كتب وبحوث

تحقيق الوصال بين القلب والقرآن

عرض أويس عثمان

توطئة

ما تزال أمتنا تعاني من العديد من المشاكل في شتى نواحي الحياة والمجالات، ولا تزال تبحث عن مشروع ينهض بها، ويصلح من شأنها، ويوحد بين أبنائها.

لكن هذا المشروع هو موجود فعلاً بين أيديها، وينتظر منها أن تحسن التعامل معه، إنه كتاب الله العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه.

ولأنه كتاب الله عز وجل، فهو يصلح لأن يكون مشروعاً للأمة جميعها، فهو كالشمس يسع الجميع، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الشمس لا تؤثر إلا فيمن يتعرض لها، كذلك القرآن لا ينتفع به إلا من يحسن التعرض له، ناهيك عن أن نوره لا يأفل، وشمسه لا تغيب .

ورغم كل ذلك، إلا أن غالبية الأمة قد اكتفت منه بتحصيل الأجر والثواب على تلاوته وحفظه، لكنها غفلت عنه كمصدر لتوليد الإيمان، وتقويم السلوك، وصار البعض يعتبرون الاهتمام بالقرآن بالإكثار من قراءته بفهم أو بدون فهم، فالمهم تخريج أكبر عدد من الحفاظ في أقل وقت ممكن!

مع الكتاب

قسم المؤلف كتابه إلى سبعة فصول، جميعها تدور حول كيفية السماح لنور #القرآن بدخول القلب، مما يستدعي طريقة خاصة للتعامل مع القرآن لتحقيق هذا الأمر.

وقد تناول في الفصل الأول حالة التيه التي تعيشها الأمة، وأنها لن تستطيع القيام بمهمتها إلا إذا تقوت بالإيمان.

يقول المؤلف: “إن فصيلة دم أمتنا هي الإيمان، ويوم أن يضعف الإيمان ويتمكن الهوى وحب الدنيا من قلوب أبنائها، فإنها بذلك تفقد مصدر قوتها وتميزها عن سائر الأمم”.

ويرى المؤلف أن مشكلة الأمة هي مشكلة إيمانية، وهي لابد أن تكون على سلم الأولويات، وأعظم مقو للإيمان هو القرآن الكريم.

وبما أن القرآن الكريم قد صنع جيل الصحابة العظام، فإنه قادر على أن يصنع أجيالاً ربانية جديدة.

بما أن القرآن الكريم قد صنع جيل الصحابة العظام، فإنه قادر على أن يصنع أجيالاً ربانية جديدة

وتحدث في الفصل الثاني عن طبيعة العلاقة بين الله وعباده، وكيف أن الله يحب الهداية لهم، ولا يعاجلهم بالعقوبة، ثم بين أن هدف الشيطان هو إضلال الناس، حيث يلج للإنسان من باب التشكيك والشبهات، أو تزيين المحرمات والشهوات. إلا أن القرآن الكريم يغلق البابين السابقين، ويرسم الطريق الموصل للنجاح في الحياة، ويعرفهم بعدوهم والعقبات التي تعترضهم، كما أنه يخلص القلوب من سيطرة الهوى وحب الدينا، ولهذا فالقرآن هو {هدى وشفاء}.

أما الفصل الثالث، فقد بين فيه أن القرآن متاح في كل الظروف والأحوال، ويخاطب جميع أفراد المجتمع، فهو يخاطب العلماء والأميين، والعوام والخاص وغير ذلك.

وبين أن القرآن يؤثر على القلب، مما يؤثر على سلوك الإنسان وتصرفاته، وقد ذكر المؤلف العديد من نماذج تأثير القرآن على المشركين، فهم على الرغم من كفرهم، إلا أن القرآن كان يؤثر على قلوبهم، ويحرك مشاعرهم. أما الصحابة رضي الله عنهم، فإن التحول العظيم والتغيير الجذري الذي حدث لهم، يعتبر أهم مظهر لقوة تأثير المعجزة القرآنية.

وقد خصص الفصل الرابع للحديث عن طبيعة العلاقة بين الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن، فقد بلغت قوة تأثير القرآن عليه أن شيّب شعره عليه السلام، كما أن معاني القرآن قد اختلطت بشخصيته صلى الله عليه وسلم.

أما عن صفة قراءته للقرآن، فقد كان يقرؤه قراءة هادئة، مسترسلة حزينة، وكان يرتل السورة ويمد الحروف في نهاية الآية، وإذا مر بآية فيها ذكر الجنة دعا واستبشر، وإذا مر بآية فيها ذكر النار استعاذ بالله منها.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن قراءة هادئة، مسترسلة حزينة، وكان يرتل السورة ويمد الحروف في نهاية الآية، وإذا مر بآية فيها ذكر الجنة دعا واستبشر، وإذا مر بآية فيها ذكر النار استعاذ بالله منها

كما أنه كان حريصاً على قراءة القرآن كل يوم، ولم يؤثر عنه أن قرأ القرآن كله في ليلة واحد، وكان حريصاً على عدم انشغال الصحابة بشيء آخر عير القرآن، حتى يستطيع القيام بوظيفته في تغيير قلوبهم وعقولهم ونفوسهم، ومن ثم تغيير سلوكهم تغييراً جذرياً.

وقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على تعليم الصحابة القرآن، وفي الوقت نفسه كان يحذرهم من قراءته دون الانتفاع الحقيقي به، فقد جاء في الحديث: “لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث” وكان يقول: “أحسن الناس قراءة الذي إن قرأ رأيت أنه يخشى الله” . كما أنه كان يتابع أصحابه في أمر القرآن، ومدى تعاهدهم له.

وتحدث في الفصل الخامس عن علاقة الصحابة بالقرآن، حيث أورد العديد من الآثار على تأثر الصحابة رضي الله عنهم بالقرآن، وكيفية استحواذ معانيه على مشاعرهم. كما أنه كان لكل منهم ورد يومي لا يتكاسل عن القيام به. وكان الصحابة لا يسرعون في حفظ القرآن، بل كانوا يحذرون من خطورة حفظ ألفاظ القرآن دون إدراك لمعانيه ومعرفة أحكامه ، كما أنهم كانوا يجتهدون في تعليم من بعدهم القرآن بطريقة تربط بين اللفظ والمعنى.

أما الفصل السادس فقد طرح فيه تساؤلاً مهما، وهو لماذا لم ننتفع بالقرآن؟

ويجيب عن ذلك بأن السبب هو ضعف الثقة بالقرآن والإيمان به كدواء شاف ووسيلة تقويم وتغيير. وهذا حدث بسبب العديد من العوامل وهي:

1- الصورة الموروثة عن القرآن: فالطفل يرى القرآن موضوعاً في مكان في المنزل، ولا يقترب منه أحد، أو يجد أمه تقوم بتشغيل المذياع، وتذهب لمكان آخر، أو تتحدث مع آخر، وكذلك الحال في السيارة، حيث يستمرون في الحديث رغم أنه يسمع صوت القرآن ينبعث من مسجل السيارة. ولهذا سيرث الابن التقديس الشكلي فقط، وعدم الاهتمام بفهم خطابه.

2- طول الإلف: من خلال الألحان التي تهيج الطباع، وتلهي عن التدبر، بحيث يصير التلذذ بالاستماع فقط.

3- نسيان الهدف من نزول القرآن: بحيث يتم التعامل مع وسائل القراءة والترتيل والحفظ على أنها غايات وأهداف، فيصبح هم المرء حفظ القرآن كهدف، ولا يعطي اهتماماً يذكر للقراءة المتأنية والواعية المدركة لمعاني الآيات.

اليوم يتم التعامل مع وسائل القراءة والترتيل والحفظ على أنها غايات وأهداف، فيصبح هم المرء حفظ القرآن كهدف، ولا يعطي اهتماماً يذكر للقراءة المتأنية والواعية المدركة لمعاني الآيات

4- الانشغال بفروع العلم والتوسع فيها على حساب القرآن: بسبب النسيان التدريجي للهدف من نزول القرآن، والتوسع في العلوم المختلفة. ولا يقصد المؤلف تجاهل العلوم المختلفة، بل يرى أن القرآن لابد أن يكون على سلم الأولويات، ثم تأتي السنة بعده، ثم سائر العلوم المختلفة.

5- غياب أثر القرآن: فعندما يرى عموم الناس أن أخلاق غالبية أهل القرآن لا تختلف عن أخلاق غيرهم، فإن هذا من شأنه أن يؤثر على نظرتهم للقرآن تأثيراً سلبياً .

6- كيد الشيطان: حيث استطاع الشيطان أن يستدرج المسلمين ويبعدهم شيئاً فشيئاً عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن، وفي الوقت نفسه تركهم يتصلون بالقرآن ويتعاملون معه ولكن من الناحية الشكلية.

7- مفاهيم وممارسات خاطئة ساهمت في عدم الاهتمام بالقرآن: كالخوف من تدبر القرآن، وتحصيل الأجر والثواب فقط، وأن التدبر يقلل من كمية الأجر المتحصل، والإسراع في الحفظ وغير ذلك.

وخصص الفصل السابع والأخير لبيان كيفية تحقيق الوصال بين القلب والقرآن، حيث يرى أن نقطة البداية الصحيحة تتمثل بالإيمان بقيمة القرآن وبالهدف من نزوله، والعمل على زيادة الإيمان به في القلوب. وهناك ثلاثة محاور ينبغي السير بها حتى يتحقق هذا الهدف، وهي:

1- تقوية الرغبة والدافع للانتفاع الحقيقي بالقرآن.

2- صدق اللجوء إلى الله تعالى، والإلحاح عليه لتسيير انتفاعنا بالقرآن.

3- الإقبال على القرآن والإكثار من تلاوته واتخاذ الأسباب والوسائل المعينة على تدبره والتأثر به.

وختم كتابه بذكر عدد من الوسائل العلمية المعينة على الانتفاع بالقرآن، وهي:

1- الإلحاح على الله عز وجل أن يفتح قلوبنا لأنوار كتابه ويعيننا على التأثر والتدبر.

2- الإكثار من تلاوة القرآن وإطالة فترة المكث معه، وعدم قطع القراءة لأي أمر من الأمور، ويفضل أن يكون في مكان هادئ بعيداً عن الضوضاء.

3- القراءة من المصحف وبصوت مسموع وبترتيل.

4- القراءة الهادئة الحزينة.

5- الفهم الإجمالي للآيات من خلال إعمال العقل في تفهم الخطاب، وهذا يستلزم التركيز التام مع القراءة.

6- الاجتهاد في التعامل مع القرآن كأنه أنزل عليك، وكأنك المخاطب به.

7- تكرار وترديد الآية أو الآيات التي حدث معها تجاوب وتأثر قلبي حتى يتسنى للقلب الاستزادة من النور الذي يدخل.

مع المؤلف:

الدكتور مجدي الهلالي طبيب تحاليل طبية، وداعية مصري، من أعلام الدعوة الإسلامية والإخوان المسلمين بمصر، كان له دور في العمل الطلابي أثناء دراسته الجامعية، اتجه إلى التأليف، فقدم عشرات الكتب فى الدعوة و التربية الإيمانية، والتى تهدف إلى ارتقاء الفرد بنفسه والتخلص من مثبطات الهمم، له العديد من الخطب والتسجيلات والمقالات فى مختلف الصحف والمواقع الالكترونية، وشارك في العديد من الندوات والمؤتمرات المحلية والدولية. صنف أكثر من ثلاثين كتاباً في مجال التربية والدعوة.

بيانات الكتاب:

العنوان: تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
المؤلف: د. مجدي الهلالي
الطبعة: الأولى
سنة النشر: 2008
الناشر: مؤسسة اقرأ – القاهرة.
عدد الصفحات: 183

 

 

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى