تقارير وإضاءات

معظمها وهميّة وفارغة.. مقابر يهودية تحاصر الأقصى وتدر الملايين

معظمها وهميّة وفارغة.. مقابر يهودية تحاصر الأقصى وتدر الملايين

إعداد جمان أبو عرفة

لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بتقتيل وتهجير أهالي قرية دير ياسين غرب القدس المحتلة عام 1948 وإقامة مستوطنة “جفعات شاؤول” على أراضيها، بل إنه يستعد في الأسابيع القريبة لافتتاح مقبرة يهودية تحت أرضها.

استغرق تشييد المقبرة -التي أقامتها مؤسسة كديشاه لخدمات الدفن- أربع سنوات، بتكلفة تقارب 55 مليون دولار، حيث ستضم 25 ألف قبر مصنوع من “البوليسترين” وموزع على أربعة طوابق داخل الجدران يصعد إليها عبر مصاعد كهربائية.

تعلل “كديشاه” مشروعها الربحي هذا بضيق مساحات الدفن لليهود في القدس، وتحاول إقناع الرأي العام بأنه مستوحى من طريقة الدفن زمن الهيكل الثاني المزعوم.


شكلت لجان عديدة منذ احتلال القدس لتوسعة المقبرة اليهودية وترميم القبور وحمايتها (الجزيرة)
شكلت لجان عديدة منذ احتلال القدس لتوسعة المقبرة اليهودية وترميم القبور وحمايتها (الجزيرة)

أكبر مقبرة يهودية
على بُعد خمسة كيلومترات من المقبرة الحديثة، وتحديدا شرق المسجد الأقصى، يمتلئ جبل الزيتون أو الطور وسفوحه بنحو سبعين ألف قبر على مساحة تقدر بأربعمئة دونم ضمن أكبر وأبرز مقبرة يهودية في العالم “هارهزيتيم” التي تضم رفات شخصيات إسرائيلية دينية وسياسية مشهورة مثل الكاتب أليعازر بن يهودا والحاخامين أبراهام كوك وعوبديا بيرتينورو ورئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن.

تترامى آلاف القبور في وادي قدرون الملاصق لسور الأقصى الشمالي، وتتمدد لتغطي مساحات من أرض “سلودحة” جنوب المسجد المبارك، وأراض في بلدة رأس العامود، يفصل بينها وبين جبل الطور طريق أريحا القدس القديم ليستمر امتدادها على مد البصر في سفوح الجبل الشرقية والغربية.


يضع اليهود الحصى على القبور للإيحاء بأنها ممتلئة لكن العديد منها وهمية وفارغة (الجزيرة)
يضع اليهود الحصى على القبور للإيحاء بأنها ممتلئة لكن العديد منها وهمية وفارغة (الجزيرة)

أرض وقفية مُحكّرة
تثبت سجلات المحكمة الشرعية بالقدس المحتلة وجود عقود إيجار تعود إلى أوائل عهد الدولة العثمانية وتحديدا عام 1559 ميلادية، حيث قامت الدولة بتأجير و”تحكير” (مصطلح قديم يعني التأجير بشروط) جزء بسيط من أرض وقف المدرسة الصلاحية بجانب كنيسة الجثمانية ليتمكن الرعايا اليهود من دفن موتاهم فيهم، مقابل مبالغ مالية متفق عليها تُدفع لمتولي الوقف.

يقرأ مدير مركز المخطوطات بالمسجد الأقصى رضوان عمرو للجزيرة نت من عقود الإيجار القديمة تلك، ويقول “بموجب صورة الدفتر الخاقاني لسنة 967 هجرية، فإن الإيجار بدأ بخمس سلطانيات، ثم ارتفع لاحقا إلى مئة سلطانية سنويا. كما أن هناك وثائق في ذات الفترة تدل على نزاع حول قيمة الإيجار بين متولي الوقف واليهود، وأخرى تثبت قيام اليهود بتزييف وثائق تتعلق بحدود المقبرة وقيمة إيجارها”.

ويضيف أن اليهود كانوا زمن الدولة العثمانية طائفة قليلة لا يبدو عليهم أي طموح ويُنظر إليهم بشفقة، فسمحت لهم الدولة بدفن موتاهم ضمن ما يسمى التحكير والذي يتضمن عدة شروط كأن يستمر عقد الإيجار 99 عاما كحد أقصى، وأن تكون الأرض غير منتفع بها ولا تدر دخلا على مالكيها.


 عويس في شرفة بيته الذي تحيط به قبور اليهود من كل جانب (الجزيرة)
 عويس في شرفة بيته الذي تحيط به قبور اليهود من كل جانب (الجزيرة)

مسمار جحا
كان ذلك التحكير العثماني بمثابة مسمار جحا استغله اليهود لتحقيق أطماعهم في محيط الأقصى، فقد انتهى التحكير طويل الأمد عام 1968 ولم يُجدد بسبب احتلال شرق القدس والأقصى عام 1967، لكن توسع المقبرة تجدد بعد الاحتلال مباشرة، حيث أُغلق الطريق السريع الذي يمر عبر المقبرة جنوب جبل الطور، ونُفذت أعمال إعادة إعمار كبرى في المقبرة.

شُكلت لجان وزارية إسرائيلية عديدة تحت مسمى “إنقاذ مقبرة جبل الزيتون” رُصد لها أكثر من مئة مليون دولار، بهدف تهويد محيط الأقصى، وترميم المقبرة واستصلاحها، وإقامة مركز معلومات لها، وتركيب عشرات كاميرات المراقبة داخلها لحمايتها.


يدفن بمقبرة جبل الزيتون العديد من الشخصيات الإسرائيلية الدينية والسياسية (الجزيرة)
يدفن بمقبرة جبل الزيتون العديد من الشخصيات الإسرائيلية الدينية والسياسية (الجزيرة)

قبور وهمية
ورغم الادعاء بضيق مساحات الدفن لليهود داخل القدس، فإن مقبرة جبل الزيتون تحتوي على عدد كبير من القبور الوهمية التي يبرز شاهدها بنجمة سداسية فوق الأرض بدون أن تضم رفاتا تحتها، حتى أن شواهد قبور قديمة جُلبت من الخارج ونثرت في أنحاء المقبرة لتعميم الطابع الأثري عليها.

ويؤكد المقدسيون أن المقبرة تتسع يوميا بشكل متسارع بدون وجود جنائز أو عمليات دفن، حيث يرون آلات تحفر القبر وتصب الإسمنت داخله ومن ثم تعلوه بشاهد كتب عليه بالعبرية ووضعت فوقه حصى للإيحاء أنه مليء. كما أن الأمر أمسى تجارة رابحة للمؤسسات الدينية الإسرائيلية التي تتيح للصهيوني حول العالم أن يشتري قبرا فارغا لأجداده وآبائه المدفونين خارج فلسطين.

يسكن محمد عويس (65 عاما) في حوش عويس جنوب المسجد الأقصى، حيث تُحيط القبور اليهودية بالحوش من كل جانب، ويروي للجزيرة نت “أعيش هنا منذ طفولتي وحدثتني أمي التسعينية أن المقبرة كانت موجودة منذ زمن لكنها كانت صغيرة، وتوسعت مئات الأضعاف على حساب أراضي المقدسيين”.

لماذا شرق الأقصى؟
يعتقد اليهود بفضل الدفن في وادي قدرون (وادي جهنم) لاحتوائه على قبور عدد من أنبياء بني إسرائيل فيما يعرف بطنطور فرعون ومقبرة الأنبياء، ولقرب الوادي من الحي اليهودي بالبلدة القديمة والجدار الشرقي لجبل الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى، كما يعتقدون أنه سيكون الممر للمسيح المخلص.

وتتقارب فضائل الدفن بجبل الزيتون أيضا، فيذكر مركز معلومات مدينة داود الاستيطانية أن “اليهود الذين دفنوا في مقبرة جبل الزيتون سيكونون أول من يبعث من الأموات يوم القيامة، ولن يأكل الدود أجسادهم، وسُينفخ بقرن الكبش (الشوفار) على جبل الزيتون ليُعلن يوم القيامة من بين الأموات. كما كان الزوار اليهود يأخذون الأتربة من مقبرة جبل الزيتون لينثروها على قبور أحبائهم خارج فلسطين لاعتقادهم بأن ذلك سيجلب بركته عليهم”.


استغل الاحتلال أهمية المقبرة لدى اليهود لتحقيق أطماعه التهويدية والاستيطانية بمحيط الأقصى (الجزيرة)
استغل الاحتلال أهمية المقبرة لدى اليهود لتحقيق أطماعه التهويدية والاستيطانية بمحيط الأقصى (الجزيرة)

آلاف الدولارات للقبر الواحد
استغل الاحتلال الجانب الديني هذا لتحقيق أطماعه الاستيطانية بالقدس، ودرّ الأموال للمؤسسات التي تقدم خدمات دفن الموتى وعلى رأسها مؤسسة “كديشاه” التي قسمت مساحات المقبرة إلى مناطق لليهود الشرقيين والغربيين “الأشكناز والسفرديم”. كما أن تكلفة الدفن في مقبرة جبل الزيتون تصل 22500 دولار، والتي تشمل مراسم الدفن لمدة 15 دقيقة، وكفن الدفن، وقطعة أرض بعمق 1.2 متر وعرض ستين سنتيمترا.

وفي كل ذكرى وفاة أحد الشخصيات المهمة المدفونة بالمقبرة، يمتلئ الجبل بمئات اليهود المتطرفين المتوشحين بالسواد، وتزدحم طرقات المقدسيين الحيوية المؤدية إلى أحياء الطور ورأس العامود وسلوان.

ويختم عويس تصريحه بالقول “تحتشد شرطة الاحتلال لحمايتهم ويغلقون مدخل الحوش ويمنعون دخول السيارات، كل تلك السعة لهم ونحن يضيّق علينا في قبورنا، لقد جرفوا مقبرة مأمن الله وصادروا أراضي مقبرة باب الرحمة ويهددونها حتى الآن”.

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى