تقارير وإضاءات

مترجم: فضائح جنسية وفساد .. هل تطيح الملفات الشائكة بـ “بابا الفاتيكان”؟

هل يحدث تمرد ضد بابا الفاتيكان من قبل الساخطين على محاولاته الإصلاحية؟ هذا السؤال كان محور تقرير صحيفة  “واشنطن بوست” عن المعركة بين المحافظين وبابا الفاتيكان لفتحه ملفات شائكة في محاولة للإصلاح.

فعندما انتُخِبَ البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، منذ حوالي أربع سنوات مضت، تحديداً في 13 مارس/آذار عام 2013، تم اصطحابه في جولة – مثله في ذلك مثل أي بابا سبقه – من كنيسة سيستين إلى “غرفة الدموع”، وهي المكان الذي يتوقف بداخله أي بابا جديد للحظات.

وبلا شك يذرف العديد منهم بضع دمعاتٍ في هذه الغرفة وهم يفكرون في المسؤولية الكبيرة المُلقاة على عاتقهم، قبل أن يخرج ليطل من شُرفة كاتدرائية القديس بطرس ليحيي العالم كقائدٍ جديد للكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وفقاً لما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.

عندما ظهر البابا فرانسيس، الذي عُرِفَ حتى ذلك الوقت بـ”خورخي بيرغوليو”، أسقف العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، لأول مرةٍ في تلك الليلة، بدا متفائلاً بشكل ملحوظ، ومزح قائلاً إن الكرادلة قد ذهبوا إلى أطراف الكرة الأرضية لاختيار البابا الجديد.

لكن لو كان البابا يعلم كيف ستبدو السنوات الأربع الأخيرة، كان لينفجر في البكاء بكل تأكيد داخل “غرفة الدموع” تلك، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية .

ارحل

بينما حظى فرانسيس بشعبيةٍ هائلة في مختلف أنحاء العالم في الأوساط الكاثوليكية وغير الكاثوليكية على حد سواء، فقد عانى من معارضةٍ شرسةٍ داخل مؤسسة الفاتيكان ضد سعيه لأن تواكب الكنيسة الكاثوليكية ما يجري في القرن الحادي والعشرين، وكافح من أجل إصلاح الحكومة، وحاول إقناع الكرادلة بمراجعة آرائهم بشأن الطلاق والزواج مرة أخرى، ولاقى معارضةً واضحة من بعض الأساقفة المتمردين.

تزامن الأسبوع الماضي مع بداية “الصوم الكبير”، وهو واحدة من أهم الفترات في تقويم الكنيسة، وهي الفترة التي يصوم خلالها المسيحيون الكاثوليك، ويقدمون الصدقات ويتفكَّرون في الآثام البشرية، في الفترة التي تسبق إحياءهم لذكرى صلب المسيح وعيد الفصح (عيد القيامة).

وتتميز هذه الفترة عادةً بالتقوى وفعل الخيرات، وسيغادر البابا روما، الأحد 5 مارس/آذار 2017، بصحبة أعضاء الكوريا الرومانية، وهي الجهاز الإداري والتنفيذي والاستشاري الذي يساعد البابا في الفاتيكان على إدارة مهامه المختلفة، من أجل بدء فترة اعتكاف روحي لمدة خمسة أيام.

سيترك البابا دولةً مُحاطةً بالتوتر والاضطراب والتمرد، وهناك شائعات تزعم أن أعداداً متزايدة من المواطنين في الفاتيكان ترى أنه يجب أن يرحل.

الاعتداءات الجنسية

في يوم أربعاء الرماد، أول أيام الصوم الكبير، تلقى البابا ضربة موجعةً من أعدائه. تَقَدَّمَت ماري كولينز، التي نَجَت من حادثِ اعتداءٍ جنسي بالكنيسة في صغرها، وكانت آخر الأعضاء الباقين باللجنة التي فوَّضها البابا للتصدي لحالات الاعتداء الجسدي على الأطفال في الكنيسة، باستقالتها من اللجنة، مُعرَبَةً عن خيبة أملها بسبب عدم إحراز أي تقدم وما سمته “الغياب المخزي للتعاون” من جانب المسؤولين المعنيين بحالات الاعتداء الجسدي، لافتةً إلى تعنت أعضاء الكوريا الرومانية أو الهيئة الحاكمة في الفاتيكان، وهي الهيئة التي يرغب البابا فرنسيس في إصلاحها.

وباستقالة كولينز من لجنة حماية القاصرين، التي شكَّلها البابا للتحقيق في فضائح الاعتداء الجنسي للكهنة والقساوسة بمختلف أنحاء العالم، وتواجد الباحث البريطاني بيتر ساوندرز، عضو اللجنة والذي تَعَرَّض هو الآخر لاعتداء جنسي من أحد القساوسة، في إجازةٍ لأجلٍ غير مسمى؛ فقد فقدت اللجنة مصداقيتها.

وعند انسحابها، اشتكت كولينز من معاناة اللجنة للحصول على مصادر، وبطء التقدم، والمقاومة الثقافية لعملها في الفاتيكان.

واعترض مسؤولو الكوريا الرومانية على توصية اللجنة بضرورة إنشاء محكمة للتعامل مع حالات الأساقفة المتهمين بالاعتداء الجنسي، على الرغم من موافقة البابا نفسه عليها.

وقالت كولينز: “هناك جزء من الكوريا لم ينتقل بعد إلى القرن الحادي والعشرين”، وأضافت: “إنها معارِضَون بقوةٍ للعمل مع اللجنة وهناك أشخاص ما زالوا يريدون التستُّر على الأمر”.

وتضع المعارضة التي يواجهها البابا فرنسيس الكنيسة في منطقة مجهولة. وقال ماسيمو فاجيولي، وهو عالم لاهوت بارز وصحفي متابع لأخبار الفاتيكان: “الوضع والحالة في الفاتيكان هي السبب وراء ذلك. إنها معارضة ثقافية وسياسية كانت ظاهرة بالفعل بعد أسابيع قليلة من انتخاب البابا فرانسيس. إنهم يعارضون تغيير أسلوب وموقف الكنيسة والتحول من التقاليد الغربية إلى التقاليد العالمية”.

ممارسات مالية فاسدة

في أيام فرانسيس الأولى كبابا ، ركَّزت الأصوات الخافتة في الفاتيكان على الإصلاحات المالية التي يريد القيام بها. استقال البابا بينديكت بعد سلسلةٍ من التسريبات عُرفت باسم “فاتيليكس”، والتي كشفت عن ممارساتٍ مالية فاسدة في الفاتيكان، وسعى البابا فرانسيس إلى إنهائها.
لكن الأصوات المعارضة للبابا تعالت بعد رغبته في الحوار بشأن الزواج والطلاق والمثليين والعائلة.

وبعد اجتماعين للكنيسة بشأن هذه القضايا عامي 2014 و2015، أصدر البابا فرانسيس وثيقة Amoris Laetitia، التي يطلب فيها من أساقفة الكنيسة أن يتخذوا قرارات موضوعية بشأن المطلقين والمتزوجين مرة أخرى وتلقيهم للإرشاد الروحي.

وتنص تعاليم الكنيسة التقليدية على أن الشخص الكاثوليكي الذي يتزوج مرة أخرى بعد الطلاق يمكنه أن يتلقى الإرشاد الروحي فقط إذا ألغت الكنيسة زواجه الأول. بعض الأساقفة رأوا وثيقة Amoris Laetitia كتوجيه للترحيب بالأشخاص الذين لم تُبطِل الكنيسة زواجهم ولمنحهم الإرشاد الروحي.

شوكة في خصره

وأثار هذا الأمر غضب المحافظين، وأعلن أربعة كرادلة معارضين للتغيير بالكنيسة عن خطابٍ وجهوه إلى البابا فرانسيس.
وأعرب الكرادلة من خلال الخطاب، الذي أخذ هيئة تُعرف باسم “دوبيا”، عن شكوكهم، وطلبوا إجاباتٍ واضحة، وفي حقيقة الأمر تحدوا سلطة البابا من خلال مطالبته بتوضيح تعاليم الكنيسة بخصوص هذه القضية والحياة المسيحية.

والمعارضون الأربعة منهم ثلاثة كرادلة مستقيلون، بالإضافة إلى الكاردينال ريموند بورك، وهو محام قانون كنسي أميركي محافظ، كان قد هدَّدَ بإصدار تصحيحٍ لوثيقة البابا فرانسيس Amoris Laetitia. وكان ريموند بورك شوكة في خاصرة البابا لبعض الوقت.

وكان البابا بينديكت السادس عشر قد مَنَحَ بورك منصباً تشريعياً قوياً في روما، لكن البابا فرانسيس نقله منه. وفي عام 2016 استُبعِدَ بورك ومحافظون آخرون من القسم المشرف على شؤون العبادة بالفاتيكان.

ثم في وقت مبكر من هذا العام 2017، وخلال نزاع نشب بين البابا ومنظمة “فرسان مالطا” القديمة، والذي أدى إلى رحيل الزعيم البريطاني للمنظمة، ماتيو فيستينغ، استُبعِدَ بورك من منصبه كمفوَّضٍ دبلوماسي للمنظمة.

وخلال أيام، ظهرت ملصقات معارضة للبابا فرانسيس في شوارع روما، بالإضافة إلى انتشار أخبار وهمية وعبارات ساخرة منه على صفحات الجرائد بالفاتيكان.

ولا تنحصر النزاعات في الخلافات الشخصية فقط، أو حتى الطلاق والإرشاد الروحي، بل هي أعمق من ذلك. إنها بشأن مستقبل الكنيسة. وإذا كان الباباوات السابقون قد نفَّذوا رغبات المجمع الفاتيكاني الثاني، الذي عُقد منذ 50 عاماً مضت، فإن سيطرة الفاتيكان على الكنيسة العالمية كانت ستضعف بالفعل.

والآن يحاول البابا فرانسيس أن ينقل بعض القرارات على الأقل إلى الأساقفة والكنائس المحلية في مختلف أنحاء العالم من خلال السماح للكهنة والأساقفة باتخاذ القرارات بخصوص السماح للمطلقين بتلقي الإرشاد الروحي. وكان هذا الأمر بمثابة ناقوسِ خطرٍ بالنسبة للمحافظين.

وقال كريستوفر لامب، مراسل صحيفة “ذا تابلت” البريطانية الكاثوليكية الأسبوعية في روما: “إن التحول الأساسي الذي يحاوله البابا فرانسيس هو جعل الكنيسة أكثر كهنوتية. الكوريا الرومانية يجب أن تخدم الكنيسة في أي مكان بالعالم، لكن ماري كولينز كشفت الأمر عند استقالتها: هذا القِسم لا يرغب حتى في الإجابة على رسائل ضحايا الاعتداء الجنسي”.

ووفقاً لعالمة اللاهوت النسوية البريطانية، تينا بيتي، التي كانت قد نظَّمَت فعالياتٍ “هامشية” في روما قبل اجتماع مجلس الكنيسة في 2015 من أجل توصيل صوت المرأة، فإن البابا فرانسيس يتجاهل النساء ولا يستمع إليهن بما يكفي، ولكنها معجبة به لمحاولته إجراء بعض الحوار.

وقالت تينا: “لا أريد أن أقول إن البابا انهزم أمام الانتقادات، لكن ذلك يجعله معرضاً للهجوم. ما يفعله هؤلاء يعد انشقاقاً”.

وفي صباح يوم الأحد بالعاصمة الإيطالية، دعا البابا فرانسيس إلى التوبة في أول يوم أحد بفترة الصوم الكبير، ولكن منتقديه بالكاد يريدون التوبة: إنهم يريدونه أن يستقيل. هناك شائعات أنه حتى بعض الذين صوتوا لفرانسيس لديهم شكوك الآن.

وقال فاجيولي: “ربما يندم بعض الكرادلة بالفعل على تصويتهم له (أي البابا فرانسيس) في المجمع المغلق، لكني لا أعتقد أنهم يتمنون استقالته. إنهم يعلمون أنه من الصعب إيجاد بابا مناسب مثله”.

النقاط الساخنة: ما الذي أغضب المحافظين؟

المثلية الجنسية

أثناء عودته من أول رحلة خارجية له إلى مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية في يوليو/تموز 2013، قال فرانسيس للصحفيين إن ما مِن مشكلةٍ لديه مع الميول الجنسية المثلية. وأضاف: “من أنا كي أُقرِّر أنهم في حاجة إلى غفران الرب؟”.

الإرشاد الروحي للمطلقين والمتزوجين مرة أخرى

في أبريل/نيسان 2016، أصدر البابا فرانسيس عظته الرسولية Amoris Laetitia رداً على اجتماعي مجلس الكنيسة في 2014 و2015 بشأن الزواج والعائلة. وأشارت الحاشية رقم 351 إلى أنه من الممكن للأشخاص المطلقين والمتزوجين مرة أخرى أن يتلقوا الإرشاد الروحي، وأشارت أيضاً إلى نقل سلطة اتخاذ القرارات بشأن هذا الأمر إلى الأساقفة والكهنة المحليين.

وقال البابا: “الإرشاد الروحي ليس هديةً للمثاليين”. وبعد ستة أشهر لاحقة، أرسل أربعة من أشد معارضيه، من بينهم الكاردينال ريموند بورك، خطاباً اعترضوا فيه على رأي البابا فرانسيس بخصوص الإرشاد الروحي.

إصلاح الكوريا

بعد انتخابه بواسطة مجمع الكرادلة في مارس/آذار 2013 لفترة ولاية إصلاحية، بدأ البابا فرانسيس على الفور إصلاحه للكوريا الرومانية، رمز البيروقراطية في الكنيسة، وبذل جهوداً لإصلاح الأقسام المالية والإرشادية بالكنيسة. وفي ديسمبر/كانون الأول 2016، اتهم البابا فرانسيس قادة الكوريا بمقاومة خبيثة وخفية للإصلاح.

حماية الأطفال وفضائح الاعتداء الجنسي

أنشأ البابا فرانسيس لجنة لحماية القاصرين بقيادة أقرب حلفائه، الكاردينال شون أومالي أسقف بوسطن.
وفي يونيو/حزيران 2015، اقترحت اللجنة إنشاء محكمة لمحاسبة الأساقفة على فشلهم في التعامل مع حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال المُعلن عنها. دعم البابا فرانسيس هذا الاقتراح، لكن مجمع العقيدة والإيمان رأى أن هذا الاقتراح به مشاكل قانونية غير محددة. وتوقفت اللجنة عن عملها منذ ذلك الحين.

لوثر كان لديه وجهة نظر سليمة

ذهب البابا فرانسيس إلى السويد في أكتوبر/تشرين الأول 2016 لإحياء ذكرى الإصلاح البروتستانتي. وخلال خدمته في كاتدرائية لوند، امتدح البابا فرانسيس الراهب الألماني الشهير مارتن لوثر على استعادة مركزية الكتاب المقدس. وقال فرانسيس: “كان هناك فسادٌ في الكنيسة، ودنيويةٌ، وتعلُّقٌ بالمال والسلطة”. وأعرب بعض المحافظين عن تفاؤلهم بإظهار البابا رغبته في اتحاد الكنيسة.

(المصدر: هافينغتون بوست عربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى