كتب وبحوث

القراءة الحداثية للنص القرآني وأثرها في قضايا العقيدة

اسم الكتاب: القراءة الحداثية للنص القرآني وأثرها في قضايا العقيدة.

اسم المؤلف: محمد سالم النعيمي.

عدد الصفحات: 318 صفحة.

الناشر: مصر العربية للنشر : القاهرة.

 

نبذة عن الكتاب:

الحداثة الفلسفية تقوم على أسس منهجية تلغي كل حقيقة دينية فوقية، ولا تعترف بأي مصدر للمعرفة خارج إطار هذه الأسس. فالذاتية (الأنسنة) كأحد هذه الأسس، تقرّ بامتلاك الإنسان الحقيقة وحده، فهو معيار الخير والشر، والحق والباطل، هو مقياس لكل حقيقة، ولا حقيقة تأتي من خارج الإنسان، ويأتي العقل بوصفه أحد هذه الأسس أيضًا ليُخضع كل المسلمات في الدين والأخلاق والعلم لمعياره، أي عقلنة الأشياء.

وقد شكّل استنساخ الحداثة الفلسفية في الفكر الإسلامي منزلقًا خطيرًا عندما تم توظيف آليات الحداثة ومذاهبها ونتائجها المختلفة توظيفًا مشوهًا ومضطربًا في قراءة النص القرآني وقضايا العقيدة، فإن أصل البيئة التي تشكلت فيها الحداثة الفلسفية والفكرية هو في أوروبا، وكانت تمثل صراعًا تاريخيًّا بين الدين الذي كانت الكنيسة وصية عليه، وبين المناضلين من العلماء والفلاسفة الذين وضعوا أسس هذه الحداثة.

وقد درس المؤلف هذا الموضوع من خلال ستة فصول:

  • الأصول المعرفية للحداثة.
  • القراءة الاستشراقية للنص القرآني.
  • القراءة التاريخية للنص القرآني.
  • النص القرآني وآليات القراءة التأويلية.
  • القراءة الجديدة لمقاصد الشريعة.
  • أثر القراءة الحداثية في قضايا العقيدة.

وقد جاءت نتائج هذه القراءة للنص القرآني كما وضحتها الفصول السابقة من الدراسة عبثية وخطيرة، نزعت قدسية القرآن الكريم وفصلته عن مصدره الإلهي، لتحوله إلى البعد الزمني البشري، بعد أن أحاطته بجملة من التشكيكات، في وثاقة مصدره وجمعه وتدوينه وترتيبه، حتى يمكنها بعد ذلك القول بأنه منتج ثقافي يسهل تأويله وفقًا لأسس المناهج الحداثية.

ومما توصل إليه المؤلف في دراسته التوثيقية المفيدة هذه:

– تحولت الحداثة الفلسفية الغربية عبر تطورها التاريخي من ثورة على الكنيسة ورجالها إلى ثورة علنية على الدين ذاته..

– الحداثة كما جاءت في سياقها الغربي تعني التمرد اللامتناهي على النصوص المقدسة، والمعتقدات والثوابت والمعقولات، لبناء أنساق معرفية جديدة غير ثابتة، قابلة للنقد والرفض دون تمنع.

-كان لتوظيف (التاريخية) في قراءة النص القرآني آثار خطيرة على قدسيته ومحتواه، فالقول بأن النص القرآني يحاكي مرحلة معينة من التاريخ، وهي مرحلة نزول الوحي، وأن صلاحية النص للتطبيق تخص تلك الفترة من عمر الرسالة المحمدية، بربطها بأسباب النزول وليس بعموم اللفظ، يكون هذا النص غير ملزم للمراحل التاريخية اللاحقة. وهذا القول هدم كلي وقطعي ونهائي للنص القرآني، بما احتواه من عقيدة وشريعة وأخلاق تحدد مسار الأمة في الزمن البشري.

– ومن خلال توظيف “التاريخية” لقراءة النص القرآني، أحيط هذا النص بجملة من التشكيكات والافتراءات تمس مصدره ووثاقته، وتكاد تقتلعه من جذوره تمامًا، لولا تكفل الله تعالى بحفظه.

ومن هذه التشكيكات والافتراءات الزعم بأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس أميًا، وأنه كان يقرأ ويكتب، والزعم بأن الوحي القرآني كان صادرًا عن لا وعي النبي، أو هو حديث النفس، والزعم بأن القرآن لم يدوَّن في حياته عليه الصلاة والسلام، بل صحابته هم الذين كتبوه بعد وفاته، وأن هذا التدوين لم يكن أمينًا ودقيقًا، معتمدين على الروايات الشاذة والضعيفة. والزعم بضياع بعض السور والآيات، ووجود اختلاف بين القرآن والمصحف، وأن السلطة السياسية لها دور في هذا الاختلاف، وزعمهم أن الوعد الذي قطعه الله على نفسه بحفظ القرآن يعني حفظ محتوى القرآن وليس ألفاظه ومعانيه!

– كما ذهبت القراءة الحداثية إلى ربط الواقع بالنص، والقول بحاكمية الواقع على النص. وهذا خلل منهجي آخر، فكيف تستوي الحاكمية للمتغير وتسحب من الثابت؟ وهل يضمن لنا الحداثيون أن يكون هذا الواقع خيرًا وسعادة للإنسانية في كل عصر وفي كل مكان؟

– ومن خلال تفكيك النص وتحليله وفصله عن مصدره فتحت التأويلية الباب أمام تعدد القراءات للنص القرآني، وجعلت معيار فهمه يخضع لذاتية القارئ، ومن ثم ميوله وأهوائه، أو كما يطلق عليه الحداثيون (سلطة القارئ)، وتعدد القراءات (الفهم) يعني تعدد المعاني للنص حسب فهم كل قارئ وثقافته (التناص).

– كذلك وظفت فلسفة اللغة أو اللسانيات في عملية التأويل، ونتج عنها القول بأن اللغة لها معنى متطور غير ثابت، يفرضه الواقع وثقافته، وأن اللغة هي ما تثيره الألفاظ من معنى في ذهن المتلقي، ومن ثم لا ثبات لمدلولات اللغة في النص، فلكل جيل لغته ومعانيها بحسب تشكله الثقافي والحضاري. وعليه فألفاظ (الله والرسل والملائكة والكتب والجن والجنة والنار) لا تحمل معاني ثابتة… !!

– لقد انطلقت التأويلية الحديثة في قراءتها للنص القرآني دون ضوابط اللغة التي نزل بها، ودون الاحتكام إلى السنة النبوية الشريفة، المبيّنة للإجمال في النص، والموضحة لمبهمه، والمخصصة لعمومه، والمقيدة لمطلقه، ودون الرجوع إلى ما أجمع عليه علماء التفسير والمجتهدون من علماء الأمة، كان لا بد أن ينتج عن كل ذلك نتائج خطيرة، تؤدي إلى فوضى عبثية بكتاب المسلمين المقدس، تحجب الدلالة المقصودة للنص كما أرادها رب العالمين، وتشوّه عقائده، وتعطّل أحكامه، وتضع النص تحت سلطة القارئ الذاتية المتشبعة بالهوى، وبالنوازع والميول الفكرية والأيديولوجية.

– وإن القراءة الجديدة لمقاصد الشريعة الإسلامية التي دعا إليها الحداثيون قامت على منطلقات ومبادئ علمانية لا ترى في الدين مصدرًا للتشريع والأحكام في حياة الناس، وهدفها تأسيس مجتمع قائم على تشريع وضعي إنساني، قابل للتغير حسب تغير واقع حياة الإنسان، وتغير ثقافته وحضارته. إنها دعوة إلى مجاراة التشريع الوضعي في الغرب.

– وقد نتج عن القراءة الحداثية لقضايا العقيدة آثار خطيرة تمس اعتقاد المسلم، وتنسف إيمانه بعقيدته، وتجعل منه إنساناً لا يرى فرقًا بين الإيمان والكفر! ومن هنا يبدو الخطر الحداثي على قضايا العقيدة، من خلال إقصاء كل مقدس، والتشكيك والقدح فيه، وإنكار الأصول والثوابت العقدية المؤسسة للدين.

ويمكن تصور هذا الخطر الحداثي على قضايا العقيدة من خلال مزاعمهم التالية:

فقد زعموا أن الله تعالى مجرد (فكرة) في العقل البشري! ومن خلال هذا التأويل أصبح الله تعالى يعني عند الجائع رغيف الخبز، وعند المظلوم العدل، وعند المستعبد الحرية.. وهذا المفهوم الحداثي للإله عند الحداثيين امتداد وتأثر بفكر نيتشه ومقولته عن (موت الإله). سبحانه وتعالى.

وإنكارهم النبوة، وأنه لا يمكن التحقق منها. واعتبروا نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم) نوعًا من التوهم أو الإيحاء أو حديث النفس..

وإنكارهم معجزات الأنبياء، واعتبروها قدحًا لبديهيات العقول..

وشككوا في القصص القرآني، واعتبروها نوعًا من التراث الشعبي الأسطوري.

كما أنكروا الغيبيات الواردة في القرآن..

– وهذه القراءة الحداثية لقضايا العقيدة الإسلامية ما هي إلا مقاربة مقتبسة ومشوهة لما تمّ تطبيقه من نقد التوراة والإنجيل في الغرب، وكانت نتائجه تأليه الإنسان بدلًا من الله تعالى، وإقصاء الوحي كمصدر للمعرفة، وإحلال العقل بدلًا منه..

– من الأخطاء والسلبيات التي وقعت فيها الحداثة العربية اعتمادها على قراءة جاءت من خارج النص نفسه، هذه القراءة تنطلق من أسس فلسفية غربية تختلف في شكلها ومضمونها عن البناء التكويني للمعرفة الإسلامية ومناهجها، ومن ثم خرجت الدراسات الحداثية بنتائج غريبة وشاذة، وتدميرية إقصائية للثوابت والأصول الإسلامية التي آمن بها المسلمون.

المصدر: شبكة الألوكة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى