في ملامح “قوة ” جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الانفتاح على الآخرين

في ملامح “قوة ” جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الانفتاح على الآخرين

بقلم حسن خليفة

في اهتمامهم بتراث وفكر ومنهج العمل الإصلاحي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين اهتم كثير من الباحثين الأفاضل كالدكتور تركي رابح، عبد الكريم بوصفصاف، عبد العزيز فيلالي، محمد الدرّاجي، ويوسف بوغابة، وعمار طالبي، وحسن الحسيني…وغيرهم كثير من الباحثين والأساتذة والدعاة والمشايخ … اهتموا بإبراز ملامح المنهج العملي الدعوي الإصلاحي، الذي حقّق النجاح الكبير لجمعية العلماء في الإحياء والنهوض والبعث الذي كتبه الله تعالى للمجتمع الجزائري، وقد أشاروا إلى بعض من ذلك كـ: التدرّج، الاهتمام بالتربية والإعداد، طول النفس، التحمّل والصبر والتوطين، الاستيعاب الدعوي (لكل أفراد المجتمع)، الاستقلالية، الانفتاح، العلم، والعلم الشرعي، الذكاء، واجبات الوقت، التبصّر البعيد المدى، وغيرها من ملامح الاقتدار والقوّة في جمعية هيأ الله تعالى لها معدنا من البشر قليل النظير، عزيز المنال، صلبا قويّ الشكيمة، حكيما ذكيا.. وذلك ما يلحظه الدارسون أيضا؛ خاصة في شخصيتي الشيخين الإمامين العالمين المؤسسين: عبد الحميد ابن باديس والبشير الإبراهيمي.

وحيث إن ملامح القوّة تلك ما تزال الأمة (وليس جمعية العلماء فحسبُ)  في حاجة إليها لبناء مستقبلها ونهضتها، فإنه من المفيد الاقتراب بين وقت وآخر من عناصر القوّة في تلك الشخصيات ومعرفة مكامن التأثير والثقل في حياتها ومسارها.

ولعل الحديث عن “الانفتاح” ـ  وأعني به هنا الانفتاح الفكري/الإنساني، مما يستوجب البيان والتدقيق والتفصيل فيه، في ضوء مذاهب الانغلاق والانطواء التي تبديها الكثير من الهيئات والشخصيات (العلمية) ذات الصلة بالدعوة والواقع الدعوي الإصلاحي، سواء في بلادنا أو خارجها في العالمين العربي والإسلامي.

وإنما أعني بالانفتاح ذلك القوس الكبير المفتوح الذي نجده في حياة ابن باديس والإبراهيمي بخصوص التعامل والتعاطي مع “الآخر” وقبول الرأي الآخر، والانتفاع من الآخر، والحديث مع الآخر ومحاورته والتواصل معه.

وحياة ابن باديس ـ على قصرها ـ رحمة الله عليه ـ تشهد بذلك، فقد كان مشتركا في عشرات المجلات والصحف، ويحرص على الوصول إلى الكتب والمطبوعات من مختلف أنحاء العالم، بأكثر من لغة، كما كان ينشر مقتطفات من صحف ومجلات وأقوال ومقالات وأشعار ومقطوعات وتعاليق ومتابعات إعلامية في صحفه وصحف الجمعية، وكانت مكتبته العامرة حافلة بالكثير من الزاد الفكري الذي يصل إليه وكثيرا ما كان يضع ملحوظات وحواشي وتعليقات على الكتب التي يقرأها، ويستفيد ويفيد منها، دون أن ننسى مراسلاته لجهات وشخصيات كثيرة متنوعة هنا وهناك   وينبغي إبراز هذا الملمح بشكل قويّ لشبابنا ودعاتنا ومصلحينا وأساتذتنا، ليعرفوا حقيقة هذه الشخصية الربّانية المستقيمة المرنة العارفة العالمة… وحينئذ تتم الاستفادة من منهجها وأدواته ووسائله، بشكل أوفى وأفضل.

وأما رفيق حياته ودعوته في الجهاد الثقافي والديني والإصلاحي الشيخ الإبراهيمي عليه شآبيب الرحمة فيمكن أن نشير في عجالة إلى ما كتبه بقلمه من الكلام النفيس عن رحلاته المتعددة إلى أقطار العالم الإسلامي، فتأمل كيف يتحدث عن ذلك :

” فمن مقاصدي ـ في هذه الرحلات  ـ أن أدرُس عن عيان المهمّ من القضايا الإسلامية وأدرُس العاملين من رجال الإسلام، لآخذ عنهم القدوة الحسنة لنفسي أولا، ولقومي يوم تُنشر مذكراتي عن هذه الرحلات ثانيا، وأشهد الله أنني استفدتُ من هذه الرحلة كثيرا، وأكملت جوانب من نقصي، ولا أكذب على الحقيقة، فقد كنتُ ناقصا ومازلتُ ناقصا ولكنني أعدُّ من دواعي الكمال السعي في التكميل، ومن أشنع النقص ادعاء الكمال، ومن أراد أن يعرف نفسَه فليضعها أمام كامل، فكأنما يقابل منه مرآة مجلوّة “…….ثم يقول عن الشخصيات التي دَرَسها :

” درستُ أبا الأعلى المودودي وسليمان الندوي وعبد الغفار خان من باكستان، وكتبت عنهم مذكرات ودرستُ جماعة من العلماء العاملين في العراق والشام ومصر من الأحياء وممن تأخر موتهم، ودرستُ أمين الحسيني وحسن البنا والفضيل الورتلاني عيانا في الأحياء، وشبه عيان في الميت، لاستفاضة شهرته في جميع الأوطان التي زرتها ولخلود الأهرامات التي بناها من النفوس لا من الحجر، ودرستُ بعض رجال الثورات المادية (لاحظ ذلك/ الثورات المادية).. ، وكل ما كتبته من مذكرات عن هذه الدراسات ستنتفع به الأجيال يوم يُنشر إن شاء الله “(انتهى).

فهل بعد هذا البيان بيان، وهل بعد هذا الوضوح وضوح في أهمية الاستفادة من الغير، ودراسة الأشخاص والتجارب والمناهج والجماعات، والانفتاح على ما في الحياة من حركات وأفكار واتجاهات والعمل على فهمها واستيعابها لمن أراد التمكين لأفكاره وتعميق بنيان عمله الدعوي والفكري والإصلاحي. ولا يسارعنّ متسرّع إلى القول ..وما قولك في دراسة القرآن والحديث والشرع الحنيف، فإن ذلك أمر واجب وقد أشرنا في ثنايا الحديث إلى استكمال الثقافة الذاتية الإسلامية، ولكن ما لا ينبغي إغفاله هو الاستفادة من شؤون وعلوم وأعلام العصر.

(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى