تقارير وإضاءات

الديانة الإبراهيمية.. ما لم يؤخذ بالحرب هل يؤخذ بالدين؟

الديانة الإبراهيمية.. ما لم يؤخذ بالحرب هل يؤخذ بالدين؟

إعداد ياقوت دندشي

وسط هالةٍ من الشعارات الإنسانية الرنّانة، تتسلّق مفاهيم “الديانة الإبراهيمية” ظهور الشعوب، طارحةً جملة تعديلات على الأديان وخاصة الإسلام، وذلك ضمن مساعٍ تهدف في ظاهرها إلى توحيدها تحت سقف واحد انطلاقاً من نقاط التوافق بينها.

ما هي الديانة الإبراهيمية

في الأصل، تعود الفكرة المعلنة من تأسيس الديانة الإبراهيمية، إلى ما يُسمى بـ”التقريب بين الأديان”، و”الرقيّ بأتباعها إلى درجة عليا من التسامح”، حسب زعمهم.

وتنطلق هذه الفكرة من مبدأ أن النبيّ إبراهيم هو أبو الأنبياء الذين أتوا بالرسالات “وبما أنها انطلقت من عنده، فإذاً لماذا لا يكون هناك دينٌ واحد يجمع بين أوجه المعتقدات”، حسب تعبير المروجيه لهذه الديانة.

الآلية المعتمدة لذلك ـ حسب ما يدعون ـ هي “نبذ الاختلافات والأمور التي تباعد بين أبناء هذه الديانات، والتركيز فقط على أوجه التشابه بينها، بغية الانطلاق منها إلى مجتمع كامل الاندماج خالٍ من النفور الناتج من الخلافات العقائدية”.

منطق هذه الديانة

لكن هذه الدعوة، وصفها علماء الدين أنها تشبه دسّ السمّ في العسل، ومثالٌ حيّ على “كلمة حقٍّ يُراد بها باطل”، وإن كان ظاهرها دينياً ثقافياً، إلا أن جوهرها سياسيٌّ، تصب نتائجه في خانة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيليّ من جهة، وتذويب الثقل الإسلاميّ من حوله من جهةٍ أخرى.

العارف بأبسط أساسيات المعتقدات المتنوعة، يدرك جيداً أن الدمج مستحيل بينها، نظراً لتعدد نقاط الخلاف بينها فقهياً وعقائدياً وفي أشكال التشريعات وتفرعاتها.

والعاقل يعرف أنه بعيداً عن المنافحة و”الدبلوماسية”، لا يدخل الحديث عن دمج الأديان في دين واحد أي منطق أو واقعية.

قد تتفق الأديان على خطوط عريضة، كأن تجتمع على كلمة واحدة وإن تنوعت العبارات: لا تكذب، لا تزنِ، لا تقتل، لا تسرق.

لكن ذلك لا يعني أن رعايا هذا الدين يمكنهم أن يشكلوا مع رعايا الدين الآخر مجتمعاً واحداً جديداً نظراً لهذه التشابهات.

وهنا يوجد حقيقة منطقية، وهي أن محاولات الدمج ليست نابعة من أشخاص مؤمنين بدياناتهم ومتمسكين بها، بل من أشخاص سوّلت لهم عقولهم العبث بالأديان بحجة أنهم يريدون توحيد البشر والقضاء على النفور بينهم نتيجة خلفيات دينية.

اتفاقية أبراهام وبيت العائلة الإبراهيمية

منذ شاعت الدعوات إلى الديانة الإبراهيمية المبتدعة، وعلماء الدين يحذّرون الناس من الانجرار وراءها مأخوذين بالشعارات البرّاقة.

لكن الغريب في الأمر أن الدعوات إليها راجت خصوصاً بعد اتفاقيات “أبراهام” بين الاحتلال الإسرائيلي من جهة، والإمارات والبحرين من جهة ثانية، في أيلول/سبتمبر 2020.

وقتها انطلق الخطاب الإماراتي من الفكرة نفسها المتعلقة بالنبي إبراهيم بصفته “أبو الأنبياء”.

كما تتحضّر الإمارات لافتتاح “بيت العائلة الإبراهيمية” في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وهو صرحٌ جديد يضمّ مسجداً وكنيساً وكنيسةً في مكان واحد، وهو الصرح الذي عُدَّ بين أبرز الصروح المنتظر إتمام تشييدها عام 2022.

رأي علماء الدين بالإبراهيمية

من أحدث الردود على هذه المستجدات، بيانٌ صدر في 19 كانون الأول/ديسمبر الجاري، عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورابطة علماء المسلمين ورابطة المغرب العربي، بشأن الموقف من هذا الدين الجديد.

وقال العلماء في بيانهم إن “أساس فكرة الدين الإبراهيمي يقوم على المشترك بين عقيدة الإسلام وغيره من العقائد، وهي فكرة باطلة إذ الإسلام إنما يقوم على التوحيد والوحدانية وإفراد الله تعالى بالعبادة، بينما الشرائع المحرّفة قد دخلها الشرك وخالطتها الوثنية، والتوحيد والشرك ضدّان لا يجتمعان، والزعم بأن إبراهيم عليه السلام على دين جامع للإسلام واليهودية والنصرانية زعمٌ باطل ومعتقد فاسد”.

وأورد البيان الآية الكريمة “مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ”.

وأضاف البيان أن “السعي لدعم اتفاقات إبراهام للتطبيع والتَّركيع عبر تسويقٍ لدينٍ جديدٍ يؤازر التطبيع السياسي، هو أمرٌ مرفوض شكلًا وموضوعًا وأصلًا وفرعًا، ذلك أن الأمة المسلمة لم تقبل بالتطبيع السياسي منذ بدأ أواخر السبعينيات من القرن الميلادي الفائت، ولن تقبل اليوم من باب أَوْلى بمشاريع التطبيع الديني وتحريف المعتقدات”.

وشدد البيان أن “على الأمّة أن تعي أن أوهام السلام إنما يُبدِّدها اليهود أنفسهم، وقد صرح رئيس وزرائهم في مؤتمر جمعية (مسيحيون موحَّدون من أجل إسرائيل) أن صفقة القرن قوَّضت ما أطلق عليه (أوهام حلِّ الدولتين)، كما أن وزير خارجية أمريكا الحالي قال في الكونغرس إن (الحل الأمثل للنزاع هو التعايش السلمي وتماشي الطرفين مع بعضهما بعد إنهاء أسباب الخلاف)، وعلى رأس ذلك العقيدة الإسلامية بطبيعة الحال”.

الأزهر الشريف يحذّر

في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، حذّر الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر، من الديانة الإبراهيمية، خلال كلمته في احتفالية مرور 10 أعوام على تدشين بيت العائلة المصرية.

وقال شيخ الأزهر إن “محاولة الخلط بين تآخي الإسلام والمسيحية في الدفاع عن حق المواطن المصريّ في أن يعيش في أمنٍ وسلامٍ واستقرارٍ، الخلطُ بين هذا التآخي وبين امتزاج هذين الدينين، وذوبان الفروق والقسمات الخاصة بكلٍّ منهما.. وبخاصة في ظل التوجُّهات التي تُنادي بـ”الإبراهيمية” أو الدين الإبراهيمي، نسبةً إلى إبراهيم -عليه السلام- أبي الأنبياء ومجمع رسالاتهم، وملتقى شرائعهم، وما تطمحُ إليه هذه التوجهات –فيما يبدو– من مزج اليهودية والمسيحية والإسلام في رسالةٍ واحدة أو دين واحد يجتمعُ عليه الناس، ويُخلّصهم من بوائق النزاعات، والصراعات التي تُؤدي إلى إزهاق الأرواح وإراقة الدماء والحروب المسلحة بين الناس، بل بين أبناء الدِّين الواحد، والمؤمنين بعقيدةٍ واحدة”.

وأكد شيخ الأزهر أن “الديانة الإبراهيمية وإن كانت تبدو في ظاهر أمرها كأنها دعوة إلى الاجتماع الإنساني وتوحيده والقضاء على أسباب نزاعاته وصراعاته، إلَّا أنها، هي نفسها، دعوةٌ إلى مصادرة أغلى ما يمتلكُه بنو الإنسان وهو: “حرية الاعتقاد” وحرية الإيمان، وحرية الاختيار، وكلّ ذلك مما ضمنته الأديان، وأكدت عليه في نصوص صريحة واضحة، ثم هي دعوةٌ فيها من أضغاث الأحلام أضعافَ أضعاف ما فيها من الإدراك الصحيح لحقائق الأمور وطبائعها.

وأوضح أنه “من منطلق إيماننا برسالاتنا السماوية نؤمن بأن اجتماع الخلق على دينٍ واحدٍ أو رسالةٍ سماوية واحدة، أمرٌ مستحيل في العادة التي فطر الله الناس عليها، وكيف لا، واختلافُ الناس، اختلافًا جذريًّا، في ألوانهم وعقائدهم، وعقولهم ولغاتهم، بل في بصمات أصابعِهم وحديثًا بصمات أعينِهم.. كلُّ ذلك حقيقةٌ تاريخية وعلمية، وقبل ذلك هي حقيقة قرآنية أكّدها القرآن الكريم ونصّ على أن الله خلق الناس ليكونوا مختلفين، وأنه لو شاء أن يخلقهم على مِلَّةٍ واحدة أو لونٍ واحد أو لغةٍ واحدة أو إدراك واحد لفعَل، لكنه تعالى لم يشأ ذلك، وشاء اختلافَهم وتوزُّعَهم على أديان ولغات وألوان وأجناس شتى لا تُعد ولا تُحصى”.

وفي 11 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قال الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف العلمي العام على الرواق الأزهريّ، إن “الديانة الإبراهيمية هي عبارة عن دعوة سياسية تريد أن تغطّى بغطاء دينيّ لكي تُقبل بين الناس”.

وأضاف خلال مداخلة هاتفية له خلال برنامج “المصري أفندي”، الذي تبثّه فضائية “المحور”، أن “أول من أطلق الديانة الإبراهيمية على مستوى العالم كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الأزهر الشريف لا يعلم بأن الله سبحانه وتعالى أرسل رسولاً جديدًا يدعو للديانة الإبراهيمية”.

وأضاف ساخرًا “لم نعلم أن ترامب رسول من عند الله، ولكنه له هديٌ سياسيّ يريد به التطبيع بين العالم العربي والإسلامي وإسرائيل”.

خدعة نحو التطبيع

إلا أن مناهضة الديانة الإبراهيمية المبتدعة لم تبقَ حكراً على رجال الدين، بل وصلت إلى السياسيين الذين رأوا فيها “دعوة سياسيةً خبيثة للاعتراف بالصهيونية العالمية، ودعوة إلى نظامٍ عالمي جديد والتطبيع الكلّي مع الكيان الصهيوني”.

ويؤكد مراقبون أن الداعين إلى هذه الديانة يحاولون عقد لقاءٍ بين الأديان لتنفيذ مشروعهم للتطبيع الكامل، وهذا الدين سيكون بمثابة “خدعة نحو التطبيع”، الأمر الذي يقتضي التحذر منها على أوسع نطاق، فما لم يؤخذ بالحرب، لن يؤخذ بالدين.

المصدر: وكالة أنباء تركيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى