ثورة القرن في مواجهة صفقة القرن

ثورة القرن في مواجهة صفقة القرن

بقلم راجي سلطاني

المسألة بكل بساطة: شعوب ما زالت تنبض بالحياة، وتتطلع إلى الحرية، وتعتز بدينها وميراثها.

وأنظمة حاكمة تعبد كراسيّها من دون الله، وتخنع لأعدائها من الغرب والشرق من أجل إبقائها في أماكنها، وتقمع شعوبها بالحديد والنار من أجل ذلك.

كل الأنظمة الحاكمة التي هرولت وتهرول إلى ما يسمى بـ (صفقة القرن)، هرولت وتهرول من أجل إرضاء أمريكا و”إسرائيل”، حتى تَرضيا عنها، وتُبقياها في أمكانها من الحكم والسيادة والثروة.

صفقة القرن كما ذكرنا سابقا: صفقة أعلنت عنها الأنظمة الحاكمة العربية قبل أن تُعلن عنها إسرائيل وأمريكا.

فأول من أعلن عن هذه الصفقة كان عبد الفتاح السيسي رأس النظام الحاكم المصري، وقد أعلن عنها في زيارة لأمريكا، وفي حضور رئيسها ترامب. ثم توالى الحديث من بعد ذلك عن هذه الصفقة، وعن ملامحها، في تحليلات وتوقعات وتسريبات.

والعجيب أنه لم تعلق أمريكا ولا “إسرائيل” رسمياً -حتى هذه اللحظة- على صفقة القرن هذه. ولم يخرج أي تعليق رسمي -فيما أعلم- إلا من السيسي كما ذكرنا آنفا. وذلك يشير إلى أن بعضا من الأنظمة العربية الحاكمة قد أصبحت صهيونية أكثر من الصهيونية اليهودية والمسيحية نفسها. أو ربما يشير إلى أن الأنظمة العربية الحاكمة هي الأكثر هرولة ناحية إتمام صفقة القرن من أجل مصلحتها في إرضاء أمريكا و”إسرائيل” لضمان بقائها ومصالحها.

الأنظمة العربية الحاكمة في مسألة صفقة القرن أصبحت (ملكية أكثر من الملك)   كما يقولون، والملك هنا (أمريكا وإسرائيل)، والملكيون يتوددون للملك ويخنعون له من أجل بقائهم في زمرته، التي تضمن لهم بقاء كراسيّهم ومكاسبهم.

بعض الآراء التي تتحدث عن أن الأنظمة العربية الحاكمة أكثر إلحاحاً على إتمام صفقة القرن من أمريكا و”إسرائيل” آراء واردة بقوة.

ويقولون في ذلك: إن هذه الأنظمة تدفع أمريكا و”إسرائيل” دفعاً من أجل هذا الإتمام، وأنها تستخدم إغراءاتها المادية لقادة أمريكا و”إسرائيل” من أجل ذلك.

والحديث لا يتوقف عن ترامب الذي تحركه مليارات الخليج، التي يدفعها له الخليجيون بشكل علني في صورة صفقات وتجارات، ويدفعونها له بشكل سري في شكل هدايا ورشاوى مباشرة.

صفقة القرن ستتم وتنجح إلا إذا وقف الشعب الفلسطيني صفاً واحداً ضدها، بكل ألوانه السياسية والحزبية والحركية. وحتى هذه اللحظة: يبدو أن الشعب الفلسطيني على قلب رجل واحد في رفضها ومدافعتها. وموقف حركة فتح -على غير عادتها- موقف مشرّف ومنحاز لمصالح الوطن والشعب الفلسطيني.

غير أن الخوف كل الخوف، أن يكون موقف قيادات فتح هو مجرد موقف خادع، يظهر غير ما يبطن!

ففكرة أن يلعب البعض أدواراً مرسومة في ظل لعبة عالمية كبيرة تديرها أمريكا و”إسرائيل” وترسم ملامحها فكرة واردة بقوة. وقد اكتوينا نحن العرب والمسلمين بنار هذه الأدوار الخفية المرسومة كثيراً في تاريخنا العربي الحديث. ولا تُكشف هذه الأدوار إلا بعد تمامها ونهاية عصرها وأحداثها، لنكتشف حينها كم كنا أغبياء وسذّج في الحكم عليها والتعاطي معها.

فكرة أن يلعب البعض أدواراً مرسومة في ظل لعبة عالمية كبيرة تديرها أمريكا و”إسرائيل” وترسم ملامحها فكرة واردة بقوة. وقد اكتوينا نحن العرب والمسلمين بنار هذه الأدوار الخفية المرسومة كثيراً في تاريخنا العربي الحديث

لكن الفلسطينيين لن يستطيعوا أن يقاتلوا وحدهم العالم أجمع، ولا أن يقفوا وحدهم أمام آلة هذه الصفقة ، والتي يبدو -إلى الآن- أنها آلة قوية مدمرة ستسحق كل من سيقف أمامها.

ولهذا لا بد أن تتوحد الشعوب العربية والإسلامية مع الشعب الفسطيني ضد هذه الصفقة المشبوهة التي تريد أن تنهي القضية الفلسطينية نهاية مأساوية، لا تبقى فيها حقوق ولا أرض ولا مقدسات.

وإذا ما ظلت الشعوب العربية خانعة لحكامها، الخانعين بدورهم لأمريكا و”إسرائيل”، فستمر صفقة القرن، ولن يستطيع الشعب الفلسطيني وحده إفشالها وإنهاءها.

لقد انتفضت الشعوب العربية في ثوراتها العربية ضد أنظمة الديكتاتورية والفساد والتبعية لأعداء الأمة، فيما سمي بـ (الربيع العربي). وانتكست هذه الثورات العربية بفعل التآمر الداخلي والخارجي، ثم عادت لتبض مرة أخرى بالحياة في (الجزائر والسودان).

ليتأكد لنا: أن ما حدث في ثورات الربيع العربي منذ بدايته في تونس 2010م، ثم في مصر وليبيا واليمن وسوريا، إلى أن وصل للجزائر والسودان، هو ثورة عربية كبرى، يحق لنا أن نسميها بـ (ثورة القرن) في مقابل (صفقة القرن).

فصفقة القرن هي خنوع وعمالة من الأنظمة العربية الحاكمة لأمريكا و”إسرائيل” من أجل كراسيها ومصالحها. وثورة القرن هي ثورة من الشعوب العربية الحاكمة ضد الأنظمة الخانعة والعميلة من أجل حريتها وأوطانها.

صفقة القرن هي خنوع وعمالة من الأنظمة العربية الحاكمة لأمريكا و”إسرائيل” من أجل كراسيها ومصالحها

إلا أن ثورة القرن ما زالت تفور في البلدان العربية، فما زالت النار مشتعلة في سوريا وليبيا واليمن، وما زالت النار مشتعلة من تحت الرماد في مصر، ويوشك أن يكون لها ضرام، وها هو البركان قد انفجر في السودان وليبيا، والبقية تأتي.

ولهذا نقول إن نجاح صفقة القرن مرتبط ارتباطاً كبيراً بإفشال ثورة القرن، ونجاح الأنظمة الحاكمة في لجم شعوبها التي تطلعت للحرية بعد طول عبودية وديكتاتورية.

نجاح صفقة القرن مرتبط ارتباطاً كبيراً بإفشال ثورة القرن، ونجاح الأنظمة الحاكمة في لجم شعوبها التي تطلعت للحرية بعد طول عبودية وديكتاتورية

ولذلك فإن النظام العالمي قد ترك العنان للأنظمة العربية الحاكمة من أجل أن تفعل ما تريده بشعوبها لإفشال ثورتها وكبح جماحها.

فمن كان يتخيل أن يترك العالم بشار لكي يفعل ما يفعله بالشعب السوري، ومن كان يتخيل أن يترك العالم السيسي لكي يفعل ذلك بحركة سياسية سلمية، وأن يقتل رئيس مصر بعد الانقلاب عليه، بهذا الشكل الأسطوري.

لقد بات العالم بلا أخلاق، والمصلحة تحكم الجميع، والمؤامرة على العرب والمسلمين مؤامرة كبيرة، والمصلحة الصهيونية هي من أكثر الأشياء التي تحكم العالم كله وتحكم سياساته .

وصفقة القرن صفقة يتآمر لها العالم كله تقريبا، ولن تنجح هذه الصفقة إلا بتآمر الأنظمة الحاكمة العربية، وفشل هذه الصفقة متوقف على صحوة الشعوب العربية ضد أنظمتها الخانعة والعميلة، وما زالت ثورة الشعوب العربية نابضة، والقادم هو الانتصار لواحد منهما، إما الأنظمة الحاكمة الخانعة والعميلة، وإما الشعوب العربية التي ما زالت تتطلع للحرية والكرامة والعزة وحماية الأرض والمقدسات.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى