كتب وبحوث

صورة «طالبان» الأولى: الثابت والمتغير في خصائص الحركة

صورة «طالبان» الأولى: الثابت والمتغير في خصائص الحركة

قراءة محمد يسري أبو هدور

يعد كتاب «طالبان أفغانستان: من حلم الملا إلى إمارة المؤمنين» لمولاي حفيظ الله حقاني، وهو الكتاب الذي صدر عن معهد الدراسات السياسية في إسلام آباد عام 1997، من أوائل المؤلفات التي صدرت عن حركة طالبان، حيث كتب تزامناً مع وصول حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان عام 1996.

وقد تضاعفت أهمية الكتاب بكون مؤلفه مولاي حفيظ الله حقاني، واحداً من الباحثين الأكثر اطلاعاً على حقيقة الحركة في ذلك الوقت، بسبب قربه من دوائرهم التعليمية والسياسية، واحتكاكه بالعديد من أفراد الحركة على كافة مستوياتها التنظيمية، الأمر الذي منح كتابه ثقلاً واعتبارية على صعيد الدراسات الأكاديمية التي صُنفت لتناول التاريخ المبكر لتلك الحركة الغامضة.

في مقدمة الكتاب، حرص مولاي حفيظ الله حقاني أن يوضح الهدف من تصنيف هذه الدراسة، وأن يبيّن المنهجية التي أتبعها، فقال:

…حرصت جاهداً أن أكتب بأمانة وتجرد دون أن أهدف إلى الدعاية لحركة طالبان أو الدعاية ضدها، فهي مقاربة وصفية تحليلية حاولت فيها أن أقدم صورة واقعية لحركة طالبان، وأما ما ورد فيها من نقد وتحليل فجاء وفق المعايير الإسلامية التي تخضع لها حركة طالبان، ورجعت في استقاء المعلومات إلى مصادر طالبان نفسها أو من خلال مقابلات خاصة مع العديد من قيادتها وأفرادها خلال زيارات ميدانية لقواعد طالبان ومناطقهم، مستعيناً بمعلوماتي السابقة كوني أحد خريجي المدارس الدينية التي تربى فيها طالبان…

يعطي الكتاب صورة عن طالبان الأولى التي نشأت عام 1994، ودخلت العاصمة كابل عام 1996 قبل أن تسيطر على أغلب البلاد مقيمة ما سمته «إمارة أفغانستان الإسلامية». ورغم أن تلك الصورة قد تغيرت لاحقاً، فإنها تفيدنا في فهم تطور الحركة وتمييز الثوابت من المتغيرات في خصائصها.

أفغانستان: الجغرافيا والتاريخ

في الفصل الأول من الكتاب، عمل المؤلف على ذكر بعض المعلومات الضرورية عن أفغانستان، حتى يعرف القارئ على تلك الدولة البعيدة القابعة في قلب القارة الآسيوية.

من أهم تلك المعلومات، ما ذكره حقاني عن مساحة أفغانستان التي لا تزيد على 650 ألف كم مربع، وعن كونها دولة حبيسة، بمعنى أنها لا تطل على أي سواحل بحرية، هذا في الوقت الذي تحيط بها ست دول، وهي: باكستان، وإيران، والصين، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان.

واحدة من النقاط المهمة التي لفت المؤلف النظر إليها، هي تلك التي تؤكد أن موقع أفغانستان المتوسط بين العديد من الدول ذات العرقيات المتباينة قد تسبب في اختلاف العرقيات والإثنيات في افغانستان نفسها، إذ سنجد أن هناك ما يزيد على 20 عرقية مختلفة داخل البلاد، أهمها البشتون والطاجيك الذين يمثلون ما يقترب من 70% من مجموع الشعب الأفغاني، إضافة إلى بعض الأقليات العرقية المتناثرة في شتى أنحاء البلاد مثل الأوزبك والمغول والبلوش والهزارة.

على صعيد الدين، سنجد أن الأغلبية الغالبة من الأفغان- ما يقرب من 85%- مسلمون على المذهب السني الحنفي، يليهم المسلمون الشيعة الإمامية الإثنا عشرية ويمثلون ما يقرب من 15%، فيما لا تزيد مجموع أقليات اليهود والسيخ والهندوس على الواحد في المائة من تعداد السكان.

بعد ذلك، تطرق حفيظ الله حقاني لذكر عدد من المحطات المهمة في التاريخ الأفغاني الحديث. ومن بينها ما وقع في 1973م، عندما قام رئيس الوزراء محمد داوود بانقلاب على النظام الملكي، مستغلاً وجود ابن عمه، الملك ظاهر شاه، في أوروبا في هذا الوقت، فتم إعلان جمهورية أفغانستان على أساس دستور جديد، وتولى داوود زمام السلطة، فأطلق يد الشيوعيين في البلاد لفترة على حساب أصحاب التوجهات الإسلامية، ذلك قبل أن يتحالف مع الغرب ويضيق الخناق على حزب الشعب الشيوعي. وفي 1978م، ورداً على تغير سياسات محمد داوود، دبر الشيوعيون المؤيدون من الاتحاد السوفيتي انقلاباً جديداً، فأطاحوا بداوود وأسرته، وتولوا السلطة في البلاد، قبل أن تدخل القوات السوفياتية أفغانستان لتثبيت الحكم الشيوعي بها في 1979م.

تسببت سيطرة السوفييت على كابول في إشعال شرارة الكفاح المسلح في أفغانستان، إذ قدم المسلحون من كل حدب وصوب، ورفعوا راية الجهاد، ودخلوا في معارك عنيفة ضد الجيش السوفياتي، وظلت الأوضاع مشتعلة في طول البلاد وعرضها حتى تم توقيع اتفاقات جنيف في أبريل/نيسان عام 1988م، حيث نصت على خروج القوات السوفياتية من أفغانستان، وفي فبراير/شباط 1989م اكتمل الانسحاب السوفياتي، وأعلن المجاهدون من مركزهم الرئيس بباكستان عن تشكيل حكومة انتقالية برئاسة صبغة الله مجددي، ودخلوا في مجموعة من المعارك ضد قوات نجيب الله المسيطر على حكومة كابول المؤيدة من الاتحاد السوفياتي.

في 1992م، دخل المجاهدون إلى كابول، ونشبت المعارك بين أمراء الحرب، وتحديداً بين أحمد شاه مسعود وبرهان الدين رباني، قادة «الجمعية الإسلامية»، من جهة، وقلب الدين حكمتيار، رئيس «الحزب الإسلامي» من جهة أخرى؛ إلى جانب محاولات للمشاركة في السلطة من قبل عبد رب الرسول سياف، رئيس «الاتحاد الإسلامي»، وعبد العلي المزاري، رئيس «حزب الوحدة الإسلامي الشيعي». وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1994م، ظهرت حركة طالبان وسط تلك الأجواء الفوضوية، وتمكنت في سبتمبر/أيلول 1996م من الاستيلاء على كابول بعد انسحاب قوات الميليشيات منها، لتفرض سيطرتها على البلاد.

الدين والسياسة

قبل أن يسلط المؤلف الضوء على تاريخ حركة طالبان، قام بوضع فصل قصير عمل فيه على شرح العلاقة بين الدين والسياسة في أفغانستان. فكان مما قاله في هذا الفصل (ص44):

…وكل ما سقط من حكومات في هذه الفترة كان نتيجة العامل الديني والجهاد المقدس ضد الشيوعيين الكفار… كان العامل الديني هو المسيطر في هذه الفترة على كل شيء بدءاً بالقيادة وانتهاء بالقاعدة، حيث يمكن بحق تسمية هذه الفترة بفترة الريادة الدينية، فالعنصر الديني بقي عنصراً مؤثراً في تاريخ أفغانستان، ولم تكن حركة طالبان بدعاً في ذلك…

…وكل ما سقط من حكومات في هذه الفترة كان نتيجة العامل الديني والجهاد المقدس ضد الشيوعيين الكفار… كان العامل الديني هو المسيطر في هذه الفترة على كل شيء بدءاً بالقيادة وانتهاء بالقاعدة، حيث يمكن بحق تسمية هذه الفترة بفترة الريادة الدينية، فالعنصر الديني بقي عنصراً مؤثراً في تاريخ أفغانستان، ولم تكن حركة طالبان بدعاً في ذلك…

وللتأكيد على صدق ما ذهب إليه، يذكر حقاني إحصاء طريفاً، وهو أن 13 من أصل 30 حاكماً حكموا أفغانستان في الفترة الواقعة بين 1747م و1997م، اعتلوا العرش الأفغاني لأسباب وعوامل دينية، كما أن 11 من هؤلاء الثلاثين، قد تم عزلهم للأسباب والعوامل نفسها. وهو الأمر الذي يثبت التأثير الديني القوي في السياسة الأفغانية.

حركة طالبان: الجذور والتطور

يذكر المؤلف أن حركة طالبان قد خرجت في بداية أمرها من ولاية قندهار الواقعة في جنوب غربي أفغانستان، على الحدود مع باكستان، ويؤكد حقاني أن شخصية قندهار قد انعكست على أبنائها بشكل قوي، لا سيما في سمات التحمل والقدرة على خوض الصعاب والمشاق، الأمر الذي يظهر في رواج لعبة مسابقة إطفاء جمرة النار على الجسد في قندهار، «وفيها يضع المتسابقون جمرة النار على سواعدهم حتى تنطفئ نارها وتخمد حرارتها دون أن يتأوه المتسابق فضلاً على أن يتحرك، ومن تأوه يخرج من اللعبة…» (ص54).

أيضاً، تأثرت الحركة بميل سكان قندهار للعودة إلى الماضي وحرصهم الشديد على الاقتداء بسيرة الأسلاف، ذلك أن «الشخصية القندهارية شخصية تراثية محافظة على التقاليد، وقلما تجد فيها استعداداً للتطور والتأثر بما يستحدث…» (ص56). ومن هنا، فإن سكان تلك المنطقة اعتادوا على حياة الخشونة والتقشف في ظل روابط قبلية قوية، واستعداد فطري للتدين الصارم.

تشكلت الطالبان في بداياتها من طلبة في المدارس الدينية الإسلامية التي تنتشر في شتى أنحاء أفغانستان وباكستان، وتتلقى تمويلها من خارج أفغانستان في الأغلب. وهي مدارس مستقلة غير تابعة للدولة، وتُدار بواسطة مجموعة من الشخصيات الدينية المعروفة والمشهورة، كما أنها تتوزع على اتجاهات مذهبية متباينة، إذ توجد مدارس للشيعة، ومدارس للسلفية، فضلاً عن مدارس الديوبندية، وهي المدارس التي درست بها الأغلبية الغالبة من أفراد حركة طالبان.

للمزيد عن المدارس الديوبندية: «الديوبندية» والأصول الفكرية للإسلام السياسي في آسيا

ويذكر حقاني أن تلك المدارس تشهد تدريس ما يُعرف باسم «منهج الدرس النظامي» نسبةً إلى الشيخ نظام الدين بن قطب الدين السهالوي المتوفى 1161ه/1748م، وتدرس فيه علوم القرآن والحديث والفقه والشمائل المحمدية من خلال مجموعة من الكتب المنتقاة والتي لا يتم الخروج عنها.

وتنتهج هذه المدارس النهج التقليدي الجامد في كل شيء، بدءاً بالزي ومروراً بالمنهج الدراسي ثم انتهاء بالفكر، فترى العمامة جزءاً لازماً من زيهم التقليدي، بخاصة في أفغانستان وإقليم بلوشستان الباكستاني، ويرفضون أي نوع من التطوير في المنهج الدراسي وحذف المواد الفلسفية القديمة والفلكيات القديمة والرياضيات والهندسة التي أكل عليها الدهر وشرب وتغيرت أغلب قواعدها وأصولها، ولا يقبلون أي تغيير في طرق التدريس، ولا يحبذون الدراسة في الفصول واستخدام السبورة للشرح… (ص61)

أيضاً، من بين السمات المميزة لتلك المدارس أنها قد اعتادت على أن تربي الطلبة على الاحترام المطلق للشيوخ، ومن هنا ترسخت نفسية الطاعة العمياء للقائد والزعيم التي ستؤتي ثمارها أثناء خوض الحرب ضد الفصائل المسلحة فيما بعد.

توجد مجموعة من المراتب العلمية في تلك المدارس، أولها «طالب»، ويُجمع هذا اللفظ في لغة البشتو بـ«طالبان»، وتُطلق على جميع من التحق بالدراسة في المدارس الدينية، وثانيها رتبة «المُلا»، وتطلق على كل من قطع شوطاً في الدراسة وإن لم يتممها. أما المرتبة الثالثة فهي «مولوي»، وتُطلق على كل من تمكن من اجتياز الدراسة، ووضع على رأسه عمامة الفضيلة، وحصل على إجازة في التدريس.

من أهم المدارس التي تخرج فيها أعضاء حركة طالبان بعض المدارس الباكستانية، مثل مدرسة «دار العلوم حقانية» في إقليم سرحد، ومدرسة دار العلوم في كراتشي، ومدرسة «الجامعة الأشرفية» في لاهور، هذا فضلاً عن عدد كبير من المدارس الأفغانية الواقعة في جنوبي أفغانستان.

يشرح المؤلف العوامل التي ساعدت على صعود حركة طالبان. ففيما يخص الظروف الداخلية، كان الصراع المستعر بين المجاهدين والحرب الأهلية الشرسة بينهم أحد الأسباب التي ساعدت على بروز طالبان. كما أن المنافسة المذهبية قد لعبت دورها في تأجيج نيران الحرب، كما ظهر في الصراع بين قوات أحمد شاه مسعود السنية، وقوات عبد العلي المزاري الشيعية، حيث تبادل الفريقان ممارسة الجرائم ضد بعضهما في خضم تلك الحرب الدامية. أيضاً كان من ضمن الظروف الداخليةانتشار الفساد، وانعدام الأمن، والفساد الأخلاقي، وشيوع الفوضى في طول البلاد وعرضها.

أما فيما يخص الظروف الخارجية، فيجملها المؤلف بقوله إن كثيراً من الدول كانت ترحب بصعود طالبان لأسباب تتعلق بنفوذها وأهدافها الاستراتيجية. على سبيل المثال، وجدت باكستان في حركة طالبان الحليف القوي ضد عدوها أحمد شاه مسعود، كما كان من مصلحة إسلام آباد أن تجد لنفسها حليفاً قوياً في كابول يحفظ التوازن فيما بينها وبين الجارة الهندية. في السياق نفسه، رحبت الولايات المتحدة الأمريكية بوصول طالبان للسلطة بعد أن قدرت واشنطن أن الصعود السريع لحركة طالبان من شأنه أن يحد من النفوذ الإيراني المتزايد في الشرق.

ويوضح حقاني الأسباب التي أسهمت في تمكن الطالبان من السيطرة على أفغانستان بتلك السرعة المذهلة، فيجملها في التناحر المستمر بين الأحزاب الإسلامية، والذي تسبب في ضعفها جميعاً، وأيضاً، حالة الفساد الطاغية في المجتمع التي شجعت الأفغان على الترحيب بالطالبان المعروفين بالتزامهم الديني.

كيف تأسست حركة طالبان؟

يستعرض المؤلف الآراء المختلفة بخصوص كيفية تأسيس حركة طالبان، فيذكر بعض الآراء التي يذهب أصحابها إلى أن الحركة قد تأسست بواسطة جهود بعض أجهزة المخابرات الغربية، أو أنها قد ظهرت بسبب التحريض الباكستاني، ثم ينتقل المؤلف بعدها لعرض وجهة النظر الطالبانية التي تؤكد أن الحركة قد ظهرت في أول أمرها على يد الملا محمد عمر الذي يَذكر أنه لما رأى الفساد يعم الأراضي الأفغانية، عاهد الله، عز وجل، على الجهاد في سبيله، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبدأ يدعو إخوانه من الطلبة في قندهار، وكان ينتقل من حلقة للدرس إلى أخرى لينشر فكرته حول ضرورة التخلص من الطغاة وأمراء الحرب الذين خربوا البلاد وقتلوا العباد.

بحسب ما ينقله حقاني عن الملا عمر، فإن دعوة الأخير للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد تعرضت للفشل في أول الأمر، حتى استجاب لها 53 طالباً في منطقة سنج سار، فكان هؤلاء هم نواة حركة طالبان، وسرعان ما تمددت الحركة بسرعة ولاقت مزيداً من التأييد، حتى صارت إحدى القوى الفاعلة على الأراضي الأفغانية في 3 أبريل/نيسان 1996م، عندما اجتمع 1500 عالم دين من شتى أنحاء افغانستان، وبايعوا الملا عمر ليصبح أميراً للمؤمنين وزعيماً لحركة طالبان.

وفي ختام ذلك الفصل، يذكر المؤلف إحدى النبوءات التي ذكرتها بعض قيادات طالبان بخصوص تأسيس الحركة، وهي النبوءة المنسوبة للملا إحسان الله– وهو واحد من كبار قادة حركة طالبان – ويذكر فيها إن أحد الشيوخ الأفغان الصوفيين قد اعتقل في بداية الحكم الشيوعي، وبينما هو مسجون في زنزانته «رأى فيما يرى النائم أن الإسلام جاء في صورة جميلة إلى رباني ومسعود وحكمتيار وطلب منهم أن يدافعوا عنه ويحافظوا عليه ولكنهم اعتذروا جميعاً، ثم ذهب الإسلام في الصورة نفسها إلى طالب من طلاب المدرسة الدينية وطلب منه نفس الطلب، فقدم له الطالب رقبته استعداداً للتضحية في سبيله، فقال الإسلام: نعم أحتاج إلى تضحياتك…» (ص102)، وهكذا رسمت قيادات طالبان تلك الصورة البراقة لبداية ظهورها على الساحة، واستغلت ذلك الميل الأفغاني الفطري للدين، في سبيل تأكيد أحقيتها بالشرعية الإسلامية في الحكم.

طالبان من الداخل

يذكر المؤلف بعد ذلك مجموعة من المعلومات المهمة عن حركة طالبان، عرفها من خلال قربه ومعايشته لعديد من قياداتها. من تلك المعلومات التي يذكرها حقاني في كتابه أن أعضاء حركة طالبان يسمون حركتهم «الحركة الإسلامية لطلبة المدارس الدينية»، وأن شعارهم هو العلم الأبيض الذي دونت عليه عبارة التوحيد «لا إله إلا الله، محمد رسول الله». أما هدفهم الأهم، فهو بحسب ما يذكر المؤلف نقلاً عما صرح به الملا عمر في أحد خطاباته: «إننا نريد تطبيق دين الله في أرضه، ونريد خدمة كلمة الله، ونريد تنفيذ الأحكام الشرعية وحدود الله» (ص107).

ولا تتمتع طالبان بهيكل تنظيمي قوي، فلا توجد عندهم لوائح منظمة للعلاقة بين أفراد الحركة، كما لا توجد برامج تدريبية محددة للمنتمين الجدد إليها. مع ذلك توجد بعض المناصب والمجالس التي تحظى بالاعتبارية والنفوذ داخل صفوف الحركة. أولها، منصب أمير المؤمنين الذي شغله الملا محمد عمر، وقد ولد في ولاية أرزجان، وقضى بعض الوقت في قتال السوفيت تحت لواء «الجمعية الإسلامية» (جماعة برهان الدين رباني)، وفقد إحدى عينيه خلال بعض المعارك التي قادها في تلك الفترة. ومن الجدير بالذكر أن الملا عمر لم يكمل دراسته الدينية إذ شغلته ظروف الحرب في افغانستان عن متابعة تعليمه.

ثاني دوائر القيادة هي مجلس الشورى المركزي للحركة، وهو مجلس هلامي، غير محدد الصلاحيات، ويتألف من سبعين عضواً.

ثالثها مجلس الشورى العالي للحركة، وهو المجلس الذي يضم في عضويته جميع القيادات التي احتاج الملا عمر إلى استشارتها من قبل، وصلاحياته غير واضحة، ويقال إنه يضم ثلاثين من قيادات الحركة.

رابعها مجلس الوزراء، ويضم الوزراء الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين عاماً.

أما خامسها، فهي دار الإفتاء المركزي التي تم تأسيسها في قندهار- المعقل الرئيس لحركة طالبان – وتضم عدداً من العلماء الذين يرجع لهم الملا عمر في بعض المسائل الدينية. ومن أشهر العلماء الذين تم تعيينهم في هذه الدار: المولوي نور محمد ثاقب، المولوي عبد العلي الديبوندي، المولوي شير علي شاه، والمولوي نظام الدين شامزي.

هناك أيضاً مجالس شورى الولايات، ذلك أن الملا عمر قد قام بتعيين وال في كل منطقة تابعة لسلطته. وحول كل والٍ من هؤلاء الولاة، تم تأسيس مجلس شورى يشبه مجلس الشورى الذي يحيط بالملا عمر نفسه. وهناك كذلك القيادات العسكرية، ومن أبرزها في الفترة المبكرة للحركة: ملا عبيد الله، ملا جلال الدين حقاني، الحاج محمد نعيم كوتشي، ملا عبد السلام راكتي، وملا بور جان.

أما فيما يخص أفراد الحركة، فأغلبهم من طلبة المدارس الدينية، وعادة ما يتم إلحاقهم بصفوف الحركة بعد أن يحصل كل منهم على خطاب تزكية من المدرسة الدينية التي يدرس بها ويحمله إلى قيادات طالبان. وبعد أن تتم الموافقة على انضمامه للحركة، يتم إرساله للجبهة القتالية لفترة. وفي تلك الأثناء، ينبغي على العضو أن يطلق لحيته وأن يرتدي العمامة على رأسه، وتتكفل الحركة بمصروفاته اليومية.

ومن بين الأمور التي يوضحها المؤلف، أن الشورى في الحركة معلمة وليست ملزمة، إذ ينظر للملا عمر على كونه أمير المؤمنين، صاحب الحق المطلق في اتخاذ القرارات، ولا يمكن معارضته أو الخروج عن إرادته. مما ساعد في ذلك، أن الخلفية الفكرية للأغلبية الغالبة من أفراد الحركة واحدة، فمعظمهم درس في المدارس الدينية، وعرف معنى الالتزام بقرارات الشيخ.

خصائص حركة طالبان

بعد ذلك يوضح حقاني الخصائص المميزة لحركة طالبان على أصعدة العقيدة والفقه والسياسة والإعلام. فيما يخص العقيدة، يؤكد المؤلف أن حركة طالبان تتبع المذهب الماتريدي المنسوب إلى الإمام أبي منصور الماتريدي المتوفى 333هـ. ويذكر المؤلف أن هناك نوعاً من الاختلاف في بعض المسائل العقائدية داخل صفوف الحركة، فبينما تذهب الأكثرية لجواز التوسل بالذوات الفاضلة في الدعاء، ولجواز الدعاء الجماعي بعد الصلوات، فإن هناك أقلية تعارض تلك الأفعال وتصفها بالبدع. هذا في الوقت الذي يوجد فيه الطابع الصوفي في بعض الجماعات التابعة لطالبان، وأغلب هؤلاء من ولاية قندوز الأفغانية، إلى جانب بعض أتباع البريلوية- جماعة صوفية هندية- الذين ينتشرون في المناطق الشرقية والجنوبية من أفغانستان.

أما على الصعيد الفقهي، فيؤكد المؤلف أن أعضاء الحركة يوافقون الأغلبية الغالبة من الشعب الأفغاني في كونهم يعتنقون المذهب الحنفي المنسوب للإمام أبي حنيفة النعمان المتوفى 150هـ.

وفيما يخص نظام الحكم، ترفض الحركة الديمقراطية بشكل كامل. وفي ذلك يقول سيد محمد سدوزي، وهو من قيادات الحركة (ص133):

إن الحكومة الإسلامية هي أن يكون الأمر كله لله كما قال سبحانه: «إن الحكم إلا لله»، وهو المصدر الأساسي للحكم، ولا حق لأحد في التشريع، على عكس النظام الديمقراطي حيث تكون السيادة للشعب، وهم الذين يشرعون القوانين، وأساس الحكم في الإسلام إيمان واستسلام كامل لله، عز وجل، لا للشعب كما هي الحال في الأنظمة الوضعية الديمقراطية.

ويرى فقهاء حركة طالبان أن أمير المؤمنين يجب أن يتم اختياره من جماعة أهل الحل والعقد، كما أنه يجب أن يبقى في الحكم حتى وفاته، ولا يجوز خلعه إلا لسبب من ثلاثة أسباب، وهي على الترتيب: الانحراف عن الدين، والعجز عن أداء الوظائف، والموت.

وفيما يخص الإعلام، ترفض الحركة التلفزيون، كما ترفض الموسيقى والغناء، لا سيما غناء المرأة، وذلك تأسيساً على وجهة نظر فقهية ترى أن صوت المرأة عورة، وينحصر دور الإذاعة في الحركة على إذاعة القرآن الكريم والبرامج الدينية والأناشيد الحماسية، هذا فضلاً عن الأخبار. ومن الواضح اليوم أن الحركة قد غيرت بعض تلك المواقف، حيث صارت تستخدم التلفزيون وتسمح بالتصوير الفوتوغرافي على نطاق واسع.

بالنسبة لموقف حركة طالبان من الجماعات الإسلامية المنتشرة في شتى أنحاء العالم، فإننا نجده يتسم بنوع من أنواع العزلة، إذ كتب فقهاء طالبان كثيراً من الكتب والمنشورات ضد «الجماعة الإسلامية» بباكستان، وأعلنوا رفضهم القاطع لأفكار مؤسسها أبي الأعلى المودودي. وفي السياق نفسه، أعلنوا رفضهم لأفكار جماعة الإخوان المسلمين، كما صرحوا بمعاداتهم للحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية، إذ «اعتبروها جماعة منحرفة، معادية للمذاهب، مكفرة للمسلمين» (ص139).

أما فيما يخص الأحزاب السياسية، فإن قادة طالبان قد أعلنوا مراراً رفضهم لقيام أي تعددية حزبية في بلادهم، إذ اعتبروا أن الأسس التي تقوم عليها الأحزاب هو مجرد دعوات قومية وعرقية ومذهبية، وكلها تتصف بالصفة الجاهلية، ومن هنا فإنهم قد رفضوا إدماج الأحزاب القديمة في حركتهم، في حين رحبوا بدخول الأفراد غير المنتمين للأحزاب.

المراجع
  1. مولاي حفيظ الله حقاني، طالبان أفغانستان: من حلم الملا إلى إمارة المؤمنين، ص44
  2. المرجع نفسه، ص54
  3. المرجع نفسه، ص56
  4. المرجع نفسه، ص61
  5. المرجع نفسه، ص82
  6. المرجع نفسه، ص102
المصدر: موقع إضاءات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى