تقارير وإضاءات

كتب الإصلاحيين.. الصوت المحجوب عن معرض الرياض 2019

كتب الإصلاحيين.. الصوت المحجوب عن معرض الرياض 2019

“معرض الرياض: غياب الصحوة وحضور الشابات في جوار الشبان”، تحت هذا العنوان جاء مقال الكاتب السعودي زكي الصدير في جريدة العرب اللندنية معبرا عن التفاخر العلماني بغياب حس الصحوة الإسلامية عن معرض الرياض الدولي للكتاب في دورة 2019، (من 13 حتى 23 من مارس/آذار الجاري).

لم تكن هذه النزعة العلمانية في الخطاب السعودي عن معرض الكتاب، بعيدة  عن سياق الخطاب العام المسيطر على المملكة عموما منذ صعود نجم ولي العهد الجديد الأمير محمد بن سلمان وتحكمه في مفاصل الدولة، آخذا بزمامها نحو التحرر، بعيدا عن هويتها وأصولها وجذورها الإسلامية.

لم يكن مفاجئا خلو المعرض من كتب قادة فكر ورأي سعوديين كانوا ملئ السمع والبصر من قبل، والآن معتقلين ومغيبين خلف الأسوار، أمثال سفر الحوالي، وسلمان العودة، وعوض القرني، والصحفي المغدور به جمال خاشقجي (قتله رجال بن سلمان في قنصلية المملكة بإسطنبول 2 أكتوبر/تشرين أول 2108) وغيرهم العشرات، ممن يحملون مشاعل فكر مضيئة وإصلاحية للمجتمع السعودي.

حالة تشفي

في 21 من مارس/آذار 2019، وفي صحيفة العرب اللندنية، كتب الصحفي زكي الصدير، قائلا: “الآن، أصبحنا نواجه هذه الكتب على أرفف المعرض علانية دون خوف أو توجّس، بل إن إحصائيات النشر تخبرنا بأن كتب نقد الفكر الديني المتشدد وفضائحيات تيار الصحوة وحقوق المرأة في السعودية أصبحت هي الكتب الأكثر مبيعا وحضورا”.

قبل مقال الصدير بـ3 أيام، وفي 18 مارس/آذار الجاري، نشرت ذات الجريدة مقالين في نفس التوجه وذات السياق، أحدهما كتبه الصدير أيضا قائلا: “منع الكتاب وتغييب المرأة كانا عنوانين كبيرين في معارض الرياض السابقة، حيث تغيب الكثير من العناوين العربية والعالمية تحت مقص الرقيب القاطع، وأيضا تغيّب المرأة بعيدا عن الفعاليات الثقافية جراء تسلّط جماعة الصحوة الإسلامية المتشددة، منع كتب ليس عليها محاذير ولا تتعارض مع الثوابت”.

مضيفا أنه “يريد المزيد من الحرية الليبرالية في مقابل استمرار إخفاء تسلّط جماعة الصحوة الإسلامية المتشددة”.

الأفكار الأحادية

أما الصحفي السعودي عمر علي البدوي فكتب في نفس الجريدة، وفي نفس اليوم قائلا: “فيما مضى وقبل أن تنقشع غمامة الأفكار الأحادية عن المجتمع السعودي، كان معرض كتاب الرياض موسما محموما بالخلافات، ومنصة للالتحامات بين تيارات فكرية اشتركت لسنوات في تأزيم المشهد الثقافي السعودي وشلّه بالخلافات التي تضطر معها الجهات الأمنية للتدخل وفض الاشتباك وإعادة الأمور لنصابها”.

مستطردا “وقد تحوّل هذا الموسم الثقافي السنوي نتيجة لذلك من مناسبة محورية لإذكاء الوسط الفكري والحراك المحلي إلى صداع مزمن في جدول المدينة العاصمة وحساباتها”.

وتابع: “وبرغم ما للجدل من فضل على إثراء الحالة الثقافية لكل بلد، لكنها وخلال السنوات الفائتة كانت تخرج عن السياق تماما وتقدم وجبات مسمومة بالخلاف، تعيق جريان الحالة الثقافية وتعطل الكثير من فرص نموّها وتطورها السليم والموضوعي”.

وأخيرا يقول الصحفي السعودي حسين شبكشي في جريدة عكاظ: “هذا الدور الرقابي العتيق، عفى عليه الزمن ومضى ولا مكان له في عصر تحميل كل النصوص (المحظورة) على الهاتف الجوال في لمح البصر، ولا يتناسب أبدا مع توجه السعودية ورؤيتها الجديدة. معرض الرياض الدولي للكتاب يواصل نجاحاته وإثراء للعقلية والثقافة، كل الأمل أن تتم إزالة المتناقضات والتعقيدات من طريقه”.

وفي حين يتباكى العلمانيون في المملكة على كتاب وآخر لا يجدونه في المعرض، عبر نصف مليون عنوان، جميعها توافق توجهات النظام الحاكم، أو ليس لها موقف ضده، أو متخصصة علميا، لا تجد كتابا لمؤلف يعارض الفكر والتوجه الرسمي للنظام، وتوجه ورؤية بن سلمان 2030.

نسخة 2018

ما شهده معرض الكتاب في 2019 كان النسخة الأشد سوءا من معرض الرياض للكتاب 2018، الذي كتب عنه خاشقجي في مقال نشر بـ “واشنطن بوست” قائلا: “في المملكة العربية السعودية في الوقت الحالي، لا يجرؤ الناس ببساطة على الكلام. فقد شهدت البلاد تشكيل قائمة سوداء تضم أولئك الذين يجرؤون على رفع أصواتهم، وسجن المعتدلين من مفكرين منتقدين وعلماء الدين، والقمع المزعوم ضد أفراد العائلة المالكة ورجال الأعمال الآخرين، بحجة مكافحة الفساد”.

خاشقجي أضاف “الليبراليون الذين تم فرض الرقابة عليهم أو حظرهم من قبل المتشددين الوهابيين تبادلوا الأدوار، وهم الآن يحظرون ما يرونه متشددا، مثل الرقابة على الكتب المختلفة في معرض الرياض الدولي للكتاب (2018). يمكن للمرء أن يصفق لمثل هذا التغيير الكامل. لكن ألا يجب علينا أن نطمح إلى السماح بفتح محافل تبادل الأفكار؟”.

الكاتب الراحل كان يرى بوجوب “أن يتمتع جميع المواطنين بالحق في التعبير عن آرائهم دون خوف من السجن. لكن استبدال تكتيكات عدم التسامح القديمة بطرق جديدة للقمع ليس هو الحل”.

مستقبل غامض

ومع غياب أجواء الحرية عن أكبر معارض المنطقة العربية، لا السعودية فحسب، بحسب مدير المعرض عبد الله الكناني، لم تتوفر رؤية كاملة أو عملية لدى المشرفين على المعرض حول سبل مواجهة ظاهرة تغلب الكتاب الإلكتروني ودفعه الكتاب الورقي جانبا، وهو ما يهدد المعارض العربية والأجنبية.

وبينما يعكف الغرب في البحث عن حلول لهذه المعضلة، تحتفي السعودية بخدمة النقل الترددي والخدمات الإلكترونية التي شملت التسجيل عبر تطبيق المعرض الذي سهل على الزائر الوصول إليه في أقل مدة وبأسهل طريقة.

“وإضافة إلى المتجر الإلكتروني الذي سهل عملية الشراء وإيصال الكتاب المختار إلى أماكن المشترين في مختلف مناطق السعودية ومحافظاتها.. بلغ عدد عمليات الشراء من خلال هذا المتجر أكثر من 48000 عملية شراء”.

وإن كان الرقم المذكور للكتب الإلكترونية ليس قليلا، إلا أن الكناني لم يذكر لا سبل ولا أدوات ولا منهجية تطوير صناعة إلكترونية تهدد المعرض الذي يديره بالتلاشي تدريجيا مع الزمن لحساب الكتاب المعروف بالـ”بي دي إف”.

القادم أسوأ

معرض الرياض في دورته الأخيرة والذي أقيم بمركز الرياض الدولي للمؤتمرات والمعارض، تحت شعار “الكتاب بوابة المستقبل”، شاركت فيه 913 دار نشر عربية وأجنبية، وحضره، بحسب تصريحات مديره عبد الله الكناني مليون ومائتي ألف شخص، وشاركت فيه 30 دولة.

ورغم أن المعرض نظم أكثر من 200 فعالية مختلفة بين ندوات وورش عمل وعروض سينمائية وأمسيات شعرية، لكن خلت جميعها من أي صوت معارض أو وجهة نظر مخالفة لتوجهات الحكم الجديد في المملكة.

ما حدث في المعرض لم يكن أمرا شاذا ولا استثناء للقاعدة في حقبة بن سلمان الجديدة، فمع تصدره قيادة المشهد بالمملكة، توالت القرارات المتسقة مع توجهه نحو علمنة الدولة.

سبق المعرض، على المستوى الداخلي إنشاء هيئة للترفيه، وإقامة حفلات غنائية مختلطة، واستقبال قساوسة، وإقامة كنائس ومعابد بالمملكة، ومحاربة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسجن علماء محسوبين على الفكر الوسطي المعتدل، والمؤكد أن القادم أسوأ.


تحميل

 المصادر:

  1. إسدال الستار على معرض الرياض للكتاب.. و”الكناني” يهنئ القيادة بنجاحه ـ سبق الإلكترونية ـ بدون كاتب ـ 23 من مارس/آذار 2019
  2. معرض الرياض: غياب الصحوة وحضور الشابات في جوار الشبان ـ زكي الصدير ـ العرب ـ 21 من مارس/آذار 2019
  3. زوار معرض الرياض الدولي للكتاب يتجاوزون عتبة المليون بنسخة العام ـ بدون اسم كاتب ـ يورو نيوز ـ 24 من مارس/آذار 2019
  4. تحميل عام 1979 كل أسباب المشاكل السعودية… ولي العهد يعيد كتابة التاريخ ـ جمال خاشقجي ـ واشنطون بوست النسخة الإلكترونية العربية ـ 5 من أبريل/نيسان 2018
  5. معرض الرياض للكتاب يسدل الستار عن فعالياته .. وسط حضور تجاوز المليون ومئتي ألف زائرـ المواطن الإلكترونية السعودية نقلا عن وكالة الأنباء السعودية (واس) 24 من مارس/آذار 2019
  6. معرض الكتاب في الرياض بين ذاكرتين: الرقيب والمرأة ـ زكي الصدير ـ جريدة العرب ـ 18 من مارس 2019
  7. معرض الكتاب ونهاية “الاحتساب” ـ عمر علي البدوي ـ جريدة العرب ـ 18 من مارس/آذار 2019
  8. معرض الرياض للكتاب.. بين الثقافة والإعلام!ـ حسين شبكشي ـ جريدة إيلاف الإلكترونية نقلا عن عكاظ ـ 18 من مارس/آذار 2019
  9. إسدال الستار على معرض الرياض للكتاب.. و”الكناني” يهنئ القيادة بنجاحه ـ سبق الإلكترونية ـ بدون كاتب ـ 23 من مارس/آذار 2019

(المصدر: صحيفة الاستقلال الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى