تقارير وإضاءات

الصكوك السيادية .. وأجندة أسلمة نيجيريا

إعداد إدريس أحمد

تعارضت مصالح المواطنين النيجيريين خلال الأسبوعين الماضيين في وجه الصكوك السيادية التي أصدرتها الحكومة النيجيرية الفدرالية وأطلقها البنك المركزي الوطني في السوق المالية، وهذه الصكوك تقدر قيمتها بـ 100 مليار نايرا (318 مليون دولار). وهذه الصكوك تعتبر هي باكورة إصدارات البلد التي تسعى في مواكبة تطوير البنية التحتية المتآكلة في الدولة. ويسعى البنك المركزي بهذه العملية في تأسيس أداتين ماليتين لتقديم دعم سيولة إلى البنوك التي تتوافق معاملاتها مع الشريعة الإسلامية، وذلك في إطار جهود نيجيريا التي يقطنها أكبر عدد من السكان المسلمين في منطقة أفريقيا لتصبح مركز التمويل الإسلامي في أفريقيا.

وبحسب تعميم البنك المركزي فإنه يسعى للمساعدة في إدارة السيولة وتعزيز النظام المالي، يقدم البنك المركزي أداتين ماليتين جديدتين.. متاحتين للمؤسسات المالية التي لا تتعامل بالفائدة.

وتعتبر هذه الصكوك من نوع صك الاستصناع حسب بيان موقع المركز النيجيري لإدارة المديونات من أجل تعزيز الخدمات المصرفية الإسلامية التي تقدم السيولة بدون فوائد من جهة، وتنويع سبل الدعم الاستثماري لمشاريع الدولة من جهة أخرى[1].

ومع وضوح هذه الأهداف والطرق الممنهجة التي تسلكها الدولة للقيام بهذه المهمة إلا أن الخلاف بين المواطنين من أطياف الدولة المختلفة كانت سيد الموقف، وظهر الانشطار بين الرابطة المسيحية النيجيرية (كان)  من جانب، وموقف الحكومة الفدرالية من جانب آخر.

أجندة أسلمة نيجيريا

استاءت الرابطة المسيحية النيجيرية “كان” من توسع المصرفية الإسلامية في نيجيريا التي لم تزل يقبل عليها الشعب من جميع الأديان والقبائل المتعايشة سلميا في الدولة، وكان أبرز حجة “كان” أن الحكومة الفدرالية النيجيرية برئاسة محمد بخاري تريد تحويل نيجيريا من هويتها الديمقراطية ذات التعددية الدينية حسب الدستور إلى دولة إسلامية.

يقول السكرتير العام للرابط المسيحية (كان) موسى أساكا: “إن الرابطة أبدت اعتراضها على توسيع المصرفية الإسلامية في نيجيريا،،، لكن الحكومة الوطنية بدلا من أن تعزز تطبيق القانون غير أنها تخرقه بدعم المنتجات التمويلية الإسلامية، مما يؤكد أن الحكومة لا تريد إلا تحقيق أجندة أسلمة نيجيريا..”.

وفي إطار ذاته يقول هذا الممثل لرابطة (كان): “إن تداول الحكومة الفدرالية للصكوك الإسلامية الأخير ليس مجرد مخالفة جزء من دستور الدولة، وإنما هو إخلال وانتهاك للدستور برمته، وكل قانون أصدر لتسويغ التعامل بالصكوك، ودعم نظام المصارف الإسلامية في نيجيريا يعتبر انقلابا على الدستور، ومخالفة القانون، وهو غير مقبول”[2].

موقف السلطة من هذه الدعوى

وقد أنكرت الدولة هذا الاعتراض من الرابطة المسيحية في نيجيريا (كان)، واعتبرتها مزاعم ملفقة، وإنما اعتمدت الدولة هذه الصكوك ضمن مساعيها لدعم المصارف الإسلامية، وخلق التنافس الحي بين النظم الاقتصادية والأسواق المحلية الموجودة في البلد.

يقول وزير الثقافة والإعلام النيجيري، الحاج لاي محمد: إن الهدف من إصدار الصكوك الإسلامية ليس تحقيقا لأسلمة نيجيريا بأي حال، وإنما هي محاولة لاستيعاب كل أنظمة التمويل، فإن الصكوك خلافا لجميع السندات التقليدية لا تحتوي على أي فائدة ربوية، وتوفر فرص الاستثمار للمواطنين الذين لا ينخرطون في التعامل الربوي، كما أن أرباحها تشاركية بين الدولة والمستثمرين وكذلك الخسائر.”[3]

الرابطة المسيحية في نيجيريا “كان” وإسلاموفوبيا

كما دافعت اللجنة العليا لشؤون المسلمين في نيجيريا عن كل دعاوي الرابطة المسيحية “كان” أن الصكوك وإن كانت منتجا إسلاميا إلا أنه معترف بها عالميا، استخدمها البنك الدولي، وطبق نظامها عدد من الدول غير الإسلامية في إفريقيا وغيرها، منها بريطانيا وروسيا، ولوكسمبورغ، والصين وغيرها، ومن الدول الإفريقية وهي غير مسلمة، كينيا، وجنوب إفريقيا.. ولا أحد اعتبرها منهم أجندة للأسلمة!

يقول نائب سكرتيرة اللجنة، ثالث شيهو: وإن من المفارقات العجيبة – وهي حقيقة محرجة بالنسبة لـ”كان” – أن أول ولاية في نيجيريا قدمت طلب القرض إلى إدارة البنك الإسلامي التنموي في نيجيريا هنا ولاية يقطنها غالبية المسيحية ، وذلك من الغرب الشرقي في البلد..”. وتساءل لماذا تلجأ “كان” دائما في صد أي محاولة لتحسين وضع المجتمع المسلم في نيجيريا إلى لعبة “أسلمة نيجيريا”؟[4]

بل الواضح المعلوم أن المسلمين في نيجيريا هم أولى بدعوى تحويل نيجيريا إلى بلد مسيحي، فإن المصالح التي تتمتع بها المسيحيون في هذه الدولة أوسع بالمقارنة مع غيرهم. من ذلك أن أيام إجازة الأسبوع وضعت في مصلحة المسيحيين، بينما الدولة تداوم يوم الجمعة رسميا، وأن جميع مستشفيات الدولة وضعت عليها رموز الصلبان وهي تخالف عادات المسلمين.. ونحوها، والمسلمون في جميع هذه الأمور كانوا إيجابيين على أن يستمر التعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد، وهذا طبقا لمبادئ الإسلام السامية.

إن الرابطة المسيحية في نيجيريا “كان” لطالما حاولت بشتى جهودها إحداث الفوضى بين أبناء المسلمين وتجنيد الإعلام لاستقطاب ضعاف القلوب من المسلمين عن طريق الإغراءات المادية وغيرها، بل هي التي سعت بجميع وسائلها لمنع الحجاب في المدارس الحكومية، ورفض اعتماد الشريعة للقانون الأسري في المناطق المسلمة، والاعتراض على ترخيص مزاولة العمل للبنك الإسلامي التنموي في نيجيريا… لكن في جميع محاولاتها تبوء بفشل ذريع أمام سلطة القضاء.

والصكوك السيادية التي أطلقتها الحكومة الفدرالية النيجيرية هي خير مثال، على أنها متاحة لجميع المواطنين دون التفرقة بين المسلمين وغيرهم، ومشاريع البنية التحتية التي تهدف الحكومة إلى ترميمها عن طريق الاكتتاب في هذه الصكوك تغطي سبعة طرق رئيسية، وهي ممتدة إلى المناطق ذات الغالبية المسيحية فأين إذن أجندة أسلمة نيجيريا ؟


[1]  انظر: https://www.dmo.gov.ng/fgn-bonds/sovereign-sukuk
[2]  انظر: جريدة ديلي بوست النيجيرية: http://dailypost.ng/2017/09/20/sukuk-bond-federal-government-planning-islamize-nigeria-back-door-can-insists/
[3]  المصدر السابق.
[4]  انظر: جريدة بريميوم الوطنية على الرابط: https://www.premiumtimesng.com/news/top-news/243881-sukuk-bond-nigerias-supreme-islamic-body-replies-can-accuses-islamophobia.html

(المصدر: إسلام أونلاين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى