عوامل التوتر في الساحة المصرية ومؤشرات تهاوي النظام أو استقراره

عوامل التوتر في الساحة المصرية ومؤشرات تهاوي النظام أو استقراره

بقلم م. أحمد مولانا

يرجع تاريخ الدولة المصرية الحديثة – من حيث الهيمنة على المجتمع، واعتماد مبدأ المواطنة كبديل عن الهوية الدينية بما يقتضيه ذلك من مساواة في جمع الضرائب وفرض التجنيد – إلى عهد محمد علي. بينما يرجع تاريخها من حيث المركزية إلى ترتيبات الري في عهد الفراعنة. وقد أصيبت الدولة بالشيخوخة في عهد مبارك، وفقد نظام يوليو الذي يحكمها الكثير من مشروعيته في عهد السيسي فصار يدافع عن وجوده. وفي هذا السياق شدد السيسي على أنه يخوض حرب وجود للحفاظ على الدولة كي لا تنهار مثل الدول الأخرى المجاورة.
فالسيسي جاء للحكم بعد سنتين من ثورة يناير التي ضخت مفاهيم ومعاني جديدة في حس الأجيال الشابة، من قبيل رفض الظلم والاستبداد، والتي قضت أيضًا على أيقونة (قدسية الجيش وأحقيته بتولي السلطة). كما أن السيسي بإيغاله في القمع وإغلاقه لهوامش الحريات، وفشله الاقتصادي المتفاقم، يستجمع مقومات السقوط لا البقاء، فضلًا عن أن الجوار الإقليمي يمر بحالة سيولة كبيرة، وكذلك يمر النظام الدولي باضطراب متزايد.
وفي هذا الإطار يمكن تحديد أبرز عوامل التوتر بالساحة المصرية وفق التالي:
1- مجتمع شاب يتركز في مساحة محدودة تقدر بـ 8% من مساحة مصر، في حين تبلغ نسبة من هم تحت 30 سنة 60% من السكان. وهو ما يترك تداعيات على قدرة الأجهزة الحكومية على الوفاء باحتياجات السكان الخدمية من قبيل التعليم، والرعاية الصحية، والصرف الصحي، والسكن، فضلًا عن تعرض الأراضي الزراعية إلى ضغوط من أجل انتاج كميات متزايدة من الغذاء والحبوب، مما يفاقم من أزمة شح المياه. وكذلك يزداد الطلب على الوظائف في سوق العمل بمعدل يتجاوز قدرة القطاعين العام والخاص على الوفاء به. وهذه التركيبة توفر رصيدًا بشريًا غاضبًا يمكن لأي حراك ثوري أن يستثير تفاعله.
2- السياسات الحكومية الاقتصادية التي تلحق ضررًا واسعًا بقطاعات متزايدة من السكان. وهو ما يتجلى في تزايد التفاوت في توزيع الدخل حيث حاز أغنى 1% من الشعب في عام 2014 ما نسبته 48.5% من الثروة مقارنة بنسبة 32.3% في عام 2000. مما يجعل مصر تحتل المرتبة الثامنة عالميًا من حيث سوء توزيع الثروة. ولذلك قالت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير لها في عام 2017 إن الأداء الاقتصادي الضعيف يمثل أكبر تهديد لاستقرار مصر خلال السنوات القليلة القادمة.
3- تأميم النظام للمشهد السياسي، واعتقال عشرات الآلاف من الإسلاميين وغيرهم، واعتماد الحلول الأمنية لمواجهة أي بوادر للمعارضة. فضلًا عن تدشين سلسلة من القوانين التي تقضي على حرية الصحافة والإعلام وتقوّض عمل منظمات المجتمع المدني مما راكم حالة الإحباط والعزوف عن العمل السياسي وسط الشباب. وهو ما ينعكس على زيادة فرص حدوث عنف سياسي، فوفقًا لهنريك أوردال من معهد أبحاث السلام في أوسلو (PRIO) أنه “عندما يشكل الشباب أكثر من 35٪ من السكان البالغين.. فإن خطر النزاع المسلح يكون أعلى بنسبة 150٪ مما هو عليه في معظم البلدان المتقدمة ذات البنية العمرية المماثلة”.
4- تزايد الاضطرابات في مناطق الجوار الإقليمي مثل ليبيا والسودان، مما يضعف من القدرة على التحكم في الحدود، ويزيد من عمليات التهريب للأفراد والعتاد، ويوجد مساحات غير خاضعة للسيطرة الحكومية يمكن أن تُتخذ كملاذات آمنة لتجمعات معارضة.
وفي ظل ما سبق يثور سؤال حول المؤشرات التي يمكن من خلالها قياس مدى تهاوي النظام في حالة تحققها أو استقراره في حالة غيابها. وهنا نذكر أهم تلك المؤشرات:
1- عجز النظام عن توفير الخدمات الأساسية مثل الأمن، أو الرعاية الصحية، أو التعليم، أو المرافق، أو صيانة البنية التحتية للنقل. مما ينمي الشعور بالسخط على الحكومة، ويزيد من نظرة المواطنين إليها على أنها حكومة غير ذات جدوى (وجودها مثل عدمه)، ويوفر قاعدة من الشباب المؤهل للانخراط في فعاليات ثورية.
2- التنافر بين مؤسسات الدولة، وتضارب مصالح القائمين عليها مثلما حدث بين الجيش والشرطة خلال ثورة يناير. وتواصل بعض المسؤولين بالنظام مع جهات إقليمية أو أطراف بالمعارضة طلبًا للدعم في مواجهة السيسي. وبدء مغادرة النخب المرتبطة بالنظام للبلاد. وتوافر تقارير عن مؤامرات عسكرية، ومحاولات انقلاب، أو انشقاقات.
3- ترحيب قطاعات واسعة من السكان بأي انتفاضات أو مظاهرات جماهيرية، ومشاركتهم فيها أو على الأقل عدم التصدي لها في توجه معاكس لما حدث مع العديد من الفاعليات المناهضة لانقلاب 3 يوليو 2013.
4- تراجع قدرة الأجهزة الأمنية على شن عمليات أمنية هجومية ضد الكوادر الثورية والمعارضين، وتزايد إقبال الشباب على المشاركة في العمل الثوري، وتوافر إفادات عن الرغبة المفاجئة للحكومة في السعي لعقد تسوية تفاوضية مع المعارضين.
5- تزايد الاضطراب المجتمعي والسياسي على خلفية أحداث مثل الكوارث الطبيعية، أو الإعدامات السياسية، أو القرارات الحكومية غير المرحب بها شعبيًا مثلما حدث في تظاهرات1977 على خلفية قرار الحكومة تخفيض الدعم، وبدرجة أقل كما في حالة اللغط التي واكبت التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.
6- سحب الدعم المقدم للحكومة من حلفائها الأجانب المؤثرين، مثلما حدث من أوباما تجاه مبارك خلال ثورة يناير. و تزايد معدل مغادرة الشركات متعددة الجنسيات للبلاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
-Adel Abdel Ghafar, A stable Egypt for a stable region: Socio-economic challenges and prospects, European Parliament’s Committee on Foreign Affairs, 2018.

(المصدر: مجلة كلمة حق)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى