تقارير وإضاءات

الأراضي الفلسطينية: بلفور أسس لسلسلة انتهاكات ممتدة بحق الفلسطينيين على مدار مائة عام

إعداد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان

أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان اليوم الأربعاء، أن “وعد بلفور” الذي وضع قاعدة لقيام دولة إسرائيل في فلسطين “أسس من ناحية أخرى لسلسلة ممتدة من الانتهاكات وسلب حقوق الفلسطينيين” على مدار مائة عام.

وقال المرصد الذي يتخذ من جنيف مقرا له في بيان بمناسبة الذكرى المئوية لوعد بلفور التي تصادف غدا، إن بريطانيا مسؤولة عن الانتهاكات التي ارتبطت بتنفيذ الوعد على الأرض في الوقت الذي كانت فيه فلسطين تحت الانتداب البريطاني.

ونبه المرصد إلى أن الانتداب كان يستوجب من بريطانيا إدارة شؤون البلاد بما يتوافق ومصالح سكانها، لكن بريطانيا قامت على أرض الواقع بعكس ذلك عبر تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين بحيث أحلّت المهاجرين اليهود محل السكان الأصليين إضافة إلى بيعهم مساحات كبيرة من الأراضي الحكومية ودعمهم بالسلاح.

 وعد بلفور وما بني عليه، فضلاً عن مخالفته لصلاحيات ومفهوم الانتداب، تضمن العديد من المخالفات القانونية.

وأصدر وزير الخارجية البريطاني الأسبق “آرثر جيمس بلفور” وعده الشهير في رسالة مكتوبة وجهها إلى اللورد “روتشيلد” أحد زعماء الحركة اليهودية تعهد فيه بأن تبذل بريطانيا غاية جهدها لتأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، من غير أن ينتقص ذلك من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية التي كانت مقيمة في فلسطين.

وفي هذه الذكرى طالب المرصد الأورومتوسطي بريطانيا بالوقوف عند مسؤولياتها في الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني والعمل على إنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي طويل الأمد للأراضي الفلسطينية بدل التعامل  بسياسة العين الواحدة وإغماض العين عن حقائق مهمة ولا سيما دور الوعد في إيجاد الاحتلال.

وشدد على أن وعد بلفور “تضمن انتهاكاً صريحاً لحقوق المقيمين في فلسطين في ذلك الحين، إذ لم يؤخذ رأيهم ولم يُستفتَوا فيما تضمنه الوعد من تفاصيل تمس حياتهم وحقهم بتقرير المصير، فضلاً عن الانتهاكات الجسيمة التي تلت الوعد من حيث تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم وإحلال مستوطنات ومدن إسرائيلية بدلًا منها”.

تعارض مع مفهوم الانتداب

أشار المرصد الأورومتوسطي إلى أن بريطانيا أصبحت دولة انتداب في فلسطين منذ 25 نيسان/أبريل عاك 1920، وعُهد إليها من قبل “عصبة الأمم” –التي تشكلت من الدول المنتصرة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى- بإنفاذ وعد بلفور.

وأكد المرصد أن ذلك يمثل “تعارضاً أصيلاً مع مفهوم القانون الدولي وميثاق عصبة الأمم ذاته حول الانتداب”، إذ نصت المادة 22 من عهد عصبة الأمم على أن المقصود بالانتداب هو الإدارة المؤقتة من قبل إحدى الدول الكبرى لبلاد وضعها غير مستقر أو غير ناضجة سياسياً بما يكفي بحيث يصار إلى استقلالها بعد أن تسترشد بنصائح ومساعدة الدولة المنتدَبة.

ولفت إلى أن المادة المذكورة أكدت كذلك وجوب أن تكون رعاية الانتداب المؤقتة متوافقة مع رغبات الشعب تحت الانتداب، فيما أن ما تضمنه الوعد “بدا بوضوح أنه يتعارض مع رغبات الشعب الفلسطيني ولم يجر أي استفتاء لمعرفة موقفه من الوعد”.

وكما أشار إلى أن العهد الخاص بعصبة الأمم نص كذلك على أن الشعوب لها الحق في المقام الأول في اختيار الدولة المنتدبة، وأظهرت لجنة كنج/ كراين التي بادر الرئيس الأمريكي ويلسون إلى إرسالها للتحقق من رغبات الشعب العربي في فلسطين وسوريا، أن أغلب سكان فلسطين يطلبون الاستقلال.

وورد في تقرير اللجنة في حينه أنه “يجب الاعتراف بأن السكان غير اليهود في فلسطين، وهم تسعة أعشار السكان، كلهم تقريباً يرفضون البرنامج الصهيوني رفضاً باتاً”.

مخالفات قانونية خطيرة

شدد المرصد الأورومتوسطي على أن وعد بلفور وما بني عليه، فضلاً عن مخالفته لصلاحيات ومفهوم الانتداب، تضمن العديد من المخالفات القانونية.

 بريطانيا تعد مسؤولة بشكل أساسي عن التبعات غير القانونية للوعد الذي أصدرته عام 1917 والنتائج التدميرية التي لحقت بالشعب الفلسطيني في شتى مناطق تواجده

وأبز أنه لم يكن لبريطانيا حينما صدر الوعد عن وزير خارجيتها أية ولاية على فلسطين أو أي وجود أو صلة قانونية بفلسطين، وبالتالي لا يجوز لها فرض قراراتها خارج حدود بلادها وعلى غير حملة جنسيتها أو المقيمين فيها.

وقال إنه لم يكن “للحركة الصهيونية” التي تبنت فكرة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، حق قانوني بالوجود على أرض فلسطين في ذلك الحين، فضلاً عن أن الوعد تضمن تمييزاً عنصرياً من خلال وصف الدولة بأنها “وطن قومي لليهود” بشكل حصري، حيث أن ذلك يعني تمييزاً اتجاه السكان المسلمين والمسيحيين الذين كانوا يعيشون في فلسطين في ذلك الحين ويشكلون أغلبية السكان.

ومن ناحية أخرى، شدد المرصد على أن وعد بلفور يناقض بشكل صارخ مبدأ حق تقرير المصير، إذ أنه حتى مع وجود الانتداب البريطاني في فلسطين فإنه لم يكن لبريطانيا كدولة انتداب حق التصرف في الأراضي التي تحت انتدابها ولا بفرض إرادتها على إرادة السكان المحليين.

مسؤولية مستمرة

أكد المرصد الأورومتوسطي أن الوضع السياسي الذي أسست له بريطانيا من خلال الوعد المذكور “أوجد مجموعة من الانتهاكات لا زال الشعب الفلسطيني يعاني أثارها ومسّها الشديد بحقوقه حتى اليوم”.

ومن تلك الانتهاكات الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين، بحيث عمدت حكومات إسرائيل المتتالية جاهدةً على بناء وتوسيع المستوطنات في الأراضي التي تحتلها ليبلغ عدد المستوطنات إلى الآن 237 مستوطنة.

إضافة إلى أن إسرائيل خلقت في الأراضي المحتلة نظام فصل مبني على التمييز، وهي تمارس حصاراً غير قانوني على قطاع غزة منذ العام 2006 أثّر بشكل مباشر على حياة مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع، معظمهم من اللاجئين الذين أصبحوا كذلك بحكم التبعات التي تجسدت على إنفاذ وعد بلفور.

كما نوه المرصد إلى أن وعد بلفور أسس فعلياً لسلسلة ممتدة من سياسات وإجراءات التهجير وطرد الفلسطينيين من أراضيهم، كما سُجن أكثر من 800 ألف منهم على مدار الأعوام الماضية وخضع معظمهم لمحاكمات عسكرية تفتقد لضمانات المحاكمة العادلة.

ويخضع مئات الأشخاص الفلسطينيين سنويًا للاعتقال التعسفي أو الاعتقال الإداري في إسرائيل استنادًا إلى أدلة غير معلنة دون توجيه تهم إليهم أو محاكمتهم.

وعليه شدد المرصد الأورومتوسطي على أن بريطانيا تعد مسؤولة بشكل أساسي عن التبعات غير القانونية للوعد الذي أصدرته عام 1917 والنتائج التدميرية التي لحقت بالشعب الفلسطيني في شتى مناطق تواجده إثر الوعد.

كما أكد أن بريطانيا مسئولة عن تسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين وتهجير السكان الأصليين، فضلاً عن قيامها بنقل الأراضي والسلاح لما عرف باسم العصابات الصهيونية في ذلك الحين.

وطالب المرصد الأورومتوسطي بريطانيا بالكف عن النظر بعين واحدة، والاعتراف بالخطأ الذي اقترفته فيما يتعلق بوعد بلفور وعدم إيلائها أهمية لحقوق الفلسطينيين الذين كانوا يسكنون الأرض حينها، مؤكداً أن عليها تمكين الشعب الفلسطيني من استرداد حقوقه وتعويضه عن الضرر الجسيم الذي نجم عن الوعد وتبعاته.

(المصدر: المرصد الأورمتوسطي لحقوق الإنسان)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى