تقارير المنتدىتقارير وإضاءاتكتب وبحوث

قراءة في كتاب (الفصل بين السلطات .. مقاربة تأصيلية شرعية) للدكتورة سهام داوي

قراءة في كتاب (الفصل بين السلطات .. مقاربة تأصيلية شرعية) للدكتورة سهام داوي

 

(خاص بالمنتدى)

عرف البحثُ في السّياسةِ الشّرعيةِ توسُّعًا في العصرِ الحاضرِ بما استفاده من أحكامِ القرآنِ الكريمِ الكلّيةِ، وتفصيلاتِها الواردةِ في السُّنةِ النبويةِ، والمنهجِ الذي سارَ عليه الخلفاءُ الراشدون في الاجتهادِ، وما سبقَ إليه القدماءُ من تأليفٍ دقيقٍ في مسائلِ الحكمِ ومتعلّقاتِه، مع الاستئناسِ بالدراساتِ المعاصرةِ في القانونِ الدستوري، وتطبيقاتِها في الدولِ الغربيةِ على تفاوتٍ بينها.

ولقد تضمنتِ الشريعةُ الإسلاميةُ أحكامَ المكلّفين في عباداتِهم، ومعاملاتِهم، كما تولّت تنظيمَ أحوالِ العبادِ في نطاقِ الدولةِ عن طريقِ سلطةٍ تسهرُ على تحسينِ معاشِهم، وتدبيرِ شؤونِهم، ومنعِ الظلمِ فيما بينهم، ونالت السّياسةُ الشّرعيةُ من الاهتمامِ الكثيرَ قديمًا وحديثًا في مباحثِ الإمامةِ، والشورى، وحقيقةِ السّيادةِ والسّلطةِ، غير أنّ بعضَ النوازلِ الاصطلاحية -بالنظر إلى وجود أصولها في الممارسة الإسلامية-، وعلى رأسِها مبدأُ »الفصلِ بين السُّلطاتِ« الذي يُعتبرُ من المصطلحات الدستورية المفتقرة للحكمِ الشرعي، والتكييفِ الإسلامي، يحتاجُ إلى المزيدِ من الاهتمامِ: توضيحا، وتفصيلا وتأصيلا، من حيث التخريجُ الفقهي لهذا المبدأ، وإمكانية تطبيقه في أنظمة الحكم المعاصرة في الدول الإسلامية، وهو ما دفعنا إلى الاهتمام به من أجل الإسهام في تجليتِه عبر هذه المقاربة الشرعية المقاصدية.

ولقد عُني الداعون إلى إعادةِ بعثِ الأمّةِ الإسلاميةِ من سباتِها العميقِ بالبحثِ في التراثِ الإسلامي، وتجديدِ ما تقادمَ منه حتّى يتناسبَ ومتطلّباتِ العصرِ، وخاصة منه ما تعلّقَ بالقضايا السياسيةِ، وما ناسبها من مقاصدِ الشريعةِ، »حيث بدت (قضية مقاصدِ الشريعة) وكأنّها المفتاحُ لحلِّ كلِّ مشكلات وتعقيداتِ هذا العصرِ، بسببِ ما توفّره من مرونةٍ وقابليةٍ لاستيعابِ ومواكبةِ مختلفِ التطوّراتِ الفكريةِ والسياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ، منذ نشأتِها ضمن مبحثِ العلّةِ في القياسِ الأصولي، إلى تطوّرِها لتصبحَ مشروعاً لعلمٍ مستقلٍّ عن علمِ أصولِ الفقهِ«، فالنظرُ المقاصدي يقودُنا إلى فهمِ قضايا السياسةِ الشرعيةِ القابلة للتغيّرِ بمختلفِ فروعها ومجالاتِها العديدةِ، وعلى رأسِها الجوانبُ الدستوريةُ، وهذا من صميم ما نحنُ بصددهِ من المقاربةِ الشرعية المقاصديةِ لمبدأ الفصل بين السلطات.

أهمية الموضوع وسبب اختياره:

إنّ هذا الموضوع من الأهمية بمكان، فلا تخفى محوريّته في ممارسة السلطةِ بمختلفِ أنواعها، ولذلك فقد أقبلتُ عليه تحت إلحاحِ الرغبة في:

  • توسيع نطاقِ التأليفِ والاجتهادِ في الفقهِ الدستوري الإسلامي بما يلبّي الحاجةَ المتجددةَ لذلك.
  • بيان طبيعةِ النظامِ السّياسي الإسلامي، وأُسسِه، وقواعدِه الثابتةِ، وتطبيقاتِه، وتنظيماتِه التفصيليةِ المرنةِ الموافقة لاختلافِ الزمانِ والمكانِ دون التأثير على أصول هذا النظام.
  • إزالة شبهةِ إفلاسِ نظامِ الحكمِ السياسي الإسلامي، وبيان ثرائِه التنظيري والتطبيقي مع الفسحةِ في الاجتهادِ بما يخدمُ العبادَ ويحقّقُ مصالحَهم.
  • ردّ ما كرّسه العلمانيون من فصلِ الدّين عن الدولةِ، وأنّ سلطةَ النبي صلى الله عليه وسلم كانت دينيةً محضةً، وإثبات التقاءِ الدين بسياسةِ الدنيا، وقيامِها على مبادئِه.
  • تجلية مفهوم الفصل بين السلطات في ظل الحكم الإسلامي، وإماطة اللثام عن أصوله الفقهية والمقاصدية.
  • تزويد المكتبةِ الإسلاميةِ بمرجعٍ يوضّحُ العلاقةَ بين السُّلطاتِ في النظامِ الإسلامي، ومدى إمكانية وشرعية تطبيقِ الفصلِ بينها.

ويخدُمُ كل ذلك رغبتنا في إيجادِ أسسٍ متينةٍ تلتقي عندها مختلفُ الاتجاهاتِ، وتضيقُ عندها دائرةُ الاختلافاتِ في أهمِّ القضايا السياسيةِ المعاصرةِ، سعياً إلى الوقوفِ على الحدودِ الفاصلةِ بين الثوابتِ والمتغيّراتِ، وبين المقاصدِ والوسائلِ، بحيث لا تخرجُ القضايا السياسية الراهنةِ عن هذا النطاق، فبقدر ما يستند نظام الحكم في الإسلام على النص الشرعي، والتأصيل الفقهي، يترك فسحة لمواكبة تطور أنظمة الحكم السياسية المعاصرة.

موجز عن الدراسات السابقة فيه:

قدّم فقهاءُ المسلمين العظامُ دراساتٍ معمّقة فيما يتعلّقُ بالسّياسةِ الشّرعيةِ، أمثالَ: (ابن تيمية)، و(الماوردي)، إلاّ أنّ هذه الدراساتِ كانت جزئيةً في بعضِها، قاصرةً على عصرِها في أغلبِها، ممّا استدعى تجديدَ الدرسِ الفقهي الدستوري في ضوءِ الإسلامِ مع تجدّدِ العصورِ، وتوالي القرونِ بما يخدمُ البلادَ والعبادَ، إثراءً للدراساتِ السياسيةِ الشرعيةِ والأصوليةِ المقاصديةِ التي تهتمُّ بعلاقةِ المقاصدِ بالسياسةِ.

ولقد تعدّدت أصنافُ المؤلّفين في السّياسةِ الشّرعيةِ في العصرِ الحاضرِ، حيث تصدّى لها الفقهاءُ المتخصصون في الشّريعةِ أمثالَ الدكتور (يوسف القرضاوي)، و(محمد أبو زهرة)، و(وهبة الزحيلي)، كما أدلى أصحابُ المنهج الفلسفي بنظرتِهم المقاصديةِ الكلّيةِ بدلوهم في الموضوعِ، فانتشرت مؤلفاتُ (ضياء الدين الريس)، و(توفيق الشاوي)، وغيرهما، واجتهدَ في التأليفِ أيضا فقهاءُ القانونِ المتخصّصون في القانونِ الدستوري، والعلومِ السياسيةِ والعلاقاتِ الدوليةِ أمثال: (عبد الرزاق السنهوري)، و(محمد سليم العوا)، و(هبة رؤوف عزت)، وغيرهم، فأفادوا البحثَ في هذا المجالِ من زوايا متعدّدةٍ، تعرضُ التراثَ، وتزيدُ عليه بالاجتهادِ بما يتماشى مع روحِ العصرِ، وخصوصيةِ البقعةِ، ومنها زاويةُ »الفصل بين السلطات« التي نجدُ لها تطبيقاتٍ في ظلِّ الحكمِ الإسلامي عبر مراحلِه المختلفة، ونقفُ لها على تأصيلٍ شرعيٍّ عمادُه العدلُ، ورعايةُ المصالحِ.

وفيما تعلّق بمبدأ الفصلِ بين السلطاتِ باعتباره موضوع دراستِنا فقد نال حظّه من التأليفِ في القديمِ والحديثِ من بابِ عرض مفهوم السُّلطاتِ، وتناولِ ذلك في سياقِ الحديثِ العامِّ عن النُّظمِ السّياسيةِ، والسّياسةِ الشرعيةِ، غير أنه لم يُفرد له كتابٌ جامع، ولم يُتوسّع في الحديثِ عن مدى إمكانيةِ تطبيقِه وإدخاله في منظومةِ الحكمِ الإسلامي، بل أنه يعتبر من الزيادات التي أوردها الباحثون المعاصرون على غرار الأنظمة الوضعية الحديثة، ومن ثمّ فإنّ المعتمدَ عليه في الموضوعِ لم يتعدّ ما تفرّقَ في بطونِ الكتبِ من المباحثِ، وبعضِ المقالاتِ الأكاديمية، فحتى كتاب (عبد الوهاب خلاف) المعنون: »السّلطات الثلاث في الإسلام: التشريع، القضاء، التنفيذ« لم يتناول الموضوعَ من الزاوية التي نقصد إليها، حيث اكتفى بعرضِ ما ثبتَ من الرواياتِ بخصوصِ ممارسةِ هذه السُّلطاتِ في عهدِ النبي صلى الله عليه وسلم، وشيءٍ من عهدِ الخلفاءِ الرّاشدين والأمويين، متوسّعًا في عرضِ تطوّرِ التشريعِ في الإسلامِ، وتطوّرِ تدوينِ السنّةِ والاجتهادِ في المذاهبِ المشهورةِ باعتبارِها ثاني مصادرِ التشريعِ.

وفي المقابل وقفنا من الدّراساتِ على ما ينفي وجودَ المبدأ في ظلِّ الحكمِ الإسلامي، ويعتبرُ ما وصلنا من شواهده من قبيلِ جمع السّلطاتِ وتركيزِها، ومنها دراسة بعنوان: »الفصل بين السلطات في النظام السياسي الإسلامي: دراسة تحليلية في ضوء نظرية الفصل بين السلطات في القانون الوضعي« للدكتور (باسم صبحي بشناق) الذي أكّد أنّ النظامَ السياسي الإسلامي له طبيعةٌ خاصّةٌ تختلفُ عن النُظمِ السّياسيةِ الديمقراطيةِ، فهو لم يعرِّفْ تطبيقَ مبدأ »الفصل بين السلطات« بسببِ ارتكازِه على مبادئَ من عندِ الله تعالى تمنعُ الاستبدادَ في السُّلطةِ من قبلِ الحاكمِ، فذلك يغني عن فكرةِ وهدفِ الأخذِ بمبدأ »الفصل بين السلطات« المعمولِ به في الأنظمةِ القانونيةِ الوضعيةِ، مركّدا أنّ عدمَ اعتمادِ هذا المبدأ في ظلِّ الحكمِ الإسلامي لا يعني الانتقاص من عدالةِ وكماليةِ هذا النظامِ للتطبيقِ لأنه بالأساس يجسّدها منذ قرون خلت قبل اهتداء الفكر الغربي السياسي لهذه التصنيفات والتسميات.

وإنّ هذا البحث ليسعى إلى الاستفادةِ من كلِّ ذلك، والزيادةِ عليه، ففيه من التأصيلِ لمبدأ »الفصل بين السلطات« من القرآنِ الكريمِ والسُّنة النبوية، ومن تتبُّعِ الاجتهادِ فيه عبر عصور الخلافةِ المحتكمةِ إلى الشّرع الإسلامي، وفيه من رصدِ التطبيقاتِ الميدانيةِ، وتثمينِ النتائجِ المنعكسةِ على الرّعيةِ، مع ربطِ كلِّ ذلك بمقاصدِ الشّريعةِ وقواعدِها المرعيّةِ، اعتمادًا على المنهجِ الوصفي التحليلي في عرضِ حدودِ القضيةِ وتحليلِ أبعادِها، مع الاستعانةِ بالمنهجِ الاستقرائي في النّظرِ في أحوالِ الخلفاءِ إزاءَ العلاقةِ بين السُّلطاتِ.

ولذلك فإنّ الإشكاليةَ التي انطلقنا منها في معالجةِ الموضوعِ هي تساؤلٌ صيغتُه: ما حقيقة مبدأ الفصل بين السلطات، وما المقاصد الشرعية المتوخّاة من تطبيقه؟.

وقد تفرّعت عن هذه الإشكالية التساؤلاتُ الآتية:

  • ما مفهوم الفصل بين السّلطات، وما صور تطبيقه في الأنظمة المختلفة؟.
  • كيف تطوّرت فكرةُ الفصلِ بين السّلطات في الأنظمةِ الوضعيةِ، وفي الممارسةِ الإسلاميةِ؟.
  • هل عُرف نظامُ الفصلِ بين السُّلطاتِ بمفهومِه الحديثِ ضمن مجموعةِ القواعدِ الدستوريةِ العامّةِ التي بُني عليها نظامُ الحكمِ الإسلامي؟.

ما هي المقاصدُ الشّرعيةُ التي يحقّقها مبدأ الفصل بين السّلطاتّ في ظلِّ الحكمِ الإسلامي؟.

 

لتحميل كامل البحث يرجى الضغط على الرابط: الفصل بين السلطات مقاربة تأصيلية شرعية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى