متابعات

كيف تسجن دولة بُنيَتْ على أسس الشريعة والتوحيد 150 من أفضل علمائها؟!

كيف تسجن دولة بُنيَتْ على أسس الشريعة والتوحيد 150 من أفضل علمائها؟!

أبدى فضيلة الشيخ د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تحسره من معاناة أمتنا اليوم على كافة الأصعدة، فهي تعاني من التأخر والتخلف وضياع ما يسمى “بالفرضية الغائبة” وهي الإحسان والإبداع، فهي بحاجة إلى تربية جديدة، وصياغة فكرية صحيحة.

وتسائل فضيلته في أول خطبة له في جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب “كيف يجوز لدولة بُنيَتْ على أسس الشريعة وعقيدة التوحيد أن تسجن نحو 150 عالماً من علمائها المخلصين المصلحين، وأكثرهم من المبدعين كل في مجاله؟!

وتابع: كيف تبرر النيابة العامة في تلك الدولة مطالبتها بإعدامهم تعزيراً؟!، مع العلم أنه لا يوجد أساساً في ديننا ما يسمى بالقتل تعزيراً؛ إذ لا يباح دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث؛ الصيب الزاني، والقاتل، والمفارق لدينه، وصوناً للدماء وحقناً لها جعل الله تعالى وزر من أزهق روحاً بغير نفس أو فساد في الأرض بمثابة قتل الناس جميعاً.. فأين الأخلاق في هذا الحكم؟ وأين الدين في هذا الموقف؟

الشهادة على الناس

وبدأ القره داغي خطبته قائلا: إذا تدبرنا في كتاب الله المعجز، و في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم المطهرة، و في السيرة العطرة لتوصلنا بوضوح إلى أن الله تعالى يريد أن يهيئ هذه الأمه لتحقيق العدالة و الخير للبشرية جمعاء، بل حتى للبيئة و الحيوانات، و لذلك حصر الله رسالة محمد صلى الله عليه و سلم في الرحمة، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}…فالشهادة على الناس لأجل تحقيق العدالة لن تتحقق إلا إذا كانت هذه الأمة مؤمنة عادلة متخلقة بالأخلاق و القيم، وفي الوقت نفسه قوية من حيث العلم و الاقتصاد و الصناعة و التجارة، وهذا ما بينه القرآن الكريم من صفات الخيرية، قال تعالى:{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولأجل هذه الأهداف وجه الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم؛ لتربية الأمة و تزكيتها للوصول إلى هذا المقام العالي المحمود، وهو مقام الإحسان الذي ذكره الرسول صلى الله عليه و سلم بعد الإيمان و الإسلام في حديث جبريل حين جاء يسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان.

الأخذ بسنن الله

وتابع: ولكي تكون الأمة محسنة لا بد أن تأخذ بسنن الله تعالى التي لا تحابي أحداً، والتي امرنا الله تعالى بالأخذ بأحسنها لتنتقل الأمة بين مدارج الحضارة والشهود الحضاري ولتحرز التقدم والازدهار، ولذلك وجه الله تعالى عقيلة الأمة ـــ أفراداً وجماعات ـــ نحو الأحسن ونحو الأفضل ونحو الأخير ونحو الإحسان، ولقد تتبعت بنفسي لفظ الإحسان والحسن ومشتقاتهما في القرآن الكريم، فأحصيت حوالي مئتي آية، وإذا أضفنا إليها كلمات أخرى مثل الخير ونحوه لوجدنا أن حوالي ألف آية توجه الأمة نحو عقلية الإبداع والأحسن في جميع مجالات الدنيا والعادات والاجتماع، وعقلية إبداعية ديناميكية متحركة لا ترضى إلا بما هو الأفضل.

سنن الابتلاء

وقال: تكررت آية في سورتي هود والملك بنفس الألفاظ، حيث يقول الله تعالى في سورة الملك، بعد ان تحدث عن الملك، وعن صناعة الحياة والموت، { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، أي ليبلوكم أيها المسلمون وليختبركم ليس بالأعمال العادية فقط؛ لأنها لا تنتج حضارة، ولا بالأعمال الحسنة؛ لأنكم لا تستطيعون التنافس فيها مع بقية الأمم، وإنما اختباركم يا أمة الإسلام بأحسن عملاً؛ ليبلوكم أنتم ومن يعيش معكم في الأرض من الأمم والشعوب، إذ سنن الله تعالى للجميع، ومن أخذ بأفضلها نجح ، وليختبركم أنتم وغيركم، ثم أنتم فقط داخل مجتمعاتكم من خلال الأفراد بالأحسن عملاً…وكلمة أحسن تعني في فقه اللغة الأحسن دائماً، فهي للديمومة والاستمرار؛ لأنها نكرة غير متعينة، وهي عائمة، فأحسن العمل اليوم غير أحسنه أمس، وأحسنه غداً غير أحسنه اليوم، وقد ورد في بعض الآثار:” أن من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون”.والقرآن الكريم يؤكد على ذلك، حيث يقول الله تعالى: { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}، ولم يقل: أو يتوقف؛ لأن التوقف داخل في التأخر، وهو الخطوة الأولى نحو التأخر.

(المصدر: صحيفة العرب الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى