متابعات

شهر في الجحيم لطالب إيغوري عاد للصين

منذ أن أعلن الحزب الشيوعي الصيني في 2014 “الحرب الشعبية على الإرهاب”، أنشأ شبكة غير مسبوقة من معسكرات الاعتقال التي أسماها “معسكرات إعادة التعليم” بإقليم شينغيانغ الذي تقطنه أقلية الإيغور المسلمة.

وقالت مجلة فورين أفيرز في تقرير خاص لها إن هذه الحرب تستخدم منهجا شاملا للقمع في الإقليم المضطرب جسّده أمين عام الحزب بشينغيانغ ومهندس هذا البرنامج الأمني شن كوانغو في كلمة له يحث فيها قواته على “دفن جثث الإرهابيين في البحر الواسع للحرب الشعبية”، الأمر الذي طال آلاف الأبرياء.

وأقام الحزب خلال 12 شهرا التي سبقت عام 2017 نحو مئة ألف نقطة أمنية في شينغيانغ، ووزع كل مواطني الإقليم إلى ثلاث فئات: “آمن”، و”عادي”، و”غير آمن” على أساس العمر، والعقيدة، وممارسة الشعائر الدينية، والاتصالات الخارجية، والتجربة في الخارج. ومن وقعوا في فئة “غير آمن” بغض النظر عن ارتكابهم عملا غير قانوني أو لا، يتم احتجازهم وسجنهم بشكل منتظم دون أي إجراءات قانونية.

احتجاز بالجملة
والتقديرات تشير إلى أن هناك نحو ثمانمئة ألف في الإقليم -أغلبيتهم من أقلية الإيغور- تم احتجازهم في معسكرات “إعادة التعليم”، وهو رقم يقترب من نسبة 10% من سكان شينغيانغ البالغ عددهم 11 مليون نسمة.

الطالب الإيغوري إيمان يدرس بإحدى الجامعات بالولايات المتحدة، وتعمدت الصحيفة عدم الكشف عن اسمه الحقيقي واسم الجامعة أو الولاية التي يدرس بها، وكل ما من شأنه أن يقود إليه.

قدم إيمان إلى الولايات المتحدة قبل سنوات قليلة بعد نجاحه الباهر في المؤسسات التعليمية الصينية ونيله شهادة جامعية عليا من شرق الصين، وعاد العام الماضي إلى بلاده لقضاء إجازة الصيف مع والدته في شينغيانغ.

التمييز بالفنادق
وخطط إيمان لقضاء أيام بالساحل الشرقي للصين مع أصدقائه قبل ذهابه إلى شينغيانغ، ووصل إلى بكين حيث عاش سنوات وشعر بفرح طاغٍ رغم الرحلة الطويلة والإرهاق، ورغم التمييز الذي يتوقعه، إذ إن أفراد الأقليات في الصين -خاصة الإيغور- ترفض الفنادق أحيانا استضافتهم لديها.

وقبل نزوله من الطائرة أبلغته المضيفة أن مسؤولين في انتظاره على سلم الطائرة، وكانوا ثلاثة من قومية الهان المهيمنة في الصين بالزي الرسمي لقوات الحدود الصينية.

التقديرات تشير إلى أن هناك نحو ثمانمئة ألف في إقليم شينغيانغ أغلبيتهم من أقلية الإيغور تم احتجازهم في معسكرات “إعادة التعليم”، وهو رقم يقترب من نسبة 10% من سكان الإقليم البالغ عددهم 11 مليون نسمة

أُقتيد إيمان إلى الاحتجاز، حيث تعرض لتفتيش دقيق شمل كل فتحات جسده وتجاويفه، بالإضافة إلى هاتفه وحاسوبه، وكان قد ألغى كل الملفات الحساسة قبل صعوده الطائرة في أميركا.

لا وجود لتهمة
لم تعثر الشرطة على شيء يتهمونه به، الأمر الذي أثار غضب الضابط المحقق، الذي بدأ يمطره بأسئلة من قبيل: “ماذا تفعل في أميركا الشمالية؟ أين تدرس؟ لقد عثرنا على بطاقات تعريفية لبعض الأساتذة الصينيين، أنت تعرف كثيرا من الأشخاص المهمين.. أليس كذلك؟”

ولم يكن التحقيق في المطار غريبا على إيمان، لكن هذا التفتيش كان مختلفا ولم يحدث من قبل، ثم أبلغوه بأنهم سيأخذونه إلى سجن محلي في شينغيانغ، ورفض المسؤولون إعطاءه سببا لذلك، كما رفضوا طلبا له بالتحدث إلى والدته.

وقضى إيمان تسعة أيام في الاحتجاز بسجن الحدود ببكين قبل أن تأتي قوة أمنية أخرى من شينغيانغ لأخذه إلى هناك، وكان الوحيد من الإيغور بين 34 آخرين في غرفة واحدة.

قيدت قوات الأمن من شينغيانغ أيدي إيمان قبل صعوده للقطار، وداخل القطار وجه الضباط الثلاثة المرافقين له أسئلة رسمية، بينها سؤال عن سبب عدم قدومه إلى الصين قبل العشرين من مايو/أيار، حيث طلبت السلطات من جميع الإيغوريين الذين يدرسون بالخارج أن يكونوا بقراهم قبل هذا التاريخ، وأكد لهم أنه لم يتسلم هذا التعميم.

تجويع متعمد
وقضى أربعتهم خمسين ساعة قبل أن يصلوا إلى شينغيانغ في غرفة ضيقة. ولم يُعط إيمان طعاما طوال الرحلة إلا خبزا جافا بمبرر أنه لا يوجد طعام حلال، ولم يؤذن له بمغادرة الغرفة إلا إلى المرحاض وبرفقة أحد مرافقيه.

ووصل الأربعة إلى محطة الشرطة ببلدة إيمان، وهو يشعر بالإعياء الشديد جراء الجوع والجفاف وكذلك الغثيان الحاد، وقبل التحقيق الثالث معه شعر إيمان بأنه سيُغمى عليه، وأعطوه وجبة من المكرونة والخضار.

ثم أدخلوه قاعة مظلمة من سجن محاط بأسوار عالية، وأخذوا صورة فوتوغرافية له وهو عارٍ إلا من ملابسه الداخلية وحلقوا شعر رأسه، وبعد ذلك أخذوه إلى غرفة بها 19 من الإيغور الآخرين وسترة صفراء لامعة تغطي صدره، وأعطاه أحد النزلاء سروالا قصيرا.

بالغرفة مرحاض واحد وحنفية واحدة وسرير واسع واحد ينام عليه كل النزلاء، وأعطوه إناء معدنيا وملعقة.

روتين قاتل
وقال إيمان إنهم وخلال 17 يوما التي قضاها بالسجن كانوا يمارسون روتينا غير محتمل، حيث يستيقظون في الخامسة صباحا، ويمنحون عشرين دقيقة للاغتسال وترتيب السرير والمكان، ويتناولون وجبة إفطار فقيرة في السادسة صباحا. ثم يتمشون داخل غرفتهم ساعات وهم ينشدون بيتا من الشعر أشبه بالنشيد الوطني باللغة الصينية، ثم يشاهدون أفلاما لإعادة التعليم -وهي محاضرات عن الإسلام الصحيح وفقا للرؤية الحكومية الصينية- حتى وجبة الغداء. وكانت وجبات طعامهم لا تتغير.

وحتى بعد الإفراج عنه، ظل إيمان حبيسا لحواجز إلكترونية تفرضها عليه البيانات المسجلة ببطاقة هويته، التي يمكن التعرف عليها في أي نقطة أمنية بشينغيانغ. وبموجب هذه البيانات التي تحكي ماضيه “الإجرامي”، فهو ممنوع من دخول أي مبنى حكومي، وممنوع من استخدام أي وسيلة نقل عام، ومن دخول أي متجر.

والأمر الذي لم يجد إيمان تفسيرا له حتى اليوم هو السماح له بالعودة للولايات المتحدة والاستمرار في دراسته الجامعية، ولا يدري وهو في أميركا إن كان سيعود إلى الصين أو إذا كان من المناسب كتابة رسالة بالبريد الإلكتروني لوالدته أو الاتصال بها تلفونيا؟

(المصدر: فورين بوليسي / الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى