تقارير وإضاءات

الشيخ رائد صلاح.. ارتبط اسمه بالمسجد الأقصى فلاحقته “إسرائيل”

الشيخ رائد صلاح.. ارتبط اسمه بالمسجد الأقصى فلاحقته “إسرائيل”

من جديد، عاد اسم الشيخ “رائد صلاح” إلى الواجهة والصدارة على مختلف الجبهات، المحلية والإقليمية والعربية؛ إثر قرار محكمة إسرائيلية إدانته بعدة تهم مجحفة، وهو ما أثار غضباً فلسطينياً وعربياً عارماً، لكون الرجل أضحى عنواناً رئيساً للدفاع عن المسجد الأقصى ومدينة القدس المحتلة.

ويُطلق الفلسطينيون على “صلاح” لقب “شيخ الأقصى”؛ لارتباطه اللصيق بالمسجد، ودفاعه “المستميت” عنه، في ظل حالة الخذلان و”اللامبالاة” على صعيد الأنظمة العربية الحاكمة.

وتعتبر الحكومة الإسرائيلية الشيخ صلاح، أحد الزعماء العرب “المحرضين على العنف” من وجهة نظرها؛ نظراً إلى جهوده الكبيرة في حماية المسجد الأقصى، والتصدي للجهود الإسرائيلية الساعية لـ”تهويده”.

قرار خطير

وفي أحدث حلقة من حلقات ملاحقة الدولة العبرية للشيخ صلاح، أدانت محكمة إسرائيلية في مدينة حيفا، الأحد (24 نوفمبر 2019)، الرجل بتهم مختلفة، من بينها “التحريض على الإرهاب” و”دعم تنظيم محظور”، حسب ما أوردته وسائل إعلام إسرائيلية.

وذكرت القناة الـ13 الإسرائيلية أن الشيخ صلاح أُدين بدعم تنظيم محظور (الحركة الإسلامية)، في حين ذكرت صحيفة “إسرائيل اليوم” أنه أُدين أيضاً بتهمة دعم الإرهاب.

وفي سياق متصل، قال موقع “والا” الإسرائيلي: إنه “سبق أن صدر حكم مع وقف التنفيذ، على الشيخ صلاح”، وهذا يعني إمكانية صدور حكم بالسجن الفعلي عليه بعد إدانته.

الشيخ رائد صلاح

وحظي الشيخ صلاح بمساندة ومؤازرة كبيرتين من قيادات الداخل الفلسطيني والنواب العرب عن “القائمة المشتركة”، فضلاً عن وجود مكثف للأهالي من مختلف البلدات العربية.

الرد على الحكم الإسرائيلي ضد “صلاح” لم يتأخر على الإطلاق؛ إذ هتف حشد من مناصريه أمام المحكمة بشعارات عفوية وحماسية، على غرار “بالروح بالدم نفديك يا أقصى”، حسب مقاطع فيديو تداولتها منصات التواصل الاجتماعي.

وفي وقت سابق، قال المحامي خالد الزبارقة، وهو أحد أعضاء فريق الدفاع عن الشيخ صلاح: إن “الشيخ صلاح يمثل الشعب الفلسطيني بأكمله، ولائحة الاتهام ليست موجهة إليه شخصياً فحسب، بل هي اتهام لجميع المفاهيم الإسلامية والعربية والفلسطينية”.

وأضاف أن المؤسسة الإسرائيلية التي يمثلها قادة سياسيون وأمنيون عطلت إمكانية إجراء محاكمة عادلة، فقد تم إجراء تفسيرات مشوهة بهدف تحريف تصريحات الشيخ رائد صلاح، وبهدف تقويض المفاهيم الإسلامية والتراثية والقومية.

https://www.facebook.com/khatabnasar/videos/446719502698463/

ما خلفية الاتهام؟

الشيخ صلاح كان قد اعتُقل من منزله في مدينة “أم الفحم” على يد شرطة الاحتلال، منتصف أغسطس 2017، ووجهت إليه لائحة اتهام من 12 بنداً، تتضمن “التحريض على العنف والإرهاب في خطب وتصريحات له”.

وأمضى الشيخ صلاح 11 شهراً في السجن الفعلي، قبل أن يُفرج عنه إلى سجن منزلي ضمن شروط مشددة للغاية.

وأتت الملاحقة الإسرائيلية لـ”شيخ الأقصى”، بعد قرار الحكومة العبرية حظر الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي)، في نوفمبر 2015؛ بزعم “ممارستها أنشطة تحريضية ضد إسرائيل”.

وأواخر أكتوبر 2015، قضت المحكمة المركزية الإسرائيلية، في مدينة القدس، بالسجن الفعلي مدة 11 شهراً على الشيخ صلاح، الذي سارع إلى الرد عليه بقوله على حسابه بموقع “فيسبوك”: “كنتُ وما زلتُ أقول: نحن لا نحب السجون، ولكن لن نخافها إن كانت جزءاً من ضريبة نصرة القدس والمسجد الأقصى المباركَين”.

من هو “شيخ الأقصى”؟

والشيخ رائد صلاح من مواليد مدينة “أم الفحم”، التي تعتبر ثاني كبرى المدن العربية في “إسرائيل” بعد الناصرة، في عام 1958.

وتلقى في “أم الفحم” تعليمه المدرسي قبل أن ينتقل إلى مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية، للحصول على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة الخليل.

واعتقلته السلطات الإسرائيلية في عام 1981، لاتهامه بالانتماء إلى تنظيم محظور إسرائيلياً اسمه “أسرة الجهاد”، قبل أن تفرض الإقامة الجبرية عليه.

كان هذا هو اعتقاله الأول من قِبل القوات الإسرائيلية، لكنه لم يكن الأخير، وتخلل ذلك منع من السفر وفرض إقامات جبرية، ومنع من دخول مدينة القدس، إضافة إلى الإصابة بالرصاص.

ويقول في تدوينة سابقة على صفحته بموقع “فيسبوك”: “على أعتاب السجون، لا لن نُذل ولن نهون.. على أعتاب السجون سنبتسم للسجون.. وإن كان السجن ثمناً ضرورياً لنصرة القدس والمسجد الأقصى فمرحباً بالسجون”.

وبرز اسم الشيخ صلاح، أول مرة، عندما نجح بأغلبية كبيرة على منافسيه في الانتخابات رئاسة بلدية “أم الفحم” في عام 1989، وذلك 3 مرات متتالية، إلى أن استقال عام 2001، ليتفرغ لشؤون المسجد الأقصى.

وكان الشيخ صلاح، وهو أب لـ8 أبناء وبنات، من مؤسسي “الحركة الإسلامية” في الأراضي المحتلة، ببداية السبعينيات من القرن الماضي.

الشيخ رائد صلاح

وفي عام 1996، حدث انشقاق داخل الحركة، بعد قرار رئيسها، الشيخ عبد الله نمر درويش، خوض انتخابات الكنيست الإسرائيلي، وهو ما رفضه الشيخ صلاح، وترأس على أثره ما عُرف بـ”الحركة الإسلامية – الجناح الشمالي”.

وكان الشيخ صلاح قد نجح قبل ذلك -وتحديداً في عام 1996- في قيادة جهد “الحركة الإسلامية” لترميم المصلى المرواني، داخل المسجد الأقصى، في غفلة من السلطات الإسرائيلية إلى أن افتُتح بوابات المصلى الكبيرة أمام المصلين في عام 2000.

وكانت هذه بداية المواجهة بينه وبين السلطات الإسرائيلية، التي تردد آنذاك أنها تريد تحويل المصلى المرواني، الذي تطلق عليه اسم “إسطبلات سليمان”، لكنيس يهودي.

وتوالت المواجهات بعد ذلك، ففي عام 2000 أنشأ مؤسسةَ “الأقصى لإعمار المقدسات”، وهي مؤسسة تُعنى بالدفاع عن المقدسات الإسلامية داخل الأراضي المحتلة، وعلى رأسها المسجد الأقصى.

وعلى مدى سنوات، وحتى الآن، نشطت المؤسسة في كشف المخططات الإسرائيلية، داخل المسجد وحوله، مستندة إلى تقارير عبرية تترجم إلى اللغة العربية، فضلاً عن جولات ميدانية لفرقها في مناطق الحفريات الإسرائيلية.

وفي مؤتمر صحفي بالقدس في 5 مايو 2007، قال الشيخ صلاح إن أعمال مؤسسة الأقصى على مستوى إعمار المقدسات وإحيائها، وأولها المسجد الأقصى المبارك، كانت السبب الرئيس الذي منع ضياع القدس والأقصى ومقدسات كثيرة.

كما أطلقت “الحركة الاسلامية” ما يُعرف بـ”برنامج مسيرة البيارق”، الذي يجلب في حافلات مجانية شهرياً عشرات الآلاف من العرب من القرى والمدن العربية في “إسرائيل” إلى المسجد الأقصى، لإعماره بالمصلين، عقب منع الاحتلال غالبية فلسطينيي الضفة وقطاع غزة من الوصول إليه.

رائد صلاح

وفي عام 2000، أطلق شرطي إسرائيلي الرصاص على رأس الشيخ صلاح، في أثناء مشاركته في مسيرة تضامنية مع المسجد الأقصى؛ وهو ما أدى إلى إصابته بجراح بين طفيفة ومتوسطة.

وكان عام 2000 هو العام الذي انطلقت فيه انتفاضة الأقصى في كل الأراضي الفلسطينية، بعد اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون للمسجد.

ولجأت السلطات الإسرائيلية بعد اندلاع الانتفاضة، إلى التضييق عليه، فقرر وزير الداخلية الإسرائيلي، في يونيو 2002، منعه من السفر.

كما اعتُقل الشيخ صلاح مجدداً في 13 مايو 2003، بعد اتهامه وعدد من قادة “الحركة الإسلامية”، بتهمة تبييض الأموال لصالح حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.

رائد صلاح

وصدر قرار مطلع عام 2007 بمنعه من دخول المسجد الأقصى ومنعه من الاقتراب من أسوار البلدة القديمة على مسافة 150 متراً، ومنعه من الاجتماع مع أكثر من 7 أشخاص في مكان عام في القدس، وذلك على خلفية نشاطه ضد هدم “طريق باب المغاربة المؤدي إلى المسجد الأقصى”.

وفي 22 أغسطس 2007، اقتحمت قوات الشرطة الإسرائيلية حفل عشاء خيري نظّم على سطح منزل “آل الحلواني”، في حي وادي الجوز في القدس الشرقية، وكان الشيخ صلاح من ضمن الموجودين، واعتُقل حينها.

وعن تلك الحادثة كتب الشيخ صلاح: “بعد أن فرضت عليّ المحكمة الإسرائيلية حكماً يمنعني من الاجتماع بأكثر من سبعة أشخاص في أي مكان عام في القدس الشريف، وجدنا من الضروري أن نبحث لنا عن مكان خاص لمواصلة اعتصامنا..  ثم شاء الله تعالى وكان أن واصلنا اعتصامنا على سطح بيت الأخ الكريم أبو ياسر الحلواني”.

ولكن السلطات الإسرائيلية اعتقلت الشيخ صلاح في 6 أكتوبر 2009 في حي وادي الجوز في القدس، وأُطلق سراحه بعد عدة ساعات.

ولكنه مُنع من دخول القدس بأمر من السلطات الإسرائيلية، وما زال ممنوعاً من دخول المدينة منذ ذلك الحين إلا في حال وجود جلسات لمحاكمته.

وفي 13 يوليو 2010، حكمت المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس بالسجن 5 أشهر على الشيخ صلاح بتهمة التحريض، في الأحداث التي أعقبت هدم تلة المغاربة حيث بدأت فترة السجن في 25 من الشهر ذاته إلى أن أطلق سراحه في 12 ديسمبر من العام ذاته، لتدوم 5 أشهر.

وعادت السلطات الإسرائيلية لاعتقاله في 22 فبراير 2011، ومكث في السجن حتى 2 مارس من العام ذاته بتهمة الوجود في القدس.

وفي 28 يونيو 2011، اعتقلت السلطات البريطانية الشيخ صلاح في لندن، بناء على شكوى منظمات مؤيدة لـ”إسرائيل”، وأفرجت عنه في 18 يوليو.

وفاز الشيخ صلاح، في 28 يناير 2013، بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام في السعودية.

وفي عام 2013، وجهت له النيابة العامة الإسرائيلية، تهمة التحريض على العنف والتحريض على الكراهية، وأدانته محكمة الصلح الإسرائيلية بالتحريض على العنف، وأسقطت عنه تهمة التحريض على الكراهية، وحكمت عليه بالسجن 8 أشهر.

إلا أن النيابة العامة الإسرائيلية استأنفت على القرار إلى المحكمة المركزية وطلبت إدانته بالتحريض على الكراهية، مطالبة باعتقاله ما بين 18 و40 شهراً، بزعم التحريض في خطبة ألقاها في 16 فبراير 2007 في وادي الجوز في القدس.

وآنذاك دمرت السلطات الإسرائيلية طريق المغاربة، فخطب الشيخ صلاح الجمعة في جمع من المصلين الذين تجمعوا في منطقة وادي الجوز، بعد أن منعت السلطات الإسرائيلية الشبان من الصلاة في المسجد الأقصى.

ونسبت إليه النيابة العامة قوله في هذه الخطبة: “المؤسسة الإسرائيلية تريد بناء الهيكل من أجل استخدامه كبيت صلاة لله، كم هي وقحة وكم هي كاذبة”.

وأضاف: “لا يمكن أن يتم بناء بيت صلاة لله ودماؤنا ما زالت على ملابس وأبواب وطعام وشراب جنرالات إرهابيين”.

(المصدر: الخليج أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى