أخبار ومتابعات

الغارديان: آلاف المساجد في الهند مهددة بالتدمير

الغارديان: آلاف المساجد في الهند مهددة بالتدمير

نشرت صحيفة “أوبزيرفر” تقريرا عن هجمات المتطرفين القوميين الهندوس على مساجد المسلمين، ومحاولتهم إعادة كتابة تاريخ الهند.

وقالت حانا إليس- بيترسون في تقرير لها من ولاية أوتار براديش، شمال الهند؛ إن محاميين في مكتب ببلدة بدوان، جلسا يتجادلان وسط الكتب القانونية المغبرة حول مصير شمسي جماعة مسجد، الذي ظل قائما منذ 800 عام.

وبحسب المحامي في بي سينغ وبي بي سينغ ( لا علاقة نسب بينهما)، فهذا الجامع بقبته البيضاء الذي يعد واحدا من أقدم أماكن العبادة للمسلمين في الهند، ليس مسجدا على الإطلاق “لا لا، هذا معبد هندي”، قال بي بي سينغ، مضيفا: “هذا مكان مقدس جدا للهندوس”.

وتؤكد السجلات القانونية التي تعود إلى عام 1856 أن المكان هو مسجد تمارس فيه العبادة، وبحسب السكان المحليين المسلمين، فهم يصلون به دون انقطاع منذ أن بناه الملك المسلم شمس الدين إلطتميش عام 1223.

 لكن المحاميين سينع لديهما فكرة أخرى عن الأحداث. ففي تموز/يوليو قدما عريضة قضائية نيابة عن مزارع هندوسي، وبدعم من الحزب الهندوسي المتطرف أكيل بهرات مهاسبها، زعما فيها أن مسجد شمس الدين ليس مسجدا في الحقيقة، ولكن “بناية غير قانونية”، أقيمت على معبد هندوسي يعود إلى القرن العاشر يعود للإلهة شيفا.

وتزعم العريضة أن الهندوس هم الملاك الحقيقيون للمكان ولهم الحق بالعبادة فيه. والمشكلة في هذا الزعم، أن المحاميين المتشاجرين لم يتفقا على الحقائق التاريخية.

ففي البداية زعم بي بي سينغ أن المعبد الأصلي دمره حاكم مسلم طاغ، وهو زعم يناقضه في بي سينغ حيث قال: “لم يدمر بل غير” و “المعبد الهندوسي لا يزال موجودا في معظمه”. ويزعمان أن زهرة اللوتس مرسومة في داخل قبة المسجد. وعندما سمح للصحيفة بدخول المسجد، لم تشاهد الموتيف الهندوسي، بل آيات قرآنية مكتوبة. ولم تكن هناك أدلة عن “غرفة مغلقة مليئة بالتماثيل الهندوسية” في داخل المسجد، وهو ما زعم في بي سينغ مشاهدتها في السبعينيات من القرن الماضي. والغرفة المعنية هي غرفة خزين، وضعت فيها مواد التنظيف وسجادات الصلاة.

ولم يتفق المحاميان على التاريخ الحقيقي لبداية استخدام المسلمين المسجد للصلاة، خمس مرات في اليوم كما هو اليوم. وبعدما قال بي بي سينغ؛ إن المسلمين استخدموه حتى السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، مال في بي سينغ على زميله ونطق بهدوء قائلا: “لا لا تقل هذا، لا تقل هذا”. ثم تحدث في بي سينغ بصوت عال قائلا: “في الحقيقة، لم يكن هذا مسجدا ولم يستخدم لأداء نماز (الصلاة)، إلا عندما قام المسلمون في وقت قريب بالدخول عنوة إليه، وحاولوا تحويله إلى مسجد”. وزعما أن لديهما “دليلا” ولم يستطيعان العثور عليه.

وقال بي بي سينغ: “عندما حكم المسلمون، تعرضنا نحن الهندوس للاضطهاد والقتل”، و”الآن نأخذ ما هو حق لنا”. وعبر المسلمون عن دهشتهم من المزاعم، ويواجهون الدعوى القضائية. وقال أنور علم المستشار القانوني للجنة المسجد: “كيف تزعم أن هذا ليس مسجدا؟” وأشار إلى القبة البيضاء و “لم يصل أحد أبدا من الهندوس في هذا المسجد منذ 800 عاما، وهذه الدعوى لا أساس قانوني لها”. ولكن الذين يقفون وراء الدعوى يقولون؛ إن بدوان هي البداية “لدينا قائمة بـ 3.000 مسجد قررنا استعادتها، كما يقول سانجاي هاريانا، المتحدث باسم الحزب المتطرف.

ويقول المسلمون الهنود البالغ عددهم أكثر من 200 مليون نسمة؛ إنهم يتعرضون منذ وصول الحزب القومي الهندوسي المتطرف بهارتيا جاناتا (بي جي بي) للاضطهاد والعنف والتمييز المدعوم من الدولة. وبحسب أجندة القوميين الهندوس التي يطلقون عليها “هندوفتا” (القومية الهندوسية)، الهادفة لجعل الهند بلدا للهندوس وليس بلدا علمانيا، فقد تم استهداف المسلمين المدنيين والناشطين والصحفيين، وتمت مقاطعة المتاجر المسلمة، ونشر قادة بي جي بي الخطاب المعادي للمسلمين. وأصبحت المساجد وسط مشاريع واسعة للحزب، وتهدف لإعادة كتابة تاريخ الهند بناء على أيديولوجية هندوفتا.

وأصبحت الرواية الرسمية التي تبناها الحزب، وبدعم من المؤرخين والمناهج الدراسية، تقوم على أن الأمة الهندوسية القديمة تعرضت لمئات من السنين للاضطهاد من قبل الغزاة المسلمين القساة، وبخاصة الإمبراطورية المغولية التي حكمت ما بين القرن السادس عشر والتاسع عشر، وأصبحت مزاعم تدمير المعابد لبناء المساجد أساسية لهذه الرواية.

تتهم الجماعات الهندوسية المتطرفة بالسعي إلى إزالة المساجد.

وفي أيار/مايو زعم مسؤول بارز في حزب بي جي بي، أن المغول دمروا 36.000 معبد هندوسي، وسيعيدون استرداد هذه المعابد “واحدا بعد الآخر”.

لكن البرفسور ريتشارد إيتون، أستاذ التاريخ بجامعة أريزونا، يرى أنه لا توجد أدلة تاريخية على هذا، وأن عدد المعابد التي دمرها المغول قليل، و”مزاعم بالآلاف لا يمكن تصديقها وغير مسؤولة وبدون أساس”. ولا يتهم المؤرخون القوميون الهندوس بإعادة كتابة التاريخ فقط، بل و”اختراع” تاريخ على صورتهم.

ويقول سيد علي نديم رضائي، أستاذ تاريخ الفترة المغولية بجامعة عليكرة؛ إن نسخة التاريخ التي تثير الاستقطاب ويروج لها بي جي بي، هي “فتنازيا ومجرد خيال”، وتم اختراعها لخدمة أهدافهم السياسية. وقال رضائي: “تم رسم تاريخ الهند بالأسود والأبيض، هندوس ضد المسلمين” و”لم يكن كذلك”.

ومع ذلك، وجد المؤرخون الهنود الذين ناقضوا هذه الرؤية عن التاريخ أو من تحدثوا علنا ضدها، أنفسهم على الهامش وعوقبوا بالطرد من المؤسسات الحكومية والمراكز الأكاديمية التي تعتمد في تمويلها على الدولة.

وكان رضائي واحدا من قلة تجرأت على الحديث عندما اتصلت به “أوبزيرفر”، أما البقية فقد تعللوا بالخوف على وظائفهم وأمنهم. ولم يفلت المؤرخون الأجانب من الملاحقة، فقد واجهت المؤرخة المتخصصة بجنوب آسيا أودري تراتشيك تهديدات بالقتل من قبل المتطرفين الهندوس بسبب عملها وأبحاثها حول الدولة المغولية. وشبه رضائي ملاحقة المؤرخين والباحثين ومحاولة إسكاتهم، باستهداف الأكاديميين في ألمانيا النازية: “هناك عدد كبير من الباحثين يخشون من الحديث علانية”، و”كنت ضحية التمييز والاضطهاد لأنني تحدثت علنا. واذكري لي أي مؤرخ هندي يحظى باحترام ويعمل مع الحكومة؟ لا أحد”.

ومع زيادة الزخم للانتقام واستعادة التاريخ الهندوسي من قبل الجماعات الهندوسية المتطرفة، فقد تم تقديم عدد من العرائض ضد المساجد في أنحاء البلاد. ورغم وجود قانون يحمي أماكن العبادة والخلاف عليها في مرحلة ما بعد 1947 إلا أن القضاة يسمحون بها. ولم يفلت تاج محل الذي بناه امبراطور مغولي ليكون قبرا لزوجته من التقاضي، وأنه بني على معبد هندوسي وفيه غرفة مغلقة وضعت فيها التماثيل والتحف الهندوسية. وقال ألوك فاتس، المسؤول البارز في بي جي بي؛ إن الحزب “لا دور له” في الدعاوى القضائية، ولكن هذه الجماعات “تفعل بالضبط ما تريده المجتمعات الهندوسية”.

وزادت الحالات بعد قرار المحكمة العليا عام 2019 لتمكين  الهندوس من مسجد بابري في أيوديا بأوتار براديش، الذي يعود للقرن السادس عشر، وبعدما زعم الهندوس أنه مكان ميلاد الإله رام. وفي عام 1992 قام الرعاع الهندوس بتدمير المسجد، وهو ما يخشى الكثيرون من تكراره مرة أخرى.

وفي هذا الشهر، اعتدى المتطرفون الهندوس على مسجد في مدينة غيرغوان، فيما تدفقت الحشود في ولاية كارناتاكا على مدرسة ووضعت تمثالا فيها وأدت الصلاة. وفي ماثورا بأوتار براديش، يواجه مسجد شاهي إدغان الذي بناه الامبراطوري المغولي أورانغزيب عام 1670، 12 دعوى قضائية تزعم أنه مكان مولد الإله كريشنا وبني على بقايا معبد هندوسي. ويقاوم المسلمون الدعاوى. وفي مدينة تفاخر بأنها مكان للانسجام الاجتماعي، انضم الهندوس لمعارضة الدعاوى.

ويقول ماهيش باثاك، رئيس الرهبان الهندوس لعموم الهند: “يقولون إنه معبد دمره أورانغزيب، لكن هذا في الماضي، وهذه سياسية وليست دينية”. ولكن القضية حول مسجد غيانفابي الذي بني في القرن السابع عشر في أثناء فترة أورانغزيب في مدينة فراناسي المقدسة، الذي ستقرر قضيته مصير المساجد في كل الهند. وما بدأ كعريضة قدمتها أربع نساء للسماح لهن الدخول إلى المسجد والصلاة فيه، بعد زعمهن أنه مبني على بقايا معبد للإله شيفا، توسعت إلى 15 عريضة، وتدعو لتدمير المسجد وإقامة معبد مكانه.

ويواصل المسلمون الصلاة فيه خمس مرات في اليوم، لكنه محاط بالحواجز والأسلاك الشائكة والشرطة مثل السجن. وقال المسؤول الإقليمي لباجرانك دال، المنظمة الهندوسية المتطرفة التي تدعم القضايا القانونية واللوجيستية المتعلقة بمعارضة المسجد، أناند سينغ: “هذا ملك هندوسي، لا يوجد ما يربط المسلمين بهذه الأرض”.

و “هو معبد شيفا واليناء الحالي ليس قانونيا. وهذه لحظة مهمة للهندوس لاستعادة الأمجاد التاريخية الماضية”.

واعترفت سيتا ساهو، 46 التي وقعت على العريضة أنها لم تدخل المكان، ولكنها متأكدة من وجود التماثيل في داخل غيانفابي وتم دفنها تحت أرضيته، حيث أشارت إليه بمعبد شيفا. وقالت: “هذا مكان مقدس للهندوس، ويجب السماح لنا بالدخول إليه لدرشان (الزيارة) وبوجا ( الصلاة)”. ووقفت النساء الأربع في أثناء جلسة استماع أمام المحكمة هذا الشهر وهن ينشدن الدينية.

وأصبح الوضع أكثر سخونة عندما زعم محامون عن الجانب الهندوسي في أيار/مايو، أنهم “عثروا” على قطعة دينية للإله شيفا داخل المسجد. ويقول القيم على المسجد منذ أكثر من 30 عاما سيد محمد ياسين؛ إن كل المزاعم الهندوسية بوجود تحف وتماثيل وصلوات “لا تصدق” و”غير صحيحة على الإطلاق”، و”لم يصل الهندوس فيه داخل المسجد في تاريخه الذي مضى عليه 350 عاما”.

وقال؛ إن مزاعم وجود الإله شيفا مرتبطة بنافورة أقيمت في المسجد قبل 70 عاما، وتحتوي على ملامح تشبه الأيقونات الهندوسية. ولم يتم فحص الأيقونة من قبل المحكمة، ولكن المنطقة مغلقة. وأخبر  بي جي بي ألا علاقة له بالدعاوى القضائية، ولكن بعد ظهور رمز الإله شيفا “في المكان الذي كنا نبحث عنه” حسب نائب رئيس ولاية أوتار براديش، أصبح حزبه مهتما.

ومثل بقية المسلمين في فراناسي، يخشى قيم المسجد ياسين من المناخ السياسي الذي قد يؤدي لصدور حكم ضدهم: “لم نر حتى الآن أن المحاكمة عادلة، ولا حتى في جزء منها”. كما قال: “هذه قضية قدمها هندوس ويقرر فيها هندوس، والجميع معهم؛ المحققون والقضاء والحكومة”.

وحاولت قدر جهدي لتعيين محام هندوسي، ولكن لا يوجد هناك محام هندوسي يدافع عنا”. وقال عبد البتين النعمامي، مفتي فرناسي، الذي يشرف على المساجد في المدينة: “نعرف أن هذا المسجد هو البداية”، و “لو أعطوه للهندوس، فسيكون هناك دم يسفك”.

المصدر: الغارديان + عربي 21

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى