كتب وبحوث

التكوير على التحرير والتنوير (4) | الشيخ محمد خير رمضان يوسف

التكوير على التحرير والتنوير (4)

الشيخ محمد خير رمضان يوسف

(خاص بمنتدى العلماء) 

الجزء الرابع

 

(تابع سورة آل عمران)

94- {فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

…فهم الكافرونَ القائلونَ علـى اللهِ البـاطل. (الطبري).

95- {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

فاتَّبِعوا ملَّةَ إبراهيم، المائلةَ عن كلِّ شرك، الداعيةَ إلى التوحيدِ الخالص، كما بيَّنها اللهُ في القرآن، وما كان منَ المشركين، فلِمَ يُشركُ أهلُ الكتابِ الذينَ يدَّعونَ أنَّهم ورثةُ إبراهيمَ عليهِ السلام؟ (الواضح).

103- {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.

… لتهتدوا إلـى سبـيـلِ الرشادِ وتسلكوها فلا تضلُّوا عنها. (الطبري).

106- {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}.

… بما كنتم تجحدونَ في الدنيا ما كان اللهُ قد أخذَ ميثاقَكم بـالإقرارِ به والتصديق. (الطبري).

107- {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون}.

ماكثون فيها أبداً، لا يبغون عنها حِوَلاً. (ابن كثير).

110- {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.

ذكرَ أن المعروفَ والمنكرَ تقدَّمَ بيانهما قريبًا، وقد تقدَّما في الآيةِ (104) من السورة، ومما قالَهُ هناك: المعروفُ هو ما يُعرف، وهو مجازٌ في المقبولِ المرضيِّ به، لأنّ الشيءَ إذا كان معروفاً كان مألوفاً مقبولاً مرضيّاً به، وأُريدَ به هنا ما يُقبَلُ عند أهلِ العقول، وفي الشَّرائع، وهو الحقُّ والصلاح، لأنّ ذلك مقبولٌ عند انتفاءِ العوارض. والمنكرُ مجازٌ في المكروه، والكُرْهُ لازمٌ للإنكار؛ لأنّ النكرَ في أصلِ اللِّسانِ هو الجهل، ومنه تسميةُ غيرِ المألوفِ نكرة، وأُريدَ به هنا الباطلُ والفساد، لأنَّهما من المكروهِ في الجبلّةِ عند انتفاءِ العوارض.

112- {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}.

{بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}: أي: رجعوا بغضبٍ كائنٍ منه تعالى، مستوجبين له. (روح البيان).

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ}: ذكرَ أنه تقدَّمَ عند قولهِ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [الآية 21]، وملخصُ قولهِ هناك: أنه استئنافٌ لبيانِ بعضِ أحوالِ اليهود… الذين قتلوا الأنبياءَ في زمنٍ مضى، وكلُّ تلك الجرائمِ معدودةٌ عليهم؛ لأنّهم رضُوا بها، وألحُّوا في وقوعها. وقوله: {بِغَيْرِ حَقٍّ}: ظرفٌ مستقرٌّ في موضعِ الحالِ المؤكّدةِ لمضمونِ جملةِ {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ}، إذ لا يكونُ قتلُ النبيّين إلاّ بغيرِ حقّ، والمقصودُ من هذه الحالِ زيادةُ تشويهِ فعلهم.

114- {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}.

يعنـي بقوله جلَّ وعزّ: {يُؤْمِنُونَ بـاللّهِ وَالـيَوْمِ الاَخِرِ}: يصدِّقون بـالله، وبـالبعثِ بعد الممات, ويعلـمونَ أن اللهَ مُجازيهم بأعمالهم، ولـيسوا كالمشركين الذين يجحدونَ وحدانـيةَ الله, ويعبدونَ معه غيره, ويكذِّبون بالبعثِ بعد الممات, وينكرونَ المـجازاةَ على الأعمال، والثوابَ والعقاب. (الطبري).

وقولهُ تعالى: {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} ذكرَ في الآيةِ (104) من السورةِ ما مختصره: المعروفُ هو ما يُعرف، وهو مجازٌ في المقبولِ المرضيِّ به، لأنّ الشيءَ إذا كان معروفاً كان مألوفاً مقبولاً مرضيّاً به، وأُريدَ به هنا ما يُقبَلُ عند أهلِ العقول، وفي الشَّرائع، وهو الحقُّ والصلاح، لأنّ ذلك مقبولٌ عند انتفاءِ العوارض. والمنكرُ مجازٌ في المكروه، والكُرْهُ لازمٌ للإنكار؛ لأنّ النكرَ في أصلِ اللِّسانِ هو الجهل، ومنه تسميةُ غيرِ المألوفِ نكرة، وأُريدَ به هنا الباطلُ والفساد، لأنَّهما من المكروهِ في الجبلّةِ عند انتفاءِ العوارض.

{الـخَيْراتِ} أي: يبادرون إلى فعلِ الخيراتِ والطاعاتِ خوفَ الفواتِ بالموتِ مثلا، أو يعملون الأعمالَ الصالحةَ راغبين فيها غيرَ متثاقلين؛ لعلمهم بجلالةِ موقعها وحسنِ عاقبتها، وهذه صفةٌ جامعةٌ لفنونِ الفضائلِ والفواضل، وفي ذكرها تعريضٌ بتباطؤِ اليهودِ وتثاقلهم عن ذلك. (روح المعاني).

{مِنَ الصَّالِحِينَ}: أي: من جملةِ من صلحتْ أحوالهم عند الله تعالى، واستحقُّوا رضاهُ وثناءه. (روح البيان).

115- {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ}.

{وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ}: وما تفعلُ هذه الأمةُ من خير، وتعملُ من عملٍ لله فـيه رضا..

{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ}: والله ذو علـمٍ بمن اتَّقاه، بطاعتهِ واجتنابِ معاصيه، وحافظٌ أعمالَهمُ الصالحة، حتـى يثـيبَهم علـيها، ويجازيَهم بها، تبشيرًا منه لهم جلَّ ذكرهُ في عاجلِ الدنـيا، وحضًّا لهم على التـمسُّكِ بـالذي هم علـيه من صالحِ الأخلاقِ التي ارتضاها لهم (الطبري).

116- {وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.

… ويكونُ مصيرَهم النارُ المحرِقة، التي تأتي على وجوهِهم وأفئدتِهم في يومِ القيامة، خالدين فيها أبداً. (الواضح).

117- {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ}.

{فَأَهْلَكَتْهُ} عن آخره، ولم تدَعْ له عيناً ولا أثراً، عقوبةً لهم على معاصيهم.. (روح المعاني).

118- {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}.

 قد لاحَ على صفحاتِ وجوههم وفلتاتِ ألسنتهم من العداوةِ، مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاءِ للإسلامِ وأهله، ما لا يخفَى مثلهُ على لبيبٍ عاقل. (ابن كثير).

119- {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا}.

إذا لقوا المؤمنينَ مِن أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أعطَوهم بألسنتِهم تقيَّة, حذرًا على أنفسِهم منهم, فقالوا لهم: قد آمنّا وصدَّقنا بما جاءَ به محمدٌ صلى الله عليه وسلم. (الطبري).

120- {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط}.

تفسيرُ الآية: وممّا يبدو مِن عداوةِ المنافقينَ لكم، أنَّ اللهَ إذا منَّ عليكم برزقٍ أو نصرٍ أو فتح، أصابَهم الهمُّ والغمّ، وإذا أصابَكم مكروهٌ كقحطٍ أو هزيمة، فرحُوا واستَبشروا، فلا يُحزِننَّكم هذا، واتَّقوا شرَّهم بالتحلِّي بالصَّبر، والدوامِ على طاعةِ الله، وحُسنِ التوكُّلِ عليه، ولن يضرَّكم شيءٌ مِن كيدِهم إذا كنتُم كذلك، فاللهُ محيطٌ بهم، عليمٌ بما يصنعون، ولن يقعَ شيءٌ في الوجودِ إلا بتقديرهِ ومشيئتِه. (الواضح في التفسير).

ويعني بكيدهم: غوائلَهم التي يبتغونها للـمسلـمين، ومكرَهم بهم؛ لـيصدُّوهم عن الهُدَى وسبـيلِ الحقّ. (الطبري).

121- {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

سميعٌ لِـما تقولون، عليمٌ بضمائركم. (ابن كثير).

123- {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

ذكرَ في الآيةِ (102) من السورة، أن التقوى حاصلُها: امتثالُ الأمر، واجتنابُ المنهي عنه، في الأعمالِ الظاهرة، والنوايا الباطنة.

125- {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا}.

يعني: تصبروا على عدوِّكم، وتتقوني وتطيعوا أمري. (ابن كثير).

127- {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِين}.

{فَيَنقَلِبُواْ} أي: يرجعوا، {خَآئِبِينَ} أي: لم يحصلوا على ما أملوا. (ابن كثير).

والخيبةُ هو الحرمانُ من المطلوب، والفرقُ بينها وبين اليأس، أن الخيبةَ لا تكونُ إلا بعد التوقع، وأما اليأسُ فإنه قد يكونُ بعد التوقعِ وقبله، فنقيضُ اليأسِ الرجاء، ونقيضُ الخيبةِ الظفر. (روح البيان).

129- {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

وكلُّ شيءٍ في السَّماءِ والأرضِ مُلكٌ للهِ وحدَه، وهو المتصرِّفُ المطلَقُ في شأنِ العباد، يغفرُ لمن يشاءُ منهم فيُدخلُهم الجنَّة، ويعذِّبُ مَن يشاءُ منهم في النّار، وقضاؤهُ هذا بالحكمةِ والعدل، وبالرحمةِ والمغفرة. (الواضح).

130- {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

لتنـجحوا؛ فتنجوا مِن عقابه، وتُدركوا ما رغَّبكم فـيه مِن ثوابه، والخلودِ في جنانه. (الطبري).

132- {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.

يعنـي بذلك جلَّ ثناؤه: وأطيعوا الله أيها المؤمنونَ فيما نهاكم عنه، من أكلِ الربـا وغيرهِ من الأشياء، وفيما أمرَكم به الرسول؛ لتُرحَموا فلا تعذَّبوا (الطبري، باختصار).

136- {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ}.

ذكرَ في الآيةِ (25) من سورةِ البقرة، أن الجنةَ هي المكانُ الذي تكاثرتْ أشجاره، والتفَّ بعضُها ببعضٍ حتى كثرَ ظلُّها، وذلك من وسائلِ التنعمِ والترفهِ عند البشرِ قاطبة. والجريُ يطلقُ مجازًا على سيلِ الماءِ سيلًا متكررًا متعاقبًا، وأحسنُ الماءِ ما كان جاريًا غيرَ قارّ؛ لأنه يكونُ بذلك جديدًا… وأكملُ محاسنِ الجناتِ جريانُ المياهِ من خلالها… ومعنى {مِنْ تَحْتِهَا}: من أسفلها..

148- {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

محبةُ الله للعبدِ عبارةٌ عن رضاهُ عنه، وإرادةِ الخيرِ به، فهي مبدأٌ لكلِّ سعادة. (روح البيان). فعلَ الله ذلك بإحسانهم، فإنه يحبُّ المحسنـين، وهم الذين يفعلون مثلَ الذي وصفَ عنهم تعالى ذكرهُ أنهم فعلوهُ حين قُتِلَ نبـيُّهم. (الطبري).

149- {فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}.

{فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} كرامةَ الدنيا وسعادةَ الآخرة، أما الأُولى فلأن أشقَّ الأشياءِ على العقلاءِ في الدنيا الانقيادُ للعدوِّ والتذلُّلُ له وإظهارُ الحاجةِ إليه، وأما الثانيةُ فلأنه يُحرَمُ من الثوابِ المؤبَّد، ويقعُ في العذابِ المخلَّد. (روح البيان).

152- {وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِين}.

والله ذو طَولٍ على أهلِ الإيمانِ به وبرسوله، بعفوهِ لهم عن كثـيرِ ما يستوجبونَ به العقوبةَ علـيه من ذنوبهم، فإنْ عاقبَهم على بعضِ ذلك، فذو إحسانٍ إليهم بجميـلِ أياديهِ عندهم. (الطبري).

153- {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

يعني جلَّ ثناؤه: واللهُ بالذي تعملون – أيها المؤمنون، من إصعادكم في الوادي هربًا مِن عدوِّكم، وانهزامِكم منهم، وتركِكم نبـيَّكم وهو يدعوكم في أُخراكم، وحزنِكم علـى ما فـاتَكم مِن عدوِّكم، وما أصابَكم في أنفسِهم – ذو خبرةٍ وعلـم، وهو مُحصٍ ذلك كلَّه علـيكم، حتى يجازيَكم به، المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيءَ بإساءته، أو يعفوَ عنه (الطبري).

155- {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}.

{وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ}: أي: عمَّا كان منهم من الفرار، {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}، أي: يغفرُ الذنب، ويحلُمُ عن خلقه، ويتجاوزُ عنهم. (ابن كثير).

156- {وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.

أي: بيدهِ الخَلقُ وإليهِ يرجعُ الأمر، ولا يحيا أحدٌ ولا يموتُ إلا بمشيئتهِ وقدره، ولا يُزادُ في عمرِ أحدٍ ولا يُنقَصُ منه إلا بقضائهِ وقدَره، {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي: وعلمهُ وبصرهُ نافذٌ في جميعِ خلقه، لا يخفَى عليه مِن أمورِهم شيء .(ابن كثير).

159- {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ}.

{فَاعْفُ عَنْهُمْ} … فيما يتعلَّقُ بحقوقك، {وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ} اللهَ تعالى فيما يتعلقُ بحقوقهِ سبحانهُ وتعالى، إتماماً للشفقة، وإكمالاً للتربية. (روح المعاني).

161- {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.

{ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ}: ثم تُعطَى كلُّ نفسٍ جزاءَ ما كسبتْ بكسبها وافـيًا، غيرَ منقوصٍ ما استـحقَّهُ واستوجبَهُ من ذلك.

{وَهُمْ لا يُظْلَـمُونَ} يقول: لا يُفعَلُ بهم إلا الذي ينبغي أن يُفعَلَ بهم، من غيرِ أن يُعتدَى علـيهم فـيُنقَصوا عمَّا استـحقُّوه. (تفسير الطبري).

162- {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.

… فاستحقَّ بذلك سكنَى جهنم، وبئسَ المصيرُ الذي يصيرُ إليه ويؤوبُ إليه. (الطبري، باختصار).

163- {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}.

أي: وسيُوفيهم إيّاها، لا يظلمُهم خيرًا، ولا يزيدهم شرًّا، بل يُجازي كلاًّ بعمله. (ابن كثير).

167- {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ}.

واللهُ أعلمُ بما يُخفونَهُ مِن كفرٍ ونفاق، وما يَغْمِرُ قلوبَهم مِن شرٍّ وفساد. (الواضح).

168- {الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين}.

{وَقَعَدُواْ}: قعدوا عن القتالِ بالانخذال.

{فَادْرَؤُوا}: أي: ادفعوا. (روح البيان).

170- {فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

{فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}: وهو شرفُ الشهادة، والفوزُ بالحياةِ الأبدية، والزلفَى من الله تعالى، والتمتعُ بالنعيمِ المخلَّدِ عاجلًا.

{أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} أي: يفرحون بما بُشِّرَ لهم وبُيِّن، من حيثُ حالُ إخوانهم الذين تركوهم، وهو أنهم إذا ماتوا أو قُتلوا يفوزون بحياةٍ أبدية، لا يدركها خوفُ وقوعِ محذور، ولا حزنُ فوتِ مطلوب. والخوفُ يكونُ بسببِ توقعِ المكروهِ النازلِ في المستقبل، والحزنُ يكونُ بسببِ فوتِ المنافعِ التي كانت موجودةً في الماضي، فبيَّنَ الله أنه لا خوفٌ عليهم مما سيأتيهم من أهوالِ القيامةِ وأحوالها، ولا حزنٌ لهم مما فاتهم من نعمِ الدنيا ولذّاتها. (روح البيان).

172- {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}.

{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ}: يعني بذلك جلَّ ثناؤه: {وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِين} المستجيبين لله والرسول، من بعد ما أصابهم الجراحُ والكلوم، وإنما عنى الله تعالى ذكرهُ بذلك الذين اتبعوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراءِ الأسدِ في طلبِ العدوِّ أبي سفـيان، ومن كان معه من مشركي قريشٍ منصرفَهم عن أُحد… (الطبري).

{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ} بطاعةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وإجابتهِ إلى الغزو، {وَاتَّقَوْا} معصيته، {أَجْرٌ عَظِيمٌ}. (تفسير البغوي).

174- {وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}.

{وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ} يعني بذلك أنهم أرضَوا اللهَ بفعلهم ذلك، واتِّبـاعِهم رسولَهُ إلـى ما دعاهم إلـيه، من اتِّبـاعِ أثرِ العدوِّ، وطاعتهم.

{وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيـمٍ} يعني: والله ذو إحسانٍ وطَولٍ علـيهم، بصرفِ عدوِّهم الذي كانوا قد همُّوا بـالكرَّة إلـيهم، وغيرِ ذلك من أياديهِ عندهم، وعلى غيرهم بنعمه، عظيـمٍ عندَ من أنعمَ به علـيهِ من خـلقه. (تفسير الطبري).

175- {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ}.

يعني: يخوِّفُ المؤمنين بالكافرين. (البغوي). والمعنى: إن تخويفَهُ بالكفارِ إنما يتعلقُ بالمنافقين الذين هم أولياؤه، وأما أنتم أيها المؤمنون، فأولياءُ اللهِ وحزبهُ الغالبون، لا يتعلقُ بكم تخويفه. (روح البيان).

176- {يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

… ثم أخبرَ أنهم مع حرمانهم ما حُرِموا من ثوابِ الآخرة، لهم عذابٌ عظيـمٌ في الآخرة، وذلك عذابُ النار. (الطبري).

178- {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}.

{إِثْمًا}: فسَّرَهُ الفخرُ الرازي بالبغي والطغيان، وجاءَ من بعد: الغيُّ والطغيان. (مفاتح الغيب).

{مُهِينٌ} أي: يهانون به في الآخرة. (روح البيان).

179- {وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيم}.

وإنْ تصدِّقوا مَن اجتبـيتهُ من رسلي بعلمي، وأطلعتهُ على المنافقـين منكم، وتتَّقوا ربَّكم بطاعتهِ فيما أمركم به نبـيُّكم محمدٌ صلى الله عليه وسلم وفيما نهاكم عنه، فلكم بذلك من إيمانكم واتِّقائكم ربَّكم ثوابٌ عظيـم. (الطبري).

180- {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ}.

أي: لا يحسبنَّ البخيلُ أن جمعَهُ المالَ ينفعه، بل هو مضرَّةٌ عليه في دينه، وربما كان في دنياه. (ابن كثير).

181- {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ}.

وردَ مثلهُ في الآيةِ (21) من السورة، وملخصُ قولهِ هناك: أنه استئنافٌ لبيانِ بعضِ أحوالِ اليهود… الذين قَتلوا الأنبياءَ في زمنٍ مضى، وكلُّ تلك الجرائمِ معدودةٌ عليهم؛ لأنّهم رضُوا بها، وألَحّوا في وقوعها. وقوله: {بِغَيْرِ حَقٍّ}: ظرفٌ مستقرٌّ في موضعِ الحالِ المؤكّدةِ لمضمونِ جملةِ {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ}، إذ لا يكونُ قتلُ النبيّين إلاّ بغيرِ حق، والمقصودُ من هذه الحالِ زيادةُ تشويهِ فعلهم.

182- {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}

ذوقوا عذابَ الحريقِ بما أسلفتْ أيديكم, واكتسبتها أيامَ حياتِكم في الدنـيا (الطبري).

183- {قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ}.

ذكرَ في تفسيرِ الآيةِ التالية، أن الآياتِ هي الدلائلُ على الصدق.

185- {وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور}.

تصغيرٌ لشأنِ الدنيا، وتحقيرٌ لأمرها، وأنها دنيئةٌ فانية، قليلةٌ زائلة، كما قالَ تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} [سورة الأعلى 16 – 17] … وقالَ قتادةُ في قولهِ تعالى: {وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور}: هي متاعٌ متروكةٌ أوشكتْ – والله الذي لا إله إلا هو – أن تضمحلَّ عن أهلها، فخذوا من هذا المتاعِ طاعةَ الله إن استطعتم، ولا قوةَ إلا بالله. (ابن كثير).

187- {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}.

… فبئستِ الصفقةُ صفقتهم، وبئستِ البيعةُ بيعتهم. (ابن كثير).

188- {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

ولهم عذابٌ في الآخرةِ أيضاً مؤلم، مع الذي لهم في الدنـيا معجَّل. (الطبري).

189- {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

يقولُ تعالى ذكرهُ مكذِّباً لهم: لله ملكُ جميعِ ما حوتهُ السماواتُ والأرض، فكيف يكونُ – أيها المفترون على الله – من كان ملكُ ذلك له فقـيراً؟! ثم أخبرَ جلَّ ثناؤهُ أنه القادرُ على تعجيلِ العقوبةِ لقائلي ذلك، ولكلِّ مكذِّبٍ به ومفترٍ علـيه، وعلى غيرِ ذلك مما أرادَ وأحبّ، ولكنه تفضَّلَ بحِلمهِ على خـلقه، فقال: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}: يعني مِن إهلاكِ قائلِ ذلك، وتعجيـلِ عقوبتهِ لهم، وغيرِ ذلكَ مِن الأمور. (الطبري).

190- {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.

فسَّرَهُ في الآيةِ (164) من سورةِ البقرة، وأطال، وملخصه: يعني تعاقبهما وخلفَ أحدهما الآخر. وهو تذكيرٌ بآيةٍ عظيمة، وهي اختلافُ حالتي الأرضِ في ضياءٍ وظلمة، وما في الضياءِ من الفوائدِ للناس، وما في الظلمةِ من الفوائدِ لهم، لحصولِ سكونهم، واسترجاعِ قواهم المنهوكةِ بالعمل. وهو من آثارِ دورانِ الأرضِ حولَ الشمسِ في كلِّ يوم.. وقد أضيفَ الاختلافُ لكلٍّ من الليلِ والنهار؛ لأن كلَّ واحدٍ منهما يخلفُ الآخر، فتحصلُ منه فوائدُ تعاكسُ فوائدَ الآخر، بحيث لو دامَ أحدهما لانقلبَ النفعُ ضرراً. وللاختلافِ معنى آخر، هو مرادٌ أيضاً، وهو تفاوتهما في الطولِ والقصر، فمرةً يعتدلان، ومرةً يزيدُ أحدهما على الآخر، وذلك بحسبِ أزمنةِ الفصول، وبحسبِ أمكنةِ الأرضِ في أطوالِ البلادِ وأعراضها، كما هو مقررٌ في علمِ الهيئة، وهذا أيضاً من مواضعِ العبرة؛ لأنه آثارُ الصنعِ البديعِ في شكلِ الأرضِ ومساحتها للشمسِ قرباً وبعداً.

192- {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.

لمن خالفَ أمرَ الله فعصاه. (الطبري).

193- {وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ}.

جمعُ بارّ، أو بَرّ، وأصلهُ من الاتساع، فكأن البارَّ متسِعٌ في طاعةِ الله، ومتسَعةٌ له رحمته، قيل: هم الأنبياء، ومعنى اللفظِ أوسعُ من ذلك. (فتح القدير).

194- {وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ}.

اسمُ مصدرٍ بمعنى الوعد. وهذه الدعواتُ وما في تضاعيفها من كمالِ الضراعةِ والابتهالِ ليست لخوفهم من إخلافِ الميعاد، بل لخوفهم أن لا يكونوا من جملةِ الموعودين، لسوءِ عاقبةٍ أو قصورٍ في الامتثال، فمرجعها إلى الدعاءِ بالتثبيت، أو للمبالغةِ في التعبدِ والخشوع. (روح البيان).

أي: لا بدَّ من الميعادِ الذي أخبرتَ عنه رسلك، وهو القيامُ يومَ القيامةِ بين يديك. (ابن كثير).

195- {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}.

يعني: لأمحونَّها عنهم، ولأتفضَّلنَّ علـيهم بعفوي ورحمتي، ولأغفرنَّها لهم، ولأدخـلنَّهم جناتٍ تجري مِن تحتها الأنهار، جزاءً لهم على ما عملوا وأبلَوا في اللهِ وفي سبـيـله، مِن قِبَل اللهِ لهم، واللهُ عندَهُ مِن جزاءِ أعمالهم جميعُ صنوفه، وذلك ما لا يبلغهُ وصفُ واصِف. (الطبري، باختصار).

197- {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}.

ثم مأواهم جهنمُ بعد مماتهم. والمأوى: المصيرُ الذي يأوون إليه يومَ القيامة، فيصيرون فيه. ويعني بقوله: {وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ} أي: وبئسَ الفِراشُ والمضجَعُ جهنـَّم (المصدر السابق).

198- {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا}.

وفي مقابِلهمُ المؤمنون، الذينَ سمعوا نداءَ الإيمانِ فآمنوا وثبتُوا، وعزمُوا على الأعمالِ الصَّالحةِ والتزَموا، فجازاهمُ اللهُ جنَّاتٍ واسعات، تجري في خلالها الأنهارُ المتنوِّعة.. (الواضح).

199- {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ}.

وهناكَ طائفةٌ مِن أهلِ الكتابِ يؤمنونَ باللهِ حقَّ الإيمان، ويؤمنونَ بما أُنزِلَ على النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إضافةً إلى إيمانِهم بالكتبِ المتقدِّمة، مثلَ المسلِمين، مع خشوعٍ وخشيةٍ منَ الله، وطاعةٍ له وتذلُّل.

200- {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

ذكرَ في الآيةِ (102) من السورة، أن التقوى حاصلُها: امتثالُ الأمر، واجتنابُ المنهي عنه، في الأعمالِ الظاهرة، والنوايا الباطنة.

سورة النساء

1- {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.

{اتَّقُواْ}: ذكرَ في الآيةِ (183) من سورةِ البقرة، أن التقوى الشرعيةَ هي اتقاءُ المعاصي.

{إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} أي: هو مراقبٌ لجميعِ أحوالكم وأعمالكم، كما قال: {وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ} [سورة البروج: 9]. وفي الحديثِ الصحيح: “اعبدِ اللهَ كأنكَ تراه، فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنه يراك”. (ابن كثير).

7- {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ}.

ذكرَ أن النصيبَ تقدَّمَ في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ} [الآية 23 من السورة]. وقد ذكرَ هناك أنه القسطُ والحظّ.

11- {إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا}.

{إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً} بالخلقِ ومصالحهم، {حَكِيماً} في كلِّ ما قضَى وقدَّرَ ودبَّر. (روح البيان).

13- {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}.

ذكرَ في الآيةِ (25) من سورةِ البقرة، أن الجنةَ هي المكانُ الذي تكاثرتْ أشجاره، والتفَّ بعضُها ببعضٍ حتى كثرَ ظلُّها، وذلك من وسائلِ التنعمِ والترفهِ عند البشرِ قاطبة. والجريُ يطلقُ مجازًا على سيلِ الماءِ سيلًا متكررًا متعاقبًا، وأحسنُ الماءِ ما كان جاريًا غيرَ قارّ؛ لأنه يكونُ بذلك جديدًا… وأكملُ محاسنِ الجناتِ جريانُ المياهِ من خلالها… ومعنى {مِنْ تَحْتِهَا}: من أسفلها..

16- {فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}.

{فَإِن تَابَا} من الفـاحشةِ التي أتـيا، فراجَعا طاعةَ الله بينهما، {وَأَصْلَحَا}، يقول: وأصلَـحا دينَهما، بمراجعةِ التوبةِ من فاحشتهما، والعملِ بما يرضي الله، {فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا}، يقول: فاصفحوا عنهما، وكفُّوا عنهما الأذَى الذي كنتُ أمرتكم أن تؤذوهما به عقوبةً لهما علـى ما أتيا من الفـاحشة، ولا تؤذوهما بعد توبتهما. وأما قوله: {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً} فإنه يعني: أن الله لم يزلْ راجعاً لعبيدهِ إلى ما يحبون إذا هم راجعوا ما يحبُّ منهم من طاعته، {رَحِيمًا} بهم، يعني: ذا رحمةٍ ورأفة. (الطبري).

18- {أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.

{أَعْتَدْنَا لَهُمْ}: أعدَدنا لهم، {عَذَاباً أَلِيماً} يقول: مؤلماً موجعاً. (الطبري).

20- {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}.

أي: آثمين عيانًا، أو للذنبِ الظاهر. (روح البيان).

22- {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلا}.

{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} أي: إنه فاحشة، و”كان” فيه صلة، والفاحشة: أقبحُ المعاصي، {وَمَقْتاً} أي: يُورثُ مقتَ الله، والمقت: أشدُّ البُغض، {وَسَآءَ سَبِيلاً}: وبئسَ ذلك طريقاً. (البغوي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى