أخبار ومتابعات

د. منذر زيتون: فتوى حول إنقاذ من كان تحت الزلزال

د. منذر زيتون: فتوى حول إنقاذ من كان تحت الزلزال

ما حكم التوقف عن إنقاذ شخص حي تحت الركام بحجة الخوف من انهيار المبنى على المنقذين؟ ‏

وهل يتعين انقاد منكوب تحت الركام على من كان حاضراً ويظن أنه قادر على الإنقاذ على الرغم من كونه ‏غير مختص بالإنقاذ؟

المفتي: د. منذر زيتون

إنقاذ من يتعرض للخطر هو أمر جليل وعمل عظيم في الإسلام وصاحبه مأجور من الله تعالى، وهو ‏في الأصل واجب على من قدر عليه، أو استطاع أن يساهم فيه بأي صورة ولو بمجرد طلب المعونة من الآخرين ‏أو حثهم على فعله لما في ذلك من حفظ النفس الإنسانية وإحيائها، ومعلوم أن حفظ النفس مقصد عظيم من ‏مقاصد الشريعة، وقد قال الله عز وجل: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (32) [المائدة]، وفي المقابل ‏فإن من تقاعس عن ذلك أو تخلى عن دوره في إنقاذ المبتلى والمعرض للخطر وهو يقدر على ذلك تحت ذريعة ‏الخوف أو الجبن أو اللامبالاة فإنه آثم لأنه لم يقم بواجبه الشرعي، ولو تخيل ذلك المتقاعس نفسه مكان ذلك ‏المسكين لفهم معنى أن ينصر الإنسان غيره ولعرف قيمة البذل والعطاء للآخرين من الضعفاء والمساكين ‏والمحتاجين والمعرضين للأخطار، مع ملاحظة أن الآية الكريمة السابقة تنص أيضاً على قوله تعالى: (مَن قَتَلَ ‏نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)، وأي فساد أعظم من تعريض الناس للخطر أو ‏تركهم يعانون منه مع الامتناع عن نجدتهم.‏

ولكن في نفس الوقت فإنه لا ينبغي للإنسان أن يعرض نفسه لخطر الهلاك إن علم أنه يعجز عن ‏إنقاذ غيره، فالله تعالى لا يكلف النفس بأكثر مما في وسعها، ونهى أن يعرض الناس أنفسهم للهلاك من غير ‏موجب، فقال عز وجل: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195) [البقرة]، وهذا يدعو الفرد أمام هذه المسألة ‏الصعبة أن ينظر إلى قدراته، فإن قدر مضى في عمل الخير ومد يد المساعدة لمن يحتاجها، وإن عجز عن ذلك ‏فعليه أن يستعين بمن يقدر عليها، فإن لم يجد من يعينه قام بما يقدر عليه مستعيناً بالله تعالى، سيما أن هذا ‏الواجب يعد من الواجبات الكفائية التي إن قام بها البعض سقط الطلب وما انبنى عليه من الإثم عن الباقين، ‏والتي أيضاً يتوجب على المرء فيها القيام بالحد الذي يستطيعه لأنه هو ما سيحاسب عليه.‏

وأما إن تيقن الفرد أنه يستطيع أن ينقذ غيره ولكنه يمكن أن يهلك في مقابل ذلك، فهو هنا أمام أمر ‏غاية في الأهمية يقوم على تقدير الموقف وما ينبني عليه، فإن قدَّر احتمال موته في مقابل إنقاذ غيره فإنه لا ‏يلتفت إلى الظن أو الشك ويمضي في تلك المهمة المقدسة، وما كان جهاد المجاهدين من زمن رسول الله صلى ‏الله عليه وسلم إلى يومنا هذا إلا أنه يدور في مثل هذه الدائرة، وإلا ما الذي يدفع المجاهدين إلى مواجهة العدو ‏وقتاله وهم يعلمون أن موتهم قاب قوسين أو أدنى إلا أنهم أرادوا أن يفدوا الآخرين بدمائهم وحيواتهم ويهبوا لهم ‏السلامة والأمن وإن ضحوا بأنفسهم الغالية، والشهيد في عقيدتنا حي لا يموت لما يتمتع به من رضا الله تعالى ‏وجنة الخلد والجزاء العظيم، وقد أكد على ذلك قوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ ‏أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) [آل عمران].. ‏

وإن كان موته حتمياً مع موت من يريد أن ينقذه فلا ينبغي له أن يفعل ذلك لأنه يعرض نفسه في ‏ذلك للهلاك، وأما إن تيقن من موته في مقابل إنقاذ غيره فهو هنا مخير بين أن يمضي في الإنقاذ وبين أن ‏يتوقف، ولن يكون مؤاخذاً فيما اختار لأنه في الحالتين سوف يعمل على إحياء نفس من النفوس.‏

على أن إنقاذ الآخرين لا يعني بذل النفس دائماً وإنما قد يكون أحياناً ببذل بالمال أو الوقت أو الجهد ‏وكل ذلك مأجور إن شاء الله، قال الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ ‏تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) [البقرة].‏

 

المصدر: هيئة علماء فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى