متابعات

كورونا وإيجار المساكن والمحال.. الجزيرة نت تنشر فتوى شرعية لمجموعة من الفقهاء

كورونا وإيجار المساكن والمحال.. الجزيرة نت تنشر فتوى شرعية لمجموعة من الفقهاء

ضمن تغطيتها لجائحة فيروس كورونا المستجد، تنشر الجزيرة نت فتوى شرعية أصدرها عدد من الفقهاء بشأن عقود إيجار الدور السكنية والمحال التجارية في هذه الظروف.

فقد ترتب على قرارات الحظر الكلي أو الجزئي إغلاق كثير من الشركات والمحال التجارية وتعطل كثير من أهل المهن والحرف والصناعات والتجارة، مما أدى إلى ترك الآلاف خاصة في القطاع الخاص لأعمالهم، والشريحة الأكبر منهم موظفون وعمال عند أصحاب الشركات والتجارات، ومنهم من يؤجر البيوت والشقق للسكنى، أو يؤجر المحال التجارية من أصحابها، وعجز غالبهم عن دفع إيجار الشقق والمحال التجارية لتعطل الحركة التجارية.

فما الحكم الشرعي في عقود الإجارة في هذه الحالة؟ وهل يمكن أن تسقط بالكلية؟ أو يجوز أن تخفض الأجرة بنسبة وكيف تحتسب؟ وكيف ينظر إلى الضرر الواقع على أصحاب الدور السكنية والمحلات التجارية؟ وكيف يتحقق العدل بين المؤجر والمستأجر بهذا الظرف الاستثنائي؟

الحكم الفقهي
يوصي العلماء بأن الأصل في الشريعة الوفاء بأحكام عقد الإيجار مادام قد تم بأركانه وشروطه وانتفت الموانع عنه، وذلك لوجوب عموم الوفاء بالعقود، كما قال الله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].

وهذه الآية جاءت بعد سورة النساء التي احتوت على عدد من العقود نصا، كعقد النكاح والصداق والحلف والمعاهدة، أو ضمنا مثل عقد الوصية والوديعة والوكالة والعارية والإجارة، وغير ذلك. فجاء هنا الأمر بالوفاء بها، وبكل العقود التي تكون بين المسلمين فيما بينهم، وبين المسلمين وغيرهم. (راجع: تناسق الدرر في تناسب السور المسمى: أسرار ترتيب القرآن، للسيوطي، ص:77).

وقد استقر الرأي عند الفقهاء في أحكام الإجارة من استحقاق الأجرة للمؤجر، وتملك منفعة العين المؤجرة للمستأجر، وذلك لما أخرجه أبو داود وغيره من قول النبي صلى الله عليه وسلم “المسلمون عند شروطهم”.

وهذا الحكم في الظروف العادية، أما في الأمور الاستثنائية من الطوارئ والجوائح التي لا دخل للإنسان فيها، أو ما يعرف بالجوائح السماوية، والتي تحول بينه وبين مقصد العقد، فالحكم في الظروف الاستثنائية يختلف عن الحكم في الظروف العادية، وهو كالآتي:


مطاعم سياحية بمنطقة البتراء الأردنية في ظل قرارات الإغلاق العام (الجزيرة نت)
مطاعم سياحية بمنطقة البتراء الأردنية في ظل قرارات الإغلاق العام (الجزيرة نت)

الحالة الأولى: لا تأثير
إن كان المؤجر في ظل جائحة كورونا لم يتأثر بتلك الجائحة، ولم يتغير فيها وضعه مطلقا، بل أحيانا قد يكون كسبه أكبر من الأوقات العادية، وذلك مثل الموظفين في الهيئات الحكومية وغيرها من الذين يقبضون رواتبهم مع بقائهم في بيوتهم، أو يعملون في بيوتهم عبر الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل المختلفة، وكذلك أصحاب المهن والحرف الذين سمحت لهم الدولة بالعمل في قطاع الخدمات التي لا يستغني عنها الناس، كالقطاع الطبي والقطاع الغذائي، ولم يتأثروا بالجائحة، فهؤلاء وجب عليهم دفع الأجرة سواء في السكنى أو المحال التجارية، فإن خفض المؤجر شيئا مراعاة للظرف العام، فهو من باب الفضل منه، ويؤجر عليه إن شاء الله تعالى.

الحالة الثانية: المتضررون جزئيا
من أصحاب المهن والأعمال الخاصة التي سمحت لهم الدولة بالعمل، لكن لما كانوا يعملون في القطاع الخاص، والغالب أنه قد تضرر، فيلجأ بعض أصحاب الأعمال إلى تخفيض الأجور والرواتب في ظل هذه الظروف، إن كانوا قد تضرروا بالفعل، ولم يكونوا يأخذون تعويضا من الدولة، كما هو الحال في بعض الدول التي تعوض المتضررين من أصحاب العمال.

فإن كان أصحاب الأعمال يأخذون تعويضات من الدولة فيجب عليهم دفع كامل الأجرة للعمال، وساعتها يجب على العمال دفع كامل الأجرة في إيجار السكنى، فإن كان يخصم منهم من قبل أصحاب الأعمال، وقد انخفضت أجورهم -أثناء هذا الجائحة- ففي هذه الحالة تخفض الأجرة على قدر الضرر اللاحق بهم، ويمكن للدولة أو القضاء أن يقيم الضرر الحاصل، فيلزم بتخفيض أجرة السكنى على قدر الضرر الحال، أو يكون ذلك ابتداء من المؤجر بناء على القاعدة الفقهية المقررة “لا ضرر ولا ضرار”فإن في تخفيض الأجرة في هذه الحالة رفع الضرر عن طرفي العقد.

ويستأنس لهذا الرأي بقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “إذا استأجر ما تكون منفعة إيجاره للناس، مثل الحمام والفندق والقيسارية ونحو ذلك. فنقصت المنفعة المعروفة مثل أن ينتقل جيران المكان ويقل الزبون لخوف أو خراب أو تحويل ذي سلطان لهم ونحو ذلك، فإنه يحط من المستأجر من الأجرة بقدر ما نقص من المنفعة المعروفة”. والله أعلم، مجموع الفتاوى (30/ 311).

كما يمكن في هذه الحالة أن يتراضى الطرفان على فسخ العقد -خاصة في حالة المحلات التجارية- دون التزام بالمدة المتفق عليها في العقد بسبب الجائحة، قال ابن قدامة في (المغني) (5/ 338-339) “أن يحدث خوف عام، يمنع من سكنى ذلك المكان الذي فيه العين المستأجرة، أو تحصر البلد، فيمتنع الخروج إلى الأرض المستأجرة للزرع، ونحو ذلك، فهذا يثبت للمستأجر خيار الفسخ؛ لأنه أمر غالب يمنع المستأجر استيفاء المنفعة، فأثبت الخيار، وإن أحب إبقاءها إلى حين إمكان استيفاء المنفعة جاز؛ لأن الحق لهما، لا يعدوهما”.

ويقرر الفقيه الحنفي الكاساني في (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع) (4/ 197)” أن إنكار الفسخ عند تحقق العذر خروج عن العقل والشرع، و”إن العذر قد يكون في جانب المستأجر، نحو أن يفلس، فيقوم من السوق أو يريد سفرا أو ينتقل من الحرفة إلى الزراعة أو من الزراعة إلى التجارة أو ينتقل من حرفة إلى حرفة؛ لأن المفلس لا ينتفع بالحانوت فكان في إبقاء العقد من غير استيفاء المنفعة إضرار به ضررا لم يلتزمه العقد فلا يجبر على عمله”.

وقد جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي رقم 23 (7/5) حول موضوع (الظروف الطارئة وتأثيرها في الحقوق والالتزامات العقدية):

وجد المجمع، في مقاييس التكاليف الشرعية، ومعايير حكمة التشريع، أن المشقة التي لا ينفك عنها التكليف عادة بحسب طبيعته، كمشقة القيام في الصلاة، ومشقة الجوع والعطش في الصيام، لا تسقط التكليف، ولا توجب فيه التخفيف، ولكنها إذا جاوزت الحدود الطبيعية للمشقة المعتادة في كل تكليف بحسبه، أسقطته أو خففته، كمشقة المريض في قيامه في الصلاة، ومشقته في الصيام، وكمشقة الأعمى والأعرج في الجهاد، فإن المشقة المرهقة عندئذ بالسبب الطارئ الاستثنائي، توجب تدبيرًا استثنائيًّا يدفع الحد المرهق منها.

وقد نص على ذلك وأسهب في بيانه، وأتى عليه بكثير من الأمثلة في أحكام الشريعة الإمام أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله في كتابه (الموافقات في أصول الشريعة). فيتضح من ذلك أن الخسارة المعتادة في تقلبات التجارة لا تأثير لها على العقود، لأنها من طبيعة التجارة وتقلباتها التي لا تنفك عنها، ولكنها إذا جاوزت المعتاد المألوف كثيرًا، بمثل تلك الأسباب الطارئة الآنفة الذكر، توجب عندئذ تدبيرًا استثنائيًّا.

ويقول ابن القيم رحمه الله في كتابه (إعلام الموقعين) “إن الله أرسل رسله، وأنزل كتبه، بالعدل الذي قامت به السماوات والأرض، وكل أمر أخرج من العدل إلى الجور، ومن المصلحة إلى عكسها، فليس من شرع الله في شيء، وحيثما ظهرت دلائل العدل وأسفر وجهه فثم شرع الله وأمره) اهـ . وقصد العاقدين، إنما تكشف عنه وتحدده ظروف العقد، وهذا القصد لا يمكن تجاهله والأخذ بحرفية العقد، مهما كانت النتائج، فمن القواعد المقررة في فقه الشريعة (أن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني). ا.هـ

ما جاء في (البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري) (8/ 15): “وفي الخلاصة: تكارى على دخول عشرين يوما إلى موضع كذا فما دخل إلا في خمسة وعشرين يوما. قال: يحط عنه من الأجرة بحساب ذلك ويستقيم على قول أبي يوسف ومحمد”. ا.هـ

ومما ورد من حط أجرة العامل ما جاء في الكتاب السابق (8/ 31): “وفي المضمرات وإذا ضمن عندهما إن كان الهلاك قبل العمل ضمن قيمته غير معمول ولا أجر عليه، وإن كان بعد العمل فرب الثوب إن شاء ضمنه قيمته غير معمول ولا أجر عليه وإن شاء أعطاه قيمته معمولا ويعطيه أجرته، قال في شرح الطحاوي معناه يحط عنه قدر الأجرة”.ا.هـ

الحالة الثالثة: أن يصبح الإنسان بلا مال مطلقا
وهنا نفرق بين إجارة الدور السكنية، وإيجار المحال التجارية.

(أ‌) فمن من عجز عن دفع إيجار الدور السكنية، لتوقف عمله، أو لعدم تقاضيه راتبه بالكلية، فإن كان له مال غير الراتب؛ وجب عليه دفع الإيجار مما يدخر من ماله؛ رعاية لحق صاحب السكنى، وإن لم يكن له مال يدفع به إيجار السكنى؛ فقد أصبح فقيرا؛ فيأخذ من مال الزكاة ما يكفيه من دفع الأجرة والنفقة على عياله؛ حتى ترتفع الجائحة عنه؛ لأنه أصبح من أهل الزكاة، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60].

على أن صاحب السكنى لا يحل له أن يسقط الأجرة من مال الزكاة على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ إن كان موسرا. قال ابن نجيم الحنفي في (البحر الرائق) (2/ 217): “قال في الكشف الكبير في بحث القدرة الميسرة الزكاة لا تتأدى إلا بتمليك عين متقومة حتى لو أسكن الفقير داره سنة بنية الزكاة لا يجزئه؛ لأن المنفعة ليست بعين متقومة. اهـ. لكن له أن يملكه زكاة سنة، وللمستأجر أن يدفع له الأجرة بعد التملك.

 فأما إن كان معسرا؛ فله إسقاط الأجرة من مال الزكاة على ما ذهب إليه بعض الفقهاء كالحسن البصري وعطاء وابن حزم، وغيرهم. قال ابن حزم في (المحلى بالآثار) (4/ 224): “ومن كان له دين على بعض أهل الصدقات -وكان ذلك الدين برا، أو شعيرا، أو ذهبا، أو فضة، أو ماشية- فتصدق عليه بدينه قبله، ونوى بذلك أنه من زكاته أجزأه ذلك، وكذلك لو تصدق بذلك الدين على من يستحقه وأحاله به على من هو له عنده ونوى بذلك الزكاة فإنه يجزئه”.ا.هـ

وممن قال بصحة احتساب الدين من الزكاة من المعاصرين، سماحة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله في فتواه بعنوان “إسقاط دين المعسر واحتسابه من الزكاة” حيث قال “يجوز إسقاط الدين عن المعسر واحتسابه من الزكاة؛ لأنَّ الفقيرهو المنتفع في النهاية بالزكاة…”.

على أن القول باحتساب الدين -الأجرة- من الزكاة مرجح هنا في مثل هذه الحالة التي يعيشها الناس، وقد يكون حلا، يراعى فيه حال المؤجر وحال المستأجر، وهو هنا من تمام العدل.

وإن كان الأولى أنه يستحب في مثل هذه الحالة أن يسقط صاحب الدار الأجرة على المستأجر؛ من باب الصدقة وعون المحتاج، وهو باب واسع لنيل الثواب من الله تعالى.

(ب) أما المحلات التجارية، التي أفلس أصحابها، ولم يعودوا قادرين على دفع ثمن الإيجار؛ فلهم فسخ العقد، ولصاحب المحلات التجارية أن يعفو عنهم تلك الشهور التي لا يعملون فيها ويبقي على مدة العقد، أو أن يعلن صاحب التجارة إفلاسه، فيأخذ أحكام الإفلاس من عدم التصرف في ماله، ويوزع بين الغرماء، وأنه لا يطالب بدين جديد بعد الحكم عليه بالإفلاس من قبل القضاء، وجواز بين ماله وقسمته بين الغرماء إن ظهر له. (راجع شرح منتهى الإرادات) (278/2) والمغني لابن قدامة (4/ 306) فما بعدها.

بل ورد في الشرع ما يؤيد إسقاط ثمن أجرة الإجارة في المحلات التجارية، وهو المفهوم من حديث جابر رضي الله عنه: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بعت من أخيك ثمرا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟». وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح. هذه رواية مسلم وأبي داود والنسائي. إلا أن أبا داود زاد في أول الرواية الثانية أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين، ووضع الجوائح.

وفي أخرى للنسائي قال: “من باع ثمرا فأصابته جائحة، فلا يأخذ من أخيه شيئا، علام يأكل أحدكم مال أخيه المسلم؟”.

على أن صاحب التجارة إن أفلس مطلقا، ولم يعد عنده مال لتجارته ولا للنفقة على أهله، ولم يكن عنده مال آخر، فهو فقير؛ يستحق الزكاة، ويلحق بالفقراء والمساكين في الحكم.

والحق أن ما قاله الفقهاء من فسخ عقد الإجارة، أو تنقيص أجرته ليس نصا في النازلة الموجودة الآن، لأن غالب الأعذار المتكلم عنها في فسخ العقد أو إنقاص الأجرة إنما يتعلق بالعين، وهذا غير حاصل في الحالة المنتشرة التي نتحدث عنها، فالعين باقية، ولا دخل للمنفعة في المسألة، وإنما هي أثر الجائحة في الكسب الذي هو وسيلة لدفع الأجرة، وإنما يستفاد من كلام الفقهاء القدامى في اتباع المنهج الذي وضعوه في التعامل مع أثر الجائحة من تغيير بنود العقد اللازم، أو فسخه.

ولكن هذا لا يمنع من اجتهاد جديد، يراعي الظرف الاستثنائي بما يقع على المستأجر من ضرر الجائحة من جهة، وبما يحفظ حق المؤجر من جهة أخرى.

بناء على (نظرية الجوائح) وهي مقررة في الشريعة، قال ابن عبد البر في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (2/ 195-196): “وممن قال بوضع الجوائح هكذا مجملا أكثر أهل المدينة، منهم يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس وأصحابه، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وبوضع الجوائح كان يقضي رضي الله عنه، وبه قال أحمد بن حنبل وسائر أصحاب الحديث وأهل الظاهر، إلا أن مالكا وأصحابه وجمهور أهل المدينة يراعون الجائحة ويعتبرون فيها أن تبلغ ثلث الثمرة فصاعدا”.

وحل هذا هو إعادة النظر إلى ثمن الأجرة في الإجارة من قبل الدولة، خاصة أن غالب المؤجرين يرفعون سعر الإيجار قبل الجائحة، فوجب تدخل الدولة من ضبط ثمن إيجار الدور السكنية والمحلات التجارية بما يحقق العدل ابتداء، وبما يراعي الظروف الاستثنائية للعاطلين عن العمل، ولو أدى ذلك إلى إيقاف الأجرة بضعة أشهر؛ مراعاة لما يمر به الناس من ظروف استثنائية؛ شريطة أن يكون ذلك وفق دراسة شاملة، وأن يكون صادرا من السلطة التنفيذية التي تلزم الجميع بما تراه أوفق وأصلح للأطراف جميعا.

مع الوضع في الاعتبار حال المؤجرين غير الميسورين، من جهة عدم التسرع في إسقاط الأجرة عن كل مستأجر، ومن جهة أخرى سعي الدولة إلى تعويضهم بما وقع عليهم من ضرر.

ومما يتعلق خاصة بالمحلات التجارية أنه من المعلوم أن الأجرة تكون مقابل المنفعة، وقد حيل بين المستأجر وبين الانتفاع بالمحلات التجارية؛ فتسقط الأجرة هنا عن المستأجر، لكن ينظر لمن تسبب في عدم الانتفاع بالمحلات التجارية، وهي الدولة، فيكون واجبا على الدولة تعويض أصحاب المحلات التجارية، وتسقط الأجرة على من حيل بينهم وبين تجارتهم ومحلاتهم المستأجرة.

كما أنه من الواجب على الدولة الوضع في الاعتبار التفريق بين حال المستأجرين من كونهم شخصية اعتبارية؛ كالهيئات والشركات الكبرى، وبين الأشخاص العاديين، وأن تكون هناك دراسة وافية؛ لتحقيق العدل من جهة، ومن مراعاة الظرف الاستثنائي من جهة أخرى.

على أنه لا يجوز للمؤجر إخراج المستأجر بالقوة من السكن في ظل هذه الظروف تحت دعوى عدم دفع الأجرة؛ فإن الظروف الطارئة لها أحكامها الخاصة التي لا تقاس على الأحوال العادية التي تبنى على العزائم، هذه من الناحية الشرعية، أما من الناحية القانونية فلا يصح للمؤجر إخراج المستأجر إلا بما يعرف بالإجلاء القانوني، وذلك من خلال رفع دعوى قضائية تحكم له، بناء على أسباب الإخلاء القانونية.


قرارات الحظر الكلي أو الجزئي ترتب عليها إغلاق الشركات والمحال التجارية (الجزيرة)
قرارات الحظر الكلي أو الجزئي ترتب عليها إغلاق الشركات والمحال التجارية (الجزيرة)

الخلاصة:
يجب النظر في الاجتهاد في هذه النازلة بناء على تحقيق العدل بين طرفي العقد من المؤجر والمستأجر، فالجائحة أضرت بالجميع من أصحاب الدور والمحلات والمستأجرين.

فالمستأجر الذي لم يتضرر من الجائحة؛ يجب عليه أن يدفع كامل الأجرة بلا نقصان، إلا أن يتفضل المؤجر عليه.

من تضرر جزئيا، أو كليا، ينظر إلى كل شخص حسب حاله، ففي حالة التضرر الجزئي؛ تخفض الأجرة، وفي حالة التضرر الكلي يفرق بين من أجر للسكنى، فيكون مستحقا للزكاة إن لم يكن عنده مال؛ فيعطى من مال الزكاة، أو يسقط عنه المؤجر الأجرة من زكاة ماله، وأما المستأجر للمحلات التجارية، فيفسخ العقد بينهما، أو يسقط المؤجر الأجرة عن المستأجر إلى حين رفع البلاء.

الواجب على الدولة تعويض المؤجرين من أصحاب الدور والمحلات التجارية، فليس كل صاحب عقار غنيا، بل ربما بعضهم يقتات مما يملك من البنيات السكنية والمحلات التجارية، كما أنهم لا ذنب لهم في حصول الضرر الواقع عليهم.

الفقهاء الموقعون على الاجتهاد:
1. أ.د/محمد عثمان شبير، الأستاذ بكليات الشريعة، بالإمارات وقطر والإمارات والسعودية، والفقيه الاقتصادي.

2.أ.د/إبراهيم عبد الرحيم، أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، والوكيل الأسبق بالكلية.

3.أ.د/أحمد جاب الله، مدير المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في باريس ونائب رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا.

4.أ.د محمد العصيمي، الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الكويت.

5.د. بدر القاسمي، نائب رئيس مجمع الفقه بالهند.

6.أ.د/جاسر عودة، عضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث وعضو المجمع الفقهي بأميركا الشمالية.

7.أ.د/خالد حنفي، الأمين العام المساعد للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ورئيس هيئة الفتوى بألمانيا.

8.أ.د/عبد الرحمن الطواب، أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم جامعة المنيا، وماليزيا.

9.الشيخ سالم الشيخي، عضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ورئيس لجنة الفتوى ببريطانيا، وخبير بمجمع فقهاء أميركا الشمالية.

10.أ.د/ماجد درويش، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الجنان والجامعة اللبنانية.

12.الشيخ ونيس المبروك، المشرف العام لأكاديمية الإمام مالك، المدرس بالمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية بباريس.

13.أ.د/ إسماعيل علي، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف.

14. د. هشام طاهري، مستشار وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت.

15.أ.د حاتم عبد العظيم، أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم جامعة الفيوم.

16. د. إبراهيم مهنا، عضو هيئة علماء فلسطين بالخارج.

17. أ.د/ محمود حسين، الأستاذ بجامعة الأزهر.

18.أ.د/ مسعود صبري، الباحث بالموسوعة الفقهية، عضو مجمع الفقه بالهند.

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى