كتاباتكتابات مختارة

تهجير آسام: حلقة جديدة في مسلسل اضطهاد مسلمي الهند

تهجير آسام: حلقة جديدة في مسلسل اضطهاد مسلمي الهند

بقلم إسلام المنسي

في مشهد جديد من مشاهد التطرف اليميني في الهند ضد الأقلية المسلمة، أجبرت الشرطة الهندية آلاف القرويين المسلمين على النزوح من مساكنهم في منطقة دارانج بولاية آسام، وقد صاحب عملية الطرد استعمال العنف بطريقة مفرطة ضد المحتجين.

بدأت الأزمة حين زار رئيس وزراء ولاية آسام الحالي، هيمانتا بيسوا سارما، المنطقة في 7 يونيو/حزيران، وأصدر تعليماته بإخلاء المنطقة التي يشغلها من وصفهم بـ«المستوطنين غير الشرعيين» من أجل إقامة مشروع الزراعة المجتمعية للشباب في نفس المكان، فطالبت حكومة الولاية بالأرض التي تقيم عليها 800 أسرة مسلمة، ولجأ السكان إلى المحكمة العليا استنادًا لقانون سياسة الأراضي بالولاية الصادر عام 1989، وينص على تملك أراضي الدولة لمن يستعملها ثلاث سنوات، إذ تقيم تلك العوائل في هذه المنطقة منذ عام 1970.

ولكن السلطات فاجأتهم بالليل وطلبت منهم الرحيل. وفي صباح يوم 25 سبتمبر/أيلول، هاجمتهم قوات الشرطة مدججة بالسلاح مصحوبة بعدد من الجرافات الكبيرة التي هدمت جميع مساكنهم وسوتها بالأرض. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل بدأ رجال الشرطة وموظفو البلدية في إحراق أمتعة الأهالي وأموالهم ولم يسمحوا لهم بأخذها.

وحين احتج السكان الغاضبون، فتح الجنود نيران أسلحتهم عليهم، فقتلوا ثلاثة منهم، وجرحوا نحو عشرين، واختفى بعضهم وأصبحوا في عداد المفقودين لا يعلم أحد عددهم ولا أين ذهبوا. ووجد الآلاف أنفسهم وقد أُجبروا على العيش في العراء على ضفاف نهر خلال موسم المطر. وفي اليوم التالي، هطلت أمطار غزيرة في المنطقة مما أدى لإصابة العديد من الأطفال بالمرض.

فيما غرد رئيس وزراء الولاية على موقع تويتر قائلاً إنه «سعيد» بالطريقة التي قامت بها إدارة المنطقة بتطهير الأرض من 800 أسرة إلى جانب «هياكل دينية غير قانونية»، في إشارة للمساجد التي هُدمت، مؤكدًا على أن عملية التهجير ستستمر.

ومرت الواقعة التي حدث مثلها العديد من المرات في الهند دون أي أثر، لولا أن مصورًا هنديًا يدعى بيجوي بانيا، استطاع إثارة الأمر ليس عن طريق تصوير الحادثة، بل بمشاركته في مهاجمة أحد المحتجين حتى لفظ أنفاسه الأخيرة مضرجًا بدمائه، بينما كان المصور يقفز فوق جسمه بعنف. وأذيع المشهد الذي التقطته كاميرا أحد الموجودين، وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم تجاهل القنوات الهندية للموضوع، إلا أنه ذاع صيته حول العالم وتصدر هاشتاج #الهند_تقتل_المسلمين قائمة الأكثر تغريدًا في عدة دول، فحاولت نيودلهي احتواء الموقف وأعلنت القبض على الرجل.

معسكرات الاحتجاز

وبخلاف إعلان القبض على المصور لم تتخذ حكومة ولاية آسام أي إجراء ضد شرطة منطقة دارانج التي نفذت الهجوم، إذ إن رئيس شرطة دارانج، هو سوشانتا بيسوا سارما، شقيق رئيس الوزراء، كما رفض حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند التهم الموجهة للشرطة وقال إن قواتها كانت في حالة دفاع عن النفس.

فحملة الإخلاء التي نفذت في منطقة يسكنها مسلمون يتحدثون البنغالية، تتم في إطار خطة ممنهجة ضد مسلمي ولاية آسام منذ فترة طويلة، فالحزب الحاكم ينتمي إلى اليمين الهندوسي المتطرف وهو يقود حملة إعلامية للتحريض ضد مسلمي الولاية المتحدثين باللغة البنغالية حتى أنه توجد لافتات في الأماكن العامة بآسام تطالب بطردهم وتهجيرهم.

وبدأت عمليات التهجير هذه منذ تمكن حزب بهاراتيا جاناتا من الفوز بحكم ولاية آسام في 2016، وقد نجح في تهجير 20 ألف مسلم تقريبًا، وإنشاء معسكرات احتجاز لهؤلاء المواطنين وتجريدهم من جنسيتهم واعتبارهم أجانب وإطلاق وصف «المهاجرين البنغاليين» عليهم، ووصل عدد المعسكرات داخل الولاية إلى ستة، وتقع داخل السجون في أماكن منفصلة.

وتبلغ نسبة المسلمين في آسام حوالي ثلث سكان الولاية البالغ عددهم 34 مليون، وهي بذلك تعد ثاني أعلى نسبة للمسلمين في الهند بعد كشمير مما يجعلها مستهدفة من اليمين الهندوسي المتطرف، وتقع آسام في الشمال الشرقي للهند وتمتد ما بين الحدود مع بوتان شمالاً إلى الحدود مع بنجلاديش جنوبًا، وتعد من أغنى مناطق إنتاج النفط والغاز الطبيعي في الهند.

الهند تحترق بسبب الكراهية

وقد تظاهر عدد كبير من الناس في الشوارع في مدينتي دلهي ورانتشي عاصمة ولاية جهارخاند احتجاجًا على تهجير سكان آسام ومشاهد القتل المروعة التي انتشرت على الإنترنت.

وقد أدان حزب المؤتمر الهندي ما حدث، واتهم زعيم الحزب، راهول غاندي، الحكومة بأنها تشعل النار في ولاية آسام بأفعالها وقال: «إنني أتضامن مع إخواننا وأخواتنا في الولاية.. لا يستحق أطفال الهند هذا»، مضيفًا: «مثل باقي الهند .. آسام تحترق بسبب الكراهية التي ينشرها حزب بهاراتيا جاناتا».

ويواجه المسلمون مشاكل عديدة وانتهاكات مروعة لأسباب مختلفة، لكن العامل المشترك أن كل هذه الأحداث تقع في الولايات التي يحكمها بهاراتيا جاناتا.

وبينما تمارس السلطات اضطهادًا ضد المواطنين المسلمين، تعمل في الوقت ذاته على تسريع عملية منح الجنسية للأجانب من أصحاب الديانات الأخرى القادمين من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان.

ويتهم المعارضون الحكومة بأنها تفتعل الحوادث الطائفية لحشد التأييد لها وسط الهندوس لإخفاء إخفاقاتها الحادة في الاقتصاد وفي عدة مجالات على رأسها إدارة أزمة فيروس كورونا، ويتهكم هؤلاء المعارضون على رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الذي تصادف خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع نفس اليوم الذي وقعت فيه مشاهد القتل ​الوحشي وتم تهجير السكان في آسام، إذ كانت الأقمار الصناعية تبث كلمة مودي من نيويورك التي كان يُلمح فيها إلى تشدد حركة طالبان الأفغانية ويوجه نصائحه لها قائلاً: «أولئك الذين يستخدمون التطرف كأداة سياسية ذات تفكير رجعي يجب أن يفهموا أن الإرهاب يمثل تهديدًا مماثلًا لهم».

المصدر: موقع إضاءات

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى