تقارير وإضاءات

الخلافة والدستور بين أتاتورك وأردوغان: نموذج أردوغان

وبعد أن تحدثنا في المقال السابق الذي نُشر على موقعنا يوم أمس عن نموذج أتاتورك في الخلافة والدستور، وجنايته في حق الأمّة، سنتحدث هنا عن نموذج أردوغان في الحكم والسياسة والتعديلات الدستورية المُرتقبة، لنجيب على تساؤل البعض: هل يسعى حقًا أردوغان للتخلص من نموذج أتاتورك؟

ركائز أتاتورك ما زالت تسيطر على الدستور التركي

وبعد مرور ثلاثة وتسعين عاما على دستور مصطفى كمال، ورغم إدخال تعديلات عليه من فترة لأخرى، بل واستبداله بدستور 1961م بعد الانقلاب العسكري على رئيس الوزراء عدنان مندريس، ثم بدستور 1982م بعد الانقلاب العسكري الذي قاده اللواء كنعان إيفرين، ما زال الدستور التركي، ورغم التعديلات المدرجة لغاية 2011م، لم يخرج قط عن روحه وركائزه التي أسسه عليها مصطفى كمال.

ومؤخرا صوَّت البرلمان التركي في شهر يناير 2017م لصالح حزمة تعديلات دستورية تَقَدَّم بها حزب العدالة والتنمية، وستُعرض التعديلات التي صادق عليها البرلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاستفتاء شعبي في أواسط شهر أبريل 2017م. وإذا حصل مشروع التعديل على أغلبية في الاستفتاء الشعبي فسيتم اعتماد التعديلات في الدستور.

ويتضَمَّن مشروع التعديلات الدستورية تسعة عشر بندا، إلا أني لا أرى إلا بندا واحدا يستحق الذكر وهو إلغاء منصب رئيس الوزراء! وبهذا الإلغاء ستنتقل بداهة كل صلاحيات رئيس الوزراء لرئيس الدولة، وهذا ما تطرقَتْ له عدد من البنود الأخرى لمسودة التعديلات الدستورية. فيصبح مثلا تعيين الوزراء منوطا بالرئيس، وكذلك إعلان حالة الطوارئ، وينفرد الرئيس بقيادة السلطة التنفيذية بعدما كان يقتسمها مع مجلس الوزراء، ويصبح كذلك من حق الرئيس تعيين نصف أعضاء المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين.

وكما كان من حق البرلمان (الجمعية الوطنية الكبرى) مراقبة رئيس الوزراء، فسيكون من حقه حسب مسودة التعديل الجديدة مراقبة ومحاسبة رئيس الدولة وفتح تحقيق معه إذا صوت ثلاثة أخماس أعضاء البرلمان لصالح طلب فتح التحقيق بسبب تهمة موجهة للرئيس.

فهل تحمل هذه التعديلات الدستورية الجديدة تغييرا حقيقيا لنوع نظام الحكم في تركيا؟

أرى أنَّ الضجة الكبيرة التي صاحبت وتصاحب مشروع التعديلات الدستورية مُبالَغ فيها ولا تتناسب وحجم ونوع التغييرات الفعلية الذي ستحققه. فالتغييرات المُزمع إدخالها لا تلمس نظام الحكم في الدولة التركية، فالنظام سيبقى جمهوريا، أي أن السيادة للشعب، فله حق التشريع (وضع قوانين) من خلال الهيئات المنوط بها ذلك (البرلمان)، حسب المبادئ المنصوص عليها في الدستور والتي تنص صراحة على إبعاد الدين عن التشريع وشؤون الدولة، فلا يجوز استنباط القوانين من القرآن والسُّنة.

فالذي سيتغير هو إلغاء منصب وزير الوزراء ومن ثم انتقال صلاحياته إلى رئيس الدولة، وهذا النوع من الجمهورية يُسمى في الاصطلاح السياسي “جمهورية رئاسية”، ومقابله “الجمهورية البرلمانية” التي يتولى فيها المجلس الوزاري تحت قيادة رئيس الوزراء الحكم في الدولة.

وعليه فقد صدق السياسيون والأحزاب الذين تبنوا مشروع التعديلات الدستورية الجديدة في تركيا، حيث قالوا إنها لا تهدف لتغيير السمات الأساسية للنظام الجمهوري، وإنما إعادة النظر في النظام الحكومي، وليس في النظام الجمهوري!

جمهورية ديمقراطية علمانية

فمن ناحية عملية إدارية، لا شك أن النظام الرئاسي أحسن فعالية، إذ يقلع المحاصصات الحزبية التي طالما تعرقل تشكيل الحكومة، فتَحْت النظام الرئاسي لا تصبح هناك حاجة لائتلافات حزبية لتشكيل الحكومة، وبالتالي يحقق النظام الرئاسي استقرارا حكوميا، كما أن مسطرة وإجراءات إتخاذ القرارات تصبح أقل تعقيدا بجعلها مركزة في الرئيس، إلا أن قرارات الرئيس لن تخرج عن الإطار القانوني والعقائدي الذي يحدده الدستور الجمهوري العلماني.

ومن هنا فالدولة التركية ستبقى حتى بعد التعديلات المقترحة دولة في الصورة التي حددتها المادة الثانية من الدستور: [جمهورية ديمقراطية علمانية اجتماعية، تقوم على سيادة القانون؛ في حدود مفاهيم السلم والعلم والتضامن الوطني والعدالة، مع احترام حقوق الإنسان، والولاء لقومية أتاتورك، وتقوم على المبادئ الأساسية الواردة في الديباجة] (ا.هـ).

المشاعر الدينية المقدسة لا تُضمَّن في شؤون الدولة وسياستها

ومن المبادئ التي تضَمَّنتها الديباجة: [الدستور متوافق مع مفهوم الوطنية الذي طرحه مؤسس جمهورية تركيا، أتاتورك، القائد الخالد والبطل الفذ، ومع إصلاحاته ومبادئه… والسيادة المطلقة لإرادة الأمة، وحقيقة أنَّ السيادة معهودة كلية ودون شرط بالأمة التركية، وأنه لا ينبغي لأي فرد أو هيئة مفوضة بممارسة هذه السيادة باسم الأمة أن تحيد عن الديمقراطية الحرة المشار إليها في هذا الدستور والنظام القانوني المؤسّس بموجب متطلباته… وأنه لا تُمنح أي حماية لنشاط يُضاد المصالح الوطنية التركية، والوجود التركي، ومبدأ عدم قابليتها للانقسام بدولتها وأراضيها، والقيم التاريخية والأخلاقية التركية؛ وتعني النزعة الوطنية، والمبادئ، والإصلاحات والنزعة الحضارية لدى أتاتورك وأن المشاعر الدينية المقدسة لا تُضمَّن في شؤون الدولة وسياستها كما يَشْتَرط مبدأ العلمانية] (ا.هـ).

فأهم ما سيحققه مشروع التعديلات الدستورية هو توسيع نسبي لسلطة أردوغان (الرئيس التركي) على الصعيد الحكومي، لكن نوعية القرارات والإجراءات التي يمكن للرئيس اتخاذها لن تخرج قط عن السقف الذي حدده دستور مصطفى كمال والذي يحميه الغرب (وعلى رأسه أمريكا) والجيش التركي الذي ما زال يحافظ على هيمنته على القرارات السيادية الاستراتيجية لتركيا!

فالذين يظنون أن أردوغان وحزبه، “العدالة والتنمية”، سيجعلون من تركيا دولة إسلامية، خصوصا بعد التعديلات الدستورية المرتقبة، فهم واهمون ودراويش لا فهم لهم لا في السياسة التي فرضها النظام الدولي ولا في السياسة الشرعية!

هل يريد أردوغان وجماعتُه العملَ من خارج منظومة أتاتورك؟

فلو كان أردوغان وجماعته جادين في رغبتهم في إقامة شرع الله، لسلكوا طريقا غير الطريق الذي هم عليه منذ أكثر من عقد من الزمن! فتغيير نظام دولة لا يتأتى إلا بطريقة انقلابية ثورية وليس بالتدريج. وهذا النوع من التغيير السياسي الثوري الانقلابي يحتاج إلى إيمان راسخ بالمنظومة السياسة التي يريد الثائرون الانقلابيون فَرْضها، وتكون عندهم الجرأة والشجاعة وقدر من المغامرة لمحاولة إقامتها (أي المنظومة السياسة)، ويفكرون ويعملون من خارج المنظومة التي يريدون إزالتها.

لكن حقيقة أردوغان وحزب “العدالة والتنمية” أنهم يؤمنون بالعلمانية وليس بالإسلام كنظام حكم! فإسلامهم إسلام صوفي درويشي! ومن السذاجة والجهل بأبجديات الدين الإسلامي اعتبار فتح تركيا مجالا من الحرية لممارسة بعض الشعائر الإسلامية كلباس الحجاب وبناء المساجد، مقياسا للإيمان بالإسلام كنظام حكم واجب الاتباع والتنفيذ، فليس ثمة ذرة من إيمان بوجوب العمل بقول الله:

{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)}(المائدة)، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}(المائدة)، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)}(المائدة)، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36)}(الأحزاب)، {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً (23)}(الجن)، {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14)}(النساء)، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}(النساء)، {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (40)}(يوسف)، {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)}(الحج)، …

هل تركيا هي المتحكم الوحيد في قراراتها؟

وحقيقة أردوغان وحزب “العدالة والتنمية” أنهم، كما فعل مصطفى كمال وزمرته، يعتمدون على الغرب في ترسيخ سلطتهم في تركيا وفِي بناء اقتصادها، ولذلك تجد تركيا تخضع كليا للإرادة الأمريكية رغم أن الأخيرة تستغل تركيا لخدمة مصالحها وتنهج سياسات ضد تركيا وعلى رأسها استخدام ورقة الكرد ومساندة جماعاتهم الإرهابية. وتهرول تركيا وراء الاتحاد الأوروبي وتحاول الانضمام إليه، وغيرت من أجل ذلك عديدا من القوانين استجابة لطلباته، رغم التعامل المتكبر المتعجرف للأوروبيين اتجاه تركيا.

كما تحاول تركيا تعويض قلة السند الأوروبي والأمريكي بالارتماء في أحضان روسيا أيضاً! والمصيبة ليس في كون تركيا تكون لها علاقات مع الغرب والشرق، ولكن أن تكون تلك العلاقات مبنية على ولاء عقائدي وسياسي للغرب، بحيث تصطف تركيا في خندق الغرب ضد الإسلام والأمة الإسلامية، وتجعل تركيا وجودها ومصيرها متعلق بالغرب ومرتبط به! فليس عند الساسة الأتراك وعلى رأسهم أردوغان ثمة ذرة بوجوب العمل بقول الله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)}(المائدة).

ومن ثم فمن السذاجة والجهل بأبجديات السياسة الشرعية وسياسات النظام الدولي الظن أن تركيا-أردوغان يمكنهم اتخاذ أي قرارات لا يوافق عليها الغرب، أو على الأقل لا يتغاضى عنها الطرف!

هل ألزم أردوغان وحزبُه أنفسهم بإقامة الشريعة؟

ومع أن أردوغان وحزبه لم يدَّعوا أبداً أنهم يسعون لإقامة الشريعة الإسلامية بل يؤكدون ليل نهار بعظمة منهجهم العلماني “المتفتح” بحيث يسمح حتى للمسلمين بممارسة شعائرهم الدينية، تجد المسلمين العرب يُسَوِّغون ويبررون ليل نهار لأردوغان الحكم بغير ما أنزل الله، ويعتبرون السبيل الذي اختاره أردوغان نوعا من التدرج لإقامة شريعة الإسلام في يوم من الأيام.

ويسوغ المشايخ العرب الحكم بغير ما أنزل الله على أنه ضرورة لأن الشعوب المسلمة غير مؤهلة لقبول التحاكم لشريعة الإسلام، ولأن الغرب لا يقبل بأن يقيم المسلمون دولة إسلامية! وكل هذه التبريرات إنما هي تسويغات شيطانية ما أنزل الله بها من سلطان، وهي تعكس في الحقيقة العلمانية المتجذرة في نفوس وعقول هؤلاء المشايخ المسلمين، وانعدام الإيمان عندهم بوجوب العمل بالوحي المتعلق بالحاكمية والولاء والبراء، فالله يقول:

{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}(النساء)، والله يقول: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14)}(الحجرات)، فالإيمان المطلوب هو الذي يؤدي للعمل بما جاء به الرسول (وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ)!

فهؤلاء المشايخ ينسبون عجزهم هم وضعف إيمانهم وعدم تعظيمهم لشرع الله إلى الشعوب المسلمة، يقولون عنها أنها غير مستعدة لحكم الشريعة!

كيف فرض أتاتورك شريعته العلمانية على أمّة مسلمة؟

وحتى لو صدقنا جدلا هذا الهراء، فلننظر لمصطفى كمال كيف تعامل مع أمةٍ لم تكن فعلا مؤهلة ولا راضية بأحكام الكفر! فمصطفى كمال استطاع بين ليلة وضحاها تغيير نظام حكمٍ (الخلافة) كان متجذرا لمئات السنين في تركيا وبلاد الإسلام الواسعة وليس لعشرات السنين فحسب كما هو حال العلمانية اليوم في العالم الإسلامي!

مصطفى كمال لم يعطي أي اعتبار لكون المسلمين كانوا على عهد وثيق وجد قريب بالإسلام والخلافة، فلم يقل إن الشعب غير مؤهل لتقبل نظام علماني ولم يستشرهم في ذلك، بل وضع بين ليلة وضحاها دستورا علمانيا يمحي الإسلام ويرسخ العلمانية. ومصطفى كمال ألغى بين ليلة وضحاها الأحكام الشرعية المتعلقة بالعقوبات والأحوال الشخصية ووضع بدلها قوانين غربية، فمنع الحجاب وأجبر المسلمات على السفور، وفرض اللباس الغربي حتى على الرجال!

فمصطفى كمال تحدى الأمة الإسلامية قاطبة وفرض بالقوة نظام حكم علماني وقوانين علمانية على المسلمين، وتصدى لكل المعارضين على علمنة الدولة، فقتل خَلْقًا وسجن خَلْقًا آخر وعذب آخرين! ومصطفى كمال لم يَخَفْ من انقلاب الجيش عليه، أو على الأقل جزء منه، لما أقدم على علمنة تركيا!

مصطفى كمال غامر وتحدى الأمة الإسلامية قاطبة بإقدامه على علمنة الدولة، لأنه كان عنده إيمان راسخ بالعلمانية!

هل لدى أردوغان وأتباعه إيمان راسخ بالإسلام كإيمان أتاتورك بالعلمانية؟

ولو كان عند أردوغان وجماعته نفس الإيمان بالإسلام كنظام حكم، وليس كشعائر دينية فحسب، لأقدم على ثورة سياسية في تركيا بوضع دستور إسلامي يزيح النظام الجمهوري ويرسخ نظام الخلافة، ويلغي القوانين “المدنية” الوضعية ويضع بدلها الأحكام الشرعية، ويفك الارتباط الأمني والعسكري بالغرب والناتو!

ولو فعل أردوغان ذلك لوجد نفس الشعب المسلم الذي خرج في 15 يوليو 2016م يخرج ليفديه بنفسه ويذود عنه، لوجد شعبا مسلما مُكَبِّراً رافعا راية “لا إلا الله محمد رسول الله” ملقيا بنفسه أمام الدبابات دفاعا عن الإسلام وليس عن الديمقراطية، ولوجد أردوغان أكثر من مليار مسلم في العالم قاطبة يناصرونه ويذودن عنه ويرفعونه فوق رؤوسهم!

فكيف تجد همةً عند أردوغان وشجاعة ومغامرة في تحدي انقلاب عسكري على حكمه العلماني والتصدي له، لكنه يفتقد للعزيمة في إقامة الإسلام!؟

وأردوغان ومشايخ النفاق والعلمانية، رغم أنهم أكثر الناس تحدثا عن الشعب، تجدهم أكثرهم احتقارا للشعب المسلم واستصغارهم لمدى قدرته على الدفاع عن الإسلام والموت من أجله وتحدي العالم بأكمله من أجل نصرة الإسلام، لو وجد الشعب فقط قائدا يرفع راية الإسلام ويصدق الله!

لكن الحقيقة أن مشايخ النفاق والعلمانية لا يَرغبون في أي شيء يغضب الغرب، فالذي يلونه اهتماما ليس الشعوب المسلمة ولكن الغرب، ولذلك تجدهم (أي مشايخ النفاق والعلمانية) يرددون دائما أن الغرب لا يقبل بتطبيق الشريعة في البلدان الإسلامية، وكأن دين الله سينصره الكفار! فإنه لمن الجهل بالمعلوم من الدين بالضرورة أن يربط المميعة التمكين لدين الله برضى الكفار، فليسألوا الأطفال في الكُتَّاب عن التمكين لدين الله، فسيتلون عليهم مثلا قول الله:

{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ (71)}(المؤمنون)، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)}(الصف)، {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)}(التوبة).

إعداد فاروق الدويس – أمة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى