أخبار ومتابعات

على مشانق القومية

بقلم : محمد الأمين مقراوي الوغليسي

بعد إسقاط الخلافة الإسلامية على يد العميل أتاتورك، عمل الغرب الصليبي الحاقد، على تقسيم الأمة وتفكيكها؛ حتى لا تقوم لها قائمة بعد ذلك، فقام بإنشاء دويلات قومية، تحت وصاية الدول الملحدة تحت ما يعرف باتفاقية سيكس وبيكو، وعمل بمكر بالغ وخبث شديد ،على أن يضعف الصلة الروحية بين أفراد الأمة، واجتهد في أن تنفصل كل دولة عن الأخرى روحيا، حتى لا يعود لمفهوم الأمة الواحدة أي معنى على أرض الواقع.

لقد كانت الأمة في ظل الخلافة الإسلامية، تتواصل أطرافها بدون أي حرج أو مشكلة، وكان أفرادها يتنقلون، ويصلون بعضهم البعض دون أي عقبة، ولم يحل اختلاف الولايات والأمراء في ظل الخلافة الإسلامية في تنقل الأفراد بين أراضي الأمة الواسعة، فالعضوية فيها بـ : ” لا اله إلا الله محمد رسول الله ” من قالها كان له ما للأمة وما عليها، إن شرقا و إن غربا، وكان المسلم مقدما على غير المسلم في أي أرض الإسلام حل وارتحل، فالعروة الوثقى هي المقدمة، والشعار المرفوع هو: ( و لله العزة و لرسوله وللمؤمنين)، فكان المسلم يتاجر في أي أرض الله شاء ويتزوج من أي أرض الله شاء، فقد كان الإسلام هو مبدأ وأساس التعامل ومنتهاه.

هكذا شنقوا الأخوّة الاسلامية

ولقد لاحظ الغرب الصليبي ذلك، خلال تربصه بديار الإسلام، وترصده لأهله، فامتلأ حقدا وكراهية، وقرر أن يقطع وشائج الوصال بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فقرر أن يستفرغ طاقته في إحلال الشعور بالروح القومية مكان الروح الإسلامية، وبذل وسعه في إحلال المواطنة كقيمة للتعامل و التواصل بدل الإسلام، فنالت الجنسية في القلوب من تقديس ما نالته “لا اله إلا الله محمد رسول الله” من قبل وأكثر، وأُصيبت الأمة في مقتل عظيم، فلا أحد يجهل قيمة الروح الإسلامية في تاريخ الأمة، فقد كانت من أعظم أسباب بقائها بعد حفظ الله تعالى لها.

كان من نتائج ذلك أن المواطنة صارت أعلى من الإسلام، فالقبطي المصري مقدم على السوداني المسلم، واليهودي المغربي مقدم على الموريتاني المسلم، والنصراني السوري مقدم على الفلسطيني المسلم، بعد أن كان المسلم مقدما على غير المسلم عبر قرون طويلة من الزمن.

عندما احتلت القومية قلوبنا

وصارت الحقوق تعطى على أساس القومية، فالكافر صاحب جنسية تلك القومية، مقدم على المسلم الذي جاء من بلد آخر، بل وصل الأمر إلى التفريق بين المسلمين، فأخرجوا مصطلحات جديدة مثل الوافد، والمقيم، و بعد أن كانت لا إله إلا الله كافلة، وكفيلة المسلم، صار المسلم لا يقيم في دولة إلا بعد أن يجد له بشروط مرهقة وتعجيزية صارت تشترطها دول العالم الإسلامي، وكأنها تتعامل مع أهل الذمة، أو كافر مستجير، وصارت تنقل مسلم من بلد إلى أخر يشبه المغامرة والمخاطرة، فسوء المعاملة ينتظره باعتباره غريبا، ومن الدرجة الثانية، وصارت البيروقراطية تقتل مجرد التفكير في السفر إلى بلد مسلم مجاور، لما ترسخ في العقل من سوء المعاملة والاستقبال، وبذلك حُرِم ملايين المسلمين من التعرف على الأمة الإسلامية وتمتين العلاقات بين مكوناتها الغنية بتنوع فسيفسائها من عرق ولغة وعادات وتقاليد محمودة، وخصائص إيجابية.

وماذا بقي من الشعور الإسلامي..

وكان من نتائج ذلك ،أن صار الشعور القومي لا ينافس الشعور الإسلامي فحسب، بل قد يزحزحه في كثير من المناسبات والمواقف، فصرنا نرى شعبا مسلما من قومية معينة، يعادي شعبا مسلما من قومية أخرى بسبب كرة قدم، وصرنا نشاهد معاداة شعب مسلم لآخر مسلم ،بسبب سوء معاملة فنان تافه في كيان قومي أخر، ولم يعد للعلماء احترامهم كعلماء أمة، بل صار العالم في وعي الأمة، خادما لجنسية معينة، أكثر من خدمته لقضايا الأمة المشتركة، فتستبيح جماهير قومية معينة عرض عالم من جنسية بلد أخر، بسبب موقفه الإسلامي الذي لم يرضي حكام تلك القومية.

وصارت قوانين قومية بلد مسلم، تمنع زواج رجالها ،أو نسائها من مسلمي القوميات الأخرى، حتى يُخَيَّلَ للمرء أن الزواج هو بين مسلمين و كفرة، لا بين مسلمين ومسلمين، وضُرب بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة وفي الأرض وفساد كبير) عرض الحائط، واستبدل الأدنى بالذي هو خير، وبدل أن توطد الأمة وشائج الرحم أكثر بين نسيج الأمة، فإنها مالت إلى التقاطع والتدابر، وفقدت عنصرا من عناصر الاجتماع الهام في حياتها وقوتها.

باسم القومية تستباح أعراض المسلمات

ولقد وصل الأمر مبلغا خطيرا جدا، فقد صار من المعروف بل ومن المواضيع التي تحبها الصحافة العرجاء القذف الجماعي لأعراض المسلمات وهتك سترهن عبر الانترنت، حتى صار المسلم يجلس وراء شاشة الحاسوب، يتتبع عورات المسلمات من جنسيات القوميات الأخرى، فتجده يبحث عما يسمى فضائح بنات البلد الفلاني، بعد أن غاب عن وعيه أن اللاتي يتتبع عوراتهن هن مسلمات مثله، هن أخواته في الإسلام.

لقد أمر رسول الله –صلى الله عليه و سلم –الصحابة أن يقتلوا كعب بن الاشرف اليهودي، لأنه كان يتغزل بنساء المسلمين، بل أذن للصحابة في سبه فداه أبي و أمي؛ حتى يصلوا إلى ذلك اليهودي اللعين، واليوم يستبيح المسلم عرض المسلمات، لا لشيء، إلا لأنهن لسن من جنسية قوميته والعياذ بالله، كل ذلك يوم أن زال الشعور بالانتماء الإسلامي وحل محله شعور بقومية جاهلية الأثر.

باسم القومية خذل المسلمون قضاياهم

لقد مزق الشعور بالقومية، النسيج الواحد الذي نعمت به الأمة قرونا طويلة جدا، وخسرنا بذلك الكثير من العز والمجد، ولحق بنا العار والشنار و الدمار، لقد كانت الأمة الإسلامية ينصر بعضها بعضا، وكانت بحق في مستوى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) فكانت صرخة المسلمة في شرق الأرض، تزلزل نخوة المسلم في غرب الأرض، فيجيبها بجيش أوله عندها، وأخره عنده، أما اليوم فقد تغير الحال، وقعد المسلمون عن نصرة بعضهم بعضا، بعد أن صار الولاء لكيانات، وقوميات، وجنسيات وضعية مقدسة واقعا، وصرنا نرى شعبا مسلما يُقتَّلُ تقتيلا، وشعبا مسلما آخرا مشغولا بمباراة فريقه الوطني القومي، أو بمهرجان رقص تافه، وغناء ماجن، أو باحتفالات أعياد الميلاد، وكأنّ دماء ذلك الشعب المسلم هي دماء هندوسية أو بوذية، هكذا آل الحال بعد تجفيف الشعور الإسلامي من القلوب، وهكذا باتت الأمة الواحدة، قوميات متناحرة متناكرة، ينكر بعضها بعضا، بل ويعمل بعضها على ضرب بعضها الآخر؛ لا لشيء إلا لاختلاف الجنسيات.

الشعور الاسلامي والوحدة قبل فوات الأوان

أمة ربها واحد ، ونبيها واحد، وقرآنها واحد ، وقبلتها واحدة ، وسلفها واحد، أمة ماضيها واحد، ومصيرها واحد، ممزقة ومشتتة، ومشغولة بالكيد لبعضها البعض، بينما اجتمع الكفار في كيانات اقتصادية، وحربية، رغم أن مستوى ما يجمعهم، لا يصل ما عند الأمة أبدا، ولكنهم اجتمعوا على حربنا و هم أهل الباطل، وتفرقنا في صدهم ونحن الأمة الواحدة.

إنها صرخة عز، تطير الغفلة التي طال وجودها في قلوب الغافلين، وتعلن بجلاء : أن لا عزة للمسلمين إلا بالإسلام، وكما قال الفاروق عمر رضي الله عنه ” نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله” فالله الله في أمتنا الغالية، ولا بديل لنا عن إحياء الشعور الإسلامي وإحياء الولاء والبراء في قلوب المسلمين ،وعقولهم، ومناهجهم التربوية، والثقافية، وشعاراتهم اليومية، على أساس الأخوة الإسلامية الراقية، وليس على أساس الشعارات المفرقة، والنعرات الجاهلية؛ من أجل لَمِّ شتات الأمة، وتجهيزها لمرحلة الوحدة؛ التي فيها عزها، وخلاصها من الهوان الذي بات يؤرقها، ودفعها نحو ركوب مسيرة البناء و الانتصار والريادة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى