كتب وبحوث

بنو إسرائيل وميراث الأرض: لمَن العاقبة في الصِّراع العربي-الإسرائيلي؟ – 4 من 6

بنو إسرائيل وميراث الأرض: لمَن العاقبة في الصِّراع العربي-الإسرائيلي؟ – 4 من 6

إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

مرحلة مُلك سليمان: هل كفر سليمان أم الشَّياطين كفروا؟

يروي سفر الملوك الأوَّل عن بلوغ داود الملك أرذل العُمر، وإصابته بأمراض ترتبط بالشَّيخوخة، مثل الارتعاش المرتبط بتصلُّب العضلات، والنسيان وضعف الذَّاكرة. فالسِّفر يبدأ برواية عن تكليف فتاة تُدعى أبيشج الشونميَّة باحتضان الملك؛ بسبب عجز خدَّامه عن تدفئته “وَشَاخَ الْمَلِكُ دَاوُدُ. تَقَدَّمَ فِي الأَيَّامِ. وَكَانُوا يُدَثِّرُونَهُ بِالثِّيَابِ فَلَمْ يَدْفَأْ. فَقَالَ لَهُ عَبِيدُهُ: «لِيُفَتِّشُوا لِسَيِّدِنَا الْمَلِكِ عَلَى فَتَاةٍ عَذْرَاءَ، فَلْتَقِفْ أَمَامَ الْمَلِكِ وَلْتَكُنْ لَهُ حَاضِنَةً وَلْتَضْطَجعْ فِي حِضْنِكَ فَيَدْفَأَ سَيِّدُنَا الْمَلِكُ». فَفَتَّشُوا عَلَى فَتَاةٍ جَمِيلَةٍ فِي جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ، فَوَجَدُوا أَبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةَ، فَجَاءُوا بِهَا إِلَى الْمَلِكِ. وَكَانَتِ الْفَتَاةُ جَمِيلَةً جِدًّا، فَكَانَتْ حَاضِنَةَ الْمَلِكِ. وَكَانَتْ تَخْدِمُهُ، وَلكِنَّ الْمَلِكَ لَمْ يَعْرِفْهَا“. تعيد هذه القصَّة إلى الأذهان مفهوم الألوهيَّة لدى بني إسرائيل، القائم على الفحولة الجسديَّة لدى الذَّكر، والخصوبة لدى الأنثى. خارت قوى داود، ولم يعد يحتفظ بفحولته، التي ترمز إلى جانب الخَلق فيه، بانعدام قدرته الإنجابيَّة، فأتوا له بفتاة “ حَاضِنَة لْتَضْطَجعْ فِي حِضْنِه“. يدحض الله تعالى هذا الوصف الذميم لعبده ونبيِّه داود في سورة النَّمل، بأن أقرَّ بما منحه إيَّاه من رُشد وعلم “وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ” (سورة النَّمل: الآية 15) ، وقد أبان الله في سورة الأنبياء أنَّه اختصَّ كلًّا من داود وسليمان بحُكم وعلم “وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ” (سورة الأنبياء: الآية 79)؛ أي أنَّ العلم الذي تمتَّع به سليمان، وحَكَم بفضله بني إسرائيل، لم يكن متوارثًا، كما يزعم سفر العدد عن وصيَّة موسى ليشوع بالزَّعامة من بعده، ويدَّعي اليهود أنَّ يشوع قد أخذ عن موسى علمًا باطنيًّا توارثه حكماء بني إسرائيل، حتَّى اليوم. يدَّعي سفر الملوك 1 أنَّ سليمان يرث داود بتدبير مُحكم من أُمِّه، ثم يغدر بأخيه الذي كان أحق منه بالمُلك، وهكذا يُصوَّر الأنبياء وكأنَّهم طغاة لا يريدون إلا الحياة الدنيا ولا يبحثون إلا عن المتع الحسيَّة. في حين يخبرنا الله أنَّ سليمان ورث أباه بفضل ما وهبه الله إيَّاه من علم ورُشد وقدرات تميَّز بها عن سواه “وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ” (سورة النَّمل: الآية 16).

فصَّلت الدراسة بعنوان ‘‘وصف الرب وبيته في الكتاب المقدَّس ما بين العقائد الوثنيَّة والمصادر الإسلاميَّة’’، قصَّة يناء سليمان بيت الرَّب، بدلًا من أبيه الذي تلطَّخت يده بالدِّماء “وَكَانَ فِي قَلْبِ دَاوُدَ أَبِي أَنْ يَبْنِيَ بَيْتًا لاسْمِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ الرَّبُّ لِدَاوُدَ أَبِي…بَلِ ابْنُكَ الْخَارِجُ مِنْ صُلْبِكَ هُوَ يَبْنِي الْبَيْتَ لاسْمِي…وَقَدْ قُمْتُ أَنَا مَكَانَ دَاوُدَ أَبِي وَجَلَسْتُ عَلَى كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ، وَبَنَيْتُ الْبَيْتَ لاسْمِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ” (سفر الملوك الأوَّل: إصحاح 8، آيات 17-20). تذكيرًا بأهم ما خلصت إليه تلك الدراسة، تبيَّن أنَّ العهد القديم ينسب إلى سليمان قيامه بطقوس دينيَّة مستمدَّة في الأصل من الزرادشتيَّة، على رأسها الذَّبح على المرتفعات، ووراثة المناصب الدِّينيَّة، وتقديس النَّار. يوضح سفر الملوك 1 أنَّ سليمان انحرف عن صحيح العقيدة التي أخذها عن أبيه، وابتدع الذَّبح وإشعال النَّار فوق المرتفعات، برغم أنَّ تلك من عادات عُبَّاد إلهي الشَّمس في بابل، البعل وعشتار، التي عرفها بنو إسرائيل في زمن السَّبي البابلي، أي بعد رحيل نبيِّ الله سليمان بحوالي أربعة قرون “وَأَحَبَّ سُلَيْمَانُ الرَّبَّ سَائِرًا فِي فَرَائِضِ دَاوُدَ أَبِيهِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَذْبَحُ وَيُوقِدُ فِي الْمُرْتَفَعَاتِ” (سفر الملوك الأوَّل: إصحاح 3، آية 3).

تطوَّرت طقوس الذَّبح وإيقاد النَّار فوق المرتفعات بعد سليمان، وقد أوضح سفر الملوك الثَّاني وأخبار الأيَّام الثَّاني عن كثير من المحاولات الإصلاحيَّة لملوك بني إسرائيل بعد سليمان، لإثنائهم عن تلك الطُّقوس الوثنيَّة. وقد أورد سفر الملوك الثَّاني قصَّة الملك حزقيا، الذي أزال أوثان البعل وعشتار، أو السَّارية، من فوق المرتفعات، ومنع إيقاد النَّار عليها “هُوَ أَزَالَ الْمُرْتَفَعَاتِ، وَكَسَّرَ التَّمَاثِيلَ، وَقَطَّعَ السَّوَارِيَ، وَسَحَقَ حَيَّةَ النُّحَاسِ الَّتِي عَمِلَهَا مُوسَى لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِلَى تِلْكَ الأَيَّامِ يُوقِدُونَ لَهَا وَدَعَوْهَا «نَحُشْتَانَ»” (سفر الملوك الثَّاني: إصحاح 18، آية 4). غير أنَّ بني إسرائيل عادوا بعد موته إلى التعبُّد وفق نفس الطقوس، وعلي يد ابنه، منسَّى، الذي يقول عنه سفر الملوك الثَّاني “عَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ رَجَاسَاتِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَعَادَ فَبَنَى الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي أَبَادَهَا حَزَقِيَّا أَبُوهُ، وَأَقَامَ مَذَابحَ لِلْبَعْلِ، وَعَمِلَ سَارِيَةً كَمَا عَمِلَ أَخْآبُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ، وَسَجَدَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ وَعَبَدَهَا” (سفر الملوك الثَّان: إصحاح 21، آيتان 2-3). وتوضح الدراسة آنفة الذِّكر عن ‘‘وصف الرب وبيته في الكتاب المقدَّس’’، أنَّ موصفات الهيكل المنسوب إلى نبيِّ الله سليمان تتفق مع عقيدة عبادة الثُّنائي الإلهي، البعل وعشتار. ويتنافى هذا مع صحيح عقيدة الإسلام التي اعتنقها سليمان، ودعا إليها الأقوام الأخرى، ويشهد على ذلك قصَّته مع ملكة سبأ، التي انتهت بتخلِّيها عن الكُفر بالسُّجود للشَّمس من دون الله، باعتبارها رمزًا للشيطان، الذي اتخذته وقومها إلهًا. عرفت ملكة سبأ الحقَّ وأقرَّت به فقالت “رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (سورة النَّمل: الآية 44)، متَّخذةً من الإسلام دينًا لها. وتروي أسفار العهد القديم أنَّ الرُّبَّ صبَّ غضبه على بني إسرائيل بسبب كُفرهم، وعدم امتناعهم ممارسة الطُّقوس الوثنيَّة المُدخلة على صحيح الدِّين؛ وكانت النتيجة أن سلَّط الرَّبُّ عليهم البابليين، الذين دمَّروا أورشليم وهيكلها، حملوهم في سبيٍّ استمرَّ ما يقرب من سبعين عامًا.

تطوُّر عقيدة المخلِّص في فترة السَّبي البابلي

اعترف أنبياء السَّبي البابلي، اشعياء ودانيال وحزقيال وارميا، بكُفر بني إسرائيل وانحرافهم عن صحيح الدِّين، وبأنَّ ذلك ما جلب عليهم سخط الرَّبِّ. أمَّا عن سبيل الخلاص من سخط الرَّبِّ، استعادة المجد السَّابق، والهيمنة على سائر الأمم، فقد تمثَّل في ظهور مُخلِّصٍ، يعيد بناء هيكل أورشليم، ويجمع كافَّة أبناء بني إسرائيل تحت لواء واحد، في دولة عالميَّة. تناولت أكثر من دراسة سابقة مواصفات هذه المُخلِّص، وتبيَّن أنَّها تتعارض مع ما بُشِّر به في السُّنَّة النبويَّة عن شخصيَّة المهدي، المنحدر من نسل النبيِّ مُحمَّد (ﷺ)، وتتَّفق مع ما ترويه الأحاديث الصَّحيحة عن الدَّجَّال، مدَّعي الألوهيَّة وحلول رُوح القُدُس عليه. من ثمَّ، لن يضيف هذا القسم سوى أبعاد لم تُذكر من قبل عن عقيدة بني إسرائيل في المُخلِّص المنتظر، التي لم يزل اليهود والمسيحيُّون يتمسَّكون بها، ويعتقدون في صحَّتها، برغم ثبوت زيفها من قبل، بعد ظهور نبيِّ الله ورسوله، المسيح عيسى بن مريم، وتكذيب السَّواد الأعظم من بني إسرائيل لدعوته، ودمار أورشليم وهيكلها على يد الرُّومان، بعد فشل ثورة اليهود، عام 70 ميلاديًّا.

كان النبيُّ ارميا ممَّن بشَّر في سِفره بظهور مَلك من نسل داود، يحكم بيت إسرائيل للأبد، في اتِّفاق لما سبقت الإشارة إليه عن بشارة صموئيل. يقول سفر ارميا “لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ يَنْقَطِعُ لِدَاوُدَ إِنْسَانٌ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. وَلاَ يَنْقَطِعُ لِلْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ إِنْسَانٌ مِنْ أَمَامِي يُصْعِدُ مُحْرَقَةً، وَيُحْرِقُ تَقْدِمَةً، وَيُهَيِّيءُ ذَبِيحَةً كُلَّ الأَيَّامِ»” (سفر ارميا: إصحاح 33، آيتان 17-18). ويقول سفر اشعياء عن ظهور هذا المُخلِّص “هُوَ ذَا الرَّبُّ قَدْ أَخْبَرَ إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ، قُولُوا لابْنَةِ صِهْيَوْنَ: «هُوَ ذَا مُخَلِّصُكِ آتٍ. هَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَجِزَاؤُهُ أَمَامَهُ». وَيُسَمُّونَهُمْ: «شَعْبًا مُقَدَّسًا»، «مَفْدِيِّي الرَّبِّ». وَأَنْتِ تُسَمَّيْنَ: «الْمَطْلُوبَةَ»، «الْمَدِينَةَ غَيْرَ الْمَهْجُورَةِ»” (سفر ارميا: إصحاح 62، آيتان 11-12)؛ كما قال “وَقَدْ قَالَ حَقًّا: «إِنَّهُمْ شَعْبِي، بَنُونَ لاَ يَخُونُونَ». فَصَارَ لَهُمْ مُخَلِّصًا” (سفر ارميا: إصحاح 63، آية 8). يتوب بنو إسرائيل حينها عن آثامهم، ويقرُّون للربِّ بالرُّبوبيَّة، التي جعلوها لغيره، ويعتبرون أنفسهم بنيه وأقرب إليه نسبًا من إبراهيم وإسرائيل، معاتبين إيَّاه على إضلالهم، وكأنَّهم لم يضلُّوا بسبب اتِّباع الهوى “إِنَّكَ أَنْتَ أَبُونَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْنَا إِبْرَاهِيمُ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِنَا إِسْرَائِيلُ. أَنْتَ يَا رَبُّ أَبُونَا، وَلِيُّنَا مُنْذُ الأَبَدِ اسْمُكَ. لِمَاذَا أَضْلَلْتَنَا يَا رَبُّ عَنْ طُرُقِكَ، قَسَّيْتَ قُلُوبَنَا عَنْ مَخَافَتِكَ؟ ارْجعْ مِنْ أَجْلِ عَبِيدِكَ، أَسْبَاطِ مِيرَاثِكَ” (سفر اشعياء: إصحاح 63، آيتان 16-17).

مرحلة العودة من السَّبي: بناء الهيكل الثَّاني وإعادة كتابة التوراة

يذكر أحمد معاذ علوان حقِّي في كتابه أثر عزرا في الديانة اليهوديَّة (2008) أنَّه، كان من المسلَّم به أنَّ اليهودي شاؤول الطرسوسي، أو بولس الرسول-كما أطلق على نفسه-هو المسؤول الأول عن انحراف عقيدة التوحيد المنزَّلة على رسول الله عيسى بن مريم عن المنهج القويم، فلا شكَّ في أنَّ تحريفه له أساس منبعه العقيدة الفاسدة التي أدخلها عزرا بن سرايا، الذي ينسب نفسه إلى سبط لاوي بن يعقوب، ويدَّعي أنَّه من نسل نبي الله هارون. وكما أنَّ بولس هو مؤسس ما يُعرف اليوم بالمسيحيَّة، فإنَّ عزرا هو مؤسس اليهوديَّة.

وكما يروي علوان، قدِم عزرا الكاهن من بابل على أرجح القول عام 397 ق.م.، في عهد ارتحششتا الثاني، محمَّلًا بالمجوهرات والأموال من اليهود الباقين في بابل لبناء الهيكل. كان عزرا يتمتع بنفوذ عالٍ في بلاط ملك الفرس، فقد منحه صلاحيات واسعة لتعيين القضاة والحكام وتهديد كلِّ من يخالف عقيدته، ومن أعجب ما أمر بها هو تطليق جميع رجال بني إسرائيل من النساء الغريبات، رغبة منه في الحفاظ على نقاء نسل اليهود، ومن هنا بدأت فكرة التعصب العنصري عند اليهود. وقد بذل عزرا جهدًا مُضنيًا في إيجاد كيان عنصري بين اليهود، فبثَّ فيهم روح الاستعلاء ونقاء العرق، كما أوهمهم بأنَّهم شعب صغير في وسط أعداء محيطين بهم، وقد فرض عقيدته عليهم بالترغيب والترهيب؛ الترغيب كان من خلال العطايا والمناصب، أما الترهيب فكان من خلال القتل والسجن ومصادرة الأموال.

ويتفق العالمان الأمريكيان المتخصصان في الدراسات التوراتيَّة، جون فان ستيرز وتوماس طومسون، في الرأي بأنَّ اختيار قصص توراة عزرا وترتيبها كان تعبيرًا عن رسالة أراد محررو التوراة توصيلها؛ فهذه القصص هي عبارة عن مجموعة من الحكايات الشعبيَّة والأساطير والملاحم، ولا أحد يُنكر تأثير المجوسيَّة على العقائد التي أدخلها عزرا، ومن أبرز تلك العقائد تقديم القرابين للشيطان لاتقاء شرِّه، كما أورد في سفر اللاويين من فعل نبي الله هارون، بأن قدَّم تيسين لله وآخر لعزازيل، وهذه أيضًا من أفعال المجوس. وقد كتب عزرا توراته في فترة وجيزة، وهذا ما أدَّى إلى ركاكة العمل وفضح مواطن التزوير فيه، كما يرى علوان. اقتبس كاتبو التوراة من صفات آلهة الوثنيين صفات إلههم يهوه، الذي هو إلههم الخاص: يغضب لغضبهم ويأمر بدحر أعدائهم بلا هوادة ويأمرهم بالسرقة والخداع لتنفيذ مآربهم، وهو صورة من أخلاق الشعب اليهودي بكل تناقضاته وفكره العنصري وتعصُّبه لشعبه. أهم فرية أدخلها عزرا في التوراة عي تجسيم الله (سبحانه وتعالى) في صورة البشر، فسفر التكوين يذكر أنَّ الله قد خلق الإنسان-ذكرًا وأنثى-على صورته، ويرد ذكر فكرة تعدُّد الآلهة-ولا شكَّ في أنَّ هذا هو أساس فكرة التجسُّد التي اعتمد عليها بولس في مسألة تأليه المسيح.

يثير علوان مسألة في غاية الأهميَّة، وهي أنَّ الفكر الاستعماري البروتستانتي في العصر الحديث، استند إلى تبرير النبيِّ يشوع سفك الدِّماء في سبيل تأسيس دولة إسرائيل الأولى، في حملات الغرب الاستعماريَّة في العصر الحديث. وقد استشهد الغزاة الإنجليز بعمليات “الإبادة المقدسة” التي شنَّها يشوع للتخلص من العماليق-وقد ورد في الإصحاح الأول من سِفر يشوع أنَّ الله قد كلَّمه، كما كلَّم موسى، قائلًا له ‘‘كُلَّ مَوْضِعٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ لَكُمْ أَعْطَيْتُهُ’’ (سفر يشوع: إصحاح 1، آيات 1-3)؛ وفي ذلك دعوة إلى غزو سائر الأمم بحجة أنَّ احتلالها هبة ربَّانيَّة.

دولة يهودا والتحضير لاستقبال المُخلَّص

تناولت الدراسة بعنوان ‘‘وصف الرب وبيته في الكتاب المقدَّس ما بين العقائد الوثنيَّة والمصادر الإسلاميَّة’’ باستفاضة مرحلة ما قبل بعثة نبيِّ الله عيسى بن مريم، أو يسوع النَّاصري، في الأرض المقدَّسة، وقد أوضحت الدراسة أنَّ بني إسرائيل قد نجحوا في تأسيس دولة مستقلَّة، بعد ثورة دينيَّة أشعلها الكاهن اللاوي، متثيا، أو متياس، استمرَّت من 167 ق.م. حتَّى 63 ق.م.، كان يهودا المكابي، ابن الكاهن متثيا، مؤسسها؛ ومن هُنا سُمِّيت دولة يهودا. دبَّ الوهن في أركان الدَّولة، وأُسندت إدارة أحوال تلك المقاطعة اليهوديَّة إلى حاكم تابع للدولة الرُّومانيَّة، هو الأدومي أنتيباس، الذي قسَّم الدَّولة إلى مقاطعات، وكانت مقاطعة الجليل، حيث وُلد نبيُّ الله عيسى بن مريم، من نصيب هيرودس. اعتنق أنتيباس وبنوه اليهوديَّة، أي شاركوا بني إسرائيل عقيدتهم في ظهور المُخلِّص، وقد حرض هيرودس على اكتساب شرعيَّة بزواجه من الأميرة مريم المكابيَّة.

شهدت تلك المرحلة انفتاح اليهود على الأمم الأخرى، وهجرتهم إلى مختلف أقطار العالم، ناشرين عقيدتهم، ورافضين التخلِّي عنها. ومن أبرز سمات تلك المرحلة، التأثُّر بالفلسفات القديمة، وبخاصَّة الإغريقيَّة، ولعلَّ فيلون السكندري، الذي عاش في القرن الأوَّل الميلادي، أشهر فلاسفة اليهود، الذي أثبت عدم وجود تعارُض بين اليهوديَّة وفِكر أفلاطون وزينون. قدِم في تلك المرحلة شاؤول الطرسوسي من جنوب آسيا الصُّغرى، حيث انتشرت الفلسفة الرواقيَّة، إلى الأرض المقدَّسة، وسيقت العديد من الأدلَّة على أنَّه انضمَّ إلى جماعة اليهود الإسينيين، الذين انعزلوا عن سائر الطوائف اليهوديَّة، في كهوف قمران، بالقرب من البحر الميِّت، وصار له التأثير الأكبر في تكوين عقيدة المسيحيَّة، التي رسَّخت مفهوم المخلِّص، الذي بقي إلى يومنا هذا، محفِّزًا على التماس النجاة من خلال الاندماج الرَّوحي به، بلا أداء للفرائض الدِّينيَّة، التي على أساسها عهِد الله إلى الإنسان بالأمانة.

أحدث تطوُّرات تأسيس الهيكل الثَّالث

سبقت الإشارة في الدراسة السَّابقة، عن نشر موقع Breaking Israel News-أخبار إسرائيل العاجلة، مقالًا في 18 مارس 2018، عن دعوة السنهدرين، وهو المجلس التشريعي اليهودي الأعلى، العربَ للمشاركة في دعم الهيكل الثالث، بالعبريَّة والإنجليزيَّة والعربيَّة، راجيًا أن يكون ذلك بمثابة خطوة في طريق السَّلام العالمي. نشر الموقع ذاته في 10 ديسمبر 2018، مقالًا عن إهداء مذبح خُصِّص للهيكل الثالث، في آخر أيَّام عيد حانوكا، أو عيد الأنوار، وهو عيد ديني مرتبط بالتقويم اليهودي، يأتي ما الفترة ما بين أواخر نوفمبر وأواخر ديسمبر من كلِّ عام.

بعد أشهر من الدِّراسة، أمر السَّنهدرين بجهيز مذبح من الحجر، أعُدَّ لإهدائه إلى المذبح آخر أيَّام عيد الأنوار، خارج البلدة القديمة في بيت المقدس. ويبلغ عرض المذبح تسعة أمتار، وطوله خمسة أمتار، وتم إعداده وفق تعاليم التلمود، الذي ينهى عن استخدام الصُّلب في تقطيع حجارته؛ لأنَّ طقوس الهيكل تهب الحياة، بينما ينهيها الصُّلب.

جدير بالذِّكر أن موقع Breaking Israel News-أخبار إسرائيل العاجلة، قد نشر في 5 سبتمبر 2018، مقالًا عن ميلاد بقرة حمراء لا شية فيها، تنطبق عليها المواصفات المطلوبة من أجل تنفيذ طقوس التطُّهر اللازمة لتدشين طقوس العبادة في الهيكل الثَّالث، حيث تُذبح البقرة، ثمَّ تُحرق، ثمَّ يُستخدم رمادها في تطهير اليهود بعد اقترابهم من أيِّ جسم ميِّت. ظلَّ هذا الطَّقس مُعلَّقًا منذ قرون، منذ تدمير الهيكل الثَّاني.

خضعت البقرة الحمراء بعد ولادتها بأسبوع، إلى فحص أجرته جماعة من الحاخامات، استهدف التأكُّد من وفائها بالمتطلَّبات التوراتيَّة. وقد أكَّد الحاخامات أنَّها، برغم وفائها بالمتطلَّبات المشروطة، فقد يصيبها عيب يجعلها غير صالحة، مما يستدعي فحصها دوريًّا للتأكُّد من صلاحيَّتها للغرض المطلوب.

يُشترط ألَّا يزيد عدد الشَّعر غير الأحمر في جسم البقرة الحمراء عن شعرتين، كما يُشترط عدم إخضاعها في العمل، أو تعرُّضها للتخصيب. ويندر وجود بقرة بهذه المواصفات، ولكن، ولحُسن الحظِّ، لا تحتاج طقوس التطهُّر سوى كميَّة قليلة من الرَّماد. ومنذ زمن موسى، الذي تروي التوراة أنَّه أعدَّ البقرة الأولى، إلى اليوم، لم تظهر سوى تسع بقرات تُطابق المواصفات المطلوبة. مع ذلك، كان ذلك العدد كافيًا لتطهير الأمَّة اليهوديَّة على مدار ألفي عام. وهناك اعتقاد بأنَّ هناك عشر بقرة في تاريخ اليهود، يبشِّر ظهور الأخيرة بقُرب ظهور المخلِّص.

(المصدر رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى