كتابات مختارة

كيفية التخلص من المال الحرام

بقلم الشيخ جعفر الطلحاوي

ينبغي أن يتخلص المسلم من المال الحرام بصرفه كله في مصالح المسلمين العامة، وضابطها :كل ما لا يعود نفعه على أحد معين بأن كان نفعه مشاعاً بين المسلمين، كرصف الطرق وإنشاء الجسور وبناء المدارس ودور الأيتام ونحو ذلك كبناء مدرسة أو مستشفى أو إصلاح طريق ونحو ذلك ولا يحل له أن ينتفع به هو وأهله وعياله ولا يحل له أن يحتفظ بهذا المال لأنه اكتسبه من طريق غير مشروع ، وقد نص كثير من أهل العلم على أن التخلص من المال الحرام يكون بالتصدق به من الصحابة معاوية وابن مسعود وممن بعدهم ( ابن تيمية + القرطبي + الغزالي + ابن الجوزي )

سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: [عَنْ رَجُلٍ مُرَابٍ خَلَّفَ مَالًا وَوَلَدًا وَهُوَ يَعْلَمُ بِحَالِهِ، فَهَلْ يَكُونُ الْمَالُ حَلَالًا لِلْوَلَدِ بِالْمِيرَاثِ، أَمْ لَا؟ أَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ : الْقَدْرُ الَّذِي يَعْلَمُ الْوَلَدُ أَنَّهُ رِبًا: يُخْرِجُهُ، إمَّا أَنْ يَرُدَّهُ إلَى أَصْحَابِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَالْبَاقِي لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَبَهَ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُهُ إذَا لَمْ يَجِبْ صَرْفُهُ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ نَفَقَةِ عِيَالٍ. وَإِنْ اخْتَلَطَ الْحَلَالُ بِالْحَرَامِ، وَجُهِلَ قَدْرُ كُلٍّ مِنْهُمَا: جُعِلَ ذَلِكَ نِصْفَيْنِ “[1].

وقال القرطبي عند تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)[2] ما نصه: في [تفسير القرطبي (3/ 366) ” قَالَ عُلَمَاؤُنَا إِنَّ سَبِيلَ التَّوْبَةِ مِمَّا بِيَدِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ الْحَرَامِ إِنْ كَانَتْ مِنْ رِبًا فليردها على من أربى عليه، ومطلبه إِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ وُجُودِهِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِذَلِكَ عَنْهُ. وَإِنْ أَخَذَهُ بِظُلْمٍ فَلْيَفْعَلْ كَذَلِكَ فِي أَمْرِ مَنْ ظَلَمَهُ. فَإِنِ الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَلَمْ يَدْرِ كَمِ الْحَرَامُ مِنَ الْحَلَالِ مِمَّا بِيَدِهِ، فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى قَدْرَ مَا بِيَدِهِ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ، حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنَّ مَا يَبْقَى قَدْ خَلَصَ لَهُ فَيَرُدُّهُ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي أَزَالَ عَنْ يَدِهِ إِلَى مَنْ عُرِفَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ أَوْ أَرْبَى عَلَيْهِ. فَإِنْ أَيِسَ مِنْ وُجُودِهِ تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ. فَإِنْ أَحَاطَتِ الْمَظَالِمُ بِذِمَّتِهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُطِيقُ أَدَاءَهُ أَبَدًا لِكَثْرَتِهِ فَتَوْبَتُهُ أَنْ يُزِيلَ مَا بِيَدِهِ أَجْمَعَ إِمَّا إِلَى الْمَسَاكِينِ وَإِمَّا إلى ما فيه صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى لَا يَبْقَى فِي يَدِهِ إِلَّا أَقَلُّ مَا يُجْزِئُهُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ اللِّبَاسِ وَهُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَهُوَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَقُوتِ يَوْمِهِ، لِأَنَّهُ الَّذِي يَجِبُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ مَنْ يأخذه منه”[3] تفسير القرطبي 3/366.

في المجموع شرح المهذب (9/ 351) : ” قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا كَانَ مَعَهُ مَالٌ حَرَامٌ وَأَرَادَ التَّوْبَةَ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ وَجَبَ صَرْفُهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِ فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَجَبَ دَفْعُهُ إلَى وَارِثِهِ وَإِنْ كَانَ لِمَالِكٍ لَا يَعْرِفُهُ وَيَئِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ كَالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ وَالْمَسَاجِدِ وَمَصَالِحِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِكُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ وَإِلَّا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ فُقَرَاءَ وَإِذَا دَفَعَهُ إلَى الْفَقِيرِ لَا يَكُونُ حَرَامًا عَلَى الْفَقِيرِ بَلْ يَكُونُ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا لِأَنَّ عِيَالَهُ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ فَالْوَصْفُ مَوْجُودٌ فِيهِمْ بَلْ هُمْ أَوْلَى مَنْ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَهُ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ لِأَنَّهُ أَيْضًا فَقِيرٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي هَذَا الْفَرْعِ ذَكَرَهُ آخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ كَمَا قَالُوهُ ونقله الْغَزَالِيُّ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إتْلَافُ هَذَا الْمَالِ وَرَمْيُهُ فِي الْبَحْرِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صَرْفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ “[4]

في مصنف ابن أبي شيبة (4/ 561): “عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: رَجُلٌ أَصَابَ مَالًا مِنْ حَرَامٍ، قَالَ: «لِيَرُدَّهُ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَهْلَهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ، وَلَا أَدْرِي يُنْجِيهِ ذَلِكَ مِنْ إِثْمِهِ»[5]

وفي مصنف ابن أبي شيبة : أنَّ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ زَعَمَ ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَطَاءً فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ غُلَامًا فَأَصَبْتُ أَمْوَالًا مِنْ وُجُوهٍ لَا أُحِبُّهَا، فَأَنَا أُرِيدُ التَّوْبَةَ، قَالَ: «رُدَّهَا إِلَى أَهْلِهَا»، قَالَ: لَا أَعْرِفُهُمْ، قَالَ: «تَصَدَّقَ بِهَا، فَمَا لَكَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَجْرٍ، وَمَا أَدْرِي هَلْ تَسْلَمُ مِنْ وِزْرِهَا أَمْ لَا؟» قَالَ: وَسَأَلْتُ مُجَاهِدًا فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ”[6]

في مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 390) لابن القيم : “مَنْ غَصَبَ أَمْوَالًا ثُمَّ تَابَ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّهَا إِلَى أَصْحَابِهَا أَوْ إِلَى وَرَثَتِهِمْ لِجَهْلِهِ بِهِمْ أَوْ لِانْقِرَاضِهِمْ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ اخْتَلَفَ ..فِي حُكْمِ مَا بِيَدِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ. إلى أن: قَالَ بَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ لِهَذَا وَلَمْ يُغْلِقْهُ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا عَنْ مُذْنِبٍ، وَتَوْبَتُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِتِلْكَ الْأَمْوَالِ عَنْ أَرْبَابِهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمَ اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ كَانَ لَهُمُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَا مَا فَعَلَ وَتَكُونَ أُجُورُهَا لَهُمْ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يُجِيزُوا وَيَأْخُذُوا مِنْ حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِ أَمْوَالِهِمْ وَيَكُونَ ثَوَابُ تِلْكَ الصَّدَقَةِ لَهُ إِذْ لَا يُبْطِلُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ثَوَابَهَا، وَلَا يَجْمَعُ لِأَرْبَابِهَا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ، فَيُغَرِّمُهُ إِيَّاهَا وَيَجْعَلُ أَجْرَهَا لَهُمْ وَقَدْ غُرِّمَ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ كَمَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَحَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً وَدَخَلَ يَزِنُ لَهُ الثَّمَنَ، فَذَهَبَ رَبُّ الْجَارِيَةِ، فَانْتَظَرَهُ حَتَّى يَئِسَ مِنْ عَوْدِهِ، فَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ رَبِّ الْجَارِيَةِ فَإِنْ رَضِيَ فَالْأَجْرُ لَهُ، وَإِنْ أَبَى فَالْأَجْرُ لِي وَلَهُ مِنْ حَسَنَاتِي بِقَدْرِهِ”[7] وممن ذهب إلى هذا معاوية رضي الله عنه في مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 391) لابن القيم : “وَغَلَّ رَجُلٌ مِنَ الْغَنِيمَةِ ثُمَّ تَابَ فَجَاءَ بِمَا غَلَّهُ إِلَى أَمِيرِ الْجَيْشِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ وَقَالَ: كَيْفَ لِي بِإِيصَالِهِ إِلَى الْجَيْشِ وَقَدْ تَفَرَّقُوا؟ فَأَتَى حَجَّاجَ بْنَ الشَّاعِرِ فَقَالَ: يَا هَذَا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْجَيْشَ وَأَسْمَاءَهُمْ وَأَنْسَابَهُمْ، فَادْفَعْ خُمُسَهُ إِلَى صَاحِبِ الْخُمُسِ وَتَصَدَّقْ بِالْبَاقِي عَنْهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ يُوصِلُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ أَوْ كَمَا قَالَ فَفَعَلَ، فَلَمَّا أَخْبَرَ مُعَاوِيَةَ قَالَ: لَأَنْ أَكُونَ أَفْتَيْتُكَ بِذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نِصْفِ مُلْكِي.”[8] لقد تلهف – أمير المؤمنين معاوية – إذا لم يخطر له ذلك. هذا وللحديث بقية بحول الله وقوته .

———————————————————

[1] الفتاوى الكبرى لابن تيمية (1/ 479) مجموع الفتاوى (29/ 307)

 [2] سورة البقرة الآية 297.

 [3] تفسير القرطبي (3/ 367)

 [4] المجموع شرح المهذب (9/ 351)

 [5] مصنف ابن أبي شيبة (4/ 561)

 [6] مصنف ابن أبي شيبة (4/ 561)

 [7] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 391)

 [8] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 391)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى