سايكس بيكو الثانية أهدافها الإقليمية والعالمية

سايكس بيكو الثانية أهدافها الإقليمية والعالمية

بقلم أبو يعرب المرزوقي

يؤاخذني الكثير من الأصدقاء وخاصة الأعداء على أمرين اعتز بهما كبير الاعتزاز:
• أني لا أومن بوطن غير دار الإسلام والعالم
• ولا أومن بقيم غير قيم القرآن التي هي في آن قيم العقل بأبعادها الخمسة: حرية الإرادة وصدق العلم وخير القدرة وجمال الحياة وجلال الوجود وجملتها هي رؤيتي للواحد المعبود.
وهم لا يؤاخذوني عليها بصورة مجردة بل بسبب ما ترتب عليها في مواقفي مما يجري في دار الإسلام منذ أن كان أول ما تعلمت هو حفظ القرآن الكريم برعاية الوالد رحمه الله والكتاب الخاص بالأسرة وراء منزلنا مباشرة وهو في آن مبيت أي ضيف ليس من المعارف يمر بأرضنا في شمال تونس من ولاية بنزرت فرع المرازيق فيها.

فكم مرة يأتي الرد من المعلقين: ما دخلك بما يجري في سوريا والعراق ومصر والسعودية والخليج عامة والآن في ليبيا والسودان والجزائر خاصة. ولا بد هنا من التمييز بين نوعين من هذه الاقطار. فبعضها التدخل علته ما وصفت مما أومن به لأني لا اعترف بالحدود التي فرضها الاستعمار لإضعاف الأمة فحسب.
والبعض الآخر يضاف إليها علة ثانية: وهي ما أراه في سلوك حكامها وبعض نخبها من حرب على هذه المبادئ التي آمنت بها منذ نعومة أظافري. وحتى عندما يكون هذا السلوك في ظاهره مقصورا ضرره على بلاد أصحابه فإنه في النهاية يؤدي إلى ضرر يشمل الأمة كلها بالتناسب مع حجم البلد المعني في كل حالة.
ولذلك فموقفي لا يقتصر على ما يسمى بالوطن العربي -وهو اسم لم أعد أقبل به لأنه وطن عدة شعوب آمنت بالثقافة الإسلامية التي لسانها عربي لكنها ليست عربية بالمعنى العرقي- ومن ثم فالاسم مستفز لغير العرب ويمكن أن يحيي العرقيات التي اراد الإسلام الحد من تجاوزها المستوى الثقافي الشعبي لا غير. ولذلك فقد سميته إقليم الوسط بين القارات القديمة الثلاث.

وأبدأ بإيران وفيها أميز بين شعوبها وهي متعددة وبين قياداتها التي هي باطنية متنكرة هدفها الانتقام من الإسلام والعرب بإسلام محرف هو في الحقيقة بأساسيه عين الإيديولوجيا الصفوية -أعني الوساطة الروحية للمرجعيات والوصاية السياسية للأئمة- وهما تصوران منافيان للغاشية 21 و22 وللشورى 38.
وما كنت لأكتب في أمرها من منطلق علم الكلام حول العقائد والشرائع لو كانت مقتصرة على بلدها. فأكره شيء عندي جدل الفرق الكلامية. لكنها بعد ما نصب الاستعمار الغربي الملالي خوفا من ثورة الشعب الإيراني على الشاه صارت قوة تخريب شامل وتصورت أن فرصة تحقيق حلم الانتقام من الإسلام الذي هو عقيدة السنة واسترجاع ما تسميه أرضها.
فتبين بذلك أنها تواصل الخطة التي بدأت باغتيال الفاروق وإسقاط الدولة الأموية والتحالف مع الصليبيين ومع المغول ومع الاسترداديين (البرتغال في الشرق) ومع الاستعمار في عهد الشاه ثم مع مغول الغرب (أمريكا وإسرائيل) كجرافة تخدم الاستعمار وتتصور أنها تستخدمه لتحقيق أهدافها مثل إسرائيل.

وكنت أتصور الأمر مقصورا على إيران فإذا بحروب الخليج الأولى ثم الثورة تظهر أن شيعة العرب أكثر حقدا على السنة حتى من عتاة الملالي. فإيران لم تسقط العراق وسوريا ولبنان واليمن وربما هي قادرة على اسقاط الكويت والبحرين وحتى السعودية والإمارات وقطر وعمان بهم وليس بجيشها.
وقد صنفت ميليشياتها العربية إلى نوعين: مليشيات السيف (كحزب الله وأنصار الله وهما في الحقيقة حزب الباطنية والملالي) ومليشيات القلم وأغلبهم من مرتزقة الأعلام العربي سواء كان مسلمين أو مسيحيين -ومن مخازي أصحاب القضية- أن الكثير منهم يخونون فلسطين لإخلادهم إلى الأرض وعبادة العرض.
ثم تطور الأمر فانضافت الفتنة الصغرى (المقابلة علمانية دين) إلى الفتنة الكبرى (المقابلة سنة شيعة) فأصبح أكثر القيادات العربية ونخبها التي تدعي الحادثة جهلا وجهالة يدعون العلمانية والقومية وكونوا دولا هي محميات تدعي الحداثة ومحاربة الإسلام بـ”أتاتركية” بدائية تجاوزتها تركيا فصعدت وتحررت من التبعية.
وكانت هذه الموضة قد بدأت في عهد القطبين السابقين لما صارت الأحزاب القومية العربية والتي هي كلها أحزاب فاشية بدأت غربية وانتهت سوفياتية تؤسس دولها على تاريخ مزعوم متقدم على تاريخ الإسلام مثل البابلية والفرعونية والقرطاجنية محاولة إلحاق التاريخ بالجغرافيا التي فرضها الاستعمار.
ولما فشلت كل هذه المحاولات وبينت الثورة أن الشعوب لما صارت قادرة على الاختيار الحر اختارت الإسلام الذي لا يفصل بين العبادات وقيم الإسلام في السياسات التي تحقق حرية الأنسان وكرامته بمعنى الرؤية الإسلامية التي هي مستقبل الإنسانية تبينت التبعية للاستعمارين وذراعيهما في الإقليم.

وهذه هي حربي الحالية: مع البدو الذين يدعون الحداثة التي لا تتجاوز الإخلاد إلى الأرض والتبعية لإسرائيل وحاميتها أمريكا ومع الطائفيين وبقايا الباطنية والصليبية في الاقليم ممن يزعمون الانتساب لكذبة فرضها دهاة فارس والباطنية على سذج العرب في بداية الإسلام للانتقام من الإسلام تبعية للذراع الثانية إيران وحاميتها روسيا.
وأحمد الله فالحرب التي لم أتوقف عن الكلام فيها وعليها منذ أكثر من أربعة عقود لم أعد بحاجة لإثباتها ولا لتحليل منعرجاتها لأنها صارت علنية. فتوابع إسرائيل وأمريكا لم يعودوا يخفون ذلك. وتوابع إيران وروسيا مثلهم لا يخفون ذلك. ولا أحد يصدق إيران ومليشياتها ولا السعودية ومليشياتها. وبتجلي الظاهرة بوجهيها أصبح بالوسع بيان طبيعتها إذا ألحقت بما يريده الغرب لتحقيق غايتين:

  1. السيطرة على دار الإسلام.
  2. أداة للبقاء صاحب السلطة على العالم أعني لمنع منافسه من الشرق الأقصى من سبقه للاستحواذ عليها ليصبح مستقلا عن الحاجة لرضاه في الحصول على حاجته من الطاقة والممرات.

ولهذه العلة سميت المعركة الحالية بمعركة سايكس بيكو الثانية رغم أن الأسماء تبدلت: فلم تعد فرنسا وانجلترا صاحبتي امبراطورية بل الامبراطورية الآن صارت إسرائيلية أمريكية وإيرانية روسية. والمستهدف هو كل دار الإسلام وخاصة قلبها أعني عواصم الخلافة السنية الأربعة لضرب رأس الأمة كلها.
فالآن إيران وروسيا يسيطران على عاصمتين من عواصم الخلافة السنية الاربعة أي دمشق وبغداد. وإسرائيل وأمريكا يسيطران على أولى العواصم في أرض الحرمين ويسعون لأسقاط العاصمة الرابعة والأخيرة أي استنبول بالانقلابات وبالحرب على عملتها واقتصادها وحتى تزييف انتخاباتها.
وما يجري في عواصم الخلافة الأربع هو المحددة لمآل المعركة التي هي معركة الثورة والثورة المضادة وهي حرب أهلية في قلب دار الإسلام وتشمل الضفة الغربية من الأبيض المتوسط. ذلك أن هدف سايكس بيكو الثانية ليس مقصورا على الجناح الشرقي بل هو يشمل الجناح الغربي من قلب دار الإسلام.

ومعنى ذلك أن المغرب الكبير بعربه وأمازيغيه مستهدف كذلك بل إن تقنيات الاستهداف واحدة: فإسرائيل تريد أن تصنع بعلمانيي الأمازيغ فيه ما تصنع بعلمانيي الأكراد في المشرق وإيران تريد أن تصنع بالتطويف والتشييع فيه ما صنعت في الهلال. والمستهدف حاليا هو تونس والجزائر وليبيا خاصة.
كتبت منذ أن صغت في ماليزيا بين 2002 و2005 في محاولة هدفها توقع مآل المعركة نموذجا هندسيا في مربع رؤوس زواياه عواصم الخلافة الأربع وتوقعت أن الخط الواصل بين الأولى والأخيرة من المفروض أن يكون الحصن الذي ينبغي أن ينقذ العاصمتين الأخرين اللذين يصل بينهما خط يقاطعه عموديا تقريبا.

لكني اعترف الآن أني قد اعتبرت أماني حقيقة: فالخط الواصل بين بغداد ودمشق تحقق فعلا لكن الخط الثاني حالت دون تحققه غباوات البداوة في المحميتين اللتين تمولان الثورة المضادة بوصفهما دمى إسرائيلية أمريكية فبقيت العاصمة الرابعة معزولة بل إن التآمر عليها وعلى الشعوب هدف كل العملاء.
ومع ذلك فصمود العاصمة الرابعة هو الأقوى لأن الشعوب كلها معه ولأن الله ناصر دينه كما وعد. لكن لا بد من استراتيجية فعالة لأن الحرب ليست صراع قوى مادية فحسب إلا إذا خضناها كمناجزة. علينا أن نخوضها حرب مطاولة تجمع بين المقاومة الشعبية والسند من دولة قوية تمد الشعوب بأدوات الحرب.
ولولا ذلك لكانت المقاومة السورية والمقاومة الليبية قد خسرت المعركة من الأسبوع الأول. صحيح أن المساعدة للمقاومة السورية كانت بنحو ما سرية. لكن المساعدة للثورة الليبية تم الإعلان عنها رسميا وربطت بالمقاومة الأولى في سوريا ولعلها تعود في سوريا بصورة علنية إذ لا مفر من ذلك.
ولهذه العلة فإني لا أفهم من يكتفي بتحليل ما يجري في أي قطر من أقطار الإقليم الذي يمثل قلب دار الإسلام وقاطرتها وكأنه بمعزل عما يجري في البقية. ما يحاك للجزائر مثلا لا يختلف في شيء مما حيك ويحاك لتركيا ولا بد من أخذ ذلك بعين الاعتبار لأن ما يجري في الإقليم هدفه سايكس بيكو عامة.

(المصدر: تدوينات)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى