كتب وبحوث

الصلاة وقت الزلازل .. دراسة فقهية حديثية

إعداد إبراهيم الأزرق

مقدمة:

الحمد لله على ما قضى وقدر، والشكر له على ما امتن به وتفضل، يرسل بالآيات تخويفاً ليعتبر العبد ويتذكر، وصلى الله وسلم على خير من ذكّر، وأرشد العباد إلى سبل النجاة وأنذر وحذر، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع آثارهم وتدبر.

أما بعد فلما كانت الآيات مما يخوف الله بها العباد ليفزعوا إليه، كان الواجب حيالها معرفة المفزع، وهو الذي سار إليه ومضى عليه النُّجب الناجون، فمن اتبعهم بإحسان سَلِم، ومن تنكب طريقهم فيوشك أن يعطب.

ومن أولى ما يحرر في ذلك أمر الصلاة عندها، لعظم شأنها، ولكونها لم تزل عوناً للعباد على تنفيس الكربات، بل على جميع المهمات: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة: 45]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153].

وفي أمر الصلاة عند رؤية الآيات المخوفة نزاع، ينبغي أن يحرر، قال الحافظ ابن حجر معلقاً على باب ما قيل في الزلازل والآيات: “وهل يصلي عند وجودها؟ حكى ابن المنذر فيه الاختلاف وبه قال أحمد وإسحاق وجماعة، علق الشافعي القول به على صحة الحديث عن علي وصح ذلك عن ابن عباس أخرجه عبد الرزاق وغيره وروى ابن حبان في صحيحه من طريق عبيد بن عمير عن عائشة مرفوعاً: صلاة الآيات ست ركعات وأربع سجدات”(1).

وقد رأيت أن أشارك في هذه الورقات بتقرير ما ظهر من خلاف أهل العلم في أصل حكم الصلاة للآيات، هل تشرع أو لا تشرع؟ وإن كانت تشرع فهل يشرع الاجتماع لها أو لا يشرع، وما هي صفتها؟

والله أسأل أن يفتح على الكاتب والقارئ، ويهدينا جميعاً لما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال، وأن يدفع عنا وعن المسلمين الفتن، والزلازل والمحن، فهو المستعان، وعليه الجهد والتكلان.

الأقوال في حكم الصلاة وصفتها:

خلاصة الأقوال التي وقفت عليها في المسألة خمسة لها سادس لا اعتبار به، وهي:
1-    كراهتها، وهو مروي عن الإمام مالك، وبه قالت طائفة من المالكية، ونقل بعضهم أنه المعتمد من المذهب.
2-    عدم مشروعيتها جماعة كالكسوف، مع مشروعية صلاة الناس فرادى عندها كصلاة النافلة، وهو قول الشافعية. ولعل مايُروى عن الإمام مالك وابن وهب أشبه بهذا، بيد أني لم أر أحداً من المالكية في الكتب المعتمدة عندهم يقرره مذهباً لهم.
3-    أنها تشرع فرادى، ولو صلاها الناس جماعة فجائز وليس بسنة، وهو قول الحنفية.
4-    مشروعيتها جماعة كصلاة الكسوف، وهو قول الحنابلة وإسحق وأبي ثور، وقد فهمه متأخرو المالكية من قول أشهب.
5-    مشروعيتها جماعة استحباباً إلاّ إن أمر الإمام بجمعهم لها فواجبة، وهو قول لبعض متأخري المالكية.
6-    قال بعض الإمامية بوجوبها مطلقاً.

بسط أقوال الفقهاء في المسألة:

أولاً: قول الحنفية.

نص أئمتهم على أنها تصلى، قال الكاساني: ” وكذا تستحب الصلاة في كل فزع: كالريح الشديدة، والزلزلة، والظلمة، والمطر الدائم؛ لكونها من الأفزاع، والأهوال، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى لزلزلة بالبصرة”(2). وقد نقل ابن عبدالبر عن أبي حنيفة قوله: من فعل فحسن، ومن لا فلا حرج عليه(3).

فحكمها عندهم حسنة غير واجبة، وتصلى فرادى، فإن جمع الناس فجائز وليست بسنة(4)، قال السرخسي عند الحديث عن صلاة الخسوف: “والأصل في التطوعات ترك الجماعة، ما خلا قيام رمضان لاتفاق الصحابة عليه، وكسوف الشمس لورود الأثر به”(5)، وكذا قالوا في الآيات والأمراض كالطاعون، والذي يظهر من كلامهم أنها تصلى ركعتين ركعتين وتكون القراءة فيهما سراً إذا وقعت نهاراً، فقد نصوا أنها كالخسوف وهذا ما قرروه فيه(6)، وقد علل بعضهم التوجيه بصلاته الخسوف فرادى بما يستقيم وحال الزلازل بل هو أظهر فقالوا: لأنه يكون بالليل فيتعذر الاجتماع(7).

استدلالهم أو تعليلهم لفعل الصلاة:
1-    أثر ابن عباس أنه صلى في زلزلة ويأتي.
2-    قوله صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيتم شيئاً من هذه الأهوال فافزعوا إلى الصلاة”(8)، ويأتي بحثه.
3-    أن الصلاة لسائر الآيات حسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الكسوف بأنه آية من آيات الله تعالى يخوف بها عباده(9).

أما أدلة صلاتها فرادي:
1-    لأنه قد خسف القمر في عهده عليه السلام مراراً ولم ينقل أنه جمع الناس له(10).
2-    ولأن الجمع فيه متعسر(11).

ثانياً: قول المالكية.

نقلوا عن مالك النهي عن الصلاة عند الزلزلة، وروي عنه أنه يُفزع للصلاة عند الأمر يحدث فيخاف كالزلازل. فمنهم من رجح المنع، ومنهم من رجح الصلاة، ومنهم من قال بجوازها مع الكراهة، ومنهم من حمل نهي مالك عن الصلاة على النهي عن السجود خاصة كما نهى عن سجود الشكر، مع جواز الصلاة وعلى هذا جرى المتأخرون.

قال ابن القاسم: “وأنكر مالك السجود في الزلازل”(12)،و”قال ابن وهب قال مالك: ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلاّ في خسوف الشمس، ولم يعمل أهل بلدنا فيما سمعنا وأدركنا إلاّ بذلك، قال: وماسمعنا أن خسوف القمر يجمع له الإمام. قال ابن وهب، وقال عبدالعزيز بن أبي سلمة: ونحن إذا كنا فرادى نصلي هذه الصلاة في خسوف القمر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا رأيتم ذلك بهما ففازعوا إلى الصلاة، وفي حديث عائشة فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة”(13)، وقال القرافي في الذخيرة: “في الجواهر لايصلي للزلازل وغيرها من الآيات، وحكى اللخمي عن أشهب الصلاة واختاره”(14)، وقال النفراوي في شرحه على رسالة ابن أبي زيد: “لم يذكر المصنف حكم الصلاة أو السجود عند شيء من الآيات غير الخسوف من نحو الزلزلة والريح الشديد ونحوهما، والنص عن مالك: لا يصلي عند الزلزلة ولا عند شدة الريح ولا شدة الظلمة” ثم قال: “والمراد الكراهة،… والمعتمد الكراهة قال خليل: شكراً أو زلزلة نعم قد روي عن الإمام مالك رضي الله تعالى عنه أيضاً: ولكن أرى أن يفزع للصلاة عند الأمر يحدث مما يخاف أن يكون عقوبة كالزلازل والظلمات والريح الشديدة. وهو قول أشهب”، ثم عقب: “فتلخص أن المكروه عند تلك المذكورات خصوص السجود، وأما الصلاة فتطلب عند ذلك ويدل لذلك ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام من قوله لبلال عند حصول الأمر المهم: أرحنا بالصلاة”(15).

وقد نص هنا على أن المعتمد من المذهب هو الكراهة، وقد نقل ابن عبد البر أن مالكاً والشافعي لايريان الصلاة عند الزلزلة(16)، ونصوص مالك ومتقدمي أصاحبه وملازمية كابن القاسم وتلميذه ابن وهب(17) تجعل تأويل النهي عن الصلاة بالسجود خاصة فيه بُعد مالم يثبت بطريق صحيح استحسانه للفزع إلى الصلاة في حال الخوف كالزلزلة، وقد قال الخراشي في شرح خليل معلقاً على قول الماتن نقلاً عن مالك: ” قد فتح الله على نبيه وعلى المسلمين فما سمعت أن أحدا منهم سجد وكذا يكره لزلزلة أو ظلمة أو ريح شديدة. ودل كلامه على أن الصلاة لا تكره بل تطلب”، قال: “لا دلالة، لأنه مفهوم لقب لايعتبر”(18).

والحاصل أنها مستحبة عند المتأخرين جماعة أو فرادى، وقال بعضهم تجب إن جمعهم لها الإمام(19). قال الخراشي: “فيصلون أفذاذا أو جماعة إذا لم يجمعهم الإمام أو يحملهم على ذلك وهل يصلون ركعتين أو أكثر ذكر بعضهم عن اللخمي أنه يستحب ركعتان ولم أره أهـ. والذي يظهر الوجوب إذا جمعهم الإمام على ذلك وإنما شرعت الصلاة لذلك؛ لأنه أمر يخاف منه”(20).

أما هل يجهر فيها أو يُسر فلعل تخريج قول من قال من المالكية بها على قولهم في الخسوف والكسوف يقضي بالإسرار نهاراً والجهر ليلاً.

ولعل أليق وجه للجمع بين نصوص متقدمي المالكية وما نقلوه عن الإمام في مواطن أخرى من استحبابه الصلاة عند الخوف إن ثبت هو كراهتهم لصلاتها جماعة مع استحبابهم لمطلق الصلاة فرادى كالصلاة عند خسوف القمر، وعندها يصح توجيه ما نقل عن أشهب به، وحمل ما في المدونة عليه؛ وهو ماذكره ابن وهب نقلاً عن مالك: ” ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلا في خسوف الشمس، وما سمعنا أن خسوف القمر يجمع له الإمام”، ثم قال: “وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: ونحن إذا كنا فرادى نصلي هذه الصلاة في خسوف القمر”(21).

وأما إذا كان مايُروى عن مالك ويُحكى عن اللخمي وعن أشهب يحتاج إلى مزيد تحقق وتحرير فإن ظاهر المنقول عن مالك يخالف ما اختاره المتأخرون.

وأما من استحبها من المتأخرة فمن أدلتهم:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم لبلال عند حصول الأمر المهم: (أرحنا بالصلاة)(22).

ثالثاً: قول الشافعية.

نص الإمام الشافعي بعد أن ذكر حديث علي من طريق عاصم الأحول عن قزعة عن علي رضي الله تعالى عنه أنه صلى في زلزلة ست ركعات في أربع سجدات خمس ركعات وسجدتين في ركعة وركعة وسجدتين في ركعة. قال: “ولسنا نقول بهذا نقول: لا يصلي في شيء من الآيات إلاّ في كسوف الشمس والقمر ولو ثبت هذا الحديث عندنا عن علي رضي الله تعالى عنه لقلنا به وهم يثبتونه ولا يأخذون به ويقولون: يصلي ركعتين في الزلزلة في كل ركعة ركعة”(23).

وقال: ” وخالفنا غيرهم من الناس فقال: تصلي ركعتين، في كل ركعة ثلاث ركعات واحتج علينا بأن ابن عباس صلى في زلزلة ركعتين، في كل ركعة ثلاث ركعات واحتج علينا غيره بأن علي بن أبي طالب صلى ركعتين، في كل ركعة أربع ركعات أو خمس وكانت حجتنا عليهم أن الحديث إذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن في أحد بعده حجة لو جاء عنه شيء يخالفه”(24).

وقال: ” ولا آمر بصلاة جماعة في زلزلة، ولا ظلمة، ولا لصواعق، ولا ريح ولا غير ذلك من الآيات، وآمر بالصلاة منفردين كما يصلون منفردين سائر الصلوات”(25). هذا ظاهر في أن الشافعي لايرى الصلاة لأجل الزلزلة جماعة، مع استحبابه للصلاة حينها فرادى، وقد اتفق الشافعية على استحبابها فرادى كما سيأتي، قال النووي: “واتفق الأصحاب على أنه يستحب أن يصلي منفرداً ويدعو ويتضرع لئلا يكون غافلا وروى الشافعي أن عليا رضي الله عنه صلى في زلزلة جماعة، قال الشافعي: إن صح هذا الحديث قلت به، فمن الأصحاب من قال: هذا قول آخر له في الزلزلة وحدها، ومنهم من عممه في جميع الآيات، وهذا الأثر عن علي ليس بثابت ولو ثبت قال أصحابنا: هو محمول على الصلاة منفرداً، وكذا ما جاء عن غير علي رضي الله عنه من نحو هذا والله أعلم”(26).

وقال الماوردي: “مذهبنا أصح؛ لأنه قد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، آيات منها انشقاق القمر، والزلازل والرياح والصواعق فلم يصل لشيء منها، وصلى للخسوف، وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت إذا هبت ريح عاصف، اصفر لونه وقال: اللهم اجعلها ريحاً، ولاتجعلها رياحاً”.

ثم قال: “فإن تنفل الناس بالصلاة لهذه الآيات جاز، فإن الصلاة خير موضوع”، ثم ذكر اختلاف الشافعية في قول الإمام: “فإن صح قلت به” فقال: “فمن أصحابنا من قال صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قلنا به، وإلى وقتنا هذا لم يصح” أي عند هؤلاء أن الشافعي يريد: إن صح مرفوعاً، ثم قال: “وفيهم من قال: إن صح عن علي رضي الله عنه قلنا به، فمن قال بهذا اختلفوا على مذهبين؛ أحدهما: إن صح قلنا به في الزلزلة، والثاني: إن صح قلنا به في سائر الآيات”(27). ولعل القول الأول أقرب لمراد الشافعي؛ هو إن صح عن علي قلت به، وقد مضى صريح نصه وفيه: “ولو ثبت هذا الحديث عندنا عن علي رضي الله تعالى عنه لقلنا به”، ولعل السبب في ذلك هو أن من أصول الشافعي العض على سنة الأئمة المهديين من الخلفاء الراشدين إذا لم يخالف بعضهم بعضاً، قال الزركشي: “قال الشافعي: أقول بقول الأئمة أبوبكر وعمر وعثمان…” ونقل عنه في اختلاف الحديث: “أقول بقول الأئمة أبوبكر وعمر وعثمان وعلي”(28).

ولهذا لم يذكر محققوا الشافعية أثر صلاة ابن عباس في الزلزلة دليلاً لمن رأى الصلاة منهم مع ثبوته عند بعضهم بخلاف أثر علي رضي الله تعالى عن الجميع.

استدلالهم أو تعليلهم لترك الصلاة جماعة:
1-    ضعف الآثار عندهم.
2-    عدم نهوضها بمعارضة الأحاديث الثابتة لو صحت، وبالأخص في صفتها.
3-    حمل ما ثبت عند البعض منهم على الصلاة بغير جماعة.

استدلالهم أو تعليلهم لاستحباب الصلاة فرادى:
1-    حتى لايكون غافلاً.
2-    لما روى أيضا أن عمر حث على الصلاة في زلزلة(29)، ولم يثبت أن أحدهم صلاها جماعة(30).
3-    اعتضد من يرى صحة الآثار بها على هذا المراد.

قالوا: أما الأثر أن ابن عباس صلى بهم.. فلم يثبت وإن ثبت فمحمول على أنهم اجتمعوا ثم صلى كل واحد منهم فرادى(31).
أما كيف تصلى:
فقد ” جزم ابن أبي الدم بأنها كيفية الصلوات وأنها لا تصلى على هيئة الخسوف قولا واحدا كما نقل ذلك في شرح الروض عن الزركشي”(32) وذكر صاحب المنهاج أن ذلك على الأوجه(33)، أما الجهر والإسرار فيخرج على كلامهم في الكسوف والخسوف، قال الماوردي: “أما صلاة كسوف القمر فالجهر فيها مسنون إجماعاً لأنها صلاة ليل، فأما صلاة خسوف الشمس فمذهب الشافعي وأكثر الفقهاء أنه يسر فيها”(34)، قال النووي: ” السنة الجهر بالقراءة في كسوف القمر، والإسرار في كسوف الشمس… هذا هو المعروف في المذهب وبه قطع الأصحاب في جميع طرقهم، ونص عليه الشافعي في الأم والمختصر”(35)، وعليه إن وقعت الزلزلة بالنهار فتنفل الناس بالصلاة فرادى فإنهم يسرون، وإن وقعت بليل فلهم أن يجهروا.

رابعاً: قول الحنبلية.

قال ابن قدامة: “قال أصحابنا: يصلي للزلزلة كصلاة الكسوف. نص عليه”(36)، واختلفوا في بقية الآيات قال المرداوي: ” قوله (ولا يصلي لشيء من سائر الآيات) هذا المذهب، إلا ما استثنى، وعليه أكثر الأصحاب، بل جماهيرهم، وعنه يصلي لكل آية. وذكر الشيخ تقي الدين أن هذا قول محققي أصحابنا وغيرهم، كما دلت عليه السنن والآثار، ولولا أن ذلك قد يكون سببا لشر وعذاب لم يصح التخويف به. قلت: واختاره ابن أبي موسى، والآمدي قال ابن رزين في شرحه: وهو أظهر، وحكى ما وقع له في ذلك، وقال في النصيحة: يصلون لكل آية ما أحبوا، ركعتين أو أكثر، كسائر الصلوات، ويخطب”(37).

فائدة: قيد بعض محققي الحنابلة الزلزلة التي يُصلى لها في بعض متونهم المعتمدة بقيد مهم لاتتأتى الصلاة مالم يتحقق، ألا وهو قولهم: الدائمة(38)، قلت: ولعلهم يعنون بها المتتابعة التي تحدث، ثم تتبعها بعد مدة أخرى في اليوم نفسه أو تاليه أو قريباً منه، وهكذا تدوم مدة.

استدلالهم أو تعليلهم لذلك:
1-    قال ابن قدامة: “ووجه الصلاة للزلزلة فعل ابن عباس، وغيرها لا يصلي له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل لها، ولا أحد من أصحابه، والله أعلم”(39).
2-    قال إن “هذه صلاة رهبة وخوف، كما أن صلاة الاستسقاء صلاة رغبة ورجاء، وقد أمر الله [تعالى] عباده أن يدعوه خوفا وطمعاً”(40).

أما كيف يصلى لها:
فقالوا: ” يصلى لها كصلاة الكسوف. نصاً لفعل ابن عباس رواه سعيد والبيهقي وروى الشافعي عن علي نحوه وقال لو ثبت هذا الحديث لقلنا به وصلاة الكسوف صلاة رهبة وخوف كما أن صلاة الاستسقاء صلاة رغبة ورجاء”(41).
وقد مضى ذكر ما اختاره الآجري في النصيحة: يصلون لكل آية ما أحبوا، ركعتين أو أكثر، كسائر الصلوات، ويخطب.
وصلاة الكسوف يجهر بها قال ابن قدامة: “ويجهر بالقراءة ليلاً كان أو نهاراً”(42)، قال المرداوي: “والجهر بالكسوف من المفردات”(43).

أقوال لآخرين:
قال ابن رجب: ” وقالت طائفة: يصلي لجميع الآيات في البيوت فرادى، وهو قول سفيان، وأبي حنيفة وأصحابه”(44).
وقال ابن قدامة: “يصلي للزلزلة صلاة الكسوف، نص عليه. وهو قول إسحق وأبي ثور”(45).
وقال أبومحمد بن حزم: “وهذا الوجه يصلى لكسوف الشمس، ولكسوف القمر في جماعة، ولو صلى ذلك عند كل آية تظهر -من زلزلة أو نحوها- لكان حسناً، لأنه فعل خير. وإن شاء صلى ركعتين ويسلم، ثم ركعتين ويسلم، هكذا حتى ينجلي الكسوف في الشمس والقمر، والآيات”(46).
وقد رجح الصلاة للآيات ومنها الزلزلة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(47).

وعلى هذا فجماهير أهل العلم على أصل استحبابها؛ إما فرادى أو جماعات، بهيئة صلاة الكسوف أو بهيئة عموم النافلة.
وذهب بعض الإمامية إلى القول بوجوبها(48)، احتجاجاً بصحيفة زرارة عن الباقر(49)، وعلى هذا فتاوى بعض معاصريهم(50)، وقالت الزيدية باستحبابها(51) استدلالاً بقوله صلى الله عليه وسلم “فافزعوا إلى الصلاة”(52)، وقالت الإباضية بسنية ركعتين عندها جماعة وقيل غير ذلك(53).

فحص الأدلة والمناقشة والترجيح:

أولاً: أصل الصلاة.

لعل حجة من منع من الصلاة مطلقاً عند الزلزلة تدور على أنه لم ينقل فعل النبي صلى الله عليه وسلم لغير الكسوف من الآيات، والنبي صلى الله عليه وسلم قد وجدت في عهده الرياح، والرعود والأصوات الهائلة ولم يؤثر عنه أنه جمّع لها، “قال ابن وهب قال مالك: ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلا في خسوف الشمس، ولم يعمل أهل بلدنا فيما سمعنا وأدركنا إلا بذلك، قال: وما سمعنا أن خسوف القمر يجمع له الإمام، قال ابن وهب وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: ونحن إذا كنا فرادى نصلي هذه الصلاة في خسوف القمر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، (فإذا رأيتم ذلك بهما فافزعوا إلى الصلاة)، وفي حديث عائشة (فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة)”(54).

وظاهر هذا أنهم استثنوا صلاة الخسوف خاصة بالصلاة لها فرادى لتناول الأثر له وإن لم يؤثر تجميع النبي صلى الله عليه وسلم بالناس له.

ولعل ما ذكره الجمهور من أدلة تفيد أصل مشروعية مطلق الصلاة أظهر، ومن أدلة ذلك ما يأتي:
1-    النصوص العامة أو المطلقة الآمرة بالفزع إلى الصلاة عند اشتداد الكرب، كقول الله تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة) [البقرة: 45]، وقد جاء عند أبي داود وغيره من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر صلى”(55)، وهذا الحديث الذي استدلوا به وإن كان في إسناده ضعف غير أن معناه جاء في أحاديث أخر ومن ذلك ماجاء عند أحمد وغيره بسند صحيح عن صهيب رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى همس شيئا لا نفهمه… الحديث وفيه: “قال وكانوا يفزعون إذا فزعوا إلى الصلاة”(56)، يعني الأنبياء، والاستدلال بنحو هذا أحسن مما استدل به البعض من قوله صلى الله عليه وسلم: أرحنا بالصلاة يابلال(57)، فإنه لا يسلم من حيث الثبوت ولامن حيث الدلالة، أما معناه فقد قال فيه الطحاوي: “الذي في الحديث إنما هو أمره صلى الله عليه وسلم بلالا أن يريحه بالصلاة من غيرها إذ كانت الصلاة هي قرة عينه فأمر أن يراح بها مما سواها مما ليس منزلته كمنزلتها”(58)، وقال أبو المحاسن في مختصره: “فأمر أن يراح بها مما ليس بمنزلتها إذ لا شيء عنده صلى الله عليه وسلم مثلها يشتغل به عنها”(59)، وقال المناوي: “أي أشغلنا عما سواها بها”(60)، وهذه معان متقاربة، ولعل أول من أثر عنه نحوها يوسف بن الحسين أبو يعقوب الرازي(61)، وقال ابن الأثير: “أي أذن بالصلاة نسترح بأدائها من شغل القلب بها، وقيل كان اشتغاله بالصلاة راحةً له فإنه كان يعُد غيرها من الأمال الدنيوية تعباً فكان يسترِيح بالصلاة لما فيها من مناجاة الله تعالى ولهذا قال قُرَّة عينِي في الصلاة وما أقرب الرَّراحة من قُرة العين يقال أراح الرجل واستراح إذا رجعت نفسه عليه بعد الإعياء”(62)، ولعل التأويل الأول الذي ذكره ابن الأثير هنا أظهر، فسياق الأثر يبين استنكار عبدالله وأبيه محمد بن الحنفية لعبارة الرجل أصلي فأستريح فلما رأى ذلك منهما احتج عليهم بالحديث الذي يؤيده، ولو كان ظاهرها ماذكره الطحاوي والمختصر والمناوي لما استنكر ذلك بعض السلف الذين شهدوا الواقعة ونقلوا النص وهم إلى فهم ظاهر الكلام أقرب، وأمر آخر يخرم الاستدلال بهذا الأثر وهو أن أمرالنبي صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه وهو مؤذنه يشعر بأنه دعاه ليؤذن معلماً بدخول فرض، ثم على التأويل الآخر فليس في الأثر مايفيد أنه خاص بالآيات، وأما من حيث الثبوت فالحديث فيه اختلاف كثير.

وغيره من الأدلة أظهر دلالة؛ فمنها ما سبق، ومنها ما روى الإمام أحمد في مسنده بسند جيد عن علي في يوم بدر: ” ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم، إلاّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح”(63)، وكذلك روى البخاري وغيره عن أم سلمة قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال: “سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن وماذا فتح من الخزائن أيقظوا صواحبات الحجر، فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة”(64)، قال ابن حجر: ” وفي الحديث استحباب الإسراع إلى الصلاة عند خشية الشر، كما قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة)، وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وأمر من رأى في منامه ما يكره أن يصلي”(65)، وما أشار إليه من أمر الصلاة عند الرؤيا التي يكره ثابت عند مسلم من حديث أبي هريرة وفيه: “فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل”(66)، وقد جاء في أثر عبيدالله بن النضر قال حدثني أبي قال كانت ظلمة على عهد أنس قال فأتيت أنساً فقلت يا أباحمزة! هل كان يصيبكم مثل هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله، إن كانت الريح لتشتد فنبادر إلى المسجد مخافة القيامة(67)، وقد جاء عن علقمة أنه قال: إذا فزعتم من أفق من آفاق السماء فافزعوا إلى الصلاة(68)، وقد جاء أن ابن عباس نعي إليه أخوه وهو في مسير فاسترجع وتنحى عن الطريق ثم صلى ركعتين ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: (واستعينوا بالصبر والصلاة)(69) ، ولهذا ونحوه قال الآجري وجماعة فيمن أصيب بمصيبة: يصلي ركعتين قال في الفروع: وهو متجه(70). وهذه الآثار وما في معناها يشهد لقول الحنفية والشافعية ومن وافقهم من متأخري المالكية ومن قال بأنه تصلى ركعتان عند الزلازل من غير جماعة لا بهيئة الكسوف.

2-    ومن الأدلة الدالة على أن للزلازل صلاة الآثار المروية عن الصحابة والتي لم يؤثر نكير على أصحابها، وأشهر ما جاء عن الصحابة أربعة آثار؛ عن حذيفة، وعلي، وعائشة، وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، وأشبهها بالصحيح أثر ابن عباس، وأما الثلاثة قبله فلعلها لاتثبت، أما ما جاء عن حذيفة فهو قول قتادة: صلى حذيفة بالمدائن مثل صلاة ابن عباس في الآيات ثلاث ركعات ثم سجد سجدتين، وفعل في الأخرى مثل ذلك(71)، وهذا منقطع من جهة، ومن جهة أخرى جاء في أحسن طرقه ما يفيد أن صلاة حذيفة كانت للكسوف كما روى البيهقي(72).

وأما أثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد جاء عنه أنه صلى في زلزلة بالبصرة ست ركعات في أربع سجدات، خمس ركعات وسجدتين في ركعة، وركعة وسجدتين في ركعة، ذكره الرواة في الأم من طريق الشافعي، ثم قال بعدها: “ولو ثبت هذا الحديث عندنا عن علي رضي الله تعالى عنه لقلنا به وهم يثبتونه ولا يأخذون به ويقولون: يصلي ركعتين في الزلزلة في كل ركعة ركعة”(73).

وأما ما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقد روي عنها أنها قالت: “صلاة الآيات ست ركعات في أربع سجدات”(74).

أما أثر ابن عباس رضي الله عنهما، فعن عبدالله بن الحارث أن ابن عباس صلى بهم في زلزلة كانت أربع سجدات فيها ست ركعات(75)، وقد جاء في بعض طرقه ما يفيد أنه صلاها كالكسوف، وقد رجح جمع من الحفاظ أن أصح ما جاء عنه ركعتين في ركعة، وما ذهبوا إلى الترجيح إلاّ عندما تعذر الجمع باتحاد مخارج الأحاديث أو اتحاد قصتها، ولهذا قال الشافعي في هذا الأثر:” قلت لو ثبت عن ابن عباس أشبه أن يكون ابن عباس فرق بين خسوف الشمس والقمر والزلزلة، وإن سوى بينهما فأحاديثنا أكثر وأثبت مما رويت فأخذنا بالأكثر الأثبت وكذلك نقول نحن…”(76). وهذه الآثار مع ماسبق على ما فيها من ضعف تشعر بأنه قد يكون لمطلق الصلاة جماعة عند الآيات المخوفة كالزلازل أصل، كما أن الصلاة إذا حزب الأمر تندرج تحت الأصول العامة على وجه الإطلاق، فكذلك الجماعة في النفل تسوغ إذا جاءت عرضاً في بعض الأحيان، أما أن تجعل أصلاً يلتزم بغير دليل صحيح صريح فهذا فيه نظر، وغاية ما نقل عن بعض الصحابة يفيد فعلهم لها على وجه الإطلاق اتفاقاً، ولهذا تجد ابن عباس يصليها تارة كالكسوف، وفي نازلة أخرى يكتفي بالسجود(77)، وفي ثالثة يتنحى عن الطريق فيصلي ركعتين ثم يمضي، وفي بعض الأحداث الأخرى لم يؤثر عنه شيء البتة، كسائر الصحابة، بل كحال النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو إسحق الشيرازي في المهذب: “ولا تسن صلاة الجماعة لآية غير الكسوف، كالزلازل وغيرها، لأن هذه الآيات قد كانت ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى لها جماعة غير الكسوف”(78)، وقال الشيخ زكريا الأنصاري في شرح البهجة: “بحث الزركشي إلحاق كسوف النجوم بكسوف الشمس والقمر في الصلاة، ونوزع بأنه لا يصار لتغيير الصلاة عن الهيئة المشهورة إلا بتوقيف ولم يثبت في كسوف النجوم. نعم كسوفها كالزلازل ونحوها فيصلي له فرادى على الوجه المشهور إهـ.

وقد يجاب بأن من ادعى أن صلاة الكسوف لم تتعدد منه عليه الصلاة والسلام وأنها وقعت منه مرة واحدة جوزها في كسوف الشمس والقمر جميعاً مع عدم التوقيف فيهما بل في أحديهما ويرد بأنه عليه الصلاة والسلام وإن لم تقع منه إلا مرة لكنه أمر بالصلاة لهما كما سيأتي والظاهر اتفاق صلاتيهما كيفية”(79)، ولهذا ألحقت الشافعية خسوف القمر خاصة بكسوف الشمس، وقد أثر عن الشافعي نحو هذا التعليل(80) وفيه رد على بعض المالكية، قال في الأم مجيباً المعترض بجمع صفة الصلاتين: “قال فما الحجة عليه؟ قلت: حديثه حجة عليه وهو يروي عن ابن عباس أن النبي قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله)(81)، ثم كان ذكر الله الذي فزع إليه رسول الله الصلاة لكسوف الشمس وأمره مثل فعله، وقد أمر في خسوف القمر بالفزع إلى ذكر الله كما أمر به في خسوف الشمس، وقد قال الله – عز وجل -: (قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى) [الأعلى: 14-15]، ولو لم يكن عليه حجة إلا هذا كانت عليه. وفي حديث ابن عيينة أن النبي أمرهم في الشمس والقمر أن يفزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة، وفي الحديث الثابت أن ابن عباس صلى في خسوف القمر كما صلى في كسوف الشمس ثم أعلمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك قال فمن أين تراه أنت؟ قلت ما يعلم كل الناس كل شيء وما يؤمن في العلم أن يجهله بعض من ينسب إليه”، ولكن قد يقال الآثار عن ابن عباس وغيره وإن كان فيها ضعف إلاّ أنها تشعر بأنهم صلوا لها مرة كهيئة صلاة الكسوف وإن أخطأ بعض الرواة في صفتها.

3-    ومن الأدلة التي استدل بها القائلون بسن الصلاة للزلزلة العموم المعنوي، أو القياس الجلي على نحو قوله صلى الله عليهوسلم: (إنهما آيتين يخوف الله بهما عباده فإذا رأيتم ذلك ففزعوا..)(82) ، قال أصحاب الرأي: الصلاة لسائر الآيات حسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الكسوف بأنه آية من آيات الله تعالى يخوف بها عباده(83). واستدلوا بمقوله صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيتم شيئاً من هذه الأهوال فافزعوا إلى الصلاة”(84)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “ولو لا أن ذلك قد يكون سببا لشر وعذاب لم يصح التخويف بذلك، وهذه صلاة رهبة وخوف، كما أن صلاة الاستسقاء صلاة رغبة ورجاء، وقد أمر الله [تعالى] عباده أن يدعوه خوفا وطمعاً”(85).

ولا شك أن هذا الدليل فيه وجاهة، غير أنه يعكر على استدلال بعضهم به أمران؛ الأول: أنه يفيد مطلق الفزع إلى الصلاة، ولايفيد صفة مخصوصة، وربما أجيب بأن الفزع إلى الصلاة مفسر بفعله صلى الله عليه وسلم فيهما. والثاني: وهو أظهر وجاهة، القول بالفارق بين الزلازل خاصة وغيرها من الآيات، ومن تلك الفوارق المعتبرة:
1-    أن وقت الزلازل لايتسع للصلاة فضلاً عن التجميع، فلو استمر الزلزال لمدة دقيقة بقوة متوسطة لكانت آثاره مدمرة فمن رحمة الله بعباده أن جرت سنته بقصر مدة الرجفة.

2-    ثم إن الناظر في قواعد الشرع، ومقاصد الشريعة يلحظ أن حال الزلزال تقتضي السعي في حفظ النفس بالنجاة من البناء الذي أُتي من قواعده، ويُتوقع أن يخر السقف على مَن تحته مِن فوقهم، بخلاف الكسوف والخسوف.

وقد يجاب بما قيده به بعض من حقق بأن الصلاة إنما تشرع للزلزلة الدائمة على ما سابق التنبيه إليه عند حكاية مذهب الغمام أحمد.

ومهما يكن من أمر فإن الآيات المخوفة من حيث تجميع الناس لها أنواع؛ فقسم يندب جمع الناس لأجلها اتفاقاً كالكسوف(86) أو على الصحيح كالخسوف، وقسم يسوغ فيه ترك التجميع لما فرض فيه التجميع كالمطر الشديد ونحوه على الصحيح، وقسم اختلف الناس في العذر به من التجميع للمفروضات –التي من حقها التجميع- كالزلازل، فقد عد أبو المعالي الزلزلة عذر في ترك الجمعة لأنها نوع خوف(87)، وهذا له وجاهة، وهو موضع اجتهاد.

والانتقال عن الأصل في العبادات يحتاج إلى ناقل ظاهر، وعامة الأدلة التي ذكرها المثبتون للصلاة حال الزلازل إما أن تكون غير ثابتة، أو في دلالتها نظر، أو تفيد مطلق الصلاة لا مشروعية الصلاة جماعة بصفة معينة، وتبقى المسألة اجتهادية لا يبدع المتبع فيها قول إمام، والله أعلم، وأحكم.

والمهم هو الفزع إلى الله عز وجل، والإنابة إليه عند رؤية الآيات، وألا تحجب معرفة الأسباب، حكمة مسببها عز وجل، قال شيخ الإسلام رحمه الله: “العبادات.. تقوي ما انعقد سببه من الخير، وتدفع أو تُضعِف ما انعقد سببه من الشر.. والفلاسفة تعترف بهذا! لكن هل ذلك بناء على أن الله يدفع ذلك بقدرته وحكمته، أو بناء على أن القوى النفسانية تؤثر؟ هذا مبني على أصولهم في هذا الباب”(88)، وقد قال الله عز وجل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام]، وقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [الأعراف]، وقال: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41]، وقال: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [السجدة: 21]، (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الزخرف: 48]، نعوذ بالله من غلظ القلوب والأكباد، وعمى البصائر عن الاعتبار بالأقدار، ونسأله أن يقينا عذابه، وأسباب سخطه وعقابه، وأن يتجاوز عنا، وألا يؤاخذنا بما فعل السفاء منا، وأن يغفر لنا ويرحمنا، إنه غفور رحيم، والحمد لله رب العالمين.

____________________________

(1)    فتح الباري لابن حجر 2/521.
(2)    بدائع الصنائع 1/282.
(3)    التمهيد 3/318.
(4)    ينظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم، 2/181، والجوهرة النيرة لأبي بكر العبادي 1/96.
(5)    المبسوط 2/76.
(6)     في الإحالات الماضية كفاية، وينظر كذلك مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر لعبدالرحمن شيخي زاده 1/138.
(7)     ينظر الاختيار للتعليل المختار، لعبدالله مودود 1/70، وكذلك الحل الضروري لمختصر القدوري، لعبد الحميد اللكنوي 1/34، وغيرهما عند حديثهم عن صلاة الخسوف.
(8)     ينظر تبين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي 1/230.
(9)     المغني لابن قدامة 2/146-147.
(10)     ينظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم، 2/181، كلام الماتن.
(11)     السابق.
(12)     المدونة الكبرى، رواية سحنون عن القاسم، 1/243، ط دار الباز 1415.
(13)     السابق.
(14)     الذخيرة لأحمد بن إدريس المعروف بالقرافي 2/431، ط دار الغرب بتحقيق سعيد أعراب، ولعل الجواهر التي أحال إليها الجواهر الثمينة في فقه أهل المدينة لابن شاس؛ جلال الدين أبو محمد عبدالله بن نجم، وابن شاس يعد معاصراً للقرافي مات القرافي سنة 682، وابن شاس 616.
(15)     الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، لأحمد بن غنيم النفراوي، 1/279،وممن رجح ما رجحه النفراوي صاحب الشرح الكبير ومحشيه، تنظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/308، وكذلك الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير 1/422، وكذلك منح الجليل شرح مختصر خليل لعليش 1/333.
(16)     التمهيد 3/317، ونقله كذلك ابن رجب في فتح الباري 9/244 وغيرهما من المحققين، انظر الموسوعة الفقهية 27/258.
(17)     تنظر المدونة مثلاً 1/242.
(18)     فتح الجليل على مختصر الخليل، لمحمد بن عبدالله الخراشي، 1/351.
(19)     حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/308، وكذلك منح الجليل شرح مختصر خليل لعليش 1/333.
(20)     شرح خليل للخراشي السابق 1/351.
(21)     1/243.
(22)     انظر الفواكه الدواني للنفراوي 2/658.
(23)     الأم 7/177.
(24)     الأم 7/202.
(25)     الأم 1/281.
(26)     المجموع شرح المهذب 5/61.
(27)     ينظر في ما سبق نقله عن الماوردي من كتابه الحاوي الكبير، 2/512، ط دار الكتب العلمية 1419.
(28)     البحر المحيط للزركشي 8/73.
(29)     الماوردي السابق.
(30)     عن شرح البهجة لزكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري 2/66، والنص للماتن.
(31)     تنظر الغرر البهية في شرح البهجة الوردية 2/66.
(32)     شرح البهجة للأنصاري 2/66.
(33)     تنظر تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي 3/65.
(34)     الحاوي 2/508.
(35)     المجموع شرح المهذب 5/57.
(36)     المغني 2/146، وينظر كذلك الإنصاف 2/449، ودقائق أولي النهى لشرح المنتهى للبهوتي 1/333.
(37)     الإنصاف 2/449.
(38)     ينظر الإنصاف 2/449، ودقائق أولي النهى 1/333، وكشف القناع عن متن الإقناع 2/66 وغيرها.
(39)     المغني 2/147.
(40)     ينظر الفروع لابن مفلح 2/156.
(41)     كشف القناع عن متن الإقناع، للبهوتي 2/66.
(42)     المغني 2/143، وينظر الفروع لابن مفلح 2/153.
(43)     الإنصاف 2/443.
(44)     فتح الباري لابن رجب 9/244.
(45)     المغني 2/146.
(46)     المحلى بالآثار 3/312.
(47)     ينظر منهاج السنة 5/445، وذكر أن هذا اختيار محققي المذهب ينظر الفروع لابن مفلح 2/155.
(48)     ينظر شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، لجعفر بن الحسن الهذلي 1/93.
(49)     الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية للجبعي 1/311.
(50)     ينظر منهاج الصالحين للسيستاني ص239.
(51)     ينظر التاج المذهب لأحكام المذهب، لأحمد العنسي 1/155.
(52)     البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، لأحمد بن يحيى بن المرتضى، 3/74.
(53)     ينظر شرح النيل وشفاء العليل لابن أطفيش 2/542.
(54)     المدونة 1/242.
(55)     رواه أبوداود 2/35 (1319)، وقد رواه جمع من أهل العلم كالإمام أحمد في مسنده 5/388، وذكره البخاري في التاريخ الكبير 1/172 (515)، وأبو عوانة في مسنده 4/321 (6842)، وذكره ابن حبان في الثقات 5/124، 8/168، وابن قانع في معجم الصحابة 2/189، وابن حجر من طريق ابن منده في الإصابة 5/249، وابن جرير في تفسير سورة البقرة 1/260، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة 8/231، والبيهقي في شعب الإيمان 3/154، والخطيب في تاريخ بغداد 6/274، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 12/282، ورواه غيرهم، وقد حسن إسناده ابن حجر في الفتح (3/172)، وكذلك الألباني في صحيح أبي داود (1171) وغيره، ولعل الأقرب ضعفه، فقد تفرد به واضطرب فيه عكرمة بن عمار العجلي البصري، وهو وإن كان صدوقاً غير أنه يتفرد ويضطرب كثيراً، وهذا الحديث مما تفرد به مطولاً ومختصراً وفيه اضطراب فتارة يسمي عكرمة شيخه محمد بن عبيد بن أبي قدامة، وتارة محمد بن عبيد أبو قدامة الحنفي، وتارة محمد بن عبدالله الدؤلي، وتارة محمد بن عبدالله، وجميعهم واحد (ينظر تهذيب الكمال 18/223، وكذلك تهذيب التهذيب 9/255، ولسان الميزان 7/364) وقد وقع خطأً في الإصابة: محمد بن عبدالله ابن أبي قلابة فلعله تصحف من ابن أبي قدامة كما في أسد الغابة عن ابن منده بسنده، وتارة يرسل الأثر عن عبدالعزيز بن اليمان كما في معجم الصحابة وعند ابن منده كما في الإصابة ولعل الخطأ من الحسن بن زياد أو إسماعيل بن موسى الفزاري الراوي عنه وعن من سماه الحسين بن رتاق الهمداني فإن لم يكن تصحف وكان اثنين فالأقرب أن الخطأ من ابن زياد الراوي عن ابن جريج والصواب وصله، وتارة يروى عن عبدالعزيز بن اليمان عن حذيفة، وفي هذه مرة يقال عبدالعزيز بن اليمان أخو حذيفة كما في مسند أحمد من طريق ثقتين عن يحيى بن زكريا (ابن أبي زائدة) عنه به وقد ثبتت رواية ابن زائدة له هكذا من طرق عدة منها ما جاء عند أحمد وابن قانع في معجمه والبيهقي في شعبه والمروزي في الصلاة، ومثل ما روى ابن أبي زائدة رواه عن عكرمة كذلك النضر كما في التاريخ الكبير، وابن جريج كما عند ابن جرير، وسماه كذلك أبوعبدالله الفلسطيني حميد بن زيد اليماني كما نقل عن عكرمة في حديث آخر كما في الثقات فهؤلاء وافقوا ابن أبي زائدة في روايته عنه بذكر عبدالعزيز أخو حذيفة فلا وجه لتخطئة أبو نعيم لابن منده فيما يظهر ولعل الخطأ في السند الذي ساقه عن أحمد (ينظر أسد الغابة لابن الأثير)، ثم تارة أخرى يأتي فيرويه عكرمة بذكر عبدالعزيز ابن أخي حذيفة، كما ذكرها أبوداود كما في رواية محمد بن عيسى عن ابن أبي زائدة عند أبي داود، وكما في رواية سريج ابن يونس عنه كما ذكر أبو نعيم (ينظر أسد الغابة ترجمة عبدالعزيز بن اليمان)، وهذا يشعر بأنه الخطأ ليس خطأ محمد بن عيسى على ابن أبي زائدة وقد رواه كذلك أبو حذيفة بن موسى بن مسعود الثقفي عن عكرمة بن عمار فذكر ابن أخي حذيفة، فلعل الاضطراب من عكرمة، ثم إن محمد بن عبدالله بن الدؤلي أبو قدامة الحنفي فيه جهالة، فالحديث بهذا الإسناد إلى الضعف أقرب والله أعلم.
(56)     رواه الإمام أحمد في المسند 4/333، 6/16، وهو عند ابن حبان في صحيحه 5/311 (1972)، والبزار في مسنده 6/16، والبيهقي في الشعب 3/155، وانظر تهذيب الآثار 3/91 وما بعدها، ورواه غيرهم وسنده لاغبار عليه، قال الألباني في السلسلة الصحيحة: “إسناده صحيح على شرط الشيخين”، (2459)، وقال المقدسي في المختارة: إسناده صحيح 8/61، وقد ذكر الإمام أحمد أن الحديث رواه حماد بن سلمة من طريق سليمان بن المغيرة بغير هذه الزيادة موضع الشاهد، فأخشى أن تكون مدرجة من ثابت -والحديث من طريق ثابت بن أسلم البناني- فسليمان وإن كان أثبت من حماد في الجملة، فإن حماد بن سلمة أروى الناس عن ثابت (ينظر الكامل لابن عدي 2/100)، وقد جاء عند ابن أبي حاتم من طريق عبدالله بن أبي زياد القطواني، عن سيار وهو ابن حاتم العنزي أبو سلمة البصري، عن جعفر بن سليمان الضبعي، عن ثابت مرسلاً قال: “كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أصابه خصاصة نادى أهله يا أهلاه صلوا صلوا”، قال ثابت: “وكانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة” (ينظر تفسير ابن كثير 3/172 وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)، وظاهر هذا أنها مدرجة.
(57)     الحديث رواه أبوداود في سننه 4/296 (4986)، والإمام أحمد في مسنده 5/364، 5/371، والطبراني في الكبير 6/277 (6215)، 6/276 (6214)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 4/359 (2396)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار 14/167 (5549)، وهو في معجم شيوخ أبو بكر الإسماعيلي 2/580، وقد ساقاً طرقاً عدة له الدارقطني في العلل 4/120، 4/121، وذكر له الخطيب البغدادي طرقاً في تاريخ بغداد 10/442، وانظر موضح أحكام الجمع والتفريق 2/262 (316)، و الإصابة 3/138، وذكر الزيلعي في تخريج الآثار عن بعض طرقه أنه على شرط البخاري 1/63، ومثله قال الوادعي في الجامع الصحيح 2/81، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4172). وفي طرقه بعض اضطراب فقد جاء من طرق:
–    الأولى تدور على: ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي، رواه عنه خمسة اختلفوا فيه وهم (1) عبدالرحمن بن داود الخريبي فرواه عن أبي حمزة الثمالي عن سالم بن الجعد عن عبدالله بن محمد بن الحنفية، انطلقت أنا وأبي إلى صهر لنا من الأنصار الحديث بقصته مختصراً [تاريخ بغداد]، (2) ورواه حفص بن غياث عن أبي حمزة ثابت بن صفية الثمالي عن سالم عن رجل سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم [تاريخ بغداد 10/442]، وذكره بنحوه الدارقطني في العلل غير أنه نسب الرجل إلى خزاعة [علل الدارقطني 4/120](3) وخالفهم الحسين بن علوان فرواه عن أبي حمزة عن سالم عن محمد بن الحنفية عن بلال عن النبي صلى الله عليه وسلم [علل الدارقطني 4/121، تاريخ بغداد 10/442]، (4) وخالفهم محمد بن ربيعة فرواه عن أبي حمزة عن سالم عن عبدالله بن محمد الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الطريق ذكرها الدارقطني في العلل 4/121 وذكر في الآحاد والمثاني 4/359 عن محمد بن ربيعة أنبأنا أبو حمزة عن سالم بن أبي الجعد عن عبدالله بن محمد بن علي عن رجل من أسلم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبلال فلعل تصحيفاً وتحريفاً وقع في أحد المصدرين. (5) ورواه أبو نعيم عن أبي حمزة الثمالي ثابت بن صفية عن سالم ابن أبي الجعد عن عبدالله بن محمد بن الحنفية قال انطلقت مع أبي إلى صهر لنا من أسلم فذكر حديثاً مطولاً وفيه الشاهد [المعجم الكبير 6/277]، وهذا الطريق مع اضطرابه الشديد سنداً ومتناً فإن محوره يدور على أبي حمزة الثمالي وهو ضعيف.
–    الثانية تدور على: مسعر بن كدام، وقد اختلف عليه؛ فرواه (1) وكيع عنه عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن رجل من أسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بلال أرحنا بالصلاة [مسند أحمد 5/364]، (2) ورواه ابن عيينة عن مسعر عن عمرو عن رجل عن عبدالله بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن رجل من الصحابة غير مسمى [الإصابة 3/138] (3) ورواه الطبراني في الكبير 6/276 من طريق رجلين هما معاذ بن المثنى وأبو خليفة الفضل بن الحباب عن مسدد عن عيسى بن يونس عن مسعر عن عمرو بن مرة عن سلمان بن خالدة أراه من خزاعة قال صليت فاسترحت فكأنهم عابوا ذلك عليه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا بلال أقم الصلاة أرحنا. ولعله إن صح السند يكون الاضطراب من مسعر بن كدام وهو شيخ عيسى بن يونس، لأنه -وهذه الطريق الرابعة عن مسعر- (4) رواه مسدد عن عيسى بن يونس [أبوداود 4/296] و بشر بن موسى خلاد بن يحيى [تاريخ بغداد 10/442]، وسلمة بن رجاء بن كاسب [معجم شيوخ الإسماعيلي 2/580] ثلاثتهم عن مسعر عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد قال: قال رجل -قال مسعر: أراه من خزاعة- صليت فاسترحت، فكأنهم عابوا عليه ذلك فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها، وهذا فيما يظهر هو الأصح من طريق مسعر بن كدام غير أن سالم بن أبي الجعد أرسله فأسقط عبدالله بن محمد بن الحنفية كما سوف يأتي، وهو كثير الإرسال والتدليس [ينظر سير أعلام النبلاء 5/108، وتهذيب التهذيب 3/373 وغيرهما].
–    الثالثة طريق سفيان الثوري: فقد رواه عنه أبو خالد القرشي عبدالعزيز بن أبان وسفيان عن عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن ابن الحنفية [دون أن يسمى] عن علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم فأرحنا بالصلاة. ولم يروه عن سفيان إلاّ أبو خالد القرشي مسنداً ذكره الدارقطني والخطيب[العلل 4/120، وتاريخ بغداد 10/442]، والصحيح من حديث سفيان ما رواه الدارقطني في العلل 4/121 وساقه من طريقه كذلك الخطيب في تاريخ بغداد 10/442 عن البرقاني عن علي بن عمر الحافظ (وهو الدارقطني) عن ابن بشر وهذا تحريف لعله وقع سهواً في المطبوع من تاريخ الخطيب والصواب ابن مبشر كما ذكر الدارقطني في علله فهو شيخ الدارقطني الذي روى عنه كثيراً ومن ذلك هذا الحديث واسمه علي بن عبدالله بن مبشر، عن أحمد بن سنان عن عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان عن عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن محمد بن الحنفية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرحنا يا بلال. من غير ذكر لعلي في الإسناد، وهنا أسقط ابن أبي الجعد عبدالله بن محمد بن الحنفية ورواه عن أبوه، وقد جاء هذا الأثر عن سفيان من طريق ثالث ذكرها الطحاوي في شرح مشكل الآثار عن يزيد بن سنان عن عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان عن عثمان عن سالم بن أبي الجعد عن عبدالله بن محمد بن الحنفية. فإن كان هذا محفوظاً وليس ثم تصحيف أو حذف سقط بسببه عبدالله في اسم محمد بن الحنفية من طريق الدارقطني فيكون مدار الاختلاف في المحفوظ من حديث سفيان بين يزيد بن سنان الذي روى عنه الطحاوي، وأحمد بن سنان الذي روى عنه الدارقطني من طريق ابن مبشر، أما يزيد فهو ابن سنان بن يزيد أبو خالد (ت:264) وأما أحمد فهو ابن سنان بن أسد بن حبان (ت:259)، فإن صح أنه لاحذف ولاتصحيف فالروايات الأخرى تشهد ليزيد بن سنان، وحينها تشهد هذه الرواية للطريق الرابعة الآتية.
–    وأما الطريق الرابعة فتدور على: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحق، فقد رواه عنه ثلاثة؛ (1) محمد بن كثير [أبوداود4/296]، (2) وعبدالرحمن بن مهدي [مسند أحمد 5/371، علل الدارقطني 4/121]، (3) وعبدالله بن رجاء الغداني [تاريخ بغداد 10/442]، وكلهم عنه عن عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن عبدالله بن محمد بن الحنفية قال: انطلقت أنا وأبي إلى صهر لنا من الأنصار نعوده فحضرت الصلاة فقال لبعض أهله يا جارية ائتوني بوضوء لعلي أصلي فأستريح. قال فأنكرنا ذلك عليه، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قم يا بلال فأرحنا بالصلاة”، وهذا أحسن طرق الأثر وأصحها.
الخلاصة: في الأثر اختلاف كثير على رواته، واختلف في أثبت أسانيده على سالم بن أبي الجعد فتارة يرسله عن رجل من خزاعة، وتارة يسنده عن عبدالله بن محمد بن الحنفية عن رجل من الأنصار، وتارة يذكره عن محمد بن الحنفية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا في الطرق المحفوظة الثابتة بعد الترجيح لما وقع بين رواتها من خلاف فضلاً عن غيرها، وهذا مشعر بأن في طرق الأثر الثابتة اختلافاً قد يخرج بها عن حيز الاعتماد والله أعلم.
(58)     شرح مشكل الآثار 14/168.
(59)     معتصر المختصر 1/99.
(60)     فيض القدير 3/371.
(61)     من كبار الصوفية في زمانه (ت:304)، وقد نقل كلمته هذه الشعراني في الطبقات، ولعله أخذها من السلمي في طبقات الصوفية، ونصه: “أرحنا بها من أشغال الدنيا وحديثها، لأنه كان صلى الله عليه وسلم قرة عينه في الصلاة”، ولأبي يعقوب ترجمة في تاريخ بغداد 14/314.
(62)     النهاية في غريب الحديث 2/274.
(63)     المسند 1/125، وقد رواه ابن خزيمة في صحيحه 2/52 (889)، وابن حبان في صحيحه أيضاً 6/32 (2256)، والطبري في تاريخه 2/23،وهؤلاء من طريق عبدالرحمن بن مهدي عن شعبة، وقد رواه الإمام أحمد أيضاً من طريق جعفر بن محمد عن شعبة في المسند أيضاً 1/138، وكذلك النسائي في السنن الكبرى 1/270 (823) وقد حسن ابن حجر إسناد النسائي في الفتح 1/580 وصحح الأثر الألباني كما في كما في صحيح الترغيب والترهيب (545) وكذلك الوادعي في صحيح الجامع الصحيح 2/466، ورواه ابن مهدي أيضاً عن الثوري به كما في الحلية 9/25 وأشار أبو نعيم إلى تفرده بهذا الطريق. غير أن المقدسي أورده في الأحاديث المختارة 2/148 (520) من طريق معاوية بن هشام عن سفيان كذلك بألفاظ مقاربة، وهو محفوظ من طريق شعبة عند أحمد.
وقد جاء ذكر صلاته مع دعائه صلى الله عليه وسلم حين التقاء الصف عند النسائي في الكبرى من طريق حفص بن عمر عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله هو ابن مسعود فقال: “لما التقينا يوم بدر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فما رأيت ناشداً ينشد حقاً له أشد من مناشدة محمد صلى الله عليه وسلم ربه، وهو يقول اللهم إني أنشدك وعدك”، ثم ذكر الدعاء الثابت المشهور، [الكبرى 6/155 (10442)]، وهذا السند جيد غير أن ذكر الصلاة لم يرد عند من ساق حديث ابن مسعود من طريق الأعمش وغيره إلاّ من طريق عمر بن حفص، فلم يرد ذكر الصلاة عند التقاء الصف مع الدعاء إلاّ فيه والله أعلم، وأياً ما كان فقد ورد عند مسلم 3/1404 (1779) من حديث أنس ما يفيد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، ولاشك أن حديث النسائي أوضح من حديث أحمد المستشهد به ومسلم المذكور في الدلالة على المراد إن ثبت فعند التقاء الصف لايتأتى الاعتراض بأنه من جملة النفل المطلق.
(64)     صحيح البخاري 1/54 (115).
(65)     فتح الباري لابن حجر 1/211، وينظر التمهيد 23/449، وشرح الزرقاني 4/342.
(66)     صحيح مسلم 4/1773 (2263).
(67)     رواه أبو داود في السنن 1/311 برقم (1196)، والحاكم في المستدرك 1/483 برقم (1196)، والبيهقي في الكبرى 3/342 برقم (6171)، والضياء في المختارة 7/257 برقم(2705)، ولعله خبر حسن كما قال النووي في الخلاصة 2/865، وضعفه بعض أهل العلم ولعل ذلك بسبب النضر بن عبدالله بن مطر القيسي البصري والد عبيدالله، فقد قال الحافظ في التقريب: “مستور”، ولكن روى عنه غير واحد وذكره ابن حبان في الثقات (تهذيب الكمال 29/387)، ووثقه الذهبي (الكاشف 2/321)، أما الحاكم فلا يظهر من صنيعه وتعليقه على حديثه ووصفه بأنه على الشرط توثيق للنضر فقد ظنه النضر بن أنس بن مالك، ولعله قد أخطأ رحمه الله فجده هنا جده لأمه قيس بن عباد رضي الله عنه والحديث حديث آخر. ومثل هذا الأثر صالح للاعتبار فهو من باب الأخبار، والراوي له أقرب للقبول، ولعل القرآئن تشهد له، ولم يثبت ما يخالفه، والله أعلم.
(68)     رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/219 (8318)، 7/322 (36499)، والسند صالح إن شاء الله، وقد جاء عن ابن مسعود من طريق لايحتج بها [ينظر السنن الكبرى للبيهقي 3/343 (6173)]، وروي مرفوع أيضاً [ينظر الكامل لابن عدي 2/404]، والصواب وقفه على علقمة كما ذكر ابن رجب في فتح الباري له 6/328. ولكن روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يفيد تركه للصلاة في بعض تلك الحال، فقد روى الإمام أحمد بسند جيد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئاً من أفق من آفاق السماء ترك عمله وإن كان في صلاته ثم يقول: “اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه، فإن كشفه الله حمد الله، وإن مطرت قال: اللهم صيبا نافعاً” 6/190، وقد صححه الألباني كما في صحيح ابن ماجة (3137).
(69)     أثر ابن عباس أورده ابن جرير في تفسير 1/260، ورواه كذلك البيهقي في شعب الإيمان 7/114، وانظر الآحاد والمثاني 1/294، وقد حسن ابن حجر إسناد ابن جرير في الفتح 3/172.
(70)     الفروع لابن مفلح 2/285.
(71)     ذكره ابن حزم في المحلى عن قتادة 5/99، ورواه مرسلاً عن قتادة كذلك عبدالرزاق في مصنفه 2/102 (4930)، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 3/325 (6110) فساقه بسنده إلى قتادة عن عزرة عن الحسن العرني أن حذيفة صلى بالمدائن مثل صلاة ابن عباس في الكسوف، وظاهر السند الاستقامة فهو من رواية عبدالوهاب بن عطاء الخفاف عن سعيد بن أبي عروبة، وعطاء روى عن سعيد قديماً أي قبل الاختلاط [ينظر تاريخ بغداد 11/23]، وسعيد أثبت الناس في قتادة [ينظر سير أعلام النبلاء 6/414، وتهذيب التهذيب 4/57، والجرح والتعديل 4/65]، وأصح حديثه ما كان عن قتادة، وهذا عن قتادة عن عزرة والذي يظهر أنه بن عبدالرحمن بن زرارة الخزاعي لأن شيخه الراوي عنه هو الحسن العرني والآخران الذين يروي عنهم قتادة لايعرف العرني في مشيختهم، وعزرة بن عبدالرحمن بن زرارة الأعور ثقة بالاتفاق. ولكن علة الأثر إرسال الحسن العرني له فإن الحسن العرني لم يلق حذيفة بل لم يدركه، فقد نص الأئمة كأبي حاتم على أنه لم يدرك علي بن أبي طالب رضي الله عنه (ت: 40) وقد مات علي رضي الله عنه بعد حذيفة بأربع سنين، بل لم يسمع العرني شيئاً من ابن عباس -رضي الله عنهما- الذي وافته المنية بعد حذيفة باثنتين وثلاثين سنة، وقد نص على عدم سماعه منه الإمام أحمد. [ينظر ميزان الاعتدال 8/78، الجرح والتعديل 3/45، المراسيل لابن أبي حاتم 1/46 وغيرها]، والحسن العرني في سن أبي المعلى العطار (ت:132) قاله أبو المعلى كما في سؤالات الآجري لأبي داود. وعلى هذا فالأثر مرسل عن حذيفة. وقد جاء أثر آخر عن حذيفة يرفعه في صلاة الكسوف بنحو هذا من رواية قتادة عن عطاء عن حذيفة وهو ذكره ابن الأثير في ترجمة عبيد بن عمير عن الثقة من الصحابة، وهو ضعيف مرسل من عطاء، كما أنه نص على أن ذلك في الكسوف، وقد خالفهم الأثبت والأوثق في روايات أحاديث الكسوف.
(72)     السنن الكبرى 3/325 (6110) وقد مضى الكلام عليه.
(73)     الأم 7/177، ووقع في المطبوع: أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي، قال: أخبرنا عباد، عن عاصم الأحول، عن قزعة عن علي، ثم ذكر الأثر، غير أن البيهقي رواه في السنن الكبر[3/343 (6174)]، فقال: أخبرنا أبوسعيد بن أبي عمرو، ثنا أبو العباس، أنبأ الربيع، قال: قال الشافعي بلاغاً عن عباد عن عاصم الأحول وذكره إلى آخره. قال النووي في المجموع (5/61) :” وهذا الأثر عن علي ليس بثابت”، ولعل ذلك لكونه بلاغاً من الشافعي، كما أن رواية قزعة عن علي غير معروفة، بل لعلها لم تؤثر إلاّ في هذا البلاغ.
(74)     رواه عبدالله عن الإمام أحمد في المسند 6/76، وابن أبي شيبة في مصنفه 7/322 (36498)، وإسحق بن راهويه في مسنده 3/608 (1179)، (1180)، وابن حبان في صحيحه 7/70 (2830)، والنسائي في السنن الكبرى 1/185 (503)، 1/570، والطحاوي في شرح مشكل الآثار 1/328، وابن الأثير في ترجمة عبيد بن عمير عن الثقة! وابن عبدالبر في التمهيد 3/308، ورواه غيرهم، وقد اختلف بين رفعه ووقفه، ورجح ابن رجب في الفتح 6/326 وقفه على عائشة. أما من رواه مرفوعاً فهم جمع من ثلاث طرق المشهور منها الأول، وهي:
–    (1) طريق معاذ ابن هشام حدثني أبي عن قتادة عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة مرفوعاً [صحيح ابن حبان 7/70، السنن الكبرى 1/185، 1/580، مسند إسحاق 3/608، ابن حزم في المحلى 5/100، وأشار إليها ابن الأثير في أسد الغابة].
–    (2) طريق الإمام أحمد قال ثنا عبدالصمد ثنا حماد ثنا قتادة عن عطاء عن عبيد عن عائشة مرفوعاً [المسند 6/76].
–    (3) طريق ذكرها ابن الأثير في ترجمة عبيد بن عمير عن الثقة فقال روى أحمد بن حفص عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن حجاج بن الحجاج عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير قال حدثني الثقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في صلاة الآيات ست ركعات وأربع سجدات.
وفي هذه الطرق الثلاث اختلف الرواة كذلك فمنهم من ذكره قولاً للنبي صلى الله عليه وسلم كما عند ابن حبان عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “صلاة الآيات ست ركعات وأربع سجدات”، ومنهم -وهم البقية- جعلوه وصفا لفعله صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في صلاة الآيات، غير أن طريق ابن طهمان عن حجاج عن قتادة التي ذكرها ابن الأثير لم يسم فيه عائشة بل قال حدثني الثقة، وذكر كذلك طريقاً أخرى يرويها حجاج عن قتادة عن عطاء عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف فذكره بنحو حديث عائشة.
أما من رواه موقوفاً فقد رواه أربعة هم: (1) وكيع [مسند إسحق 3/608، مصنف ابن أبي شيبة 7/322، محلى ابن حزم 5/99]، (2) ويحيى بن سعيد [سنن النسائي الكبرى 1/185، محلى ابن حزم 5/99]، (3) ومسلم بن إبراهيم [شرح معاني الآثار 1/328]، (4) وأبو داود الطيالسي [التمهيد 3/308].
أما المرفوع فأصح طرقه وأكثرها طريق معاذ بن هشام عن أبيه وقد رواه قولاً كما رواه فعلاً تصفه عائشة رضي الله عنها، ووقع عند النسائي في الكبرى 1/570 (1855): “قلت لمعاذ: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لاشك ولامرية”، ولعل القائل إسحق بن راهويه الذي روى عنه النسائي الحديث. فإن صح أن أثر ابن طهمان عن حجاج عن عطاء عن قتادة وأثر عبدالصمد ثنا حماد ثنا قتادة وتبين أنهما محفوظان فيشهدان حينها لرفع معاذ، ويبقى التردد بعدها هل أخطأ هؤلاء أم أن الرفع والوقف قد يكون من قتادة فمن فوقه؟ الأول أظهر، لأن الأربعة الذين رووه عن هشام عن قتادة موقوفاً أوثق وطريقهم أثبت. إلاّ أن يقال حدث به قتادة هشاماً مرة موقوفاً ومرة مرفوعاً من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرة مرفوعاً من وصف عائشة رضي الله عنها لفعله، فحدث هشام ابنه بالمرفوع من وصف الفعل، وحدث زيد بن أخزم [الراوي عنه عند ابن حبان] بالمرفوع من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث الأوثق فيه والألزم به من الرواة عنه بالموقوف وهذا بعيد، ولهذا رجح ابن رجب وقفه.
ثم إن هذا الأثر سواءً أكان مرفوعاً أم موقفاً له علة تضعفه وهي تفرد قتادة به عن عطاء بن أبي رباح، مع أنه لا يعد قتادة في كبار طلاب عطاء على كثرتهم ولا من أقدمهم، بل قال ابن عبدالبر: “وسماع قتادة عندهم من عطاء غير صحيح، وقتادة إذا لم يقل سمعت وخولف في نقله فلا تقوم به حجة، لأنه يدلس كثيراً عمن لم يسمع منه، وربما كان بينهما غير ثقة، وليس مثل هذه الأسانيد يعارض بها حديث عروة وعمرة عن عائشة، ولا حديث عطاء بن يسار عن ابن عباس، لأنها من الآثار التي لا مطعن لأحد فيها” [التمهيد 3/307]، ويقصد بالآثار الأخرى ما ثبت عن ابن عباس وعائشة في صفة صلاة الكسوف مخالفاً لهذه الصفة المروية، ولا شك أن هذه الصفة المروية تدخل فيها صلاة الكسوف وخاصة مع تصريح جل من رفعه بما مفاده أن الحديث يصف فعله صلى الله عليه وسلم، ولم يحفظ فعله إلاّ في صلاة الكسوف. أما قول ابن عبدالبر “سماع قتادة عندهم غير صحيح”، فلعله يعني هذا الأثر ونحوه في الكسوف ولا ينفي مطلق سماعه من عطاء، فقتادة يروي عن عطاء تارة بواسطة وقد وقعت في مسلم رواية قتادة عن بديل بن ميسرة عن عطاء، كما وقعت في الصحيحين روايته عن عطاء بغير واسطة، وقد صرح قتادة بالسماع من عطاء في مواطن لا تخفى على مثل الحافظ أبو عمر [ينظر صحيح ابن حبان 11/531 (5129)، ومسند أحمد 3/297، ومسند إسحق 1/165 (111)، بل صحيح البخاري 3/1457 (3665)]، فلعله سمع أشياء ولم يسمع أخرى ومنها هذا الحديث فنبه الحفاظ عليه.
ومن علل هذا الأثر أيضاً أن عبيد بن عمير رواه عن عائشة قال الشافعي: “هو من وجه منقطع” [الأم 8/639]، قال البيهقي: “وإنما أراد الشافعي بالمنقطع حديث عبيد بن عمير حيث قاله عن عائشة رضي الله عنها بالتوهم” [السنن الكبرى 3/328 (6117)]، وتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي على سنن البيهقي [3/328] فقال: “هذان حديثان صحيحان أودعهما مسلم صحيحه فكيف يسميان منقطعاً وغلطاً وقطع البيهقي ههنا عن الشافعي أنه أرادهما وفى كتاب المعرفة علق ذلك بالظن والحسبان فقال: أظنه أراد بالمنقطع كذا وأحسبه أراد بالغلط كذا فذكر الحديثين وهذه العبارة أقرب ثم قول البيهقي: (قاله عن عائشة بالتوهم) عجيب! فإن البيهقي أورد هذا الحديث فيما تقدم ولفظه (حدثني من أصدق يريد عائشة) ولا توهم في هذا، ولفظ مسلم ظننت أنه يريد عائشة وفى لفظ آخر له حسبته يريد عائشة، وحسبته بمعنى ظننته والظن هو الطرف الراجح من طرفي الحكم إذا لم يكن جازما، والوهم هو المرجوح منهما على ما عرف في أصول الفقه، فالظن قسيم للوهم فكيف يُجعل بمعناه وعلى تقدير تسليم ذلك قد تقدم أن مسلما أخرجه من وجه آخر عن قتادة عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة بلا شك ولا مرية وقال البيهقي هناك (قتادة لم يشك في أنه عن عائشة) فهذه رواية صحيحة متصلة لا شك فيها فكيف يجعل الحديث منقطعاً”، ولعل كلام البيهقي أرجح وهو أرسخ قدماً في هذا الشأن، وحجة ابن التركماني تدور على أمرين الأول: أن مسلما أخرجه، وأن قول بعض الرواة حسبته يريد عائشة يقضي بترجيحه أن المحدث عنه عائشة رضي الله عنها، ثم استدل لذلك بالرواية المعنعنة المتهمة ابتداءً. فكلام البيهقي يشير إلى أن رواية قتادة عن عطاء عن عبيد عن عائشة منقطعة بين عبيد وعائشة بينهما شخص لم يسم هو الذي أشارت إليه رواية ابن جريج التي قال فيها عبيد حدثني الثقة، أما كون مسلم أخرج رواية ابن جريج فصحيح وذاك في صحيحه 2/620 (901)، ولكن مسلماً لم يخرجها في أصل الباب بل في الشواهد، ومالم يكن في الأصول فإنهم ربما تجاوزا فيه إذ ليس غرضهم الاعتماد عليه بل الاعتضاد ببعضه، ثم إنه إذا انتقد إمامٌ حرفاً في مسلم فليس جواباً سديداً عليه أن نقول الحجة في نقض اعتراضكم لحديث مسلم أنه أخرجه مسلم! والحال أنه مما لم يقع الإجماع عليه. أما تعجبه من إخراج البيهقي له ونقله قول الراوي عنه يريد عائشة فليس محل عجب، فلا يشترط أن يقبل البيهقي اجتهاد من روى عن ابن عمير طالما أن القرائن اقتضت خطأه عنده وأعني بالقرائن هنا الآثار المروية المحفوظة عن عائشة رضي الله عنها بالطرق الأخرى في صفة الصلاة، وهنا عبيد بن عمير لم يصرح بالسماع من عائشة وصرح بالسماع من ثقة عنده لم يسمه، ثم إن الروايات الأخرى المحفوظة والتي أثبتها مسلم أثبتت عدم جزم الراوي عنه بذلك بدليل قوله حسبته أو ظننته يريد عائشة [كما عند ابن خزيمة في صحيحه 2/316]، أما زعم ابن التركماني بأنه لاتوهم في هذا اللفظ احتجاجاً بما اصطلح عليه الأصوليون في تعريف الوهم والظن والشك فلا يسلم، بل الأولى حمل الكلام على العرف اللغوي الذي نطق به أولئك قبل أن يصطلح الأصوليون من بعدهم على معان عرفوها، وقد نص أهل اللغة على أن الظن معنيين مختلفين؛ يقين وشك، وهنا أراد الشك بدليل قوله حسبته في الرواية الأخرى، فيقال ظننت الشيء إذا لم تتيقنه، ومن ذلك الظنة التهمة، وقالوا في وهم منه قياس التهمة [ينظر معجم مقاييس اللغة مادة ظن و وهم]، فالأصل اللغوي يبين أن لا غضاضة في كلام البيهقي والحمد لله.
وقد علق النووي على قول الراوي “حدثني من أصدق حسبته يريد عائشة” بقوله: “هكذا هو في نسخ بلادنا وكذا نقله القاضي عن الجمهور، وعن بعض رواتهم من أصدق حديثه يريد عائشة ومعنى اللفظين متغاير فعلى رواية الجمهور له حكم المرسل إن قلنا بمذهب الجمهور؛ أخبرني الثقة ليس بحجة” [شرح النووي على صحيح مسلم 6/204-205] فانظر كيف جعل قوله: حدثني من أصدق، حسبته يريد عائشة كقول القائل حدثني من أصدق عن شخص كأنه عائشة، لأن الضمير في حسبته يعود على أقرب مذكور وهو من يصدق، ومن يصدق هذا هو الذي يريد عائشة، ودليل ذلك في كلام النووي أن عائشة ترفع الأثر المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل روايته عن من يصدق مرسلة لأنها رواية عن مجهول، ولو لم تكن مرسلة عنده ما صح أن يصفها بالمرسلة لأن الحديث المعني ترفعه عائشة، ثم إن عبيد بن عمير لو قال: حدثتني من أصدق حديثها لكان في تأنيث الكلام ما يقوي حجة أولئك، ولكن جاء ظاهر كلامه بما يخالف مرادهم، ويفيد بأنه روى الرواية الأخرى عن أحد هو ثقة عنده عن عائشة، ولهذا لم يصرح في شيء من طرق الحديث إلى عائشة أبداً بالتحديث، أما وهي عنعنة فاتهامها بالانقطاع لتصريحه في رواية ابن جريج بأنه سمع من آخر ثقة عنده يعلها، والقول بأنه هذه حادثة وتلك حادثة أخرى بعيد لكون أغلب الروايات في الكسوف إما أن يكون مخرجها واحد، أو قصتها موت إبراهيم رضي الله عنه، ولهذا نص جماعة من الحفاظ على أن صلاة الكسوف لم تقع إلاّ مرة واحدة [نيل الأوطار 3/394]، وذكر الإمام ابن القيم نحواً منه عن كبار الأئمة، [وينظر زاد المعاد 1/453]. ولهذا قال ابن القيم معلقاً على كلام البيهقي في شرحه الانقطاع الذي أشار إليه الشافعي: “فعطاء إنما أسنده عن عائشة بالظن والحسبان لا باليقين، وكيف يكون ذلك محفوظاً عن عائشة وقد ثبت عن عروة وعمرة عن عائشة خلافه، وعروة وعمرة أخص بعائشة وألزم لها من عبيد بن عمير، وهما اثنان فروايتهما أولى أن تكون هي المحفوظة” [زاد المعاد 1/453].
والخلاصة لعل في تصحيح الأثر نظراً، وقد قال البخاري رحمه الله: “أصح الروايات عندي في صلاة الكسوف أربع ركعات في أربع سجدات” [علل الترمذي 1/97، والسنن الصغرى للنسائي 1/418 (742)، والكبرى للبيهقي 3/328].
(75)     رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/220 (8333)، وبنحوه عبدالرزاق في مصنفه 3/102 (4931)، ومن طريق عبدالرزاق رواه البيهقي في السنن الكبرى 3/343 (6175)، ورواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار 1/328، وذكره ابن حزم في المحلى 5/99، وابن المنذر في الأوسط (2848)، (2849)، (2853)، وابن عبدالبر في التمهيد 3/318 وفي الاستذكار 2/418 غير أن قتادة شيخ حماد سقط. والأثر من طريق عبدالله بن الحارث عن ابن عباس، وقد رواه عن عبدالله بن الحارث خالد الحذاء، وعاصم الأحول، وقتادة بن دعامة. واختلفوا فذكر خالد أن القراءة كانت في الأولى من كل ركعة، وذكر عاصم أنه قرأ ما بين كل ركعتين، ورواية قتادة تشهد لعاصم، إلاّ أنه في طريق حماد بن سلمة عن قتادة ذكر الأثر فقال: “فقام بالناس فصلى مثل صلاة الكسوف”، والمحفوظ في صفتها خلاف أثر عاصم وخالد، أما في رواية همام بن يحيى ومعمر بن الراشد عن قتادة فجاء وصف الصلاة بتفصيل الست ركعات والأربع سجدات، وهذا يخالف المحفوظ في صفة صلاة الكسوف عن ابن عباس كما قال الأئمة. ثم إن قتادة قال في حديثه: قال ابن عباس: هكذا صلاة الآيات، ولم يتابعه عليها عاصم الأحول و خالد الحذاء، بينما روى حماد عنه عن عبدالله بن الحارث عن ابن عباس أنه صلى بالناس مثل صلاة الكسوف، قال الشوكاني في النيل: ” وحكى النووي عن ابن عبد البر أنه قال : أصح ما في الباب ركوعان، وما خالف ذلك فمعلل أو ضعيف، وكذا قال البيهقي ونقل صاحب الهدي عن الشافعي وأحمد والبخاري أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطا من بعض الرواة؛ لأن أكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض. ويجمعها أن ذلك كان يوم موت إبراهيم، وإذا اتحدت القصة تعين الأخذ بالراجح، ولا شك أن أحاديث الركوعين أصح”، ثم قال: ” والحق إن صح تعدد الواقعة أن الأحاديث المشتملة على الزيادة الخارجة من مخرج صحيح يتعين الأخذ بها لعدم منافاتها للمزيد، وإن كانت الواقعة ليست إلا مرة واحدة فالمصير إلى الترجيح أمر لا بد منه، وأحاديث الركوعين أرجح”، [نيل الأوطار 3/389-390]، وقول البخاري في علل الترمذي 1/97، وفي سؤالات أبي داود 1/160 :”سمعت أحمد وذكر حديث ابن عباس في صلاة الكسوف أن عبدالرحمن قال كذا وكذا ركعة فيه، وكان وكيع يخالفه، فعرض عليه، يعني على وكيع بعد ذلك فرجع عنه، صار إلى ما قال عبدالرحمن”، وهذا يشير إلى أن في الأثر شيئاً، وقد ذهب أبو محمد بن حزم إلى التفريق بين الكسوف والزلزلة فقال: “وإن شاء صلى لكسوف الشمس خاصة ركعتين في كل ركعة أربع ركعات” [المحلى 3/314]، وهذا لايستقيم إلاّ عند من صحح الروايات عن ابن عباس في صلاة الكسوف جميعاً، بحملها على تعدد الحادثة، وعند من قرر بعد ذلك فلا يستقيم هذا الجمع لأنه يخالف ما رواه قتادة من قول ابن عباس: هكذا صلاة الآيات، والكسوف آية بالنص الذي لامرية فيه، فضلاً عن مخالفته رواية حماد عنه: فصلى مثل صلاة الكسوف.
وقد روى قتادة عن يعلى عن سعيد بن جبير أن ابن عباس قرأ في الأولى البقرة وفي الثانية آل عمران، غير أن ابن المنذر رواه في الأوسط (2839) من طريق همام ثنا يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير بنحوه وقال في آخره: ولو انجلت الشمس في الركعة الرابعة لركع ولم ينتظر الركعتين الآخرتين. فتبين بذلك أن أثر سعيد بن جبير عن ابن عباس في الكسوف.
(76)     الأم للشافعي 8/639.
(77)     قيل لابن عباس بعد صلاة الصبح: ماتت فلانة، لبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فسجد، فقيل له أتسجد هذه الساعة؟ فقال: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيتم آية فاسجدوا! فأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟”، رواه الترمذي في سننه 5/707 (3891)، وأبو داود 1/311 (1197)، والبيهقي في الكبرى 3/343 (6172)، وذكره البخاري في التاريخ الكبير 4/158 (2317)، والطبراني في المعجم الكبير 11/242 (11618) من طريق إسحق بن راهويه، وأشار إلى طرق له ابن الجوزي في العلل المتناهية 1/473، وكذلك المزي في تهذيب الكمال 11/214 ومابعدها (2425) ترجمة سلم بن جعفر، وانظر المجروحين 1/114 (28) ترجمة إبراهيم بن أبان، وقد قال ابن الجوزي: “هذا الحديث لايصح” (العلل المتناهية 1/473)، وضعفه كذلك ابن طاهر المقدسي في معرفة التذكرة 1/90، وحجة هؤلاء رواية إبراهيم بن الحكم له عن أبيه الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس، وإبراهيم ابن الحكم لايحتج به، ومن رواه عن أبيه غيره كذلك لايحتج بهم كحفص بن عمر العدني، وخالد بن يزيد العمري، قال ابن الجوزي: “فأما حفص فقال النسائي ليس بثقة، وأما خالد بن يزيد فقال يحيى: هو كذاب”، وقال ابن حبان بعد أن ذكر إبراهيم بن الحكم بن أبان وأبان ضعفه: “وقد روى هذا الحديث عن الحكم بن أبان حفص بن عمر العدني، وخالد بن يزيد العمري وهما ضعيفان واهيان أيضاً”، إلاّ أن بعضهم حسنه كالنووي في الخلاصة 2/866، والألباني في غير موضع [ينظر صحيح أبي داود (1057)]، ولعل حجتهم مجيئه من طريق يحيى بن كثير العنبري عن سلم بن جعفر عن الحكم عن عكرمة عن ابن عباس، كما عند أبي داود والترمذي، وقد علق المزي على عبارة الترمذي إثره: “حسن غريب لانعرفه إلاّ من هذا الوجه” فقال: “إن أراد لا نعرفه إلاّ من روية الحكم بن أبان عن عكرمة فهو صحيح، وإن أراد لايعرفه إلاّ من رواية يحيى بن كثير عن سلم بن جعفر عن الحكم بن أبان ففيه نظر، لأن إسحق بن راهويه قد رواه عن إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه”، والأثر من هذه الطريق ظاهر سنده القبول، غير أنه تفرد به الحكم بن أبان عن عكرمة، على كثرة تلاميذ هذا الأخير. وقد قال البيهقي: “وذلك يرجع إلى ما استحبه الشافعي من الصلاة على انفراد”، [معرفة السنن والآثار (2050)].
(78)     انظر المجموع شرح المهذب 5/59.
(79)     الغرر البهية شرح البهجة الوردية لشيخ الإسلام زكريا بن محمد الأنصاري 2/59.
(80)     الأم 8/640.
(81)     صحيح البخاري (3202)، ومسلم (907).
(82)     صحيح البخاري (1058).
(83)     المغني لابن قدامة 2/146-147.
(84)     ينظر تبين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي 1/230.
(85)     ينظر الفروع لابن مفلح 2/156.
(86)     الموسوعة الفقهية 20/169.
(87)     الفروع لابن مفلح 2/43، وقد ذكر كثير من الشافعية أنها عذر في ترك الجماعة.
(88)     منهاج السنة 5/446.

(المصدر: موقع المسلم)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى