كتب وبحوث

التكوير على التحرير والتنوير (3) | الشيخ محمد خير رمضان يوسف

التكوير على التحرير والتنوير (3)

الشيخ محمد خير رمضان يوسف

 

 

الجزء الثالث

255- {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}.

ذكرَ أنه تقدَّمَ عند قولهِ تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} [الآية 163 من السورة]. ومما قالَهُ هناك: أفادتْ جملةُ {لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ} التوحيد؛ لأنها نفتْ حقيقةَ الألوهيةِ عن غيرِ الله تعالى… والتقدير: لا إلهَ موجودٌ إلاّ هو.

256- {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

والله سميعٌ إيمانَ المؤمنِ بالله وحده، الكافرِ بالطاغوت، عند إقرارهِ بوحدانيةِ الله وتبرُّئهِ من الأندادِ والأوثانِ التي تُعبَدُ من دونِ الله.

عليمٌ بما عزمَ عليه من توحيدِ الله وإخلاصِ ربوبيتهِ قلبَهُ، وما انطوَى عليه – من البراءة من الآلهةِ والأصنامِ والطواغيت – ضميرهُ، وبغيرِ ذلك مما أخفتْهُ نفسُ كلِّ أحدٍ مِن خَلقه، لا ينكتمُ عنه سرٌّ ولا يخفَى عليه أمر، حتى يجازيَ كلاً يومَ القيامةِ بما نطقَ به لسانهُ وأضمرتْهُ نفسه، إنْ خيراً فخيراً، وإنْ شرًّا فشرًّا. (الطبري).

257- {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.

{الطَّاغُوتُ}: قالَ في (الطاغوت) في الآيةِ السابقة، ما ملخصه: الطاغوت: الأوثانُ والأصنام، والمسلمون يسمُّون الصَّنم: الطاغية، ولا أحسبهُ ألاّ من مصطلحاتِ القرآن. وهو مشتقٌّ من الطغيان، وهو الارتفاعُ والغلوُّ في الكِبر، وهو مذمومٌ ومكروه. وجُعِلَ علَماً على الكفر، وعلى الأصنام، ويطلقُ على الواحدِ والجمعِ والمذكرِ والمؤنث، كشأنِ المصادر. اهـ.

{أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}: حكمَ عليهم بالخلودِ في النارِ لكفرهم. (ابن عطية).

258- {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}.

الحجةُ أن الله {يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ} تحريكًا قسريًّا حسبما تقتضيهِ مشيئته، والباءُ للتعدية، {فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} تسييرًا طبيعيًّا، فإنه أهون، إن كنتَ قادرًا على مثلِ مقدوراتهِ تعالى. (روح البيان).

259- {قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}.

{كَمْ لَبِثْتَ}: قالَ الله له: كم قدرُ الزمانِ الذي لبثتَ ميتاً قبل أن أبعثكَ من مماتِكَ حيًّا؟ (الطبري).

أي: كم مكثت؟

{ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا}: ثم كسا العظامَ لحماً ودماً.

 {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ} ذلك عيانًا. (البغوي)

{أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} من الأشياء، التي من جملتها ما شاهدَهُ في نفسهِ وفي غيرهِ من تعاجيبِ الآثار، {قَدِير}: لا يستعصي عليه أمرٌ من الأمور ـ (روح البيان).

260- {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم}.

ثم أمرَهُ الله عزَّ وجلَّ أن يدعوَهنَّ، فدعاهنَّ كما أمرَهُ الله عزَّ وجلّ، فجعلَ ينظرُ إلى الريشِ يطيرُ إلى الريش، والدمِ إلى الدم، واللحمِ إلى اللحم، والأجزاِء من كلِّ طائرٍ يتصلُ بعضُها إلى بعض، حتى قامَ كلُّ طائرِ على حِدَته، وأتينَهُ يمشين سعياً؛ ليكونَ أبلغَ له في الرؤيةِ التي سألها. وجعلَ كلُّ طائرٍ يجيءُ ليأخذَ رأسَهُ الذي في يدِ إبراهيمَ عليه السلام، فإذا قدَّمَ له غيرَ رأسهِ يأباه، فإذا قدَّمَ إليه رأسَهُ تركبَ مع بقيةِ جسدهِ بحولِ الله وقوَّته، ولهذا قال: {وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم} أي: عزيزٌ لا يَغلبهُ شيء، ولا يمتنعُ منه شيء، وما شاءَ كان بلا ممانع؛ لأنه العظيمُ القاهرُ لكلِّ شيء، حكيمٌ في أقوالهِ وأفعاله، وشرعهِ وقدَره. (ابن كثير).

 261- {وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم}.

{وَاللهُ وَاسِعٌ} أن يزيدَ من يشاءُ من خـَلقهِ المنفقـين في سبـيـله، علـى أضعافِ السبعمائةِ التي وعدَهُ أن يزيده، {عَلِيمٌ} مَن يستـحقُّ منهم الزيادة. (الطبري).

262- {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ}.

{الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ}: يعني تعالى ذكرهُ بذلك: المعطي مالَهُ المجاهدين في سبيلِ الله معونةً لهم على جهادِ أعداءِ الله. يقولُ تعالى ذكره: الذين يُعينون المجاهدين في سيبلِ الله بالإنفاقِ عليهم، وفي حمولاتهم، وغيرِ ذلك من مؤنهم.

{لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ}: لهم ثوابهم وجزاؤهم علـى نفقتهم التي أنفقوها في سبيلِ الله، ثم لم يُتبِعونها منًّا ولا أذى. (الطبري).

264- {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.

{بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}: ذكرَ في الآيةِ السابقة أن المنَّ أصلهُ الإنعامُ والفضل، يقال: مَنَّ عليه مَنًّا، ثم أُطلِقَ على عدِّ الإنعامِ على المنعَمِ عليه، ومنه قولهُ تعالى: {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} [سورة المدثر: 6]، وهو إذا ذُكِرَ بعد الصدقةِ والعطاءِ تعيَّنَ للمعنى الثاني. وإنّما يكونُ المنُّ في الإنفاقِ في سبيلِ الله بالتطاولِ على المسلمين، والرياءِ بالإنفاق، وبالتطاولِ على المجاهدين الذين يُجهِّزهم أو يَحْملهم…

وقالَ في الأذى: هو أن يؤذيَ المنفِقُ مَن أنفقَ عليه بإساءةٍ في القولِ أو في الفعل.

{كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا}: الصفوان: الحجرُ الكبيرُ الأملس. والوابل: المطرُ الشديد، والصلد: الأجردُ النقيُّ من الترابِ الذي كان عليه. (فتح القدير، باختصار).

265- {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.

أي: لا يخفَى عليه مِن أعمالِ عبادهِ شيء. (ابن كثير).

266- {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون}.

{جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}: الجنةُ تطلقُ على الأشجارِ الملتفَّةِ المتكاثفة، وهو الأنسبُ بقولهِ تعالى: {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}، إذ على كونها بمعنى الأرضِ المشتملةِ على الأشجارِ الملتفَّة، لا بدَّ من تقديرٍ مضاف، أي: من تحتِ أشجارها. {لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} أي: له رزقٌ من كلِّ الثمرات. وليس المرادُ بالثمراتِ العموم، بل إنما هو التكثير. والنخيلُ والأعنابُ لما كانا أكرمَ الشجرِ وأكثرها نفعًا خصَّهما بالذكر، وجعلَ الجنةَ منهما وإن كانت محتويةً على سائرِ الأشجار، تغليبًا لهما على غيرهما، ثم أردفهما ذكرَ كلِّ الثمرات. (روح البيان).

{الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون}: كذلكَ يبـيِّنُ لكم الآياتِ سوَى ذلك، فـيعرِّفُكم أحكامَها، وحلالَها وحرامَها، ويوضِّحُ لكم حُجَجَها، إنعامًا منه بذلك علـيكم، {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} يقول: لتتفكَّروا بعقولِكم فتتدبَّروا وتعتبروا بحججِ اللهِ فيها، وتعملوا بما فـيها من أحكامِها، فتطيعوا الله به. (الطبري).

268- {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

{مَغْفِرَةً مِنْهُ}: يعني أن الله عزَّ وجلَّ يعدُكم أيها المؤمنون، أن يسترَ علـيكم فحشاءكم، بصفحهِ لكم عن عقوبتكم علـيها، فـيغفرُ لكم ذنوبكم بـالصدقةِ التي تتصدَّقون، {وَفَضْلاً}، يعني ويعدُكم أن يخـلفَ علـيكم من صدقتكم، فـيتفضَّلَ علـيكم من عطاياه، ويسبغَ علـيكم في أرزاقكم.

{عَلِيمٌ}: عليمٌ بنفقاتِكم وصدقاتِكم التـي تُنفقونَ وتَصدَّقون بها، يُحصيها لكم حتى يجازيَكم بها عند مقدمِكم علـيه في آخرتِكم. (الطبري).

269- {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَاب}.

يعني بذلك جلَّ ثناؤه: وما يتعظُ بما وَعظَ به ربُّهُ في هذه الآياتِ التي وَعظ فيها المنفقين أموالَهم بما وَعظَ به غيرَهم فيها وفي غيرها من آي كتابه، فيذكرُ وعدَهُ ووعيدَهُ فيها، فينزجرُ عمّا زجرَهُ عنه ربُّه، ويطيعهُ فيما أمرَهُ به، {إِلاَّ أُولُوا أَلالْبَابِ}… (الطبري).

271- {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير}.

(مِن) تبعيضية، أي: شيئًا من سيئاتكم؛ لأنه يمحو بعضَ الذنوبِ بالتصدقِ في السرِّ والعلانية، أو زائدةٌ على رأي الأخفش، فالمعنى: يمحو عنكم جميعَ ذنوبكم. {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الإسرارِ والإعلان، {خَبِيرٌ}، فهو ترغيبٌ في الإسرار. (روح البيان).

272- {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُون}.

من مال. (النسفي، الخازن).

273- {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيم}.

هو المال، كما في الآيةِ السابقة.

276- {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيم}.

عظيمِ الكفرِ باستحلالِ الربا. (النسفي).

277- {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

ذكرَ أنه تقدَّمَ تفسيرها. يعني متفرقة.

وتفسيرها: إنَّ الذين آمنوا وأتْبَعُوا إيمانَهم بالأعمالِ الصالحة، فأطاعوا ربَّهم، وشكروا لهُ نِعَمَهُ عليهم، ورَضُوا بما قَسَمَ لهم من الحلال، وأحسَنوا إلى خَلْقه، وداوموا على صلواتِهم، وأعطَوا زكاةَ أموالِهم للفقراءِ والمحتاجين، لهم جميعاً الجزاءُ العظيمُ عند ربِّهم، ولا خوفٌ عليهم يومَ الحساب، في مقابلِ التخبُّطِ والهلعِ الذي يُصيبُ المـُرابي، ولا هم يَحزنونَ على ما فاتَهم منَ الدُّنيا، فهم في مكانٍ أجلّ، ونعيمٍ أعظم، وسعادةٍ لا تُوصَفُ ولا تُقارَنُ بما في الدنيا. (الواضح في التفسير).

279- {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ}.

إن تركتم استحلالَ الربا ورجعتم عنه. (البغوي).

281- {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.

{وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} بنقصِ ثوابٍ وتضعيفِ عقاب. (البيضاوي).

282- {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم}.

{مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء}: فيه دلالةٌ على اشتراطِ العدالةِ في الشهود، وهذا مقيدٌ حكمَ به الشافعيُّ على كلِّ مطلقٍ في القرآن، من الأمرِ بالإشهادِ من غيرِ اشتراط، وقد استدلِّ مَن ردِّ المستورَ بهذه الآيةِ الدالةِ على أن يكونَ الشاهدُ عدلًا مرضيًّا. (ابن كثير).

{وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم}: يعني مِن أعمالِكم وغيرها، يُحصيها علـيكم لـيجازيَكم بها. (الطبري).

سورة آل عمران

4- {مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام}.

{هُدًى}: بـيانًا للناسِ من الله، فيما اختلفوا فـيه، من توحيدِ الله، وتصديقِ رُسله، ومفـيداً يا محمدُ أنك نبيِّي ورسولي، وفي غيرِ ذلك من شرائعِ دينِ الله. (الطبري).

{عَزِيزٌ}: ذكرَ أنه تقدَّمَ عند قولهِ تعالى في سورةِ البقرة: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الآية 209]، ومما قالَهُ هناك: العزيزُ فعيلٌ من عزَّ إذا قويَ ولم يُغلَب، وأصلهُ من العزَّة.

6- {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}

ذكرَ أنه تقدَّمَ معنى (العزيز الحكيم) في قولهِ تعالى: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة البقرة: 209]، ومما قالَهُ هناك: العزيزُ فعيلٌ من عزَّ إذا قويَ ولم يُغلَب، وأصلهُ من العزَّة. والحكيم: يجوزُ أن يكونَ اسمَ فاعلٍ من حكمَ، أي: قويُّ الحُكم، ويحتملُ أنه المحكِمُ للأمور، فهو من مجيءِ فَعِيل بمعنى مُفعل…

11- {كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

{بِآَيَاتِنَا}: أي: بكتبِنا ورسلنا. (روح البيان). وقالَ ابنُ كثير: المكذِّبين للرسلِ فيما جاؤوا به من آياتِ الله وحججه.

{وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ} أي: شديدُ الأخذ، أليمُ العذاب، لا يمتنعُ منه أحد، ولا يفوتهُ شيء، بل هو الفعَّال لما يريد، الذي قد غلبَ كلَّ شيء، وذَلَّ له كلُّ شيء، لا إلهَ غيره، ولا ربَّ سواه. (ابن كثير).

12- {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}.

{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا}: قل يا محمدُ للذين كفروا من يهودِ بني إسرائيـل الذين يتَّبعون ما تشابهَ من آي الكتابِ الذي أنزلتهُ إلـيك، ابتغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويـله (الطبري): {سَتُغْلَبُونَ} أي: في الدنيا، {وَتُحْشَرُونَ} أي: يومَ القيامة، {إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ}. (ابن كثير)، والحشر: الجمعُ والإحضار، وقوله {وَبِئْسَ الْمِهَادُ} يعني جهنم، هذا ظاهرُ الآية، وقال مجاهد: المعنى: بئسَ ما مهَّدوا لأنفسهم، فكأن المعنى: وبئسَ فعلُهم الذي أدَّاهم إلى جهنم. (ابن عطية).

13- {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَار}.

{قَدْ كَانَ لَكُمْ} أي: قد كان لكم أيها اليهودُ المغترُّون بعَددهم وعُددهم {آيَةٌ} أي: علامةٌ عظيمةٌ دالَّةٌ على صدقِ ما أقولُ لكم أنكم ستُغلبون.

{وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَار}: واللهُ المتَّصفُ بصفاتِ الجمالِ والجلال، يقوِّي بعونهِ مَن يشاءُ أنْ يؤيِّدَه مِن غيرِ توسُّطِ الأسبابِ المعتادة، كما أيَّدَ الفئةَ المقاتلةَ في سبيله، {إِنَّ فِي ذَلِكَ} المذكورِ من النصر، اتعاظاً ودلالةً لذوي العقولِ والبصائر، أو لمن أبصرهم ورآهم بعيني رأسه. (روح المعاني، باختصار).

14- {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ}.

أي: الإبلِ والبقرِ والغنم، جمعٌ نَعَم. (روح البيان).

15- {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا}.

إنَّهُ مِن نصيبِ عبادِ اللهِ المتَّقين، الذين آمنوا باللهِ وقاموا بالأعمالِ الصَّالحة. فهؤلاءِ لهم عند ربِّهم جنانٌ جميلة، واسعةٌ رائعة، تجري من تحتِها جداولُ المياهِ والأنهارُ العذبة، ومنها ما يجري بالعسلِ واللبنِ وأنواعِ الأشرِبة، وفيها ما لم يرَهُ الإنسانُ وما لم يسمعْ به، مع حياةٍ دائمةٍ هنيئة، لا نَغْصَ فيها ولا انقطاع. (الواضح).

18- {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

{وَأُولُو الْعِلْمِ}: والعلـماءُ من الناس. (قالَهُ السدّي).

{الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} يعنـي بالعزيز: الذي لا يمتنعُ عليه شيءٌ أراده، ولا ينتصرُ منه أحدٌ عاقبَهُ أو انتقمَ منه. الحكيمُ في تدبيره، فلا يدخـلهُ خـلَل. (الطبري).

20- {فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ}.

يعني: وأسلـمَ من اتَّبعني أيضاً وجهَهُ لله معي. (الطبري).

21- {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.

{يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ}: يجحدون بآياتِ الله، يعني القرآن. (البغوي).

{بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}: موجعٍ مهين. (ابن كثير).

25- {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.

{لَا رَيْبَ فِيهِ}: في وقوعهِ ووقوعِ ما فيه. (روح البيان).

وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}: أي: لا ينقصُ من حسناتهم، ولا يُزاد على سيئاتهم. (البغوي).

26- {إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

… لأنكَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ دونَ سائرِ خَلقك، ودونَ مَن اتَّخذهُ المشركونَ من أهلِ الكتابِ والأميينَ من العربِ إلهًا وربًّا يعبدونَهُ من دونك، كالمسيح، والأندادِ التي اتَّخذها الأميونَ ربًّا (الطبري، باختصار).

31- {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

{وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} أي: يتجاوزْ لكم عنها، {وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي: لمن تحبَّبَ إليه بطاعته، وتقرَّبَ إليه باتِّباعِ نبيِّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم. (روح المعاني).

32- {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}.

{قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ} أي: تخالَفوا عن أمره، {فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَـٰفِرِينَ}، فدلَّ على أن مخالفتَهُ في الطريقةِ كفر، والله لا يحبُّ من اتصفَ بذلك، وإن ادَّعَى وزعمَ في نفسهِ أنه يحبُّ اللهَ ويتقرَّبُ إليه، حتى يتابعَ الرسولَ النبيَّ الأميَّ خاتمَ الرسل، ورسولَ الله إلى جميعِ الثقلَين: الجنِّ والإنس، الذي لو كان الأنبياءُ، بل المرسلون، بل أولو العزمِ منهم في زمانه، ما وسعَهم إلا اتِّباعُهُ، والدخولُ في طاعته، واتِّباعُ شريعته. (ابن كثير).

34- {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

{عَلِيمٌ} بأفعالهم وما تكنُّهُ صدورهم، فيصطفي من يشاءُ منهم. (روح المعاني).

35- {فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم}.

التقبل: أخذُ الشيءِ على وجهِ الرضا، وأصلهُ المقابلةُ بالجزاء و{تَقَبَّلْ} هنا بمعنى اِقبَل. {إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ} لسائرِ المسموعات، فتَسمعُ دعائي، {ٱلْعَلِيمُ} بما كانَ ويكون، فتعلمُ نيتي. (روح المعاني).

36- {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم}.

{وِإِنِّي أُعِيذُهَا}: أمنعُها وأُجيرها {بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا}: أولادها {مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ}، فالشيطان: الطريدُ اللعين، والرجيم: المرمَى بالشهب. (البغوي).

37- {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}.

بمعنى: وضمنَها الله إلى زكريا وجعلهُ كافلًا لها، وضامنًا لمصالحها، قائمًا بتدابيرِ أمورها. والكافلُ هو الذي ينفقُ على إنسان، ويهتمُّ بإصلاحِ مصالحه. (روح البيان).

39- {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ}.

{وَحَصُورًا} قالَ رحمَهُ الله: أي: حصورٌ عن قربانِ النساء. اهـ. قالَ صاحبُ (روح البيان): أي: مبالغًا في حصرِ النفسِ وحبسِها عن الشهواتِ مع القدرة… والحصور: الممتنعُ من النساءِ مع القدرةِ عليهن.. اهـ.

{وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ}: رسولاً لربِّهِ إلـى قومه، ينبِّئهم عنه بأمرهِ ونهيه، وحلالهِ وحرامه، ويبلِّغُهم عنه ما أرسلَهُ به إلـيهم. ويعني بقوله: {مِنَ الصَّالِـحِينَ}: مِن أنبـيائهِ الصالحين. (الطبري).

 41- {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}.

العشيُّ من حينِ تزولُ الشمسُ إلى أن تغيبَ، والإبكارُ بين مطلعِ الفجرِ إلى وقتِ الضحى. (الطبري، باختصار).

44- {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ}.

أي: من أخبارِ الغيب (البغوي)، والغيب: ما غابَ عن مداركِ الإنسان. و{نُوحِيهِ} معناه: نلقيهِ في نفسِكَ في خفاء، وحدُّ الوحي إلقاءُ المعنى في النفسِ في خفاء، ثم تختلفُ أنواعه، فمنه بالملَك، ومنه بالإلهام، ومنه بالإشارة، ومنه بالكتاب.. (ابن عطية).

45- {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِين}.

{وَالآخِرَةِ}: رفعهُ في الآخرةِ مكانتهُ ونعيمهُ وشفاعته. (البغوي).

وَمِنَ الْمُقَرَّبِين}: يعني أنه ممن يقرِّبهُ اللهُ يومَ القيامةِ فيُسكِنهُ في جوارهِ ويُدنيهِ منه. (الطبري).

47- {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُون}.

{وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ}: وأنا لستُ بذاتِ زوج، ولا من عزمي أن أتزوج، ولستُ بغيًّا حاشا لله؟

{إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُون} أي: فلا يتأخرُ شيئاً، بل يوجدُ عقيبَ الأمرِ بلا مهلة، كقوله: {وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَٰحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ} [سورة القمر: 50] أي: إنما نأمرُ مرةً واحدةً لا مثنويةَ فيها، فيكونُ ذلك الشيءُ سريعاً كلمحِ البصر. (ابن كثير).

49- {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين}.

{وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}: بأنه نبـيٌّ وبشيرٌ ونذير.

{بِآيَةٍ}: يعنـي بعلامةٍ من ربِّكم تحقِّقُ قولي وتصدِّقُ خبري، أني رسولٌ من ربِّكم إلـيكم.

{لآيَةً}: لعبرةً لكم، ومتفَكَّراً تتفكرون في ذلك، فتعتبرون به أني محقٌّ في قولي لكم إني رسولٌ من ربِّكم إلـيكم، وتعلـمون به أني فـيما أدعوكم إلـيه من أمرِ الله ونهيهِ صادق. (الطبري).

50- {وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}.

وجئتُكم بآياتٍ مُعجِزاتٍ تَشهدُ بصِحَّة إرسالي إليكم، فالتزِموا طاعةَ اللهِ واجتنِبوا معصيتَه، وأطيعوني فيما آمرُكم بهِ وأنهاكم عنه. (الواضح).

53- {رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}

أي: صدَّقنا بـما أنزلتَ علـى نبـيِّكَ عيسى من كتابِك، وصرنا أتبـاعَ عيسى علـى دينِكَ الذي ابتعثتهُ به، وأعوانَهُ علـى الحقِّ الذي أرسلتَهُ به إلى عبـادك. (باختصار من الطبري).

55- {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.

فأقضي حينئذٍ بـين جميعِكم في أمرِ عيسى بالحقِّ فيما كنتُـم فيه تختلفون من أمره. (الطبري).

57- {وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ}.

يعني تعالى ذكره: وأما الذين آمنوا بكَ يا عيسى، يقول: صدَّقوكَ فأقرُّوا بنبوَّتك، وبما جئتَهم به من الحقِّ من عندي، ودانوا بـالإسلامِ الذي بعثتُكَ به، وعملوا بما فرضتُ من فرائضي علـى لسانك، وشرعتُ من شرائعي، وسننتُ من سننـي. (الطبري).

58- {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيم}.

يعني القرآن… وقيل: هو اللوحُ المحفوط. (البغوي).

60- {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِين}.

هم الشاكُّون، والمرية: الشكّ، ونهيُ النبيِّ عليه السلامُ في عبارةٍ اقتضتْ ذمَّ الممترين، وهذا يدلُّ على أن المرادَ بالامتراءِ غيره. ولو قيل: “فلا تكنْ ممترياً” لكانت هذه الدلالةُ أقلّ، ولو قيل: “فلا تمترِ” لكانت أقلّ. ونهيُ النبيِّ عليه السلامُ عن الامتراءِ مع بُعدهِ عنه، على جهةِ التثبيتِ والدوامِ على حاله. (ابن عطية).

61- {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ}.

أي: جادلك. (البغوي).

63- {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ}.

أي: مَن عدلَ عن الحقِّ إلى الباطلِ فهو المفسِد، والله عليمٌ به، وسيجزيهِ على ذلك شرَّ الجزاء، وهو القادرُ الذي لا يفوتهُ شيء، سبحانهُ وبحمده، ونعوذُ به من حلولِ نقمته. (ابن كثير).

64- {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}

{أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا}: لا وثنًا، ولا صنمًا، ولا صليبًا، ولا طاغوتًا، ولا نارًا، ولا شيئًا. بل نُفردُ العبادةَ للهِ وحدَهُ لا شريكَ له. وهذه دعوةُ جميعِ الرسل. (ابن كثير).

وقوله: {وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا} يقول: ولا يدينَ بعضُنا لبعضٍ بـالطاعةِ فيما أمرَ به من معاصي الله، ويعظِّمَهُ بـالسجودِ له، كما يسجدُ لربِّه، {فَإِن تَوَلَّوْاْ} يقول: فإن أعرضوا عمَّا دعوتَهم إلـيه من الكلـمةِ السواءِ التي أمرتُكَ بدعائهم إلـيها، فلم يجيبوك إلـيها… (الطبري).

65- {أَفَلاَ تَعْقِلُون}.

أي: تتفكرون في دحوضِ حجَّتِكم، وبطلانِ قولِكم. (فتح القدير).

66- {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

{حَاجَجْتُمْ}: تجادَلتُم…

هذا إنكارٌ على من يحاجُّ فيما لا علمَ له به، فإن اليهودَ والنصارَى تحاجُّوا في إبراهيمَ بلا علم، ولو تحاجُّوا فيما بأيديهم منه علمٌ مما يتعلَّقُ بأديانهم التي شُرعتْ لهم إلى حينِ بعثةِ محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، لكان أولَى بهم، وإنما تكلَّموا فيما لا يعلمون، فأنكرَ الله عليهم ذلك. (ابن كثير).

67- {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا}.

ذكرَ أنه تقدَّمَ في سورةِ البقرة. ويعني في الآية (135) من منها، ومما ذكرَهُ هناك: أن الحنَفَ هو الميلُ في الرِّجْل، وإنما كان هذا مدحاً للملَّة؛ لأن الناسَ يومَ ظهورِ ملَّةِ إبراهيمَ كانوا في ضلالةٍ عمياء، فجاءَ دينُ إبراهيمَ مائلاً عنهم، فلقبَ بالحنيف، ثم صارَ الحنيفُ لقبَ مدحٍ بالغلبة.

68- {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}.

واللهُ ناصرُ المؤمنـينَ بمحمدٍ، المصدِّقينَ له في نبوَّته، وفيما جاءَهم به مِن عندهِ على مَن خالفَهم مِن أهلِ الـمِلَل والأديان. (الطبري).

69- {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.

قالَ ابنُ كثير: وهم لا يشعرون أنهم ممكورٌ بهم.

وقالَ ابنُ عطية: ثم أعلمَ أنهم لا يشعرون أنهم لا يَصلون إلى إضلالكم.

70- {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُون}.

{وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} أن نعتَهُ [صلى الله عليه وسلم] في التوراةِ والإِنجيلِ مذكور. (البغوي).

71- {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ}.

أي: تخلطون. (روح البيان).

74- {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.

أي: اختصَّكَم أيها المؤمنون من الفضلِ بما لا يُحَدُّ ولا يوصف، بما شرَّفَ به نبيَّكم محمداً صلَّى الله عليه وسلَّمَ على سائرِ الأنبياء، وهداكم به إلى أكملِ الشرائع. (ابن كثير).

{وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} يقول: ذو فضلٍ يتفضَّلُ به علـى من أحبَّ وشاءَ مِن خـلقه. ثم وصفَ فضلَهُ بـالعِظَم، فقال: فضلهُ عظيـمٌ لأنه غيرُ مشبَّهٍ في عِظَمِ موقعهِ مـمَّن أفضلَهُ علـيه أفضالَ خـلقه، ولا يقاربهُ في جلالةِ خطرهِ ولا يدانـيه (الطبري).

77- {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

ذكرَ أن أوصافَ اليهودَ هذه وردتْ متفرقةً في سورةِ البقرة.

قالَ الإمامُ الطبري: يعني بذلك جلَّ ثناؤه: إن الذين يستبدلون بتركهم عهدَ الله الذي عهدَ إلـيهم، ووصيتَهُ التي أوصاهم بها في الكتبِ التي أنزلها الله إلى أنبيائهِ باتباعِ محمدٍ وتصديقه، والإقرارِ به، وما جاءَ به من عندِ الله، وبأيمانهم الكاذبةِ التي يستـحلُّون بها ما حرَّمَ الله علـيهم من أموالِ الناسِ التي اؤتمنوا علـيها ثمناً، يعني عوضاً وبدلاً خسيساً من عرَضِ الدنـيا وحطامها، {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ}، يقول: فإن الذين يفعلون ذلك لا حظَّ لهم في خيراتِ الآخرة، ولا نصيبَ لهم من نعيـمِ الجنة، وما أعدَّ الله لأهلها فـيها، دونَ غيرهم. (الطبري).

{وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}: أي: مؤلمٌ موجع. والظاهرُ أن ذلك في القيامة، إلا أنه لم يقيَّدْ به اكتفاءً بالأول. وقيل: إنه في الدنيا، بالإهانةِ وضربِ الجزية، بناءً على أن الآيةَ في اليهود. (روح المعاني).

78- {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.

ويزعمون أن ما لووا به ألسنتَهم من التحريفِ والكذبِ والبـاطلِ فألحقوهُ في كتابِ اللهِ مِن عندِ الله، وما هو من عندِ الله، ولكنهُ مما أحدَثوهُ من قِبَلِ أنفسهم، افتراءً على الله. فهم يتعمَّدون قيلَ الكذب علـى الله، والشهادةَ عليه بالباطل، والإلحاقَ بكتابِ الله ما لـيس منه، طلبـًا للرياسةِ والخسيسِ من حطامِ الدنـيا. (الطبري، باختصار).

79- {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ}.

لا ينبغي لإنسانٍ أنزلَ اللهُ عليهِ الكتابَ الناطقَ بالحقّ، الذي فيه أمرٌ بتوحيدِ اللهِ وإخلاصِ العبادةِ له، وآتاهُ عقلاً وفهماً، وأوحَى إليهِ وجعلَهُ نبيًّا، ثمَّ يقولُ هذا الإنسان، وهو بشَرٌ مِن عبادِ الله: كونوا أيُّها الناسُ عباداً لي لا عبادا ًلله… (الواضح).

81- {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ}.

{آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ}: وهي بيانُ أحكامِ الحلالِ والحرامِ والحدود.

{وَلَتَنصُرُنَّهُ}: وتنصرنَّهُ على أعدائهِ لإظهارِ دينِ الحق. (روح البيان).

84- {قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ}.

… والأسباطِ، وهم بطونٌ مِن أولادِ يعقوبَ عليهِ السلام، مِن صُحُفٍ ووحي، وما أوتيَهُ موسَى، وهو التوراة، وما أوتيَهُ عيسَى، وهو الإنجيل، وما أوتيَ كلُّ الأنبياءِ مِن ربِّهم مِن كتبٍ ومعجِزات. (الواضح).

87- {أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين}.

ذكرَ أن معناهُ تقدَّمَ في سورةِ البقرة، ويعني الآيةَ (161) منها: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين}، قالَ هناك: وإنما قالَ هنا {وَالنَّاسِ أَجْمَعِين} لأن المشركين يلعنهم أهلُ الكتابِ وسائرُ المتدينين الموحِّدين للخالق، بخلافِ الذين يكتمون ما أُنزِلَ من البيِّنات، فإنما يلعنُهم الله والصالحون من أهل دينِهم كما تقدَّم، وتلعنهم الملائكة، وعمومُ الناسِ عرفيٌّ، أي: الذين هم من أهلِ التوحيد.

88- {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ}.

ماكثـينَ في عقوبةِ الله، لا يُنقَصونَ مِن العذابِ شيئًا في حالٍ مِن الأحوال، ولا يُنفَّسُون فـيه، ولا هم يُنظَرونَ لمعذرةٍ يعتذرون. (الطبري).

89- {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

ذكرَ أن معناهُ تقدَّمَ في سورةِ البقرة، ويعني الآيةَ (160) منها: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيم}، قالَ هناك: … وشُرِطَ للتوبةِ أن يُصلحوا ما كانوا أفسدوا، وهو بإظهارِ ما كتموه، وأن يبيِّنوهُ للناس، فلا يكفي اعترافُهم وحدَهم أو في خلواتهم، فالتوبةُ هنا الإيمانُ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فإنه رجوعٌ عن كتمانهم الشهادةَ له الواردةَ في كتبهم. وإطلاقُ التوبةِ على الإيمانِ بعدَ الكفرِ واردٌ كثيراً؛ لأن الإيمانَ هو توبةُ الكافرِ من كفره، وإنما زادَ بعدهُ {وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} لأن شرطَ كلِّ توبةٍ أن يتداركَ التائبُ ما يمكنُ تداركهُ مما أضاعَهُ بفعلهِ الذي تابَ عنه.

90- {وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ}.

أي: الخارجون عن المنهجِ الحقِّ إلى طريقِ الغيّ. (ابن كثير).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى