جهنم المتر المربع

جهنم المتر المربع

بقلم د. مجدي شلش

أخطر سياسة دمرت أفغانستان وسوريا وليبيا واليمن ولبنان ويراد تطبيقها في مصر، أن كل مجموعة تعمل وحدها فيما تحسن، السياسيون يعملون وحدهم، والاقتصاديون وحدهم، والشرعيون وحدهم، والجهاديون وحدهم، والمفكرون وحدهم، كل يلعب في مربعه، والمربع الواحد قد يتجزأ إلى أجزاء صغيرة، فليس كل السياسيين في مربع واحد وكذا غيرهم مثلهم.
سياسة المربع الواحد غالبًا ما تنشأ إذا فشلت التنظيمات الكبرى وأصابها شيء من الجمود أو التمزق أو الانقسام، فيُصاب البعض بالإحباط واليأس ويلجأ لسياسة المتر المربع فينكفئ كل أهل تخصص على أنفسهم غير منشغلين بغيرهم.
أمامنا دول عاشت التجربة فمُزقت كل ممزق، وما استطاعت طائفة في مساحتها التي تلعب فيها أن تقدم نجاحا ملموسًا. سوريا فيها آلاف الأمتار المربعة إن لم تجد من تحاربه حاربت نفسها وقتلت بعضها. ذات النموذج كان في أفغانستان بعد أن انتصر المجاهدون على الاتحاد السوفيتي قتلوا بعضهم من أجل أن يمتلك كل فصيل المتر المربع الذي يعيش فيه وينطلق منه الآخر. ليبيا التي ضربت الاستكبار القذافي في مقتل رجع الثوار إلى المتر المربع فذهبت ريحهم وانهارت قوتهم أمام مساحة الفدان العالمي الذي يستخدم أزلامه في كل مكان.
يُراد لنا أن نعيش في متر مربع ويرتع الاستعمار الصهيوأمريكي في المساحة الأوسع؛ فيدوس بقدمه عشرات الأمتار المربعة في كل مكان.
إنها سياسة خرقاء حمقاء أقل وصف لها قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105] وقوله تعالى: { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ…} [الأنفال: 46] مصر يراد لها أن تدخل في مهلكة المتر المربع، عشرات الجماعات الشبابية الجهادية وغير الجهادية تطل برأسها على الساحة المصرية، حتى لو انتصرت في معركتها مع الانقلاب هل تراها تجتمع على رأي واحد وفكرة واحدة بعد كسر عدوها؟ أم الاقتتال الداخلي فيما بينها وادعاء كل طائفة أنها صانعة النجاح وحدها ونعيش النموذج الأفغاني أو الليبي أو اليمني؟
جسد الأمة بشبابها ورجالها ونسائها ما زال بخير، يحتاج إلى قيادة جامعة ملهمة لا إلى نتوءات صغيرة يسهل بلعها وهضمها. الأهداف الكبرى لا يمكن أن تقوم بها مساحات مهلهة ومقسمة ومنوعة، إنما تقوم بها الكيانات الكبرى التي جمعت الطاقات الملهمة والمبدعة. الأمم والجماعات الكبرى قد تمرض وتصاب بالعطب من ذاتها لكن بديل المساحات الصغيرة أصعب من الموت الذاتي لأنه هلاك بقسوة وقوة وانحدار قيمي وأخلاقي جعل الأخ يقتل أخاه بدون رحمة أو رأفة.
الأرجح والأصوب لنا أن ننظر في سبب العطب والخلل الذي أصابنا ونعالجه فقد يصح الجسد بعد أن ظن البعض أنه تودع منه. التنوع والتخصص داخل الكيان الكبير مهم ولازم، لكن الانقسام في مساحات محدودة هلاك مبين.
آيات القرآن الكريم وأحاديث المصطفى – صلى الله عليه وسلم – تدعو إلى مساحة الأمة الواحدة ذات المكانة السامية والهمة العالية {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا…} [آل عمران: 103] التنوع في التخصص محمود ومشروع لكن في إطار الرؤية الواحدة والاستراتيجية الجامعة، هدم الكيانات الكبرى لمجرد شلل جزئي في مركز القيادة يمكن تداركه من أبناء الحركة وهم بالآلاف خيانة للتاريخ وللحاضر ودمار للمستقبل.

(المصدر: مجلة “كلمة حق”)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى