كتاباتكتابات مختارة

تنشيط المقاومة في الضفة الغربية.. الأداة الأهم لمنع الالتفاف على قاعدة غزة

تنشيط المقاومة في الضفة الغربية.. الأداة الأهم لمنع الالتفاف على قاعدة غزة

بقلم أحمد التلاوي

جرت في الآونة الأخيرة مجموعة من عمليات المقاومة ذات الطابع العسكري المباشر ضد المستوطنين في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة، وكان آخرها حتى لحظة كتابة هذه السطور، هي تلك التي وقعت بالقرب من مستوطنة “حومش”، شمالي الضفة الغربية، وأدت إلى إصابة ثلاثة من المستوطنين، لقي أحدهم مصرعه بعد ذلك.

قبل أيام، تكلمنا في هذا الموضع من الحديث، حول القرارات الأخيرة التي اتخذتها أو قالت إنها بصدد اتخاذها، بلدان مثل بريطانيا وأستراليا وألمانيا، باعتبار حركة “حماس” الفلسطينية و”حزب الله” اللبناني، جماعات إرهابية، بما في ذلك الأجنحة السياسية لها.

ورأينا ارتباط هذه السلسلة من القرارات والتصريحات التي خرجت من مسؤولي هذه البلدان، بعملية إعادة التهيئة الشاملة التي بدأتها إدارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن لخريطة السياسة الخارجية الأمريكية وأولوياتها، من أجل محاصرة النفوذ الصيني والروسي، ومن بين ذلك تقييد أيدي الحلفاء الإقليميين للروس والصينيين.

وهؤلاء الحلفاء في حالة منطقتنا العربية والشرق الأوسط، إيران والفصائل المسلحة التي تعمل في اليمن ولبنان، وفي قطاع غزة، وتشتبك مع عدد من الملفات الإقليمية، والتي من بينها الصراع العربي الصهيوني، كما في حالة “حماس” و”حزب الله”.

ولا يمكن فصل ذلك عن التطورات الأخيرة التي طرأت على ملف التطبيع بين العرب والكيان الصهيوني، عندما نجحت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في تطبيع العلاقات بين أربع من الدول العربية، وهي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، مع الكيان الصهيوني، فيما عُرِفَ بـ”اتفاقات أبراهام” نظير حوافز مادية وسياسية منحها ترامب للدول العربية الأربع بكرمٍ كبير!

هذا التطور ساهم في تقليص لن نقول فرص معالجة القضية الفلسطينية من خلال الخيار العسكري المثالي، أي أن يخوض العرب –لا سمح الله- حربًا وجودية ضد الكيان الصهيوني، فهذا من باب الخيال العلمي، ولكن حتى وفق الحد الأدنى من التصورات المتعلقة بإقامة دولة فلسطينية على حدود الـ67، أو وفق تصورات أوسلو الكسيحة!

لنُضِف إلى أركان الصورة، تطورًا آخر، وهو وضوح تغير مواقف بعض الأطراف التي كانت تقول بأنها حليف تقليدي للفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، مثل قطر، بعد تحولات الموقف في الخليج وعلى مستوى العلاقات القطرية العربية بشكل عام؛ حيث نقف –من دون الدخول في نوايا أحد– أمام موقف غريب بالفعل، وهو الاتفاق الذي أُعلِن عليه بين مصر وقطر يوم 17 نوفمبر الماضي لتوريد الوقود ومواد البناء الأساسية إلى قطاع غزة، والذي أعلنت حركة “حماس” عبر أحد وزرائها، أنها لا تعلم عنه أي شيء.

الإعلان جاء من جانب وزير الدولة للشؤون الخارجية القطرية، سلطان بن سعد المريخي، خلال اجتماع للجنة الاتصال المخصصة لتنسيق المساعدات الدولية للشعب الفلسطيني، عقد في حينه بالعاصمة النرويجية أوسلو، من دون دعوة ممثل عن السلطة القانونية الحاكمة في قطاع غزة، وهي “حماس”.

ولابد هنا من لفت النظر إلى أن هذه التحركات، تتماهى بشكل وثيق مع الرؤية التي طرحتها الحكومة الصهيونية الجديدة بقيادة الثنائي بينيت – شاكيد، عن فرض الهدوء مع قطاع غزة من خلال معالجة الملف الاقتصادي.

ولكن، ولئن كان من الممكن فهم أو استيعاب الموقف المصري باعتبار أن ملف قطاع غزة، بات أحد أهم ملفات الأمن القومي التي تعاونت فيها القاهرة مع “حماس” في السنوات الماضية لضبط الأوضاع الأمنية على الحدود بين مصر والقطاع، فلا يمكن فهم الموقف القطري، سوى في إطار التحولات التي تشهدها السياسة الإقليمية في الوقت الراهن وفق المنظور السابق.

وهنا نعود جزئيًّا إلى قرار اعتبار الحكومة البريطانية على وجه الخصوص، بوضع الجناح السياسي للحركة، على قوائم الإرهاب؛ حيث القرار من شأنه تقييد حرية حركة التيار المؤيد للقضية الفلسطينية في بريطانيا، ذات التأثير في أوروبا والغرب كله، وكانت لندن من أهم روافع تحريك الرأي العام الغربي في الشأن الفلسطيني في العقود الماضية.

كما أن القرار يؤذي كثيرًا جهود إسناد قطاع غزة إنسانيًّا، وهو ما عبَّر عنه حتى النائب المحافظ في مجلس العموم البريطاني، كريسن بلانت، الذي قال إن قانون اعتبار الجناح السياسي لـ”حماس”، منظمة إرهابية، سيكون له “تأثير مخيف على الوضع الإنساني في غزة، كون الحركة هي السلطة السياسية والقانونية المسيطرة على القطاع، كما قال بأن ذلك سوف يكون ذلك بمثابة نهاية لحل الدولتين.

ولو أننا وضعنا ذلك جنبًا إلى جنبٍ مع خطة الحكومة الصهيونية التي باتت مدعومةً عربيًّا، بالذات بعد العدوان الأخير على قطاع غزة، في شأن اعتبار الملف الاقتصادي له الأولوية؛ فإننا سوف نجد أنفسنا أمام واقع بأن فصائل المقاومة المسلحة في القطاع باتت في موقف حرِج؛ حيث إن أي تصعيد ضد الاحتلال، يعني أنها سوف تكون مسؤولة جزئيًّا عن تعطيل جهود تحسين أحوال الفلسطينيين في القطاع، وهو ما سوف يؤثر على الموقف السياسي لحركة “حماس” على وجه الخصوص باعتبارها الهدف الأكبر لكثير مما يجري.

برغم ذلك، تبنت حركة “حماس” سياسات في الحد الأدنى، مثل إعلان الذراع العسكري للحركة، كتائب الشهيد عز الدين القسام، عن مناورات “درع القدس”، للحفاظ على مستوى الجاهزية.

لكن يبقى الخيار الأكثر فاعلية في هذا الصدد، هو المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، وبخاصة ضد النقاط الأمنية والعسكرية للاحتلال، وضد المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية المحتلة، ومن دون الإعلان رسميًّا عن تبني أيٍّ من الفصائل الفلسطينية لأيٍّ من هذه العمليات.

إن التصعيد في الضفة الغربية، هو أحد أهم القواعد التي ينبغي العمل عليها الفترة المقبلة؛ حيث إن لديه الشرعية القانونية، والمشروعية الجماهيرية، في ظل كون الضفة الغربية لا تزال أراضٍ محتلة، ومن حق سكانها مقاومة الاحتلال بشتى الصور

إن التصعيد في الضفة الغربية، هو أحد أهم القواعد التي ينبغي العمل عليها الفترة المقبلة؛ حيث إن لديه الشرعية القانونية، والمشروعية الجماهيرية، في ظل كون الضفة الغربية لا تزال أراضٍ محتلة، ومن حق سكانها –العاديين المدنيين– مقاومة الاحتلال بشتى الصور، وهو حتى –لموافقات القدر– أيدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار جديد لها قبل أيام.

إن المطلوب الآن ليس كسر الصمت في جبهة قطاع غزة؛ حيث أوضاعها السياسية والأمنية صارت شديدة التعقيد، وحسابات المكسب والخسارة فيها، ربما لا تُمِيل الكفة إلى خيارات التصعيد المباشر مع الاحتلال، وإنما المطلوب هو كسر الصمت في الضفة الغربية؛ حيث المجال واسعًا لأعمال محسوبة ومخططة بدقة، يمكنها –على الأقل– الإبقاء على حياة القضية الفلسطينية أمام الرأي العام الإقليمي والعالمي المنشغل بكورونا، وبالأزمات الاقتصادية والمعيشية التي باتت عنوانًا حتى لمجتمعات الدول الكبرى.

المصدر: موقع بصائر

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى