متابعات

القره داغي: العلمانية جعلت «عدو الأمة» ربان السفينة

حذّر فضيلة الداعية الدكتور علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، من التعاون مع أعداء الأمة، وقال في خطبة الجمعة أمس بمسجد السيدة عائشة في فريج كليب: «إن المنافق على صلة وثيقة وعلاقة متينة بأعداء الأمة، وهو الثغرة التي تؤتى الأمة من قبلها، حتى يحظى بمتاع من الدنيا قليل»، وأضاف: «إن البعض يقدم خدمات لأعداء الأمة مجاناً، فقط لأنه يريد الإساءة إلى الأمة، ويحب أن يحدث تمزقاً في صف وحدتها، وشرخاً في ثوب ألفتها».
قال فضيلة الداعية الدكتور علي محيي الدين القره: «رأينا كم تخلى أناس عن مبادئ هتفوا بها لسنوات، وجعلوها ميزان الاتباع والابتداع، وأقاموها مقام الإيمان والكفر، وتخلوا عنها لمجرد أن لاح بريق العلمانية الخلَّب في آفاقهم، نادوا بالولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من الكفار وأعداء الله ورسوله وأعداء المؤمنين»، منوهاً بأنه بين عشية وضحاها أصبح العدو المتربص بالأمة ربان سفينة النجاة، وأن حالة الأمة من الناحية الأخلاقية ليست على ما يرام، وليس بين أفرادها ومجتمعاتها ما يسمى بالحوار الهادئ حسب الأدلة المعتبرة.
التربية الإيمانية
ودعا القره داغي إلى معالجة أمراض المجتمع بالتربية الإيمانية، لأنه إذا لم تعالج هذه الأمراض الخطيرة التي انتشرت على نطاق واسع ازداد المجتمع ضياعاً وتفرقاً، وغرق في الفساد، وحذّر فضيلته مجدداً من الرضا بالمنكر بقوله: «فإذا رضي المجتمع بالأمر بالمنكر والنهي عن الحق، وضعف عن مواجهة الباطل الذي لا حقيقة له، برز في المجتمع فراعين كثر، وظهر من يقودها إلى الضلالة والشقاء»، وأضاف: «علينا في سبيل منع انتشار هذه الأوبئة الخطيرة، والقضاء عليها، تربية المجتمعات تربية إيمانية، بحيث يدرك الفرد أن مماته وحياته بيد الله تعالى، وأنه رازقه من غير حول من الإنسان ولا قوة، حينئذ يقدم رضا الله على كل رضا، ويسمو بإيمانه ويرتقي بمجتمعه، ومن كان رضا الله غايته فلا يضعف ولا يذل ولا يستكين».
وأوضح خطيب الجمعة : «إذا تدبرنا في كتاب الله تعالى، وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي سيرته العطرة لوجدنا أن هذا الدين العظيم جاء لتحقيق مجموعة من المقاصد الكبرى والغايات العظمى، وعلى رأسها طهارة الفرد المسلم وطهارة الأمة المسلمة ظاهراً وباطناً، وتحقيقاً لهذه الغاية كان من أوائل ما نزل من القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } إشارة إلى طهارة الظاهر، و قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} تصريحاً بوجوب طهارة الباطن من الشرك والرياء والنفاق وكل ما نهى الله تعالى عنه»، وأضاف: «الإسلام الطهارة ـــ ظاهراً وباطناً ـــ ركن لكل العبادات التي شرعها، فهي متوقفة على القبول، ولن تقبل إلا إذا أديت بطهارة الظاهر والباطن، فالغاية القصوى هي الوصول إلى طهارة القلب والنفس والابتعاد عن الخبائث والأوساخ والأمراض والأنجاس المتعلقة بقلب الإنسان وعقله وفكره ونفسه وروحه»، موضحاً أن هذا هو الإسلام الذي يريد الله تعالى أن يتحلى به المسلم، يصقل فيه صفاته، ويطهر جوهره، يقي الروح والنفس والجوارح من رجس الصفات، حتى يكون المسلم بمثابة قرآن يمشي على الأرض.

لا احترام لعهد.. ولا وفاء لوعد

قال خطيب الجمعة إن المنافق لا يحترم عهداً ولا يهتم بوعد، فمخالفة الوعد من صفات المنافقين، كما أن صدق الوعد من صفات الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين، وقد قال تعالى عن سيدنا إسماعيل عليه السلام: { إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} موضحاً أن هذه الآية كانت سبب تراجع الكاتب والأديب الكبير عباس محمود العقاد عن العلمانية، وصرف جل دراساته للدراسات الإسلامية، وأنه اتفق ذات يوم مع رجل لينهي له عملاً، وحضر الرجل في حالة يرثى لها، مضطرب الوصال تظهر على يديه آثار حروق وجروح، فسأله العقاد عن السبب، فقال: أصيبت زوجتي بحريق وقد أسعفتها، ولما حان الموعد أتيت، فقال العقاد: أتأتي وزوجتك في تلك الحالة، فقال الرجل: إن الله تعالى جعل صدق الوعد من الإيمان، ومخالفته من صفات المنافقين، فكيف لا أفي بالوعد؟.
وتابع خطيب الجمعة: إن المنافق إذا أعطى موثقاً وعقداً واتفاقاً يغدر بعهده وميثاقه، ولا يتمه إلى أجله ولا إلى مدته، وإذا حدثت خصومة ترى المنافق يتجاوز حدود الأدب والاحترام، ويفجر في المخاصمة، بغية إيصال الضرر النفسي والمعنوي إلى الخصم، لا يرعى في ذلك للحوار أدباً. الكذب والافتراء والغدر.

يجب العودة إلى الطريق السليم

أكد القره داغي مجدداً أن الكذب والافتراء والغدر، موجود بمعظم وسائل الإعلام، حيث السب والشتم لأشخاص ودول، وهم يعلمون أنهم مدعون أفَّاكون، وكاذبون آثمون، يحولون الحق إلى باطل، ويجعلون الباطل حقاً، وليعلم الجميع أنه لابد من صلح ورجعة إلى الوضع الصحيح السليم.
وأضاف: «كم هو جميل أن تعود الأحوال إلى سابق عهدها دون أطنان من الكذب والفجور والجور والافتراء، حتى تبقى لذة التواصل، ويبقى القلب طاهراً نقياً».
واختتم بأن من أسباب النفاق ضعف الإيمان، وعدم الثقة بالنفس، والحسد والحقد، وحب الشهوات وحب الدنيا، وعلى الأمة إذا رغبت في التخلص من هذا المرض الخطير أن تربي أنفسها على الصدق وترك الكذب والنفاق، ومن لم يستطع فالأولى به السكوت، موضحاً أن السكوت خير من أن يكون المرء ذا وجهين، وأفضل من أن يشهد زوراً، أو يقول بهتاناً، أو يأتي إفكاً، أو يحكم جوراً.

أمراض القلوب تفتك بالمجتمعات
أكد فضيلته أن أمراض القلوب من أخطر الأمراض التي تفتك بالمجتمعات وتفرقها، وتشتت شملها، وتوهن عزيمتها، ومنها مرض النفاق، وهو نوعان، النوع الأول: النفاق الأكبر، وهو نفاق العقيدة، أن يظهر المرء خلاف ما يبطن من عقيدة، كأن يظهر الإيمان بالله تعالى ويبطن الكفر، ويأبى الحق ويستنكره، فهذا كفر توعد الله تعالى صاحبه بالخزي والذل والهوان في الدنيا، وفي الآخرة يرد إلى أشد العذاب، وأضاف: «إن النوع الثاني الشائع هو نفاق العمل، وإظهار شيء للوصول إلى المصلحة الشخصية بأي وسيلة كانت، مشروعة أو غير مشروعة، وهذا النوع يرائي ويحابي ويجامل، ويظهر الباطل في ثوب الحق، وهو كاذب على الله تعالى وعلى نفسه، وعلى من ينافق له»، وأوضح أن هذا الصنف دون الأول من حيث الكفر، ولكنه يناله نصيب من الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة.

كذب وتلفيق وافتراء
قال القره داغي: «إن أشد المنافقين على الأمة أولئك الذين أوتوا الجدل، المنافق العليم اللسان، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ»، والمراد بعليم اللسان، أنه يتكلم بالحكمة ويعمل بالجور والمنكر»، موضحاً أن هذا هو حال معظم وسائلنا الإعلامية، فيها الكثير من الكذب والتلفيق والافتراء، ليصل إلى المتابع أن الباطل حق والحق باطل، وأن المظلوم ظالم، والظالم مظلوم، وأن البريء متهم والمتهم بريء، فيتقبل المتابع ذلك ويتطبع به ولا ينكره ومنه خيانة الأمانة، والكذب، والغدر، والفجور في المخاصمة.
وذكر خطيب الجمعة في هذا السياق قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ»، ولفت إلى أن المنافق يتخذ الكذب ذريعة لكل شيء، وهو حرام شرعاً، وليس في الإسلام ما يسمى بالكذب الأبيض، بل الكذب كله أسود يمحق إيمان صاحبه، لأن المرء إذا استسهل الكذب هان عليه فعل أي شيء، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: «هَلْ يَزْنِي الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ، قَالَ: هَلْ يَكْذِبُ؟ قَالَ: لَا».

(المصدر: مجلة العرب الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى