُفزعه، وراءه خطر عظيم، وأرادوا أن يظهروا مدى الهول الذي يشعرون به؛ فجلسوا هذا الجلوس، وهذه الهيئة، ثم قالوا: «أي رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نطيق، الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أُنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها»، يا رسول الله، أمرنا بالصلاة فصلينا، وبالصيام فصمنا، وفي رواية: وبالصدقة فتصدقنا، ونزلت هذه الآية ولا نطيقها، لا نقدر عليها، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو يربي الأمة ولا يملك أن يتكلم من عند نفسه، ولا أن يقترح على ربه، قال لهم – معلمًا إياهم -: ((أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا)) [20]، فساعتها أدركوا وأطاعوا.

انظر أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ما شاء الله منتهى الطاعة؛ حتى وإن كان التكليف صعبًا؛ ليس ذبح بقرة من الأبقار، أو غنمة من الغنم، لا، إنه تكليف صعب فوق طاقة الإنسان، ومع ذلك قالوا: ﴿مِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 285]؛ يعني: يا ربنا اغفر لنا جرأتنا على رسولك، اعتراضنا على هذه الآية؛ فقد وقعنا في خطر وخطأ عظيم، اغفر لنا يا رب: ﴿ مِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾؛ لما كانت هذه الكلمة جليلةً جدًّا، وعظيمةً جدًّا عند الله تعالى، وكان هذا الموقف موقفًا إيمانيًّا لا مثيل له – سجَّله الله في القرآن تشريفًا لأصحابه، وذكرى طيبة عاطرة لأربابه الذين قاموا به صادقين أمام النبي عليه الصلاة والسلام، فصرنا نقرؤه إلى أن تقوم الساعة: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 285]، والدين يسر، وإن كان التكليف صعبًا سيأتي اليسر لا محالة، ولا يسر إلا بعد عسر، وبمجرد أن قالوا هذا، أنزل الله الوحي بنسخ الحكم الأول [21]، وكأنه كان يختبر إيمانهم؛ أتقبلون أم تعترضون؟ فلما قبلوا، لم ينتظر عليهم؛ ليعملوا إنما فاجأهم وعاجلهم بالفرج، نزل قول الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286] إلى آخر الدعاء في السورة وختام السورة.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في معنى هذا التخفيف وهذه الرحمة الناسخة لما سبق، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفسها)) [22]؛ يعني: حديث النفس؛ هذا الخواطر عفا الله عنها، ما عدنا نحاسب عليها بحمد الله، بسبب إيمان وتصديق الصحابة واستسلامهم رضي الله عنهم، نزل هذا التخفيف عليهم، ولنا من بعدهم، جزاهم الله عنا خير الجزاء.

إذًا أحبتي أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، اقْبَلوا الدين وإن بدا شديدًا، وإن بدا صعبًا، لكنه في حقيقته يسر، وفي عاقبته يسر: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 5]، هكذا قال الله تعالى في القرآن: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].

أيها الكرام الأفاضل، لا تنسوا هذا الدرس، فإن درس آل عمران إن شاء الله سوف يأتي ويغطي عليه، فاحتفظ لذلك بشيء عندك، عد إلى البيت واكتب ما تذكر من الخطبة، احتفظ بشريط يحفظ لك هذه الخطبة، فقد ساق الله – ليس مني، ولكن منه هو على لساني فقط – لكم رزقًا، نسأل الله أن يكون نافعًا، لا تتركه يُنسى بآل عمران والنساء وما بعدها، فكل علم ينسي الإنسان ما قبله ويغطي عليه، هذا شأن العلم، فلذلك لا بد أن ندوِّن هذه العلوم، وأن نحفظها عندنا؛ لعلها تنفعنا يومًا من الأيام نتذكرها، أو تنفع من بعدنا، وخير ما نورثه لأولادنا وأهلينا علمٌ يُنتفع به.

وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير، ومع سلسلتنا المباركة إن شاء الله تعالى نلتقي، ونسأل الله في ختام هذا الموقف أن يغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسررنا وما أعلنا، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا مقبلون على كتابك نتدبره ونتفهمه ونتعلمه، فاللهم علِّمنا منه ما ينفعنا، وذكِّرنا منه ما نُسِّينا، اللهم حفظنا القرآن يا رب العالمين، اللهم ارزقنا القرآن حفظًا وتلاوةً وفقهًا وعملًا، واجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، اللهم ارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا، اجعلنا ممن يقيمون حروفه وحدوده، ولا تجعلنا ممن يقيمون حروفه ولا يقيمون حدوده، اللهم لا تجعلنا ممن لا يقيمون حدود القرآن، اللهم لا تجعلنا ممن لا يقيمون حدود القرآن، وإن أقاموا حروفه وجملوا أصواتهم، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الطائعين الذكَّارين الشَّكَّارين يا رب العالمين، وانفعنا بالقرآن أحياءً وأمواتًا، ويوم تبعث العباد، أدخلنا به الجنة، ورَقِّنا به في منازل الجنة، حتى نصعد إلى الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

اغفر اللهم للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات؛ إنك سميع قريب مجيب الدعوات ورافع الدرجات.

اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمالنا أواخرها، وأوسع أرزاقنا عند كِبر سننا، وخير أيامنا يوم نلقاك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90]، اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم… وأقم الصلاة.


[1] قال السيوطي: “وقد ثبتت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار، ولولا خشية الإطالة لبيَّنت ذلك”؛ الإتقان: 1/ 186، ومعترك الأقران في إعجاز القرآن: 2/ 276.

[2] قال الطيبي: فإن قلت: هل يجوز أن يقال: قرأت سورة البقرة، أو قرأت البقرة؟ قلت: لا بأس بذلك، وقد جاء في حديث النبي؛ فتوح الغيب: 3/ 583.

[3] ضعيف، رواه الطبراني في الأوسط: 6/47، برقم (5755)، عن أنس بن مالك، ولفظه: «لا تقولوا سورة البقرة، ولا سورة آل عمران، ولا سورة النساء، وكذلك القرآن كله، ولكن قولوا السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها آل عمران وهكذا القرآن كله»، والبيهقي في شعب الإيمان: 4/172، برقم (2346)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

[4] تفسير ابن أبي حاتم: 1/ 137، برقم: (693)، وتفسير الطبري: 2/ 186.

[5] اسمه: عاميل؛ تفسير القرطبي: 1/ 446، والإتقان: 4/ 96، ومعترك الأقران في إعجاز القرآن: 1/ 368.

[6] انظر القصة في تفسير القرطبي: 1/ 446.

[7] رواه البخاري: 6/ 185، في باب تأليف القرآن، من كتاب فضائل القرآن، برقم (4993)، عن عائشة رضي الله عنها.

[8] متفق على صحته، رواه البخاري: 5/ 55، في باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة، وقدومها المدينة، وبنائه بها، من كتاب مناقب الأنصار، برقم (3894)، ومسلم: 2/ 1038، في باب تزويج الأب البكر الصغيرة، من كتاب النكاح، برقم (1422)، عن عائشة رضي الله عنها.

وانظر: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، للصالحي الشامي: 11/ 166.

[9] الخمرة – بضم الخاء، وسكون الميم -: حصيرة أو سجادة صغيرة؛ لسان العرب: 4/ 258، مادة: [خ م ر].

[10] رواه مسلم: 1/ 244، في باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها، والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه، من كتاب الحيض، برقم (298)، وأبو داود: 1/68، في باب الحائض تناول من المسجد، من كتاب الطهارة، برقم (261)، عن عائشة رضي الله عنها.

[11] بل الصحيح أنه يجوز فيها الهاء؛ قال الفيومي: “ويجوز دخول الهاء فيقال: (الخمرة) على أنها قطعة من الخمر”؛ المصباح المنير، ص: 181، وقال الجوهري: “خمرة وخمر وخمور؛ مثل: تمرة وتمر وتمور”؛ الصحاح: 2/ 649، كلاهما مادة: [خ م ر]، وقال النووي: “وهي لغة ولا إنكار عليه”؛ تهذيب الأسماء واللغات: 3/ 98.

[12] تقدم تخريجه.

[13] لم أجده عن أحد، والذي وجدته هو تسمية سورة النساء بسورة النساء الكبرى، والطلاق بسورة النساء الصغرى، قال الفيروزآبادي – متحدثًا عن سورة النساء -: واسم السورة سورة النساء الكبرى، واسم سورة الطلاق سورة النساء الصغرى؛ بصائر ذوي التمييز: 1/ 169، والتحرير والتنوير، لابن عاشور: 4/ 211.

[14] رواه مسلم: 1/ 553، في باب فضل قراءة القرآن، وسورة البقرة، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم (804)، عن أبي أمامة رضي الله عنه.

[15] قال القاضي عياض: البطلة – بفتح الباء والطاء – أي: السحرة، فسره في الحديث؛ مشارق الأنوار: 1/ 87، ومطالع الأنوار، لابن قرقول: 1/ 488.

[16] متفق على صحته، رواه البخاري: 9/121، في باب قول الله تعالى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران: 28]، من كتاب التوحيد، برقم (7405)، ومسلم: 4/2102، في باب الحض على التوبة والفرح بها، من كتاب التوبة، برقم (2675)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[17] قال القرطبي: ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت وله حقيقة، وذهب عامة المعتزلة وأبو إسحاق الأسترآبادي من أصحاب الشافعي – إلى أن السحر لا حقيقة له، وإنما هو تمويه وتخييل وإيهام، لكون الشيء على غير ما هو به، وأنه ضرب من الخفة والشعوذة؛ تفسير القرطبي: 2/ 46.

[18] صحيح لغيره دون: «ثلاث ليال»، رواه أبو يعلى في مسنده: 13/547، برقم (7554)، وابن حبان في صحيحه: 3/ 59، في باب قراءة القرآن، من كتاب الرقائق، برقم (780)، عن سهل بن سعد رضي الله عنه.

[19] انظر: البرهان: 1/ 209، والإتقان: 1/ 102، والدر المنثور: 2/ 116.

[20] رواه مسلم: 1/ 115، في باب بيان قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: 284]، من كتاب الإيمان، برقم (125)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[21] كان بين نزول هذه الآية ونسخها سنة، تفسير الثعلبي: 2/ 300، والتفسير البسيط، للواحدي: 4/ 520.

[22] متفق على صحته، رواه البخاري: 7/ 46، في باب الطلاق في الإغلاق والكره، من كتاب الطلاق، برقم (5269)، ومسلم: 1/ 116، في باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب، إذا لم تستقر، من كتاب الإيمان، برقم (127)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/120189/#ixzz4rjsAd1Hl

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى