كتب وبحوث

معاهدات السلام العربية الإسرائيلية في ميزان الشريعة الإسلامية 4

معاهدات السلام العربية الإسرائيلية في ميزان الشريعة الإسلامية 4

إعداد د. عطية عدلان

الفصل الثاني

التنزيل المعاصر

ابتليت الأمة الإسلامية في عصرنا الذي نعيش فيه بذلك الكيان الدخيل الذي يسمي كذبا وزورا واغتصابا بدولة إسرائيل، ذلك الكيان الدخيل الذي ألقي الاستعمار بَذْرته في التربة الإسلامية، وظل يرعاه حتى نما واشتد وصار سرطانا مفزعاً يقلق الأمة ويروعها.

ومنذ اللحظة الأولي لقيام هذا الكيان ونشوبه في جسـد الأمة والمسلمون يعقدون معه المعاهدات تلو المعاهدات، والملاحظ أن مسيرة الطغيان التي رسمها هذا العدو تمضي في طريقها بلا تلعثم ولا تردد، وكأن الأمة الإسلامية لم تبرم معه هذه المعاهدات إلا لتعطيه التسهيلات للمضي في طغيانه والاستمرار في عدوانه، الأمر الذي أثار القضية في جانبها الشرعي، وأثار معها هذا السؤال:

ما مدى شرعية هذه المعاهدات؟

وللإجابة على هذا السؤال نبدأ باستعراض هذه المعاهدات وذكر ما اشتملت عليه من بنود.

  في عام 1917 صدر عن وزارة الخارجية لدولة الاستعمار «بريطانيا» وعد «بلفور» الذي يقضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وبعد صدور هذا الإعلان بعامين وقعت اتفاقيه بين الملك فيصل ابن الشريف حسين وبين حاييم فايتسمان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، وذلك في الثالث من شهر يناير سنة 1919 في مؤتمر باريس للسلام، وقد اتفق فيها على المواد التالية:

1- يجب أن يسود جميع علاقات والتزامات الدول العربية وفلسطين أقصي النوايا الحسنة والتفاهم المخلص…

2-تحدد بعد إتمام مشاورات مؤتمر السلام مباشرة الحدود النهائية بين الدول العربية وفلسطين من قبل لجنة يتفق على تعيينها من قبل الطرفين المتعاقدين.

3- عند إنشاء دستور إدارة فلسطين تتخذ جميع الإجراءات التي من شأنها تقديم أوفي الضمانات لتنفيذ وعد الحكومة البريطانية المؤرخ في اليوم الثاني من شهر نوفمبر سنة 1917.

4- يجب أن تتخذ جميع الإجراءات لتشجيع الهجرة اليهودية إلي فلسطين على مدي واسع والحث عليها وبأقصى ما يمكن من السرعة لاستقرار المهاجرين في الأرض عن طريق الإسكان الواسع والزراعة الكثيفة. ولدي اتخاذ مثل هذه الإجراءات يجب أن تحفظ حقوق الفلاحين والمزارعين المستأجرين العرب ، ويجب أن يساعدوا في سيرهم نحو التقدم الاقتصادي.

5- يجب أن لا يسن نظام أو قانون يمنع أو يتدخل بأي طريقة ما في ممارسة الحرية الدينية ، ويجب أن يسمح على الدوام أيضاً بحرية ممارسة العقدية الدينية والقيام بالعبادات دون تمييز أو تفصيل ويجب أن لا يطالب قط بشروط دينية لممارسة الحقوق المدنية أو السياسية.

6- إن الأماكن الإسلامية المقدسة يجب أن توضع تحت رقابة المسلمين.

7- تقترح المنظمة الصهيونية أن ترسل إلي فلسطين لجنة من الخبراء لتقوم بدراسة الإمكانيات الاقتصادية في البلاد ، وأن تقدم تقريراً عن أحسن الوسائل للنهوض بها وستضع المنظمة الصهيونية اللجنة المذكورة تحت تصرف الدولة العربية بقصد دراسة الإمكانيات الاقتصادية في البلاد.

8- يوافق الفريقان المتعاقدان أن يعملا بالاتفاق والتفاهم التامين في جميع الأمور التي شملتها هذه الاتفاقية لدي مؤتمر الصلح.

9- كل نزاع قد يثار بين الفريقين المتنازعين يجب أن يحال إلى الحكومة البريطانية للتحكيم.

وُقِّع في لندن, إنجلترا في اليوم الثالث من شهر يناير سنة 1919م([1]).

ومضت أعوام كانت فيها الصهيونية تعمل على قدم وساق, وكانت تجتهد في تهجير اليهود وإنشاء المستوطنات, ودارت فيها حروب بين العصابات الصهيونية وبين المجموعات الفدائية من شعب فلسطين, حتى جاء عام 1948 حيث أعلنت الصهيونية عن قيام دولة إسرائيل, فسارعت أمريكا إلي الاعتراف بها ومن بعدها سائر الدول الاستعمارية.

عندئذ هبت الجيوش العربية لمحاربة هذا الكيان الوليد, وبينما كانت هذه الجيوش قاب قوسين أو أدني من اجتثاث الكيان الصهيوني من جذوره و اجتثاث أحلامه معه أُعلن عن الهدنة التي قامت حائلا دون إنجاز العمل الذي لو تم لاستراحت الأمة الإسلامية أبد الدهر من ذلك الكابوس المروع.

أقامت الهدنة سداً منيعاً، وظل هذا السد قائماً, حتى جاء عام النكسة ليشهد انهيار السد، ليس تحت جحافل الجيش الإسلامي الفاتح, ولكن تحت جحافل الجيش الصهيوني الغازي، وليشهد معه نكبة الأمة في أبنائها وفي أراضيها وفي مقدساتها وفي عزتها وكرامتها؛ حيث احتُلت سيناء واحتُلت القدسُ والضفة الغربية واحتُلت الجولان ووقع المسجد الأقصى في الأسر, ودخل موشي ديان القدس مزهواً والجنود يهتفون ويرددون خلفه: «محمد مات خلف بنات»!!

وعن عشرات الألوف الذين قُتلوا أو أُسروا من أبناء الأمة الإسلامية لا تسل, وظلت الأمة تلعق جراحها وهي تقتات الوعود من مجلس الآمن ومن هيئة الأمم, بينما المشروع الصهيوني يمضي في طريقه وبخاصة في فلسطين, ولقد شهدت مراحل التوطين الأولي أكثر من ثلاثين مذبحة للفلسطينيين, ومحو أكثر من 320 قرية ومدينة , وكان من بين هذه المذابح مذبحة دير ياسين التي راح ضحيتها نصف سكان القرية, ومن اللافت للنظر أن نجم هذه المذبحة كان مناجم بيجين الحائز على جائزة نوبل للسلام ، والذي عقد معاهدة السلام في كامب ديفيد مع الرئيس محمد أنور السادات.

وأمريكا التي كانت ترعي كل معاهدات السلام هي التي استخدمت حق الفيتو 72 مرة ضد قرارات إدانة إسرائيل من أصل 79 قراراً للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة, و استخدمت حق الفيتو أيضاً لإبطال 29 قرار إدانه ضد إسرائيل أقرته الشرعية الدولية في مجلس الأمن.

وفي عام 1973 أهدي الله تعالي للأمة الإسلامية نصراً مؤزراً, وهو نصر العاشر من رمضان السادس من أكتوبر, ذلك النصر الذي مهد السبيل لتصحيح المسار, ورد للأمة ثقتها لتعرف دورها، فبرغم أنّ النصر لم يكتمل، وبرغم أنّ الصهاينة انثنوا على الجيش المصريّ والتفوا حوله وطوقوه من خلفه؛ بسبب غباء القيادة السياسية وإصرارها على الاستبداد بالرأي في مسائل عسكرية بحتة، برغم ذلك كله كانت الضربة التي تلقاها العدو الصهيونيّ وما تلاها من حالة التضامن العربيّ كافية في إصابتهم بحالة من الذعر والهلع، كان بالإمكان استثمارها بوسائل كثيرة للوصول إلى حلول عادلة لقضية فلسطين.

وهو ما كان يمكن حدوثه باستمرار المعارك على خطط العسكريين المتخصصين من أمثال الفريق سعد الدين الشاذليّ،  أو على الأقل في مؤتمر جينيف الذي كان من المنتظر أن تذهب إليه الدول العربية مجتمعة، ولكنّ الخيار العسكريّ لم يتم؛ فسرعان ما جاء الثعلب الأمريكي «كيسنجر» بحقيبته السوداء لتقع المفاجأة التي لم تكن متوقعة، وهي وقف إطلاق النار وبدء المحادثات من جديد، وكأننا لم نحارب إلا لتفعيل المحادثات التي جمدها الصهاينة بعدوانهم وجبروتهم.

  ولم يكن هناك حاجة إلى وقف إطلاق النار لو أنّ السلطة السياسية أطاعت في الحرب رأي الخبرة العسكرية، ولم تذهب بتفكيرها إلى خيار السلم الذي كان يداعب أحلامها مبكرا، ففي مذكراته يؤكد الشاذلي أنّ السادات وأحمد إسماعيل علي كانا على يقين من أنّ رأيه – في سحب كتائب من الشرق كانت في مرمى نيران العدو بلا تغطية جوية إلى الغرب لتطويق حصار الثغرة – هو الصواب في حال وجود نية لاستمرار الحرب، لكنّ السادات الذي قرر عدم سحب جندي واحد من الغرب إلى الشرق كان يضمر التفاوض، ومما يؤكد ذلك أنّه في نفس الليلة التي عاد فيها من المؤتمر الذي أعلن فيه ذلك اتصل بالسفير الروسي وأبلغه بأنه موافق على قرار وقف إطلاق النار([2]).

وبينما كان العالم الإسلامي يتعاطى المسكنات باجترار ذكريات النصر إذ بالمفاجأة الثانية التي قلبت كل الموازين: الرئيس “السادات” في تل أبيب يخطب ويعلن أننا نريد السلام الدائم مع إسرائيل، وعلى أثر هذه الزيارة (التاريخية !) كان الطريق ممهداً ومفتوحاً إلي كامب ديفيد حيث وقعت هناك (أم المعاهدات) المعاهدات المصرية الإسرائيلية.

 وقد نصت على الآتي:

«إن حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة دولة إسرائيل … أقتناعنا منهما بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط وفقا لقراري مجلس الأمن 242 و338 … إذ تؤكدان من جديد التزامهما “بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق علية في كامب ديفيد”, المؤرخ في 17 سبتمبر 1978م … وإذ تلاحظان إن الإطار المشار إليه إنما قصد به أن يكون أساساً للسلام، ليس بين إسرائيل فحسب، بل أيضاً بين إسرائيل وأي من جيرانها العرب كل فيما يخصه ممن يكون على استعداد للتفاوض من أجل السلام معها على هذا الأساس … ورغبة منهما في إنهاء حالة الحرب بينهما وإقامة سلام تستطيع فيه كل دوله في المنطقة أن تعيش في أمن … و اقتناعا منهما بأن عقد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل يُعَدُّ خطوة هامة على طريق السلام الشامل في المنطقة والتوصل إلي تسوية للتراع العربي الإسرائيلي بكافة نواحيه …

وإذ تدعوان الأطراف العربية الأخرى في التراع إلي الاشتراك في عملية السلام مع إسرائيل على أساس مبادئ إطار السلام المشار إليها آنفا واسترشادا بها … وإذ ترغبان أيضاً في إنماء العلاقات الودية والتعاون بينهما وفقا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات الدولية في وقت السلم … قد اتفقتا على الأحكام التالية بمقتضي ممارستهما الحرة لسيادتهما من تنفيذ الإطار الخاص بعقد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل…»

المادة الأولى:

1- تنتهي حالة الحرب بين الطرفين ويقام السلام بينهما عند تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة.

2- « تسحب إسرائيل كافة قواتها المسلحة والمدنيين من سيناء إلي ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب» كما هو وارد بالبروتوكول الملحق بهذه المعاهدة (الملحق الأول) وتستأنف مصر ممارسة سيادتها الكاملة على سيناء.

3- عند إتمام الانسحاب المرحلي المنصوص عليه في الملحق الأول, يقيم الطرفان علاقات طبيعية وودية بينهما طبقاً للمادة الثالثة (فقرة3 ).

المادة الثانية

إن الحدود الدائمة بين مصر و إسرائيل هي الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هي الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب » كما هو واضح بالخريطة في الملحق الثاني ، وذلك دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزة، ويقر الطرفان بأن هذه الحدود مصونة لا تمس ، ويتعهد كل منهما احترام سلامة أراضي الطرف الآخر بما في ذلك مياهه الإقليمية ومجاله الجوي.

المادة الثالثة:

1- يطبق الطرفان فيما بينهما أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات بين الدول في وقت السلم, وبصفة خاصة: (يقر الطرفان ويحترم كل منهما سيادة الآخر وسلامة أراضيه واستقلاله السياسي) … (يقر الطرفان ويحترم كل منهما حق الآخر في أن يعيش في سلام داخل حدوده الآمنة والمعترف بها) … يتعهد الطرفان بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها، أحدهما ضد الآخر على نحو مباشر أو غير مباشر، وبحل كافة المنازعات التي تنشأ بينهما بالوسائل السلمية.

2- (يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أرضية أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته … كما يتعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم أو التحريض أو الإثارة أو المساعدة أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب العدوانية أو النشاط الهدام أو أفعال العنف المواجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان،كما يتعهد بأن يكفل تقديم مرتكبي مثل هذه الأفعال للمحاكمة).

3- (يتفق الطرفان على أن العلاقات الطبيعية التي ستقام بينهما ستضمن الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية) وإنهاء المقاطعة الاقتصادية والحواجز ذات الطابع المتميزة المفروضة ضد حرية انتقال الأفراد والسلع. كما يتعهد كل طرف بأن يكفل تمتع مواطني الطرف الآخر الخاضعين للاختصاص القضائي بكافة الضمانات القانونية ، وبوضع البروتوكول الملحق بهذه المعاهدة (الملحق الثالث) الطريقة التي يتعهد الطرفان بمقتضاها- بالتوصيل إلي إقامة هذه العلاقات ، وذلك بالتوازي مع تنفيذ الأحكام الأخرى لهذه المعاهدة.

المادة الرابعة:

1- بغية توفير الحد الأقصى للأمن لكلا الطرفين وذلك على أساس التبادل تقام ترتيبات أمن متفق عليها بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية أو الإسرائيلية وقوات أمم متحدة ومراقبين من الأمم المتحدة …

2- يتفق الطرفان على تمركز أفراد الأمم المتحدة في المناطق الموضحة بالملحق الأول ، ويتفق الطرفان على ألا يطلبا سحب هؤلاء الأفراد ، وعلى أن سحب هؤلاء الأفراد لن يتم إلا بموافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بما في ذلك التصويت الإجمالي للأعضاء الخمسة الدائمين بالمجلس ، وذلك ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.

3- تنشأ لجنة مشتركة لتسهيل تنفيذ هذه المعاهدة وفقا لما هو منصوص عليه في الملحق الأول.

4- يتم بناء على طلب أحد الطرفين إعادة النظر في ترتيبات الأمن المنصوص عليها في الفقرتين 1،2 من هذه المادة وتعديلها باتفاق الطرفين.

المادة الخامسة:

1- تتمتع السفن الإسرائيلية والشاحنات المتجهة من إسرائيل وإليها بحق المرور الحر في قناة السويس ومداخلها في كل من خليج السويس والبحر الأبيض المتوسط وفقاً لأحكام اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 المنطبقة على جميع الدول. كما يعامل رعايا إسرائيل وسفنها وشاحناتها وكذلك الأشخاص والسفن والشحنات المتجهة من إسرائيل وإليها معاملة لا تتسم بالتمييز في كافة الشئون المتعلقة باستخدام القناة.

2- يعتبر الطرفان أن مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة لكافة الدول دون عائق أو إيقاف لحرية الملاحة أو العبور الجوي.كما يحترم الطرفان حق كل منهما في الملاحة والعبور الجوي من وإلي أراضيه عبر مضيق تيران وخليج العقبة.

المادة السادسة:

1- لا تمس هذه المعاهدة ولا يجوز تفسيرها على نحو يمس بحقوق والتزامات الطرفين وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

2- يتعهد الطرفان بأن ينفذا بحسن نية التزاماتهما الناشئة عن هذه المعاهدة بصرف النظر عن أي فعل أو امتناع عن فعل من جانب طرف آخر وبشكل مستقل عن أية وثيقة خارج هذه المعاهدة.

3- كما يتعهدان بأن يتخذا كافة التدابير اللازمة لكي تنطبق في علاقاتها أحكام الاتفاقيات المتعددة الأطراف التي يكونان من أطرافها بما في ذلك تقديم الإخطار المناسب للأمن العام للأمم المتحدة وجهات الإيداع الأخرى لمثل هذه الاتفاقيات.

4- يتعهد الطرفان بعدم الدخول في أي التزامات تتعارض مع هذه المعاهدة.

5- مع مراعاة المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة يقر الطرفان بأنه في حالة وجود تناقص بين التزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة وأي من التزاماتهما الأخرى فإن الالتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة تكون ملزمة ونافذة.

المادة السابعة:

  1. تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة عن طريق المفاوضة.
  2. إذا لم يتيسر حل هذه الخلافات عن طريق المفاوضة فتحل بالتوفيق ، أو تحال إلي التحكيم.

المادة الثامنة:

يتفق الطرفان على إنشاء لجنة مطالبات للتسوية المتبادلة لكافة المطالبات المالية.

المادة التاسعة:

1- تصبح هذه المعاهدة نافذة المفعول عند تبادل وثائق التصديق عليها.

2- تحل هذه المعاهدة محل الاتفاق المعقود بين مصر وإسرائيل في سبتمبر1975.

3- تعد كافة البروتوكولات والملاحق والخرائط الملحقة بهذه المعاهدة جزءاً لا يتجزأ منها.

4- يتم إخطار الأمين العام للأمم المتحدة بهذه المعاهدة لتسجيلها وفقاً لأحكام المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة.

    حررت في واشنطن في 26 مارس سنة 1979م, 27 ربيع الثاني سنة 1399هـ من ثلاث نسخ باللغات العربية والعبرية والإنجليزية, وتعتبر جميعها متساوية الحجية وفي حالة الخلاف في التفسير فيكون النص الإنجليزي هو الذي يعتد به([3]).

وبالطبع لم تحفل هذه المعاهدة بالقدس ولا بالأراضي الإسلامية الأخرى ، ولا بقضية فلسطين، ولا بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ، ولا بحقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، فكان سلما منفردا؛ مزق شمل العرب ، وشتت جمعهم ، وأضاع الفرصة التاريخية التي أتاحتها حرب أكتوبر حيث أوجدت حالة من التوافق والتقارب والتوحد، وزرعت بينهم خصومة أبدية استثمرتها إسرائيل في ترسيخ الخصومة ، وفي سحب دول المواجهة إلى منزلق التطبيع ومن بعده سائر الدول.

وسكنت الحرب بين مصر وإسرائيل بعد توقيع هذه المعاهدة, ولكنها كانت مفتوحة وقائمة على أشدها في جبهات أخري ويكفي للدلالة على ذلك الغارات التي شنتها إسرائيل في تلك الفترة على لبنان، واستمرت المذابح التي كان منها مذبحة صبرا وشاتيلا في 18/9/1982 التي قام بها شارون – الذي وصفه بوش بأنه رجل السلام – واستمرت هذه المذبحة 72 ساعة قتل فيها 3500 فلسطيني ولبناني معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ؛ ثم مذبحة قانا التي قام بها شمعون بيريز ، وقتل فيها 160 مديناً , ثم مذبحة المسجد الإبراهيمي وجينين, وهكذا ..

وبرغم أن غدر إسرائيل صار له راية مرفوعة فوق هضاب الغربة التي أحدثها وقف الجهاد في سبيل الله فوجئ العالم بالأطراف العربية الأخرى تشارك في مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد في مدريد بأسبانيا في نوفمبر 1991م والذي استمر لمدة يومين غلب علية المظاهر الاحتفالية، لكنه كان بمثابة الصافرة التي أطلقها الحكم الغربي لتبدأ المحادثات (الثنائية) بين إسرائيل وكل دولة من دول العرب على حدة.

وكان أبرز اتفاق وقع بين إسرائيل وطرف عربي هو اتفاق أوسلو ، وهو اتفاق سلام وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن بالولايات الأمريكية المتحدة في 13 سبتمبر/ أيلول 1993, وسمي الاتفاق نسبة إلي مدينة أو سلوا النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرية التي أفرزت هذا الاتفاق ، وجاء الاتفاق بعد مفاوضات بدأت في العام 1991م فيما عرف بمؤتمر مدريد.

تُعَدُّ اتفاقية أوسلو أول اتفاقية رسمية مباشرة بين إسرائيل ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز، ومنظمة التحرير الفلسطينية, ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية محمود عباس، ورغم أن التفاوض بشأن الاتفاقية تم في أوسلو, إلا أن التوقيع تم في واشنطن، بحضور الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون.

وتنص الاتفاقية على إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية (أصبحت تعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية), ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني, في الضفة الغربية وقطاع غزة, لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، ومن المفترض, وفقا للاتفاقية, أن تشهد السنوات الانتقالية الخمس, مفاوضات بين الجانبين, بهدف التوصل لتسوية دائمة على أساس قراري مجلس الأمن (242 ، 338)، وهذا ما لم يتم إلى يوم الناس هذا، ولن يتم ولو تعلق الأعراب بأسراب السحاب.

    ولحفظ الأمن في الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية, نصت الاتفاقية على إنشاء قوة شرطة فلسطينية قوية, من أجل ضمان النظام العام في الضفة الغربية وقطاع غزة, بينما تستمر إسرائيل في الاضطلاع بمسؤولية الدفاع ضد التهديدات الخارجية.

 ولم يهمل الاتفاق التمهيد لعملية التطبيع الشاملة، فمن ضمن بنوده: “إدراكا بالمنفعة المتبادلة للتعاون من أجل التشجيع بتطوير الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل سيتم إنشاء لجنة تعاون اقتصادية اسرائيلية – فلسطينية، من أجل تطوير وتطبيق البرامج المحددة في البروتوكولات المرفقة (كملحق 3 وملحق 4) بأسلوب تعاوني، وذلك فور دخول اعلان المبادئ هذا حيز التنفيذ”([4]).

    وبعد لأْي قامت للفلسطينيين سلطة “حكم ذاتي!”, هذه السلطة لم تملك من القوة السياسية أو العسكرية أن تدفع عن رئيسها “ياسر عرفات” وطأة القوات الإسرائيلية التي ظلت تحاصره مدة طويلة, وتهدم الغرفات من حوله وهو في حوزتها كعصفور يتيم في قبضة صبيّ عابث, لا يملك إلا أن يصيح: «يا جبل ما يهزك ريح» وتحت ضغط الانتفاضة التي انطلقت باسم الإسلام ترفض الهوان والاستسلام اضطرت أمريكا (الحاضنة أبداً لإسرائيل) أن تتدخل عن طريق مبعوثها (تنت) المنسق الذي يعيد دور كيسنجر, وتمخض هذا الجهد الأمريكي عن مشروع خارطة الطريق ذي المراحل الثلاث، والذي انطلقت المرحلة الأولي منه في تشرين الأول 2002م.

وكان من بين بنود هذا المشروع:

1- تصدر القيادة الفلسطينية بياناً لا يقبل التأويل يعيد تأكيد حق إسرائيل بالعيش بسلام وأمن, ويدعو لوقف فوري للانتفاضة المسلحة وكافة أشكال العنف ضد الإسرائيليين في كل مكان, وتوقف كافة المؤسسات الفلسطينية عن التحريض ضد إسرائيل.

2- بالتنسيق مع اللجنة الرباعية يتم تنفيذ الخطة الأمريكية لإعادة البناء والتدريب واستئناف التعاون الأمني مع مجلس خارجي للإشراف مكون من «الولايات المتحدة ، مصر،الأردن».

3- تدمج جميع أجهزة الأمن الفلسطينية ضمن 3 أجهزة، وتكون مسؤولية أمام وزير الداخلية صاحب الصلاحيات.

4- أجهزة الأمن الفلسطينية التي يعاد بناؤها ويعاد تدريبها ، وأجهزة جيش الدفاع الإسرائيلي المقابلة يبدآن إعادة مرحلية للتعاون الأمني والالتزامات الأخرى,

، كما تم الاتفاق عليه في خطة “تينيت“, وبما يشمل اجتماعات عادية على مستوي عال ،وبمشاركة مسؤولين أمنيين أمريكيين.

5- تتحرك الدول العربية بشكل حازم لقطع أي تمويل حكومي أو خاص للجماعات المتطرفة، وتقدم الدعم المالي للفلسطينيين عبر وزارة المالية الفلسطينية.

وأخيراً جاء مؤتمر أنابوليس وهو مؤتمر السلام الذي عقد في 27 نوفمبر / تشرين الثاني من 2007م في كلية البحرية للولايات المتحدة في أنابوليس/ ماريلاند/ الولايات المتحدة الأمريكية. وانتهي المؤتمر مع صدور بيان مشترك من جميع الأطراف، نُظم المؤتمر من قبل الولايات المتحدة ، وتحت إشراف وزيرة خارجيتها كونداليزا رايس واستمر ليوم واحد.

في هذا المؤتمر سعت الولايات المتحدة للتواصل إلي اتفاقية سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وإحياء خطة خارطة الطريق، وأمل الطرف الفلسطيني أن يتمخض المؤتمر عن إعلان مبادئ مشتركة مع الإسرائيليين بشأن القضايا الرئيسية، وأن يسفر عن جدول زمني لإقامة دولتهم، وكان الطرف الإسرائيلي متفائلا بتفعيل المحادثات، ولكن لم يوافقوا على مبادئ مشتركة ، ولا على جدول زمني لقيام دولة فلسطينية.

   وكانت أنابوليس هي المحطة التي وقف فيها قطار السلام طويلا؛ ليمضي قطار المذابح في الاتجاه المعاكس بلا معاكسة ولا تعطيل، فها هي غزة مستمرة تحت الحصار, يدوسها القطار تلو القطار، ويحل بها الخراب والدمار، وترتكب فيها من حين لآخر أبشع المجازر، وها هي الضفة والقدس والأقصى تعاني كلها من العنت والتوسع الاستيطاني، ناهيك عن الحفريات تحت المسجد والمضايقات لرواد المسجد، والهوس بإنشاء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى مع بداية الألفية الثالثة.

في أيامنا هذه وبعد الإعلان عن صفقة القرن فوجئ العالم كله بدول عربية بعيدة عن الطوق ، وليست من دول المواجهة تعلن عن التطبيع مع الكيان الصهيونيّ في سلسلة من الانهيارات المتتابعة تتابع الزلازل، بدأت بدولة الإمارات العربية، ومن بعدها البحرين والمغرب والسودان، لتلتحق بمصر ومنظمة لتحرير الفلسطينية والأردن التي عقدت معاهدتها عام 1994م المعروفة بوادي عربة.


([1]) ر: الوثيقة بملف وثائق فسطين من عام 637م إلى عام 1949م – الجزء الأول – وزارة الإرشاد القومي – الجمهورية العربية المتحدة 1969م

([2]) ر: مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي – قصتي مع السادات – مكتبة مدبولي الصغير – القاهرة – ط الثالثة 1995م – صــــ114

([3]) ر: اتفاقيتا كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وملحقاتها – أحمد علي حسن – مكتبة الآداب – القاهرة – ط الثانية 2012م – صـــ 58 وما بعدها

([4]) ر: بنود اتفاقية أوسلو موقع منظمة التحرير الفلسطينية – دائرة شئون المفاوضات – بتاريخ 13/9/1993م

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى