تقارير وإضاءات

مسؤول بالمركز الإسلامي بأوكرانيا: أزمة كورونا دفعتنا لإعادة ترتيب العمل الإسلامي الداخلي

مسؤول بالمركز الإسلامي بأوكرانيا: أزمة كورونا دفعتنا لإعادة ترتيب العمل الإسلامي الداخلي

حوار أجراه هاني صلاح (رئيس تحرير موقع: مسلمون حول العالم)

• بدايةً.. نود التعرف على الموقف الحكومي الرسمي في التعامل مع أزمة فيروس كورونا (كوفيد-19)، وما صدر عنه من قرارات؟ وكيف تقبَّلها المواطن الأوكراني؟

•• موقف أوكرانيا الرسمي من التعامل مع فيروس كورونا (كوفيد-19) اتسم بالوضوح والشفافية منذ بداية الأزمة، وكان سبَّاقًا لكثير من الدول، خاصة المجاورة لها في شرقي أوروبا؛ فقد سارعت أوكرانيا – بقيادة رئيسها فلاديمير زيلينسكي – إلى فرض الحجر الصحي منذ بدايات انتشار فيروس كورونا في أوروبا، وتحديدًا من منتصف مارس الماضي، وجاءت إجراءات فرض الحجر الصحي بشكل حازم ومتدرج، بدأ بإغلاق المدارس ثم المطاعم والمحال التجارية، باستثناء محلات الأغذية فقط.

بعد ذلك، تم منع المواطنين من الذهاب للمستشفيات إلا للحالات الطارئة فقط؛ تمهيدًا لاستقبال مرضى فيروس كورونا، ثم تواصلت هذه الإجراءات لتشمل تقييد الحركة عبر المواصلات العامة، إلا من كان لديه تصريح عمل، وبشرط ارتداء الكمامة الطبية، ولم ينته الشهر الأول من بداية الحجر الصحي إلا وتم غلق كافة الحدائق العامة.

والشيء الوحيد الذي لم يُمنع الناس منه هو الخروج من المنازل، والتحرك بسياراتهم الخاصة أو التاكسيات، دون استخدام المواصلات العامة إلا بتصريح رسمي.

وعلى الرغم من صعوبة هذه الإجراءات على المواطن الأوكراني؛ نظرًا لضعف الاقتصاد الأوكراني؛ كون أوكرانيا ليست ضمن دول الاتحاد الأوروبي، والدولة لا تستطيع تقديم أي تعويضات للمواطن على خسائره، ومع هذا فإن المواطنين تفهَّموا هذه الإجراءات بعدما شاهدوا ما حدث في دول غربي أوروبا، وعلى رأسها إيطاليا وإسبانيا وغيرهما.

لكن ارتفاع أسعار السلع الخاصة بوسائل الوقاية من فيروس كورونا، والتي وصلت في بعض الأحيان لعشرة أضعاف ثمنها، كان الشيء السلبي الوحيد في هذه الأزمة.

 مسلمو أوكرانيا والتداعيات السلبية

• وما مدى تأثر مسلمي أوكرانيا بهذه الإجراءات؟ وما حجم الضرر الذي لحق بهم؟

•• طبعًا وقْعُ هذه الإجراءات على المغتربين – بشكل عام – أشد بكثير منها على المواطن الأوكراني العادي، وبما أن أغلب المغتربين هنا من المسلمين، فإن تداعيات هذه الإجراءات كانت عليهم أكثر وأشد.

مع العلم بأن المواطن الأوكراني قد يكون دخله أقل حتى من المغترب، لكن لديه مصادر أخرى تؤمِّن حياته؛ مثل منتجات القرى الزراعية، فالشعب الأوكراني بطبيعته فلَّاح، وأكثر من خمسين بالمائة من مواطنيه لديهم مزارع يقومون بزراعتها، بينما المواطن المغترب القادم من الخارج مصدره الوحيد هو راتبه.

صحيح أن هناك بعض رجال الأعمال المسلمين، ولكن الغالبية من الفئة العاملة التي تعتمد على أجر تتقاضاه يوميًّا؛ لذا فأكثر المسلمين تضررًا هم هذا النوع من العمال؛ لأنهم من أول يوم في الحجر الصحي أصبحوا بدون دخل؛ ومن ثم أدركت المراكز الإسلامية بأوكرانيا مبكرًا أنها بصدد مواجهة موجات كبيرة من المحتاجين، قد تكون أكبر بكثير مما تستطيع أن تستوعبه إمكانياتها.

 تعاطي مسلمو أوكرانيا مع أزمة كورونا ( كوفيد-19)

• كيف تعاطى مسلمو أوكرانيا ومؤسساتهم مع تداعيات أزمة كورونا (كوفيد-19) والقرارات الرسمية المتعلقة بها؟

•• هناك جانبان تعاطى من خلالهما مسلمو أوكرانيا مع أزمة كورونا كوفيد-19:

الجانب الأول: الالتزام بالقرارات وبالنظام:

فقد كانت المراكز الإسلامية، وعلى رأسها المركز الإسلامي في “كييف”، ومراكز اتحاد المنظمات الإسلامية في أوكرانيا “الرائد”، من السبَّاقين في الالتزام بالحجر الصحي من أول يوم؛ فقد أغلقنا المساجد واكتفينا بأن تقام الصلوات الخمس والجمعة من قِبل الإمام وشخصين أو ثلاثة لا أكثر.

كما توقفت كافة الأنشطة التعليمية والثقافية والاجتماعية للمراكز الإسلامية، بل كانت المدرسة النموذجية للأطفال بالمركز الإسلامي المدرسة الأولى والأكثر فعالية في تحويل الدراسة من دراسة في الصفوف إلى دراسة في العالم الافتراضي عن طريق برنامج زووم والإنترنت.

كذلك تحولت المراكز الإسلامية لمنابر إعلامية تنشر المعلومات الهامة عن وباء كورونا، وتعطي النصائح الضرورية للتحذير من انتشار العدوى، وكانت هناك حملات توعية بشكل يومي عبر الإنترنت للمسلمين تدعوهم إلى أهمية التزامهم بالحجر الصحي، وعدم الخروج من البيوت إلا لضرورة، وتجنب الأماكن المزدحمة.

كما كانت هناك تغطية شرعية لقضية الحجر الصحي، ونشر الوعي اللازم، والحمد لله، كان المسلمون في أوكرانيا ملتزمين بالقانون لأعلى درجة.

الجانب الثاني: التركيز على العمل الخيري الإنساني:

وذلك لمساعدة الفقراء والمحتاجين في هذه الفترة الصعبة؛ حيث كان مدير كل مركز إسلامي ومعه بعض القائمين على أقسام معنية يتواجدون لاستقبال الشخصيات الراغبة في التبرع من جهة، ومن جهةٍ أخرى لتقديم وتوزيع المساعدات الإنسانية للمحتاجين والمتضررين.

وبشكل فوري وسريع، ومنذ الأسبوع الأول من الحجر الصحي، تم تنظيم قوافل خيرية لتوزيع طرود المواد التموينية اللازمة للمحتاجين في أكثر من سبع مدن، وأما المدن التي لم نكن نستطيع تغطيتها أو ليس بها مراكز، فكان يتم تحويل هذه المساعدات لهم إما عن طريق البنك، أو عن طريق البريد المستعجل كمواد تموينية.

وصراحة شعرنا أن هناك نوعًا من اللُّحمة بين المسلمين، خاصة من جانب رجال الأعمال وأهل الخير الذين كانوا سندًا في هذا النشاط الخيري، ومن جهة أخرى – والحمد لله – فإن مسلمي أوكرانيا شعروا أن المركز الإسلامي هو سندهم في هذه الفترة الصعبة.

وهناك جانب آخر، وهو من باب تفاعلنا مع المجتمع، وإثبات أن المسلمين دائمًا هم نقطة استقرار في البلد، وهو ما يأمرنا به ديننا؛ وهو أنه كان للمركز الإسلامي نشاطات خيرية موجهة للمواطن الأوكراني، بشكل عام؛ مثل: حملة توزيع الكمامات الطبية بالمجان على المواطنين الأوكران، وهو عمل قام عليه ناشطات بالمركز الإسلامي.

فكان تعاطى المجتمع المسلم الأوكراني مع هذه الأزمة فيه جانبان – مثلما قلت – وهما: الالتزام ونشر الوعي بأهمية الالتزام بظروف أو شروط الحظر الصحي أولاً، وثانياً تنظيم فعاليات قوية جدًّا في الحملات الخيرية الإنسانية على مستوى المدن الأوكرانية وعبر المراكز الإسلامية المنتشرة بها.

 إيجابيات من أزمة كورونا

• من زاوية معاكسة ربما لا يتطرق إليها الكثيرون، ومن باب أن لكل شرٍّ جانبًا فيه خير.. ماذا ترون من إيجابيات داخل أزمة وباء كورونا الحالية تُبشّر بالأمل والخير؟

•• نرى ثلاثة جوانب هامة جدًّا تتعلق بأزمة وباء كورونا:

الأول: إعادة ترتيب العمل الداخلي:

حيث مثّلت أزمة وباء كورونا الحالية فرصة لإعادة ترتيب العمل الداخلي، بحيث نكون أكثر تنظيمًا وجاهزية للتعامل مع الأزمات، وصارت لدينا انطلاقة جديدة في العمل الإنساني بجناحيه الخيري والتطوعي، وهما سيكونان معًا أهم ركيزتين في العمل الإسلامي في المستقبل القريب. في الماضي القريب، كنَّا مشغولين أكثر في مجالات اجتماعية أو ثقافية، ومن بينها المحاضرات والندوات وغيرها، لكن الآن نعود لشيء أساسي، ألا وهو الجانب الإنساني.

وفي هذا الجانب أعدنا ترتيب هذا العمل، وقُمنا بصياغة قائمة جديدة للمحتاجين في مختلف المدن، ليس فقط في المراكز التي نعيش فيها، بل حتى في الضواحي، وصار عندنا تواصل جديد، وتقوية للتواصل بيننا وبين المسلمين، وصرنا نعرف ناسًا ما كنا نعرفهم، وأعدنا التعرف على وضع المسلمين، يعني أصبح لدينا ترتيب للقوائم والأسماء بطريقة تجعلنا نعرف المسلمين، ونستطيع التواصل معهم ودعمهم فيما إذا احتاج أحد منهم هذه المعونة، فهذا الجانب كان ممتازًا جدًّا، وإيجابيًّا جدًّا.

الثاني؛ الاهتمام بالجانب الإعلامي الدعوي:

الروحانيات التي يعيشها مسلمو أوكرانيا في المراكز الإسلامية يمكن مقارنتها بروحانيات حجاج بيت الله، وهذا شيء شهد به الكثيرين. لماذا؟ لأن مسلمون أوكرانيا تعودوا التواصل مع المسجد يومياً عن طريق الصلاوات الخمسة والنشاطات المختلفة التي تنظمها هذه المراكز، مثل المحاضرات والدورات ونوادي الأطفال والنساء، فالمسجد أو المركز الإسلامي كان على الدوام محتضن للجميع يتواصل فيه المسلمون بين بعضهم كأعضاء أسرة كبيرة، وكان هذا سبب ثبات الكثيرين في غربتهم، سواء كانوا طلاباً أو رجال أعمال أو حتى مقيمين، كان للمركز الإسلامي الدور الأكبر في هذه اللحمة، لذلك هناك رابط روحاني كبير بين المسلم في جميع مدن أوكرانيا وبين المسجد والمركز الإسلامي في تلك المدينة لذا كان عندنا شعور كمراكز إسلامية بالمسؤولية أمام المسلمين في أوكرانيا، وشعور بواجبنا أمام رواد المراكز الإسلامية، الذين تعودوا على أجواء المسجد هم وأسرهم، وكنا حريصين على أن لا يكون للحظر الصحي أثراً سلبياً على إرتباط المسلم بثقافته ودينه ورحانياته بسبب الإنقطاع عن المساجد بعدما أغلقت بسب الحظر الصحي، لذلك قررنا أن لا  ننقطع عن دروس الوعظ فترات طويلة؛ لأن هذا الجانب مهم جدًّا في حياة المسلم الأوكراني. فقمنا بمضاعفة فعالية صفحات المراكز الإسلامية على مواقع التواصل الإجتماعي في جميع المدن، وكانت النتيجة مبهرة وفوق أي توقع، فلقد تناسبت ردت فعل الجمهور طردياً مع هذا التفعيل وزادة مشاهدات صفحات المراكز الإسلامية عشرات المرات، بل وإن بعض هذه الثمرات هي إعتناق البعض للإسلام عن طريق الدروس التي كانت تبث على مواقع التواصل الاجتماعي أثناء هذه الفترة.

الثالث؛ إظهار معادن الرجال في الأزمات:

في النهاية، الابتلاءات بشكل عام تمحص الإنسان، وتجعله يُظهر أفضل ما فيه وأفضل صفاته، أو يظهر العكس، أي أسوأ ما فيه، ما يجعلك تعرف القريب والبعيد، الصادق وغير الصادق، التعامل مع الناس في مثل هذه الظروف جعلك تعرف من الإنسان الذي تثق فيه من غيره.

وطبعًا نحن كمراكز إسلامية أيضًا نتعرض لهذا الشيء، فهذه الأوبئة وهذه المشاكل تجعلنا نعرف من هم الناس الذين حقيقةً يمكن أن يساعدوا الآخرين، أعني يساعدون المركز الإسلامي ويدعمونه في هذه المواقف، أو من الذي يمكن – لا سمح الله – بالعكس يفتري إشاعات على المركز الإسلامي، أو يلومنا على إغلاقنا للمساجد بحجة الورع، وهذا هو التنطع بعينه.

رؤية مستقبلية للتعامل مع الأوبئة

• ما هي رؤيتكم المستقبلية للتعامل مع وباء كورونا أو أي أوبئة محتملة مستقبلًا؟ وهل من توصيات عملية؟

•• واضح أن مسألة ظهور وانتشار الأوبئة بشكل واسع على مستوى دول العالم ستتكرر، ووارد جدًّا أن تصير قضية الحجر الصحي شيئًا معتادًا، أي أن تصبح هذه الإجراءات التي تتخذ في مثل هذه الأزمات مثل أدبٍ دوليٍّ أو سياسة دولية، وهنا سيكون المواطن – بكل تأكيد – هو العنصر الأكثر ضعفًا في هذا الموضوع، فالقرار ليس بيده، وهذا يدفعنا لأن نكون مستعدين للتعامل مع هذه الأزمات.

• ولكن السؤال: كيف نكون مستعدين؟

•• الواقع أن الخبرة التي حصلنا عليها في هذه الفترة القصيرة تعادل سنوات من العمل الإسلامي في الظروف العادية؛ لذلك أعتقد أن الذي بادر بالعمل من أول لحظات إنتشار الوباء وإعلان الحظر الصحي دولياً واجتهد في هذه الأوقات الصعبة؛ فإن الله بالتأكيد سيلهمه مفاتيح جديدة للعمل يمكن أن يستفيد منها في المستقبل. وهنا ألفت النظر إلى أهمية الاستمرار والثبات على العمل، وتنمية هذه الخبرات وتوريثها للأجيال القادمة.

وإني أعتقد أننا استطعنا أن نحل أغلب المشاكل التي كان يمكن أن نتعرض لها بسبب هذا الوباء، وحياتنا – الحمد لله – مستمرة بطريقة طبيعية، وإن شاء الله في رمضان يكون ثوابنا أعظم، فالأجر على قدر المشقة، ولعل وعسى ربنا ما يُعيد هذه الظروف علينا، أو إن عادت نكون على كامل الاستعداد والتهيُّؤ لها، فهذه الخبرة التي توصلنا إليها تجعلنا قادرين أن نُعيد تطبيقها، بل حتى نُدرِّسها للآخرين، ولعل وعسى تكون في ميزان حسناتنا أجمعين.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى